الثلاثاء، 12 فبراير 2013

أصابت امرأة وأخطأ البابا


في ألمانيا

أصابت امرأة وأخطأ البابا


انهيار الزيف أن الاسلام انتشر بحد السيف

أ.د.صلاح الدين سلطان
أستاذ الشريعة الإسلامية – كلية دار العلوم – جامعة القاهرة
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
عضو المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية ومجمع الفقه الإسلامي بالهند، والمجلس الأوروبي للافتاء والبحوث
الرئيس السابق للجامعة الإٍسلامية الأمريكية – ديترويت


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين فإن رسوخ هذا الدين ، وبعد حفظ الله له يستحيل معه أن تُغيِّر أصوله وثوابته أية قوة عالمية ، ولئن وقف بابا الفاتيكان بنديكت يوم 12/9/2006م في جامعة ريجينسبورج بولاية بافاريا الألمانية يهاجم الإسلام والمسلمين خاصة النبي eعندما أورد على لسان الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني ت ( 1402هـ ) لعلامة فارسي مسلم : أرني شيئاً جديداً أتى به محمد ، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني مثل أمره بنشر هذا الدين الذي كان يبشر به بحد السيف ... ، وأيضاً تدور محاضرته حول علاقة الإيمان بالعقل ليجعل المسيحية دين العقل واستعمال الكلمة ، والإسلام دين السيف والعنف فإن هذا كله كما قال الشاعر 


كناطح صخرة يوماً ليوهِنُها فلم يُضِرْها وأوهى قَرنه الوعل


ولم يكن البابا شجاعاً فيعترف بهذا الخطأ العلمي الكبير ، وإنما جاء اعتذاره في دهاء شديد حيث رمى المسلمين بكل مستوياتهم العلمية والسياسية أنهم لم يفهموا كلامه ، وأساءوا فهم عباراته ونقوله ، وهذا بحق كِبْرٌ كما قال سبحانه : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ)-غافر: من الآية56- لكني بكل صراحة أقول إن ما ساقه البابا وفهمه العالم كله على أنه إساءة للإسلام حتى في الواشنطن بوست ، هو جناية أكبر مما فعلها الصحفي الدنماركي المغمور في مجلة مدفونة في الرسوم المسيئة للرسول e ، والحق أن هذا التصريح إما أن يكون قد صدر عن جهل واضح أو تزييف فاضح وعلى كلتا الحالتين فالأمر كما قال الشاعر :

إن كنت تدري فتلك مصيبة إن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم


وعلى كلٍ فإن الذي يجب أن يعلمه البابا أنه إن كان يُسعِّر حرباً ، ويبدأ شوطاً في مواجهة المسلمين مثلما فعله جده البابا أوربان الثاني في 27/11/1095 في كليرمنت فرنسا بإشعال الحرب الصليبية بتبني أكاذيب عديدة أهمها أن المسلمين (الكفار الأوغاد ، الديدان ، .......) قد هدموا قبر المسيح ، وكانت كلها من الكذب الصراح الذي حرك جموع المقلدين لكي يخوضوا حرباً ضروسا قتلوا فيها الكثير فإن الله قيد للأمة بعد حين عماد الدين زنكي ، ونور الدين محمود ، وصلاح الدين الأيوبي وتوحدت مصر والشام وأمة الإسلام وانتصرت وقدمت واحدة من روائع التسامح الإسلامي مع الغزاة الصليبيين ، حتى دخل الكثير منهم الإسلام أمام هذا السمو الأخلاقي في مقابل الكذب والظلم والعدوان والافتراء وقتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء.

أرجو أن يفهم بابا الفاتيكان وقادة الدول الكبرى أنهم لم يعودوا يفرقوا بين القضايا التي تثير المسلمين والقضايا التي تثير الإسلاميين ، فالتبعية السياسية والاقتصادية وفلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان والصومال والسودان و ....... هذه تثير الإسلاميين المتدينين ، لكن الهجوم على القرآن أو الرسول e أو الثوابت الشرعية تستثير كلَّ المسلمين وقد رأيتم ماذا حدث في قضية الرسوم المسيئة للرسول e في الدنمارك كيف تحركت المظاهرات الحاشدة في جاكرتا وبنجلاديش ونيودلهي وأمريكا الجنوبية واللاتينية والصين واليابان فضلاً عن ديار الإسلام ، وقديماً سنة 1980 في المدينة الجامعية للطلاب في جامعة القاهرة أنقذت شاباً نصرانياً من القتل ادعى أنه أسلم وصار يشوه صورة النبيe وهمَّ الطلاب به ليقتلوه ، لكن قلت نحن نغضب غضباً راشداً لا نقتل ولا نحرق ولا ندمر بل نرد على الكلام بالحوار وسلمته للبوليس وفي الطريق قلت له : إن كان أحد من الكنيسة قد أرسلك فقل له انكم إن هاجمتم النبي e أمام مسلم يشرب زجاجة الخمر وهي على فمه ، فلن يكمل شربها بل سيكسر زجاجة الخمر على رأس من يتعرض للنبي e ، فما بال المتدينين .
على كلٍ نحن نحمد الله أن هناك الكثير من العلماء قد ردوا على البابا مثل فقيه الأمة وداعية العصر الشيخ القرضاوي ، والعالم الراسخ الدكتور محمد عمارة ، وآخرين ، لكني اخترت أن يكون في مواجهة البابا امرأة من بلدته – ألمانيا – إنها الدكتورة الباحثة زيجريد هونكه ومن بافاريا ، نفس المنطقة التي أعلن فيها البابا تطاوله الرديء على الإسلام والمسلمين إنها امرأة فولاذية حقاً في قوة الرد على جهالات البابوات والقساوسة ، بل السواد الأعظم من الغربيين إنها صاحبة أفضل كتابين هما :
1 . شمس الله تشرق على الغرب وهي أعظم موسوعة علمية تبين الأثر التاريخي الحضاري الذي أضافه الإسلام على الغرب حتى نهض من غفوته الطويلة ، وقد تُرجم الكتاب إلى لغات عديدة وطُبعت منه ملايين النسخ .

2 . "الله ليس كذلك " وقد ترجمه د. غريب محمد غريب ترجمة رائعة ونشرته مؤسسة بافريا للنشر والإعلام ـ ألمانيا الاتحادية ، وقد أهدانيه الأستاذ المفكر عبد الحليم خفاجي، عندما كنت في أحد المؤتمرات في ميونخ ـ ألمانيا .
وهذا الكتاب الذي وقع في 95 صفحة من القطع الطويل ، لكنه أقوى كتاب يرد على شبهات عديدة يثيرها الغرب دائماً على الإسلام والعرب والمسلمين وأهمها :
‌أ- ادعاء أن الإسلام انتشر بالحديد والنار والسيف البتار في الوقت الذي كان التسامح الإسلامي والتقدم الحضاري هما الإغراء الكبير لقبول الإسلام طواعية .
‌ب- ادعاء أن المسلمين أحرقوا التراث الإغريقي واليوناني في الوقت الذي لم توجد أمة نقبت وأخرجت ما تبقى من ذخائر حضارية قديمة أفلتت من العبث النصراني سوى الأمة الإسلامية .
وقد حرصت جهدي أن أختصر بعضاً من أدلتها وشواهدها الوفيرة على أن الغرب لديه صورة قاتمة عن العرب والإسلام والمسلمين ، ثم عرضت ماقدمته د. هونكه في قوة نادرة الأدلة التاريخية على عكس ذلك ، ثم قدمت أمثله لمدى المواجهة الكنسية للعلم والعلماء في مقابل حفاوة الحضارة الإسلامية بهما .
أردت بهذا العمل أولاً وجه الله U، ودفاعاً عن ديني الذي هو روحي وحبة قلبي، ولحمة جسدي ، وكل شيء في حياتي ، كما أردت أن أقول للبابا ومن على شاكلته إن في أمة الإسلام رجالاً يردون عن دينهم ، وفي ألمانيا وبافاريا نساء كريمات باحثات غير مسلمات مثل د. زيجريد هونكه ترد عليه وشهد شاهد من أهلها ...
والله ولي التوفيق

صلاح سلطان

المنامة ـ البحرين
29/9/1427ه



أولاً : الصورة القاتمة لدى الغرب عن العرب والإسلام والمسلمين :-
تستعرض د. هونكة الصورة القاتمة لدى الغرب عن الإسلام والمسلمين في الماضيتاريخياً، و في الواقع يومياً ، هذه بعض عباراتها عن هذه الصورة القاتمة :-

1. تقول ص (1) نقلاً عن المفكر الفرنسي رومان رولاند : " ليس ثمة شعب يسئ الغرب فهمه كالعرب والعروبة ... وقد أسهمت الآراء المسبقة في مسخها وتشويهها على الرغممن أننا نقف موقفاً سمحاً مبسطاً من شعوب أخرى ذات أديان وضعية ليست من ديننا " .

2 . تقول أيضاً ص (1) : " لقد أصر الغرب على دفن حقيقة العرب في مقبرة الأحكام التعسفية والافتراءات الجماعية دفنا " .

3 . تقول ص (2) : " لقد استقر في أذهان السواد الأعظم من الأوروبيين الازدراء الأحمق الظالم للعرب الذي يصمهم جهلاً وعدوانا بأنهم رعاة الماعز والأغنام الأجلاف ... وأن سطوة الإسلام الحربي تتحين الفرصة للانقضاض " .

4 . تقول ص (2) : " يراد أن ينقلب التصوير المشوه الممسوخ المقصود المتوارث منذ العصور الوسطى إلى حالة مرضية يرزخ الغربي تحت كابوسها الخانق " .

5 . تقول ص (3) :" لا ينجو من التجني على العرب والمسلمين بعض أعلام الغرب النابهين المشهورين في عصرنا الحديث ، حيث يرمون العقلية العربية بأنها عقيمة كل العقم ، مقلدون فحسب ، لا يملكون موهبة الإبداع والابتكار ، ودورهم مع الحضارات دور الإبادة أو الحرق البربري أي دور الببغاء أو ساعي البريد ".

6 . تقول ص (31) : " مقولة انتشار الإسلام بحد السيف مغالطة تُعد بلا شك من أقسى الأحكام الظالمة المسبقة الراسخة ضد الإسلام ... ولا يزال الغرب النصراني متمسكاً بالحكايات المختلقة الخرافية التي كانت الجدات تروينها " ...

7 . تقول ص (31) : " غدا هذا الشعار ( انتشار الإسلام بالنار وحد السيف البتار) كلمة سائرة على الرغم من كون ذلك كذب لا أساس له من الصحة التاريخية أو الحقيقة الواقعية " .

8 . تقول ص (38) : " يبلغ الافتئات مداه في أحد كتب التاريخ الألماني المدرسية في ملء مخيلة التلاميذ الصغار لذلك الخطر المزعوم ( الإسلام ) الذي على وشك العصف بأوروبا على أيدي الجحافل الهمجية ، سود البشرة ، واضعي سيوفهم قتلا ، واطئي بحوافربغالهم كل كائن حي يعترض طريقهم " .

9 . تقول ص (51) : " اعتاد الأوروبي أن يتخيل المرأة في الإسلام على أنها إحدى الزوجات الأربع القابعة خلف قضبان الحرملك في جو مختنق في حياة لا هم لها سوى الاشتغال باللا شيء والقيل والقال والغيرة من ضراتها ، لم يُخلقن إلا لإشباع رغبات الرجل وفقاً لمزاجه ، وهن كائنات بلا روح ، محرومات من كافة الحقوق ، ينتظرن في بيوت آبائهن كسلعة يشتريها القادر على الشراء " .

10 . تقول ص (65 ، 67) : في معرض ردها على أن العرب والمسلمين يعادون العلم والقراءة والكتب " هناك إلحاح غربي على إلصاق الأحكام السابقة الظالمة بالعرب والاستمتاع غيا بتزييف حقائق التاريخ متفنناً سخياً بتفاصيل لا أساس لها سوى الخيال ، حتى تدفن الحقائق إلى أبد الآبدين " ...

11 . تقول د.هونكه ص (87) : " إن هناك أمرين لدى الغرب هما الجهل الفاضح ، والغرور البدائي الفادح ، اللذين تعودت أغلبية الأوروبيين - الذين يحسبون أنفسهم مثقفين ، أن تنظر بهما إلى العرب من علياء ، باستهزاء وازدراء " ....



ثانياً : الصورة الحقيقة للعرب والإسلام والمسلمين نصاً وتاريخاً :-
تقدم الدكتورة هونكه في قوة علمية فذة ونادرة تدل على موضوعية في البحث رغم كونها غير مسلمة .. مع عمق علمي يندر أن يوجد مثله حتى بين المسلمين في قوة الرد على هذه الصورة القاتمة لدى السواد الأعظم من الغربيين شعوباً وقادة .

وسوف أقدم لكم مقتطفات من أقوالها مع اعتقادي أن ذلك لا يغني عن قراءة الكتاب الأصلي ، لكن أردت أن أفتح شهية كل منصف ليرى خلاصة أو لمحة مما في هذا الكتاب العلمي الأصيل .

1 . تقول د. هونكه ص (93) في خاتمة كتابها كله عبارة موجزة قوية عن الإسلام هي : " إن الإسلام هو ولاشك أعظم ديانة على ظهر الأرض سماحة وإنصافا ، نقولها بلا تحيز أو دون أن نسمح للأحكام الظالمة أن تلطخه بالسواد ، إذا ما نحينا المغالطات التاريخية الآثمة في حقه ، والجهل البحت به ، وإن علينا أن نتقبل هذا الشريك والصديق مع ضمان حقه في أن يكون كما هو" .

2 . تقول ص (27،28) " الإنسان في الإسلام ليس بوارث الخطيئة كما ألح على ذلك الإنجيل وأنه لن ينل غفران الله بواسطة أي إنسان إلا عيسى المخلص يسوع ، بل إن الإسلام ينص على أن الله غفر لآدم بعد أن تاب عليه ، فالإنسان خليفة الله في أرضه يعبد إلهاً واحداً " . وتضيف ص (31) : " الإنسان المسلم حرٌ واعٍ مسئول عما يأتيه من قول أو فعل ، فهو في واقع الأمر صانع قدره " .

3 . تحدد الكاتبة العريقة معنى الجهاد في الإسلام باختيارها تعريف الباحث الألماني المسلم أحمد شميده ص (31) "الجهاد هو كل سعي مبذول ، وكل اجتهاد مقبول أو كل تثبيت للإسلام في أنفسنا حتى نتمكن في هذه الحياة الدنيا من خوض الصراع اليومي المتجدد أبداً ضد القوى الأمَّارة بالسوء في أنفسنا أو في البيئة المحيطة بنا عالمياً ... الجهاد هو التأهب اليقظ الدائم للأمة الإسلامية بردع كافة القوى المعادية" .

4 . تنفى الكاتبة عن الإسلام ادعاء الغربيين أن الإسلام انتشر بالحديد والنار والسيف البتار فتقول ص (32) : " إن هذا كذب لا أساس له من الصحة التاريخية أو الحقيقة الواقعية حيث ورد في القرآن : )لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)(البقرة: من الآية256). وواقعياً كان في دولة الإسلام ولا يزال للنصراني أن يبقى نصرانياً ولليهودي أن يظل يهودياً ، ولم يمنعهم أحدٌ أن يؤدوا شعائر دينهم ، وما كان الإسلام يبيح لأحد أن يفعل ذلك "، .. وتؤكد ص (32) وفقاً لحقائق التاريخ على أن " أتباع الملل الأخرى من اليهود والنصارى وغيرهم هم الذين سعوا سعياً لاعتناق الإسلام، والأخذ بحضارة الفاتحين ، ولقد ألحوا على ذلك شغفاً وافتنانا أكثر مما أحب العرب أنفسهم ، فاتخذوا أسماء عربية وثياباً عربية وعادات وتقاليد عربية ، لقد كانت الروعة الكامنة في أسلوب الحياة العربية ، والتمدن العربي والسمو والمروءة والجمال ، وباختصار : السحر الأصيل الذي تتميز به الحضارة العربية بغض النظر عن الكرم العربي والتسامح وسماحة النفس ـ كانت هذه كلها قوة جذب لا تقاوم" .

5 . تستدل الكاتبة الناقدة على أن سماحة وحضارة الإسلام كانتا هما قوة الجذب الكبرى للأوروبيين شيباً وشبابا باستغاثة أحد الآباء الروحيين النصارى وهو أسقف قرطبة "ألقارو " حيث قال : ص (33) إن كثيرين من أبناء ديني يقرأون أساطير العرب ، ويتدارسون كتابات المسلمين ليس ليدحضوها وإنما ليتقنوا اللُّغة العربية ويحسنوا التوسل بها حسب التعبير القويم والذوق السليم ، وأين نقع اليوم على النصراني الذي يقرأ التفاسير للإنجيل ؟ بل من ذا الذي يقرأ ويدرس حتى الأناجيل الأربعة ؟ ... وا حسرتاه إن الشباب النصراني جميعهم اليوم الذين لمعوا وبذوا أقرانهم بمواهبهم لايعرفون سوى لغة العرب ، إنهم ينفقون المبالغ الطائلة في اقتناء الكتب العربية وإنشاء مكتبات ضخمة خاصة بهم ويذيعون جهراً في كل مكان أن الأدب العربي جدير بالإكبار والإعجاب ... وا مصيبتاه إن النصارى قد نسوا حتى لغتهم الأم ، فلا تكاد تجد اليوم واحداً في الألف يستطيع أن يدبج رسالة بسيطة باللاتينية السليمة ، بينما على العكس لا تستطيع إحصاء عدد من يحسن منهم العربية تعبيراً وكتابة وتحبيراً ، بل منهم من يقرضون الشعر بالعربية ، حتى لقد حذقوه وبذوا في ذلك العرب أنفسهم .
وتتساءل د. هونكه - ونحن معها- هل يمكن للسيف البتار أن يضطر المكره أن يفتن بلغة وأدب وحضارة العرب والمسلمين أم هو الجوهر الأصيل لهذا الدين العظيم؟ .

6 . تورد الكاتبة د. هونكه ص (33) شهادة أخرى للفارس الفرنسي " فولشير الشارتي " حيث يقول : إن سحر أسلوب المعيشة العربي قد اجتذب إلى فلكه الصليبين إبان وقت قصير ، وها نحن الذين كنا أبناء الغرب قد صرنا شرقيين !
ويقول : " أفبعد كل هذا ننقلب إلى الغرب الكئيب؟! بعدما أفاء الله علينا وبدل الغرب إلى الشرق" . وهكذا حوَّل الإسلام الغزاة إلى أتباع وحواريين .

7 . تورد د. هونكه ص "( 25 ) : شهادة أخرى لعالم فلسفة اللاهوت " أوليفروس " الألماني عما حدث من تسامح إسلامي عربي أصيل معهم من القائد صلاح الدين والسلطان الكامل بعد أن انتصروا على الصليبين الغزاة فيقول : منذ تقادم العهود لن يسمع المرء بمثل هذا الترفق والجود ، خاصة إزاء أسرى العدو اللدود ... ومن ذا الذي يشك لحظة في أن مثل هذا الجود والرحمة من عند الله ... إن الرجال الذين قتلنا آباءهم وأبناءهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم وأذقناهم مر العذاب ، لما غدونا أسراهم ، وكدنا نموت جوعاً راحوا يؤثروننا على أنفسهم على ما بهم من خصاصة وأسدوا إلينا كل ما استطاعوا من إحسان ، بينما نحن تحت رحمتهم لا حول لنا ولا سلطان .

8 . تؤكد الكاتبة د. تغريد هونكه ص (35) من الوقائع التاريخية في أسبانيا ما يؤكد زيف دعاوى العنف والإكراه في الإسلام فتقول : الشيء الذي تأبى على فهم الكنيسة فاستحال عليها قبوله ، وأقض مضاجعها ، فهو دخول شعوب الأقطار المفتوحة في الإسلام أفواجاً بمحض إرادتها دون مساعي إرساليات التبشير ، ودون الإكراه في الدين .
أجل إن السماحة العربية ، والروح العربي ، وأسلوب الحياة العربي قد استحوذ على نصارى إسبانيا ، وليس كما يزعم المبطلون زوراً عظيماً ، وبهتاناً عنيداً أثيماً بأنهم أرغموا على الإسلام خشية السيف البتار ، والحريق بالنار ، إن ما تحلى به العرب والذي يعد خصيصة فارقة مميزة للعرق العربي الموصى بالسماحة التي ينص عليها الإسلام كانت وراء دخول نصارى إسبانيا إلى الإسلام .

9 . تعود د. هونكه فتؤكد على سمو ورقي حضارة الإسلام وسماحته التي أغرت أوروبا بالإسلام فنضرب المثل ثانية بإسبانيا تحت عنوان : البرهان العكسي : إسبانيا العربية فتقول ص (42 ، 43) : ولا مراء أن تاريخ الغرب نفسه يثبت البراهين العكسية الدافعة التي تدحض وتفند التشويهات التي ألصقت بالإسلام زوراً وبهتانا ، والتي تحفل بها كتب التاريخ بأنه يشكل خطراً يهدد البشرية والحضارة الإنسانية وحسبك مثال واحد فريد نوعه لتفنيد تلك التخرصات ، ولك أن تقول الوجه المشرق لتلك الميدالية الحالكة السواد ، والذي أشرق على البشرية حقبة مباركة لم تكن بالقصيرة ، وإنما قرابة ثمانية قرون ، نعني إسبانيا .... لقد كانت إسبانيا تتسم بالفقر والخراب والاستعباد ، ثم استحالت بعد الحكم الإسلامي العربي إلى إسبانيا أخرى رفرف الرخاء والثراء على كل ساكنيها وازدهرت بالحضارة والتمدن ، وتقدمت في كل العلوم والفنون ، وصار لها السبق والريادة في أوروبا ... وجذبت ص (46) جامعات إسبانيا العربية صفوة الباحثين البارزين في العلوم والفنون والمعارف والآداب ، وتشير ص (45) إلى أن إسبانيا صارت الجنة الفريدة الجمال في الخضرة والمعارف والحدائق والآبار والتجارة والمكتبات .

10 . كما تؤكد د. هونكه ص (43) : أن أوروبا الكاثوليكية كانت تقضي قضاء مبرماً على أي دين آخر يجرؤ على الظهور إلى جانب دينها الكاثوليكي بصفته الدين الأوحد للخلاص ودأبت الكنيسة على اضطهاد شديد لليهود وتحميلهم وزر موت المسيح وأذاقتهم أشد ألوان العذاب ، لكن الإسلام لما دخل إسبانيا وأوروبا وسِع الجميع ، ولم يستأصل ديناً آخر وتعامل بكل سماحة مع الجميع طوال ثمانية قرون .

ثالثاُ: مقارنات حاسمة بين المخازي النصرانية والمكارم الإسلامية :-
لم تكتف الباحثة الدقيقة د. تغريد هونكه بأن أوردت الصورة القاتمة للإسلام والعرب والمسلمين لدى الغرب ، وبيان الصورة الحقيقية الصحيحة من النصوص الشرعية أو الحقائق التاريخية الواقعية بل إنها ذهبت إلى مدى أبعد ، إلى عقد مقارنات حاسمة بين المخازي النصرانية ومقابلها المكارم الإسلامية بحقائق موضوعية وتاريخية لا تقبل جدلاً ، ولا تدعو إلا إلى الإذعان بعلو وسمو ورقي الإسلام على جميع الأديان .
من هذه المقارنات الحاسمة ما يلي :
 المكارم الإسلامية                                                

الإنسان بريء من خطيئة غيره ، وتاب الله على آدم، وهو حر قادر على صناعة حياته ص (28 ، 31) .


المرأة في القرآن مثل الرجل ، ولم تكن أبداً سبب الخطيئة الأصلية ، بل النص القرآني على أن الخطأ من آدم وأن الله تاب عليه ، وطاعة المرأة لزوجها جزء من الإعجاب والتقدير. ص (53) .


عندما انتصر المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي تعاملوا مع هؤلاء الغزاة بغاية العدل والفضل والإحسان ، وآثروهم بالطعام القليل بين أيديهم فكان يرسل للأسرى أكثر من 30 ألف
رغيف مع مواد غذائية وأعطاهم الأمان ص (25 ، 26) متأسياً في ذلك بعمر بن الخطاب الذي عقد عهد الأمان مع البطريرك البيزنطي المقوقس في الإسكندرية وهو عهد ـ كما تقول هنا د. هونكه : تتضاءل إلى جانب عظمته وحكمته وسماحته كل عهود الأمان واتفاقيات السلام قبله وبعده و تتوارى في ظله خجلاً ، ونص فيه :
" يسري هذا العهد على جميع الرعايا النصارى وقساوستهم ورهبانهم وراهباتهم، ويعطيهم الأمان لأنفسهم حيث كانوا ، ولكنائسهم وأماكن حجهم ، والسماح لهم بزيارتها " ...


لما سفك فرسان الحملة الصليبية دم إخوانهم من النصارى في بيزنطة صرخ نيكتاس أكوميناتوس قائلاً : إن محاربي المسلمين الأعداء أنفسهم رحماء طيبون قياسا إلى أولئك القوم الذين يحملون صليب المسيح على أكتافهم.

نصوص القرآن والسنة توصي بأهل الذمة خيراً مما جعل الخليفة هارون الرشيد مع انتصاره يعهد إلى القيصر الألماني كارل أن يبسط حمايته الشرفية لكنيسة القيامة ، وسلم بطريركها الأكبر مفاتيح البقاع المقدسة مما خلق جواً رائعاً تسوده السماحة . ص (11) .




تقول د. هونكه عن احتفاء العرب بالعلم والعلماء ص (71) : لا الروم ولا البيزنطيون ولا فرق النصارى هم الذين سعوا إلى إنقاذ حضارة إغريقية كان بعضها قد أبيد على أيدي متحمسي النصارى النشيطين في مهاجمة العلوم ، وأمسى بعضها فريسة الإهمال ، موشكاً على الاندثار للأبد لكن العرب هم الذين نقبوا عن تلك الكنوز وبحثوا عنها واستخرجوها من بطون الأقبية المنهارة ... ثم تقول ص (73) لقد أضاف العرب إلى الحضارات إضافات جوهرية مثل المنهج التجريبي القائم على الرصد والملاحظة دون كلل ولا ملل ، والقياس والمعادلات والحلول الرياضية ، والترقي في صبر وكبد من الخاص إلى العام ، وقد غدا العربي عالم الطبيعة بلا منازع، ومخترع علم الطبيعة التجريبي .

تقول ص ( 75 ) : إن إنجازات علماء العرب من أطباء وكيميائيين ورياضيين وفلكيين و مخترعاتهم الفنية التي وصلت إلى أوروبا حيث كانت الكنيسة تحكم قبضتها عليها ليزداد تخلفها من سيئ إلى أسوء ، لكن حضارة العرب هطلت على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها قروناً وخصبها من نواح متعددة ، ودفعها دفعاً إلى البحث العلمي .

  المخازي النصرانية
تلح الأناجيل على أن الإنسان وارث الخطيئة الأصلية ولا مخلص له إلا بواسطة عيسى المخلص يوسع ص (28 ، 27) .


المرأة في الأناجيل وتقاليد بولص الرسول والقديس توماس ومارتن لوثر الأصل في الخطيئة وهي التي أغوت آدم ووسوست له ، فهي مصدر شقاء البشرية ، وطاعة المرأة لزوجها نوع من العقاب والتكدير. ص (52) .

بدأ البابا أوربان الثاني في 27/11/1095م في كليرمونت ـ فرنسا حملة في كل أوروبا لدفع الأغنياء والفقراء إلى ما سماها الحرب المقدسة ضد الكفار ( المسلمين ) الذين هدموا قبر
المسيح (وهو كذب صراح) وحمَّس الجنود بأنهم أبناء الرب، وهو رسوله يأمرهم بقتل غير النصارى ، ورمى المسلمين بأنهم أعداء الرب ، عبدة الشياطين ، الجهلة ، البربر وأمرهم أن يصوموا شهراً قبل الحملة ، فجاءوا إلى الشام فذبحوا وقتلوا آلافاً من الرجال والنساء والولدان ، ودمروا كل شي ونهبوا كل ما طالته أيديهم حتى ينقل عن المؤرخ الأوروبي ميتشائيل مدسيرر رسالة بطريطرك النصارى إلى البابا وقادته في أوروبا : يفرح الأبرار عندما يرون عقاب الأشرار ويغسلون أقدامهم بدمهم..... ص (7 ـ 12) .


أقسم ريتشارد قلب الأسد ( الملك الإنجليزي ) بشرفه لثلاثة آلاف أسير عربي أن حياتهم آمنه ثم انقلب عليهم وذبحهم جميعاً ص (26) .




كان البابا أوربان الثاني مع قساوسته يحركون مشاعر الجنود الصليبين ٍ لقتل كل مسلم بقولهم : أي خزى يجلنا وأي عار لو أن هذا الجنس من الكفار الذي لا يليق به إلا كل احتقار والعاري عن كرامة الإنسان والذي جعل نفسه عبداً للشيطان قد قُدِّر له الانتصار على شعب الله المختار؟ ص (14) .


لا يدري أحدُ كم من النساء أحرقتهم الكنيسة
بدعوى أنهن ساحرات ، ولا يُعرف عدد العلماء والدارسون الذين نبهوا إلى ما في الإنجيل من تناقض فقُتلوا أو أحرقوا تقول ص (42) ، وكذلك زج بالعالم الفذ روجر بيكون (1294) في السجن 15 عاماً حتى مات به بسبب ابتكاراته، كما تم مع العالم الألماني فيليبو سنة 1600 الذي قبض عليه في البندقية وسيق إلى روما وبعد محاكمته أحرقته محكمة التفتيش الكنسية علناً في ميدان عام في روما لأنه انتقد تعاليم الكنيسة ودعا إلى استعمال العقل والتجربة ، وقد تم هذا مع آخرين كُثُر من العلماء والمفكرين والمبتكرين بحجة أن الأناجيل حوت كل الحقيقة ، فلا نحتاج إلى غيرها.
ص (76 ، 78)


تحت عنوان : النحل والانتحال : السطو على إنجازات الفكر العربي وانتحالها ص (80) ذكرت د. هونكه أن الغرب تفنن في سرقة الإنجازات العلمية العربية ونسبتها إلى نفسه مثل البوصلة التي اخترعها جابر بن حيان لكنها نسبت زوراً إلى قلافيمو جويا الإيطالي ، واخترع العرب البارود واستعملوه كثيراً لكن وقع القوم على اختيار الراهب برتوهولد شقارتز من الرهبان الفرنسسكان ليزعم أنه بعد اعتكافه في الكنيسة قد اخترع البارود في صومعته ، كما اخترع الطبيب العربي المسلم أبو القاسم الزهراوي سنة 1013 عملية إيقاف نزف الأوعية الدموية وادعوا أن مكتشفها هو الأسباني ميكائيل سرفت (1553) والإنجليزي وليام هارفي (1616) وكلاهما تزييف منتحل ..ص (83 ، 84) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق