الخميس، 27 نوفمبر 2025

تصنيفات ترامب وتطبيقاته: صاحب السيرك

تصنيفات ترامب وتطبيقاته: صاحب السيرك


يبدو دونالد ترامب في هذه اللحظة وكأنّه مالك السيرك الذي قرّر أن يكون، في الوقت نفسه، اللاعب الأوّل ومروّض مجموعة من الحيوانات المُستخدمة في تقديم العروض الباهرة، غير أنّ في الصورة، كذلك، ما يُثير العجب العجاب، إذ يكاد صاحب السيرك ولاعبه الوحيد ينتقل من اللعب بالأسود والقرود المُروّضة إلى محاولة ترويض الجمهور تفسه واستخدامه في العرض.

تجد في موضوع وضع جماعة الإخوان المسلمين على لائحة الكيانات الإرهابية، بحسب ما ذهب الأمر التنفيذي الصادر عن البيت الأبيض، شيئاً ممّا ينتمي إلى عالم السيرك، إذ يتحوّل الجمهور المُبتهج بتصنيفات ترامب وتطبيقاته من كونه المُشاهد للعروض إلى أداة من أدوات اللعب والإبهار، وكأنّ لاعباً ماهراً أجاد تحريكه وتوظيفه لتقديم فقرات شديدة الفكاهة. هذا الجمهور الذي أبدى سعادته وترحيبه وشماتته بعد مرسوم ترامب اعتبر أنّ الإدارة الأميركية اتخذت القرار السليم في التوقيت السليم من أجل السلام والوئام في المنطقة، 

لكن المُدهش أنّ الجمهور الذي كان يقرع طبول الحرب ضدّ هذه الإدارة الأميركية "المُتصهينة"، ويحشد من أجل حماية الزعيم المُلهم الذي هزم مُخطّط التهجير، هو نفسه الجمهور الذي كان يتهم جماعة الإخوان بأنّها صهيونية، تعمل لخدمة مُخطّطات ترامب ونتنياهو الصهيونيين، بل وصل الجنون إلى اعتبار رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني المرشد العام للجماعة العميلة للأميركان والصهاينة.

هذا التحوّل الهائل من اعتبار الإخوان جزءاً من المؤامرة الأميركية الصهيونية على مصر والعرب إلى اعتبار قرار الإدارة الأميركية الصهيونية تصنيفها إرهابية هدية ثمينة من حكيم البيت الأبيض من أجل سلام الكوكب وأمانه 

لن تجد له تفسيراً بمُقتضى المنطق والعقل، بل يمكن أن تبحث له عن وصف مناسب في عالم ترويض كائنات السيرك.

لا تحتاج المسألة لجهد كثير لإدراك أنّ قرار دونالد ترامب يأتي في سياق تشديد الحصار على حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس)، ومضاعفة الضغوط عليها لكي تسلّم سلاحها وتغادر غزّة وفلسطين كلّها، على اعتبار أنّ جذور الحركة تمتدّ إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت صهيونية ومرشدها نتنياهو، حتى عدّة أسابيع مضت، في نظر كائنات السيرك المُمتنة لقرار الرئيس الأميركي الآن.

الأمر التنفيذي الذي وجّهه ترامب إلى الخارجية الأميركية بدراسة تصنيف فروع جماعة الإخوان في مصر ولبنان والأردن إرهابية يستهدف بالأساس تيار الإسلام السياسي، المُقاوم منه والداعم للمقاومة، بما يدفع إلى إتمام مشروع تغيير وجه الشرق الأوسط الذي انطلق منذ العام 2013 ويقوم على استئصال الإسلام السياسي، بوصفه ضرورة لدمج الكيان الصهيوني، الذي تُهيمن عليه الصهيونية الدينية، في المنطقة. ولذلك ليست غريبة هذه الأفراح الإسرائيلية بخطوة ترامب، والتي جسّدتها تصريحات بنيامين نتنياهو الذي قال إنه يريد "تهنئة الرئيس ترامب على قراره حظر منظّمة الإخوان المسلمين وتصنيفها منظمةً إرهابيةً"، رابطًا القرار بما زعمه من "جهود إسرائيل لمكافحة الإرهاب". وعلى دربه، اعتبر السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون القرار مهمًاً "ليس فقط لإسرائيل، بل للدول العربية المجاورة التي عانت من إرهاب الإخوان عقوداً"، كما قال بالحرف الواحد. دانون هذا صوّتت له الدول العربية المُعادية للمقاومة وللربيع العربي معاً لرئاسة لجنة معنية بمواجهة الإرهاب في الأمم المتحدة.

القصة في مبتدأها وخبرها ليست حذف الإسلام السياسي وإضافة "اليهودية الصهيونية السياسية" فقط، بل قبل ذلك وبعده هي قطع خطوات أكبر وأبعد على طريق إلغاء المقاومة من قاموسنا واستئصالها من حياتنا، كي تنفتح أبواب الشرق الأوسط الإسرائيلي على مصاريعها فيدخل خدم وتجّار رقيق وباعة مُحترفون للهُويّة الحضارية وللتاريخ العربي والإسلامي، والجغرافيا أيضًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق