غزّة.. لا ضامن إلا الله!
بعد وقف إطلاق نار "نسبيّ"، يُقتل فيه عشرة مدنيين من أهل غزّة كلّ عدّة أيّام، دون بيان من وسيط، أو ضغط من ضامن، أو شجب من دولة، يعود الاحتلال لحرب "نسبية"، يقصف فيها في ساعتين فقط عدّة مبان، ويوقع 27 شهيدًا، و77 جريحا، ويخلّف مكلومين جددا، ثكالى، أيتامًا، أرامل، ومليوني خائف أن ينام الليل فلا يصبح، أو يمضي بالنهار فلا يعود. أما الضامنون، الذين التقطوا الصورة الجماعية، وعقدوا مؤتمرات الاحتفال بالنصر الدبلوماسي المظفّر، وكادوا يقرّرون يوم الاتفاق عطلةً رسميةً كلّ عام، من نشوة الإنجاز الوهمي، لم يشاهدهم أحد منذ ذلك اليوم. المهم أن الاتفاق وُقّع، بضغط جماعي على الطرف الفلسطيني المكلوم والمُنكّل به، وانتصار للطرف الإسرائيلي المجرم بتحرير جميع أسراه من مدينة أحرقها بالكامل من دون أن يعثر عليهم، ثم ما يأتي بعد ذلك ليس مهمًّا، مهما كان.
ذلك الدم الفلسطيني العظيم، كيف هان إلى هذه الدرجة في عيون الجميع عدا الفلسطيني نفسه؟ كيف تحوّلت سيول الدماء القانية إلى "تجاوزات شكلية" لا تدفع إلى تعطيل الاتفاق أو استدعاء المفاوضين أو الضغط بأيّ أوراق ضغط؟ كيف صار جُرح الإسرائيلي المُستعمِر يستدعي القلق بأن يؤثّر على أيّ مسار، فيما مذبحة الفلسطيني لا تعني شيئًا سوى استمرار الفلسطيني في تقديم كلّ فروض الطاعة للمفاوضين والوسطاء حتى لا يحدث الأسوأ؟ ابتزاز بمليوني رهينة تحتجزها إسرائيل وأميركا والغرب والحلفاء العرب، هذا وإلا سيرى الفلسطيني ما لا يُحمد عقباه.
كيف صار جُرح الإسرائيلي المُستعمِر يستدعي القلق بأن يؤثّر على أيّ مسار، فيما مذبحة الفلسطيني لا تعني لنا شيئًا؟
في الحقيقة لا يتحمّل الفلسطيني وحده دمه الجاري، ولا عدوه الجاثم فوق سطره بساطور ومجنزرة، وإنما هي "فريضة" عربية وإسلامية، لا يتفضّل فيها الجار إن فتح الحصار ولا يتباهى فيها الشقيق إن نجح بوقف الحرب، بل عار كبير إن لم يفعلوا ذلك بكلّ ما أوتوا من مال وسلاح ونفوذ، وتلك بديهيات ومن توضيح الواضحات. القصّة ليست في الوضع الحالي الذي يعرفه الجميع، بل في الثمن الذي سيدفعونه عاجلا أو آجلا لذلك الهوان؛ ولا أحتاج أن أقول كم هو أحمق من يظن أنّ الفيلم انتهى عند هذا المشهد، هؤلاء الذين لا يكملون الخطّ لآخره، لا يعلمون أنهم سيستيقظون على احتراقهم في المحطة الأخيرة.
وعليهِ، فلا ضامن لغزّة إلا الله، ولا يحقّ لآدميّ أن يذكر فضله عليها بوقف حرب أو جلب "سلام"، أو أن يخال نفسه "قوةً" مؤثّرة عالميًا على أيّ مستوى، ما دام غير قادر على أن يفرض احترامه على من ينظرون إليه شزرًا بعين الإهانة والاحتقار، يخدعونه، وهو يعلم أنهم يبيعون له الوهم ولحن القول، لكنه يستعرض عضلاته الخيالية أمام أهل غزّة وحدهم، فيظن بذلك أنه يساوي شيئًا على خريطة العالم، على الرغم من أنه بالفعل يساوي الكثير، لولا المهانة التي اختارها لنفسها، والمذلة التي استمرأها، والخدعة التي يحبّ أن تنطلي عليه بسهولة، فيكيلون له المديح على وقفه الحرب، بينما يُقتل خمسون شهيدًا في "وقف الحرب" بليلة واحدة!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق