السمح بن مالك الخولاني: من إصلاح الأندلس إلى فتح نربونة
- السمح بن مالك الخولاني: إصلاحاته بالأندلس وفتوحاته في فرنسا
السمح بن مالك الخولاني، ثم الحَيّاوي، شخصية يمانية عربية إسلامية لها وزنها ودورها الحيوي والهام في فتوح الأندلس وجنوب فرنسا. وهذا المقال يسلّط الضوء على هذه الشخصية، وعلى إصلاحاتها بالأندلس، وعلى جهادها وفتوحاتها بجنوب فرنسا.
أوّل وال أندلسي يعبر ممرّات جبال البرت، وتطأ قدماه أراضي جنوبي فرنسا، وهو فاتح نربونة والشطر الأعظم من جنوبي فرنسا، وهو الذي ركّز راية الإسلام فوق أسوار مدن هذا الجزء الهام من فرنسا
شخصية السمح بن مالك
لقد كان السمح من أولئك الأعلام الذين امتازوا بتعدّد المواهب والمزايا؛ فهو الإداري القدير النزيه، والسياسي الألمعي النابه، والعامل الأمين المخلص، والوالي الناجح الكفء، والعالم الورع الثقة، التقي النقي، السمح السري، الجواد السخي، العاقل الفاضل، العابد الزاهد، الجريء في الحق، والقائد العسكري الفاتح، والمجاهد الغازي الصادق، والبطل الشجاع المغوار، الشهيد في سبيل الله.
وحسبك برجل ارتبط اسمه باسم عمر بن عبدالعزيز، الخليفة العادل، إذ كان السمح من المقرّبين منه، ومن المشاركين في مسيرته الإصلاحية العادلة. فقد كان عامِلَه على أخطر ولاية إسلامية آنذاك، وهي الأندلس، فقام بواجبه في إصلاح شؤونها خير قيام، وكان خيرَ وال لخير خليفة.
وهو أوّل وال أندلسي يعبر ممرّات جبال البرتات، وتطأ قدماه أراضي جنوبي فرنسا، وهو فاتح نربونة والشطر الأعظم من جنوبي فرنسا، وهو الذي ركّز راية الإسلام فوق أسوار مدن هذا الجزء الهام من فرنسا، وهو أوّل قائد مسلم يسقط شهيدا ويُضرّج دمه الزكي الطاهر ثرى هذه الأرض. وعلى خطاه سار بقيّة القادة الفاتحين في فرنسا. وصار اسمه واسم الغافقي هما الأبرز والأشهر في تاريخ العلاقات بين العالم الإسلامي وأوروبا النصرانية.
موطن خولان الأول هو صرواح بمأرب، ثم سكنت هذه القبيلة -بعد رحيل عدد منهم من اليمن- جبال السَّراة الممتدة جنوبا من لحج بجنوب اليمن، والمنتهية شمالا إلى الطائف، ثم تفرّقت بعد ذلك في كثير من الأقطار، قبل الإسلام وبعده
نَسَبُه العام والخاص
ينتسب السمح بن مالك الخولاني إلى خَوْلان، القبيلة اليمنية العريقة، وهذه النسبة متفق عليها. ويعود تاريخ وجود خولان إلى زمن موغل في القدم، فقد كانت "من القبائل الكبيرة القوية التي ذُكرت في عدد كبير من الكتابات العربية الجنوبية.. وهي من القبائل العربية الحيّة السعيدة الحظ؛ لأنها ما تزال معروفة، ولها مع ذلك تاريخ قديم قد نَصعَد به إلى الألف الأول قبل الميلاد".
وموطن خولان الأول هو صرواح بمأرب، ثم سكنت هذه القبيلة -بعد رحيل عدد منهم من اليمن- جبال السَّراة الممتدة جنوبا من لحج بجنوب اليمن، والمنتهية شمالا إلى الطائف، ثم تفرّقت بعد ذلك في كثير من الأقطار، قبل الإسلام وبعده. ومع هذا بقيت منها جماعة كبيرة في اليمن، وظلّت محافظة على مركزها ونفوذها القوي فيه.
ومن القبائل التي تناسلت من خولان والموجودة باليمن اليوم: خولان عامر في صعدة، وخولان الطِّيال (العالية) في مشارف صنعاء. أمّا نسبه الخاص فهو الحَيّاوي، وهو بطن من خولان كانت له شهرة ذائعة في الجاهلية والإسلام، وكان منه صحابة وتابعون وقادة بارزون، وعلماء ومحدّثون، وجند شجعان، وكان لهم دورهم في فتوح الشام، ومصر، والمغرب، والأندلس.
قام بمنح إقطاعات للداخلين الجدد إلى الأندلس من خُمس الخلافة تنفيذا لأمر عمر بن عبدالعزيز. ثم أعاد إنشاء قنطرة قرطبة القديمة المتهدّمة، الممتدة بين الضفتين الشمالية والجنوبية للوادي الكبير
ولايته على الأندلس وإصلاحاته
تولّى السمح ولاية الأندلس للخليفة عمر بن عبدالعزيز (99-101هـ)، ووصل إليها في رمضان سنة 100هـ. وبه تبدأ مرحلة أخرى متمّمة للفتح، وهي مرحلة تنظيم البلاد وإصلاح شؤونها الداخلية.
فقام بتنظيم الأندلس كولاية مستقلة خاضعة للخلافة، لا لوالي أفريقية كما كانت من قبل. وقام بتخميس إقليم قرطبة، فخرج من الخُمس أراض واسعة هي البطحاء المعروفة بالربض، الواقعة بقبلي قرطبة على الضفة الجنوبية للوادي الكبير. فأنشأ السمح في هذه البطحاء مقبرة للمسلمين، وخصّص قسما آخر منها كمُصَلّى.
كما قام بمنح إقطاعات للداخلين الجدد إلى الأندلس من خُمس الخلافة تنفيذا لأمر عمر بن عبدالعزيز. ثم أعاد إنشاء قنطرة قرطبة القديمة المتهدّمة، الممتدة بين الضفتين الشمالية والجنوبية للوادي الكبير.
ورمّم الثغرات في سور قرطبة، واستطاع أن يكمل جهود الفاتحين في توطيد سلطان الخلافة في الولايات الشمالية الجبلية، وأن يَصْبغ هذه الولاية البعيدة عن دمشق بصبغتها العربية الإسلامية، ويمنحها شخصيتها المستقلة.
وكانت إصلاحاته حجر الزاوية فيما عُرفت به الأندلس لاحقا من نظم إدارية وعمرانية واقتصادية.
زحف شمالا بغرب لغزو طولوشة (تولوز)، في وسط جنوب فرنسا على ضفة نهر الجارون، وشرع المسلمون في محاصرتها، فهال ذلك الدوق أودو، صاحب دوقية أكيتانيا، وكان أقوى أمراء الفرنج بجنوب فرنسا
فتوحاته في فرنسا ومعركة طولوشة
في رمضان سنة 102هـ، خرج السمح على رأس حملة عسكرية، واخترق جبال البرتات من المعبر الشرقي الواقع جهة برشلونة، فأفضى إلى مقاطعة سبتمانيا بجنوب فرنسا. وتمكن من فتح عاصمتها نربونة، تلك المدينة ذات الموقع الإستراتيجي على ساحل البحر المتوسط، القريب من الأندلس. فاتخذها قاعدة للمسلمين، ثم انطلق منها فافتتح بقية مدن المقاطعة.
ثم زحف شمالا بغرب لغزو طولوشة (تولوز)، في وسط جنوب فرنسا على ضفة نهر الجارون، وشرع المسلمون في محاصرتها، فهال ذلك الدوق أودو، صاحب دوقية أكيتانيا، وكان أقوى أمراء الفرنج بجنوب فرنسا. فجمع جيشا ضخما وسار على رأسه لردّ المسلمين.
ولمّا علم السمح بذلك، ارتدّ عن مهاجمة تولوز، وشرع في تعبئة جيشه لملاقاته، فالتقى الجمعان على ضفة نهر الجارون، ونشبت بينهما معركة هائلة، استشهد فيها السمح وكثير من المسلمين. فتصدّى للقيادة عبدالرحمن الغافقي، فجمع شتات الجيش، وقاد عملية انسحابه ببراعة إلى الأندلس.
وبالرغم من أن معركة طولوشة انتهت بهزيمة أليمة للمسلمين، إلا أنهم لم يفقدوا فتوحات السمح، وبخاصة نربونة.
الذي لا خلاف عليه أن هذا الرجل الماجد قد ختم حياته بالاستشهاد في سبيل الله، في العشر من ذي الحجة، وهي من أفضل أيام الله، وتحديدا في يوم عرفة، ذلك اليوم الأغر الذي هو أفضل الأيام العشر المباركة
تاريخ استشهاد السمح ودلالته
كانت معركة طولوشة (تولوز) التي استشهد فيها السمح في يوم عرفة من سنة 102هـ، وكان فتح نربونة آخر الفتوحات الإسلامية في الجناح الغربي للدولة الإسلامية.
والذي لا خلاف عليه أن هذا الرجل الماجد قد ختم حياته بالاستشهاد في سبيل الله، في العشر من ذي الحجة، وهي من أفضل أيام الله، وتحديدا في يوم عرفة، ذلك اليوم الأغر الذي هو أفضل الأيام العشر المباركة على الإطلاق؛ بل هو أفضل أيام الدهر عند الله، سبحانه وتعالى؛ لأنه يوم الحج الأكبر، وفيه يكون الوقوف والدعاء والتضرع والتوبة والابتهال والاستقالة، وصيامه يكفّر سنة، وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه.
وقد أخرج البخاري عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام العشر". قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".
وقال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾ [الأحزاب: 23].

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق