الاثنين، 11 فبراير 2013

المخزون الغربي لثقافة الكراهية السوداء


المخزون الغربي لثقافة الكراهية السوداء

بقلم: د. محمد عمارة


إبان الحروب الصليبية‏ (489‏ ـ‏690‏ هـ ـ‏ 1096‏ ـ‏1291‏م‏)‏
ـ التي دارت قرنين من الزمان‏,‏ وكانت أول حرب عالمية أوروبية شاركت فيها أغلب الشعوب الأوروبية خلف الكنيسة الكاثوليكية‏ضد الإسلام والمسلمين ـ كانت الكنيسة في حاجة ملحة إلي استدامة شحن الجماهير ـ خاصة الدهماء والغوغاء ـ ضد الإسلام والمسلمين, وذلك بتنمية الكراهية للإسلام, والتخويف من المسلمين, كي تنخرط الجماهير في هذه الحرب التي مثلت أطول حروب التاريخ!.. وفي سبيل تحقيق هذه المقاصد:
> قام الراهب بطرس الناسك (1050 ـ1115م) بأكبر عملية لتهييج العامة والدهماء والغوغاء بالأكاذيب التي نشرها في خطبه ومواعظه عن الإسلام والمسلمين.
> وقام الشعر الشعبي في أوروبا الأمية ـ بدور كبير عن طريق الملاحم الشعبية, التي نظمها الشعراء الشعبيون ـ خاصة القساوسة منهم ـ التي صنعت للإسلام والمسلمين صورة شيطانية امتلأت بكل ألوان الخيال الحاقد والمريض.. كانت أوروبا تعيش تحت حكم الكنيسة ـ عصور الجهالات والظلمات..
ومن ثم كانت الملاحم الشعبية, التي تغني للعامة في الأسواق وفي الميادين, تلهب حماس العامة ضد الإسلام والمسلمين..
ومن هذه الملاحم ملحمة رولاند, التي نظمها شاعر الكنيسة القسيس كونراد.. التي وصف فيها المسلمين بأنهم الشعب الذي لا يروي تعطشه لسفك الدماء, والذي لعنه رب السماء.. فهم كفرة وكلاب وخنازير فجرة.. وهم عبدة الأصنام التي لا حول لها ولا قوة.. الذين لا يستحقون إلا أن يقتلوا وتطرح رممهم في الخلاء, فهم إلي جهنم بلا مراء, إنهم جميعا ـ دون استثناء ـ حزب الشيطان اللؤماء, خسروا الدنيا والآخرة, وحل عليهم غضب الله, فبطش بهم روحا وجسدا, وكتب عليهم الخلود في جهنم أبدا؟!..
وفي هذه الملحمة الشعبية, يخاطب القسيس كونراد الشعب المسلم, فيقول: إن محمدا قد أرسلني إليك لأطيح برأسك عن كتفيك, وأطرح للجوارح جثتك, وأمتشق برمحي هامتك, ولتعلم أن كل من يأبي أن تعمده الكنيسة ليس له إلا الموت شنقا, أو ضربا, أو حرقا!..
ولقد بلغت هذه الملحمة قمة الكذب والخيال المريض عندما صورت الإسلام ـ دين التوحيد الخالص والتنزيه الكامل للذات الإلهية ـ دينا وثنيا, يعبد أتباعه ثالوثا مكونا من: أبولين وتير فاجانت وجوميت( محمد)!!.
< ينبغي أن نؤكد هنا أن المسيحية من هذا براء, ولم تقف هذه الحملة لتزييف صورة الإسلام والمسلمين ـ صناعة الإسلاموفوبيا ـ عند الشعراء الشعبيين وملاحمهم الشعبية, وإنما شارك فيها قادة الفكر الأوروبي من اللاهتبين والشعراء الكبار والمؤرخين
ـ فالقديس توما الأكويني(1225 ـ1274 م) ـ وهو الفيلسوف الأكبر للكاثوليكية في العصور الأوروبية الوسطي يقول عن رسول الإسلام ـ صلي الله عليه وسلم ـ: إنه هو الذي أغوي الشعوب من خلال وعوده الشهوانية, وقام بتحريف جميع الأدلة الواردة في التوراة والأناجيل من خلال الأساطير والخرافات التي كان يتلوها علي أصحابه, ولم يؤمن برسالته إلا المتوحشون من البشر, الذين كانوا يعيشون في البادية!!.
< أما مارتن لوثر (1483 ـ1546 م) ـ رأس البروتستانتية ـ فلقد شارك ـ عامدا ـ في تزييف صورة الإسلام, لشحن القساوسة والعامة في الحرب ضد المسلمين الأتراك..
وفي ذلك قال ـ عن القرآن الكريم ـ: إنه كتاب بغيض وفظيع وملعون ومليء بالأكاذيب والخرافات والفظائع.. وإن إزعاج محمد والإضرار بالمسلمين يجب أن تكون المقاصد من وراء ترجمة القرآن وتعرف المسيحيين عليه.. وإن علي القساوسة أن يخطبوا أمام الشعب عن فظائع محمد, حتي يزداد المسيحيون عداوة له, وأيضا ليقوي إيمانهم بالمسيحية, ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم في الحرب ضد الأتراك المسلمين, وليضحوا بأموالهم وأنفسهم في هذه الحروب!!.
< أما الشاعر الإيطالي دانتي (1295 ـ1321 م) ـ صاحب الكوميديا الإلهية ـ فلقد صور الإسلام باعتباره هرطقة ضمن المسيحية!.. ووضع رسول الإسلام ـ صلي الله عليه وسلم ـ وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في الحفرة التاسعة, في ثامن حلقة من حلقات جهنم, وقد قطعت أجسامهم وشوهم أجسادهم في دار السعير, لأنهم ـ برأيه ـ من أهل الشجار والشقاق!!.
< نعم.. لقد صنع الخيال الأوروبي المريض هذه الصورة الشيطانية للإسلام والمسلمين, لتجييش الدهماء والغوغاء في الحروب الصليبية, التي أرادوا بها استعمار الشرق استعمارا شيطانيا, ولإيجاد أيديولوجية زائفة تضفي الشرعية علي هذه الحروب العدوانية, وعلي النهب الاقتصادي الذي أرادوه من ورائها.
< ولقد اعترف كثير من العلماء والمفكرين الأوروبيين بوقوع هذه الجريمة الفكرية التي أسست لمخزون ثقافة الكراهية السوداء في أوروبا.. والتي ظلت مستكنة لتبرز بين الحين والحين في منعطفات الصراعات الإمبريالية علي بلاد الإسلام..
فكتب المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون (1915 ـ2004 م) شهادته علي هذه الحقيقة, فقال: لقد صور الأوروبيون التحول الذي أحدثه ظهور الإسلام باعتباره انقساما حدث علي المسيحية في الشرق, عندما قام العرب, الذين عرفوا بالسلب والنهب, بتخريب الأراضي الواسعة وانتزاعها من قبضة المسيحية!..
ولقد حدث أن الكتاب اللاتين الذين أخذوا بين 1100 و1140م علي عاتقهم إشباع حاجة الإنسان العامي, أخذوا يوجهون اهتمامهم نحو حياة محمد, دون أي اعتبار للدقة, فأطلقوا العنان لجهل الخيال المنتصر, ليصوروا محمدا في صورة الساحر, الذي هدم الكنيسة في الشرق عن طريق السحر والخديعة, وضمن نجاحه بأن أباح الاتصالات الجنسية!.
< أما المستشرق الإيطالي جابرييلي (1904 ـ1997 م) فيزكي هذه الشهادة ويقول:
لقد كانت العصور الوسطي الغربية تنظر إلي ظهور الإسلام وانتشاره باعتباره تمزقا شيطانيا في صدر الكنيسة المسيحية, وانشقاقا مشئوما قام به شعب بربري!.
< أما المفكر الألماني هوبرت هيركومر فيقول: إن الأوروبيين ادعوا أن رسول الإسلام كان كاردينالا كاثوليكيا, تجاهلته الكنيسة في انتخابات البابا, فقام بتأسيس طائفة ملحدة في الشرق, انتقاما من الكنيسة, واعتبرته أوروبا المرتد الأكبر عن المسيحية, الذي يتحمل وزر انقسام نصف البشرية عن المسيحية!.
< هكذا تمت شيطنة صورة الإسلام, وتم التكوين لمخزون ثقافة الكراهية السوداء, التي اتخذتها الإمبريالية الغربية ـ ولا تزال ـ سلاحا في حربها ضد الإسلام والمسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق