السبت، 9 فبراير 2013

رحل الراهب العالم

رحل الراهب العالم

جف أحد فروع النيل, ولم ننتبه.. شاخ الرجل العجوز وعلا صوتنا في المظاهرات ولم ننتبه, مات العالم المصري المسيحي رشدي سعيد, بعد أن عاش راهبًا يدرس النيل.. منابعه.. روافده ..فيوضاته وفيضاناته.. فروعه وترعه ومصارفه.. عفّر وجهه بتراب مصر.. بحث عن كنوزها.. فوجدها سمحة كالعصر الذي وُلد فيه.. ففي سنة عشرين من القرن الماضي, لم يكن التعصب قد نما.. كانت محبة مصر خالصة عندًا في الاحتلال..
لما سألوه عن رأيه في توابع ثورة يناير, وكان قد تعدى التسعين من عمره, أجاب بأن القضاء على الفساد, يستلزم مجتمعًا منتجًا.. لا مجتمعًا صاخبًا بالكلام.. قال إن  إنجلترا-  مثلًا-, لم تبن قضاءً ومصلحة جمارك وضرائب سليمة, إلا عندما كانت لديها صناعة، و لولا الصناعة, ما كان الغرب.
في الثمانينيات اعترض رشدي سعيد على مشروع مترو الأنفاق.. قال: إنكم تسهلون التدفق أكثر باتجاه عاصمة مكتظة, وتسهلون الكسل والبقاء في الوادي الضيق.. فبدلًا من كل تلك المليارات في المترو., خذوا مشروعي الذي أفنيت العمر في دراسته.. مشروع "وادي النيل".. لتعمير الصحراء الشاسعة في مصر وتحويلها إلى أراضٍ مستغلة، المشروع يعتمد على تعمير جزء من الصحراء, يرتبط بوادي النيل بشبكة محكمة من المواصلات والاتصالات. ويقترح إقامته في المنطقة الواقعة شمال الصحراء الغربية والتي يحدها البحر المتوسط من الشمال ومنخفض القطارة وواحة سيوة من الجنوب، بسبب اعتدال مناخها وانبساط تضاريسها وقربها من مناطق الطاقة – حقول الغاز الطبيعي – ومراكز العمران والبحر الذي يمكن استخدام مياهه في التبريد في كثير من الصناعات...
رأى رشدي سعيد أن أحد أهم أسباب تقدم الفراعنة, هو اكتشافهم لجيولجيا مصر.. آثارهم تدل على انتشارهم في كل بقعة من صحرائها الشاسعة..
 اعتبر الراحل أن طريقة استخدامنا للسواحل هي جريمة منظمة.. جريمة تحت اسم الترفيه أو شريط القرى الساحلية، التي كانت سببًا من أسباب ندرة المياه عن مئات الآلاف من الأفدنة في الدلتا.. بسبب البذخ السفيه في الماء.. والحدائق الخضراء التي ملأت القرى, ولم تُنبت حبة قمح.. في أراضٍ بُسطت لاحتضان سنابل القمح..
رحل عالم آخر وسط انشغالنا بمتابعة أحداث الاتحادية.. وسباقنا باتجاه الانتحار الجماعي.. فيا كل الناس.. اسمعوا  وعوا.. إما الإنتاج.. وإما.. وما أدراك ما "إما".. لا قدر الله تلك الـ"إما"...
twitter.com/mmowafi
mowafi@outlook.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق