الأربعاء، 27 فبراير 2013

ارفعوا أيديكم عن الجيش

ارفعوا أيديكم عن الجيش





انتقلنا من مرحلة استنفار الجيش وتحريضه إلى مرحلة الجهر باستدعائه. وبعدما ظلت الهتافات تردد في الفضاء المصري هتاف «يسقط.. يسقط حكم العسكر»، وجدنا أصواتا متزايدة ترفع الآن شعار «العسكر هم الحل».
 وفي حين كانت تلك الأصوات تصدر عن بعض الهواة المحدثين في عالم السياسة والصحافة. فإننا فوجئنا أخيرا ببعض السياسيين المحترمين يدخلون على الخط، الأمر الذي يدعونا إلى أخذ الكلام على محمل الجد، لأنني أزعم أن هذا الموضوع لا يحتمل الخفة أو الهزل.
 وأذهب في ذلك إلى أنه إذا كان هناك حديث نبوي يتحدث عن ثلاث هزلهن جد وجدهن جد (الزواج والطلاق والعتاق فإن ثمة أمورا في عالم السياسة ينطبق عليها ذات الكلام، منها الجيش والعسكر. ذلك ان المسؤولية الوطنية والمصلحة العليا للبلد تفرض على الجميع أن يتوخوا الحذر في الخوض في الموضوع، هازلين كانوا أم جادين.
أدري أن بعض الأصوات تثير المسألة في نقطة وسط بين الهزل والجد، هي نقطة الوقيعة والكيد. بمعنى ان أصحابها لا يهزلون كما انهم ليسوا جادين في الدعوة لاستدعاء الجيش وتسلمه السلطة، ولكنهم يريدون الوقيعة بينه وبين السلطة أو بينه وبين الإخوان.

وقد كان ذلك التصنيف في ذهني إلى أن قرأت ما نسب إلى القيادي الإخواني الذي نقل عنه قوله إن المجلس العسكري دبر حادث الهجوم على الضباط والجنود (الذين قتل منهم في رفح 16 شخصا خلال شهر رمضان الماضي)، لإحراج الرئيس محمد مرسي، وهي القصة التي نشرتها جريدة «الشروق» يوم الاثنين 25/2، وذكرت أنها حصلت على شريط «فيديو» لمحاضرة ألقاها القيادي المذكور، على إخوان كفر الدوار (محافظة البحيرة) في نهاية الشهر الماضي، وكانت تلك الإشارة ضمن ما قاله.
 وإذا كان ذلك صحيحا فإنه يضيف تصنيفا آخر يتمثل في الخطاب غير المسؤول، الذي لا هو هازل ولا هو جاد ولا هو ساع إلى الكيد والوقيعة. ولكنه مؤيد للسلطة وله موقعه داخل الإخوان، لكنه حين أراد أن يدافع عن الدكتور مرسي، فإنه قال هذا الكلام بحسن نية شديد، ولم ينتبه إلى أنه جرح الجيش وأساء إليه، بما يستحق التصويب فضلا عن الاعتذار عنه.
لي في مسألة المطالبة باستدعاء الجيش عدة ملاحظات هي:
- إنها دعوة ضد التاريخ وضد الديمقراطية. ذلك أن أي حكم رشيد يبدأ بإقصاء العسكر وإخراجهم من ملعب السياسة، تمهيدا لتولى الشعب المهمة من خلال مؤسساته الديمقراطية والدستورية. وللعلم فإن هذه المعركة لم تكسبها تركيا إلا بعد مضى 40 عاما من النضال السياسي.
- إن الجيش المصري ظل بمنأى عن الصراع السياسي طول الوقت. ولم يحدث أن تدخل لصالح طرف ضد طرف آخر. لأن ثقافته وعقيدته العسكرية جعلت منه جيشا وطنيا محترفا بمعنى أنه حارس للوطن بالدرجة الأولى، وربما كان ذلك واضحا في خطاب وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي الذي حذر فيه ذات مرة من انهيار الدولة التي هو حارس لها. وفي غير ذلك فإنه يظل بعيدا عن أي صراعات سياسية.
- إن تجربة المرحلة التي تولى فيها المجلس العسكرى السلطة في مصر لم تكن مشجعة، لأن إدارة البلد عرضت الجيش وقيادته لسهام كان في غنى عنها، ووضعت الشرطة العسكرية غير المدربة على التعامل مع الجماهير في المظاهرات في مواقف أساءت إليها وكانت بدورها في غنى عنها.
- إن الجيش المصري بعد الثورة يشهد تطورات كبيرة من شأنها استعادة شبابه ورفع قدراته المهنية والاحترافية. ولأن وزير الدفاع يولي هذه المهمة أولوية قصوى فإنه يبدأ عمله كل يوم في الخامسة والنصف صباحا، في حين أن رئيس الأركان لا يغادر مكتبه قبل الواحدة بعد منتصف الليل. وتبرز أهمية ذلك التوجه إذا لاحظنا أنه طوال سنوات حكم مبارك الثلاثين كان الاهتمام بالشرطة يحظى بالقسط الأكبر من الاهتمام لأنه ظل الحارس الحقيقي للنظام الذي اعتمد عليه في قمع المعارضين وتزوير الانتخابات وترتيب التوريث.
- إن الذين يدعون إلى تدخل الجيش لمجرد إسقاط ما يسمونه حكم الإخوان، لا يقحمونه فقط في الصراع السياسى ولا يقدمون لنا تصورا لما يمكن أن يحدث في اليوم التالي فقط ثم يسلموننا إلى مجهول لا يعرف إلا الله تداعياته، وانما الأخطر من ذلك والأسوأ أنهم يسعون إلى توريط الجيش في معركة فرعية وتكتيكية، مضحين في ذلك بالدور المحوري والاستراتيجي الذي ينهض به الآن مستهدفا به استعادة عافيته ورفع كفاءته ومهنيته.

كأنهم باتوا مستعدين لإسقاط حكم الإخوان بأى ثمن، حتى إذا كان ذلك على حساب الجيش ومستقبله. 
الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل عما إذا كانت تلك الدعوة لأجل الثورة أم لصالح خصومها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق