الإسلام الديمقراطي المدني (الشركاء, المصادر, الاستراتيجيات)
تشيرلي بينراد
تقرير صادر عن مؤسسة راند
( ملخص التقرير الواقع في 88 صفحة )
مما لاشك فيه أن العالم الإسلامي يعيش حالة من الصراع الداخلي و الخارجي في سبيل مبادئه و قيمه ومكانته في العالم . الكل في هذا الصراع يتنافس للوصول للسلطة الدينية و السياسية .
ومن المسلّم به أن لهذا الصراع آثاره الخطيرة على العالم كله سواء كانت اجتماعية , اقتصادية , سياسية , و أمنية . لذلك فالغرب يحاول جاهدا أن يطوع نتائج هذا الصراع لصالحه .
و يبدو واضحا أن الولايات المتحدة والدول الصناعية والمجتمع الدولي يطمحون لأن يصبح العالم الإسلامي منسجما مع النظام الدولي .
كذلك يريدون من العالم الإسلامي أن يتحول إلى منظومة ديمقراطية لها نظام اقتصادي و سياسي مستقر ونظام اجتماعي تقدمي وأن يؤمن العالم الإسلامي بضرورة إتباع قواعد و نظم السلوك الدولي .
وكذلك فان الولايات المتحدة و العالم المتقدم يسعون لتجنب " صراع الحضارات " بين المسلمين والغرب لاسيما بين الأقليات المسلمة في الغرب و المجتمعات الغربية لما له من دور في تحفيز العمل العسكري في العالم الإسلامي الذي قد ينتج عنه عواقب خطيرة من عدم الاستقرار و انتشار الإرهاب .
و من اجل الوصول لهذه الأهداف فلابد من البحث في مكونات المجتمعات الإسلامية عن عناصر منسجمة مع السلام العالمي والمجتمع الدولي تكون داعمة للديمقراطية و الحداثة .
لكن تبقى هذه المهمة صعبة فليس من السهل تحديد العناصر المناسبة للتعاون في سبيل تحقيق أهداف المجتمع الدولي .
أن أزمة العالم الإسلامي الحالية تكمن في جانبين أولهما الفشل في تحقيق النمو و الازدهار و ثانيهما بعد العالم الإسلامي عن التيار العالمي , فطالما وصف العالم الإسلامي بالرجعية والضعف .
و كحلول لهذه المشاكل ظهرت القومية و فكرة الوحدة العربية و الاشتراكية العربية و الثورة الإسلامية , ولكن كلها انتهت بالفشل مما أدى إلى حالة من الإحباط و الغضب .
و في هذه الإثناء فقد تقهقر العالم الإسلامي بمسافة شاسعة عن التطور الذي تحقق في أجزاء كثيرة من العالم وكان هذا سبب في وضع غير مرضي للعالم الإسلامي و المجتمع الدولي على حد سواء .
وحتى هذه اللحظة مازال العالم الإسلامي منقسم على نفسه حول ما يجب عمله وما يجب أن يكون عليه المجتمع الإسلامي . فالعالم الإسلامي يضم أربعة عناصر لكل رؤيته و أهدافه , وهم :
* الأصوليون
يرفضون كل القيم الديمقراطية و الغربية و ينشدون إقامة دولة إسلامية شمولية تطبق الشريعة الإسلامية و القيم الإسلامية كما لا يمانعون من انتهاج الابتكار و التجديد و التقنية الحديثة لتحقيق أهدافهم .
• المحافظون
يريدون مجتمع محافظ و يتخوفون من الحداثة والابتكار و التغيير .
• الحداثيون
يطمعون إلى أن يكون العالم الإسلامي جزء من الحداثة العالمية كما و أنهم يريدون تحديث و إصلاح الإسلام ليواكب العصر .
• العلمانيون
يهدفون إلى فصل الدين عن الدولة على النسق الغربي وحصر الدين في أطار الأحوال الشخصية فقط .
ولكل فئة من هؤلاء رؤيتهم المختلفة فيما يتعلق بأهم قضايا العالم الإسلامي وهي الحريات السياسية و الفردية و التعليم و وضع المرأة و القضاء الجنائي و شرعية الإصلاح و التغيير و الموقف تجاه الغرب .
وباستعراض وجهات النظر لمختلف هذه الفئات يتضح ما يلي :
- الأصوليون ذوي توجهات عدائية نحو الغرب والولايات المتحدة تحديدا و يهدفون بدرجات مختلفة إلى الإضرار بالديمقراطية الحديثة و تدميرها . لذا فان دعمهم لا يمكن أن يكون خيارا و إنما تكتيك وقتي .
- المحافظون المتبنيين وجهات نظر معتدلة نوعا ما ينقسمون إلى مجموعات مختلفة بعضا منها على علاقة قوية بالأصوليين , كما أنهم لا يقبلون الديمقراطية الحديثة و لا ثقافة الحداثة وقيمها و في أحسن الأحوال يمكن أقامة سلام صعب معهم .
- يبقى هنا الحداثيون و العلمانيون الأقرب للغرب فيما يتعلق بقيمهم و سياستهم لكنهم الأضعف مكانا بين باقي الفئات ويفتقرون للدعم و الموارد الاقتصادية و البنى التحتية الفاعلة و القاعدة الجماهيرية . و بالنظر للعلمانيين يرى أنهم حلفاء غير مقبولين لتبنيهم إيديولوجية متحررة بعيدة عن أفكار العالم الإسلامي فيصعب عليهم التأثير في الجماهير الإسلامية المحافظة .
أن الإسلام السني يمتلك عناصر ديمقراطية يمكن استغلالها لمواجهة الإسلام الشمولي الذي يتبناه الأصوليون وهذا هو الدور الذي يجب أن يضطلع به الحداثيون لخلق الإسلام الديمقراطي , إلا أن تأثير هؤلاء مازال ضعيفا بسبب عدد من المعوقات و هو ما سيستعرضه التقرير .
و لتحقيق ما تصبو إليه الولايات المتحدة والغرب من إحداث تغيير ايجابي في العالم الإسلامي نحو الديمقراطية و الحداثة و التوافق مع النظام العالمي الحالي فانه لابد من التفكير مليا في أيا من التيارات و القوى في العالم الإسلامي يجب تقويتها ودعمها لتحقق هذه الأهداف .
كذلك يجب فهم حقيقة الأهداف و القيم لمختلف القوى المتحالف معها و نتائج دعمها .
وهذا يمكن الوصول إليه من خلال مسارات متعددة و أكثرها فاعلية ما يلي :
1- أولوية دعم الحداثيين
- نشر و توزيع كتبهم بأسعار مناسبة
- حملهم على تقديم كتابات تخاطب الشباب و عامة الناس
- إدراج أفكارهم ورؤاهم ضمن المناهج الدراسية
- إنشاء قاعدة جماهيرية مؤيده لهم .
- نشر أفكارهم حول أصول المعتقدات الإسلامية لعامة الجمهور لتنافس الرؤية الدينية للمحافظين و الأصوليين الذين يمتلكون مواقع الكترونية و دور نشر و مدارس و معاهد و العديد من الوسائل لنشر أفكارهم .
- تقديم العلمانية و الحداثة " كخيار ثقافي بديل " للشباب المسلم الساخط على أوضاعه .
- التركيز الإعلامي على تاريخ الشعوب المسلمة قبل الإسلام و إعطاءها مساحة كبيرة من المناهج الدراسية .- دعم مؤسسات المجتمع المدني المستقلة لتطوير الثقافة المدنية و إعطاء مساحة حرية للمواطن العادي للتعبير عن رأيه و الاطلاع بنفسه على مجريات العملية السياسية .
2- دعم المحافظين ضد الأصوليين
- أعطاء مساحة في الأعلام للمحافظين لانتقاد عنف الأصوليين و المتطرفين وتوسيع الهوة بين المحافظين و الأصوليين .
- منع أي تحالف بين المحافظين و الأصوليين
- تشجيع التعاون بين الحداثيين و المحافظين الأكثر قربا من الحداثيين في أفكارهم .
- تثقيف المحافظين ليكونوا قادرين على إدارة النقاشات مع الأصوليين المتفوقين بلاغيا مقارنة بالمحافظين الذين يمارسون "الإسلام السياسي الشعبي " . ففي مناطق من أسيا الوسطى يحتاج المحافظين لتثقيفهم بالإسلام لكي يقفوا على أرض صلبة
- دعم حضور الحداثيين في مؤسسات تابعة للمحافظين
- التفريق بين مختلف المذاهب المحافظة و دعم المذاهب الأقرب لرؤى الحداثيين كالمذهب الحنفي و نشر أفكار أتباع مثل هذه المذاهب إعلاميا لإضعاف هيمنة الأفكار الوهابية الرجعية . ويعزى هيمنة هذه الأفكار لدعم الوهابيين المالي للمدارس المتحفظة كالمذهب الحنبلي كما أن الكثير من المسلمين الرجعيين لا يؤمنون بالتفسير العصري للشريعة الإسلامية .
- تعزيز شعبية الصوفية وتجميل صورتها لتكون أكثر قبولا .
3- خلق جبهة معادية للأصوليين :
- مواجهة الرؤية الأصولية للإسلام واثبات عدم صحتها
- كشف صلاتهم بالجماعات و الأنشطة الخارجة عن القانون
- تركيز وسائل الأعلام على العواقب الخطيرة لأنشطة الأصوليين العنيفة .
- أظهار عدم قدرتهم على حكم البلاد و عجزهم عن تحقيق أي تقدم لأوطانهم و مجتمعاتهم و إقناع الشباب و الموالين لهم من المحافظين و الأقليات المسلمة في الغرب و كذلك المرأة بعواقب أنشطة الأصوليين والخطر الذي سيلحق بهم أن وصل الأصوليين للسلطة .
- منع إبداء أي شعور بالاحترام أو الإعجاب إزاء أعمال الإرهابيين البطولية ووصفها بالعبثية و الجبانة .
- تشجيع التحقيقات الصحفية التي تفضح فساد الأصوليين و الخلايا الإرهابية وترفع النقاب عن جرائمهم الأخلاقية .
- تعميق أسباب الفرقة بين الجماعات الأصولية .
4- دعم العلمانيين ضمن نطاق محدود :
- تأكيد المبدأ القائم لدى العلمانيين بعدائية الأصوليين و النظر إليهم كعدو مشترك للعلمانيين و الغرب و الحيلولة دون إقامة أي تحالفات مع القوى المناوئة للولايات المتحدة كالقوميين و اليساريين .
- تعزيز فكرة فصل الدين عن الدولة في الإسلام كمنهج غير مهدد للأيمان بل مساعد على تعميق الإيمان .
و أخيرا فان أي مسار يرتئيه صانع القرار الأمريكي لا بد من أن يضع في الاعتبار عدد من القضايا هي :
- عواقب هذه السياسات على القوى المنفذة لها في العالم الإسلامي وتجنيبهم أي خطر محتمل أو تشويه لسمعتهم .
- التفكير مليا في كلفة هذه السياسات والنتائج غير المتوقعة التي قد تحدث خلال وقت قصير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق