مضطرون لمحاربة الأقزام لأنهم يعملون عند الشيطان الأكبر الحلف الصهيونى الأمريكى يستهدف تحويل مصر إلى دولة فاشلة | حزب العمل المصري
الكاتب: مجدى أحمد حسين
لاحظ القراء مؤخرا أن جريدة الشعب عادت إلى سالف عهدها فى محاربة الفساد بلا هوادة حتى بدأ المفسدون ورموز الثورة المضادة فى تحريك القضايا ضدنا فى المحاكم، وهذا لا يهمنا فى قليل أو كثير لأن استمرار أحوال البلاد دون حسم أمرّ وأضلّ من العودة إلى السجون، فعودة الأحرار إلى السجون ربما تكون ناقوس الخطر على أن الأحوال لم تنعدل فى البلاد بعد. وفى حين يبدو أننا بعد أن كنا نحارب الطاغية الأكبر (المخلوع) أصبحنا نحارب مذيعا ومذيعة ورئيس حزب لا قيمة له وغير ذلك من الأقزام. والواقع إننا نحارب ما تناثر من نظام المخلوع فى أماكن متفرقة. لقد كانت ثورة 25 يناير بمنزلة بلطة هوت على رأس النظام وعموده الفقرى، فتناثرت أجزاء وقطع من النظام هنا وهناك وتمترس بعضها داخل جهاز الدولة ذاته، وظلت بينها خطوط اتصال وتنسيق أفقية لا علاقة لها بمسار القرارات الطبيعى فى الدولة.
وكنا فى السابق نتجاهل المواجهة مع النخبة الفاسدة عن عمد حتى لا ندخل فى معركة جانبية، وكنا نرى ضرورة تركيز كل الجهود والأنظار نحو الصنم الأكبر (المخلوع). أما الآن فقد أصبحت مطاردة الفلول هى واجب الوقت. ولا نقصد بالفلول مجرد كبار العاملين السابقين مع المخلوع، فهؤلاء أمرهم معروف، والقضاء عليهم أكثر سهولة، وقد احترق معظمهم بالفعل (وإن كان يتم الإفراج عنهم تباعا!!!). ولكن نعنى بالفلول هنا الذين يدّعون أنهم كانوا معارضة فى عهد مبارك بينما كانوا يبيتون كل ليلة فى فراش الأجهزة الأمنية، أو يعارضون لحساب أمريكا والغرب. وأضيف إليهم من تركوا الثورية القومية واليسارية وتخصصوا فى محاربة الإسلام والتيار الإسلامى إلى حد التحالف مع رموز النظام السابق!! وإن كنا لا نزال نطالبهم بالتراجع عن هذا الموقف الانتحارى لأنفسهم وفكرهم ولا نوجه حملاتنا إليهم.
ومع ذلك فإننا لا نحارب الأقزام فى واقع الأمر بل نحارب الشيطان الأكبر الذى يعمل عنده هؤلاء الأقزام. الطاغوت الأصلى الذى خرب مصر: الحلف الصهيونى الأمريكى. أما المخلوع فقد كان الأداة المنفذة، وبتْر هذه الحقيقة الأصلية الكبرى هو الذى حول البرامج السياسية والإعلام الصاخب للنخبة يدور خارج المسرح الواقعى للأحداث، ويؤدى إلى إرباك مقصود أو غير مقصود للمواطن، بحيث تصيبه الحيرة. والإعلام الإسلامى شريك فى ذات المشكلة، فرغم كل هذا التراشق الكثيف بين التيارين العلمانى والإسلامى إلا أنه نادرا ما يتناول مسألة التبعية للحلف الصهيونى الأمريكى باعتباره الحقيقة الأولى فى وصف سبب الانهيار العظيم فى عهد المخلوع. ونادرا ما يتناول هذا الجدال استمرار هذه التبعية بعد الثورة. وأحيانا يلمز كل طرف الآخر بأنه يستقوى بالخارج أو يكشف معلومة عن علاقته بأمريكا أو إسرائيل ولكن لا يطرح ذلك فى إطار دعوة لتحقيق الاستقلال المصرى الحقيقى. ولا يعنينا هنا مخاطبة الأقزام أو وعظهم لأنهم اختاروا التحالف مع الشيطان مع سبق الإصرار والترصد. وما يهمنا هنا هو موقف الإخوان المسلمين باعتبارهم الفئة الإسلامية الحاكمة، وموقف التيار الإسلامى عموما الذى يتجاهل هذه القضية فيما عدا الشيخ حازم أبو إسماعيل وحركته. وأيضا لفت انتباهى أن المتحدث باسم حزب الوطن الجديد أكد فى مؤتمر تأسيس الحزب أن مواجهة التبعية للقوى الأجنبية أول وأهم مبادئ الحزب. ونوجه خطابنا أساسا لعموم مواطنى الشعب الذين اكتووا بنيران الحكم البائد. إن تعذيب وإفقار الشعب المصرى وإصابته بالأمراض وحجز مصر عن التقدم العلمى والحضارى كان هدف الحلف الصهيونى الأمريكى وقام المخلوع بتنفيذ المخطط بامتياز. وهذا هو السبب الرئيسى لإغلاق جريدة الشعب عام 2000. فقد كانت هى المنبر الوحيد الذى يربط بين الفساد الداخلى والهيمنة الخارجية. ولذلك عندما جاءوا بصحف مستقلة لتسد ثغرة غياب الشعب بعد السقوط الكامل للصحف الحزبية، كانت هذه الصحف المستقلة ثم المحطات الفضائية المستقلة تركز على الأحداث الداخلية دون ربطها بالبعد الأمريكى الصهيونى. وهذه البذرة وضعت فى عهد المخلوع وهى التى تفرعت وترعرعت بعد الثورة بكل هذا الكم من الصحف والفضائيات. وفى هذه الوسائل الإعلامية نادرا ما تجد خبرا عربيا أو إسلاميا أو عالميا، فالمطلوب هو إصابة المواطن بضيق الأفق وقصر النظر. فالمطلوب هو الانشغال بأن فلانا صرح بكذا ولابد من 4 ساعات للرد عليه، فحتى تناول الأوضاع الداخلية لا بد أن يتم بصورة تجزيئية وسطحية لإصابة المواطن بالدوار واليأس والإحباط.
ثقافة الهزيمة:
فى أثناء أحداث الثورة وبغض النظر عن الكلمات التى كانت تلقى فى المنصات فقد كان المعتصمون فى التحرير، يتحدثون معى كثيرا عن حملاتنا ضد يوسف والى وعن مؤتمراتنا فى الأزهر وعمرو بن العاص وعن زيارتى لغزة، كان كل معتصم فى التحرير يدرك الأبعاد الخيانية للمخلوع، ولكن النخبة السياسية لم تعكس ذلك بنفس القوة على المنصات أو فى البيانات أثناء الثورة أو بعدها أو فى المواقف السياسية.
بل تواصلت ثقافة الهزيمة التى أرضعها الإعلام للشعب على مدار 30 عاما. فما تزال النخبة الإسلامية وغير الإسلامية تكثر من الحديث عن ضرورة تجنب الحديث فى الموضوع الإسرائيلى أو الأمريكى، والقول بأن هذا ليس وقته، وهذا ما كان يقوله المخلوع، فهو لم يقل أبدا إنه عميل أمريكى بل قال: إحنا مش قد أمريكا وإسرائيل وليس من مصلحتنا الآن استفزازهما. ورغم أن ممثلى المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية يميلون إلى انتقاد أمريكا وإسرائيل طول الوقت، إلا أنهم ينهون حديثهم عادة بالقول بأن الظروف الحالية لا تسمح بالتصعيد. بدأ هذا الكلام منذ 33 سنة ومرشح للاستمرار 30 سنة أخرى !! فى حين أن واقع الحال أن المرء لايختار أعداءه بحرية تامة، فالأعداء يفرضون أنفسهم عليه وفقا لمصالحهم وفى أى توقيت يرونه. والمسألة لا تقتصر ولا تتلخص فى إعلان الحروب. بل إن الأمر يتعلق أساسا برفض التدخل فى شئوننا الداخلية فحسب، والتصرف على أساس أننا دولة مستقلة الإرادة تتخذ قراراتها وفقا لمصالحها الوطنية. وكانت ثورة 25 يناير فرصة تاريخية ضيعتها النخبة الإسلامية والعلمانية معا فى الخلاص من التبعية، فقد كان الشعب فى ذروة اعتزازه بنفسه، وإحساسه بقدرته على صنع المستحيل، وكانت أمريكا فى ذروة ارتباكها وضعفها واختلال توازنها والثورات تنفجر ضد عملائها فى شرق وغرب المنطقة. ومع ذلك فمعركة المصير ستظل مستمرة ورغم أن الإخوان المسلمين يعرفون يقينا وبالحقائق حجم الحرب التى يشنها الأمريكان وأوروبا وأنظمة الخليج عليهم، إلا أنهم يرتكبون خطأ إستراتيجيا حين يتصورون أنه يمكنهم حل هذه المشكلة فى الكواليس وبالمناورات والمباحثات السرية ومن خلال تقديم بعض التنازلات. هذه مواجهة حضارية مكشوفة وإذا لم تستدع الشعب معك من خلال صراحة العرض فستخسر أهم قوة فى معادلة الصراع، وستهزم ويهزم معك المشروع الإسلامى، وسترى قطاعا كبيرا من الشعب صاحب المصلحة والعقيدة فى أن يكون معك، ضدك لأنك لم تستدعِه و لم تشركه معك ولم تشرح له.
أما طرح المسألة على النحو التالى: لنحل المشكلة الاقتصادية أولا ثم نتجه لمجاهدة الأمريكان والإسرائيليين. فهى بالضبط مثل قول الأب الذى يخاف على ابنه فيقول له: لا تجاهد الآن يا بنى وانتبه لدراستك وعندما تحصل على الشهادة اعمل فى السياسة كما تريد. وبعد التخرج يقول له: ابحث عن عمل وحسّن دخلك ثم فكر فى العمل السياسى بعد ذلك. وهكذا حتى يخرج الابن على المعاش!!
هل كانت أحوال المسلمين الاقتصادية فى أحسن أحوالها حين خاضوا غمار معركة بدر، بالعكس كانت الأحوال بائسة حتى لم يجدوا معهم سوى فرسين اثنين و70 جملا!!
وعندما هدد التتار مصر هل كانت الأوضاع الاقتصادية فى أحسن أحوالها. لا بالعكس كانت فى أسوأ أحوالها، حتى رفض العز بن عبد السلام جباية الأموال من الشعب وطلب من الأمراء والمماليك أن يتبرعوا للمجهود الحربى بما يملكون من مجوهرات ومقتنيات ثمينة. وانتصرت مصر على التتار فى موقعة تاريخية معروفة (عين جالوت). وكانت أول هزيمة للتتار بعد انتصاراتهم المروعة من الصين حتى الشام وأطراف أوروبا.
لسنا ضد تحسين الوضع الاقتصادى بل دعونا لذلك كثيرا وندعو كل يوم ونتقدم باقتراحات. ومع ذلك أكرر مائة مرة وألف مرة: إن الحلف الصهيونى الأمريكى لن يتركنا فى حالنا، ولا بد أن نبنى بلادنا بأنفسنا وأن نجبرهم على احترام استقلالنا. وأن نرفض المعونات والأسلحة الأمريكية المجانية وغير ذلك من علاقات الإذلال التى تحولنا إلى عبيد لهم، ولا تفيد إلا فى استمرار تخلفنا. وهم لن يرسلوا الجيوش ولن تجرؤ إسرائيل على التحرش بنا، وهى التى هزمت أمام غزة المحاصرة. ولكنهم سيحاربوننا بالطريقة التى بدأت بالفعل: محاربة سعر الجنيه، وإفشال البورصة وفرض شروط الصندوق، وتخريب الاقتصاد، وإغراقك فى المزيد من القروض.. والمزيد من الفوضى. استمعت إلى محاضرة خطيرة على اليوتيوب يلقيها محاضر إستراتيجى على ضباط فى القوات المسلحة الأمريكية يتناول فيها مسألة أن إرسال الجيوش للاحتلال لم يعد هو الأسلوب الرئيسى للسيطرة. ولكن بشن حروب غير متوازية، من خلال إخضاع إرادة الخصم بضغوط اقتصادية واختراق من خلال العملاء، على نفس الطريقة التى تجرى فى مصر الآن بهدف تحويلها إلى دولة فاشلة.
مختصر كلمة الباحث فى الإستراتيجية العسكرية الأمريكية "ماكس مانوارينج" كان كالتالى:
- الإستراتيجية الجديدة تكمن فيما يسمى بـــ"الجيل الرابع من الحرب غير المتماثلة"
- هدفها ليس تحطيم المؤسسات العسكرية أو القضاء على مقدرات دولة العدو بالمواجهة العسكرية
- فـالهدف هو إنهاك الدولة لتتآكل ببطء مع الحفاظ على إرادة الدولة المستهدفة
- الهدف بشكل أدق: هو أن ترغم العدو على تنفيذ إرادتك من دون إرسال قوات نظامية عبر الحدود أو بقوة النيران وإنما بسلاح "القدرات العقلية" من خلال "زعزعة الاستقرار" (إثارة الفوضى) ينفذها مواطنون من الدولة العدو (الطابور الخامس) فتقودنا إلى "الدولة الفاشلة" التى من علاماتها أن لا تخضع أجزاء من الدولة لسيطرتها أى الدولة أصبحت "منقوصة السيادة"، عندها نستطيع أن نتدخل ونتحكم فى هذه الدولة وربما لأبعد من ذلك!
- "الدولة الفاشلة" عملية تنفذ ببطء وبهدوء كافٍ، حتى تذهب الناس للنوم، إذا ما تم ذلك بطريقة جيدة ولمدة كافية وببطء متأنٍ وباستخدام "مواطنى دولة العدو" (الطابور الخامس).. فسيستيقظ عدوك ميتا!!
موضوع أزمة الطاقة نموذجا:
تعانى مصر من أزمة طاقة وتم استنزاف ثرواتها من الزيت والغاز، ولا تزال شركات أمريكية وبريطانية تتحكم فى هذه الثروات وتستولى عليها وتبيعها لنا بالأسعار العالمية، ومن سياسة الإخوان المسلمين عدم مواجهة الشركات الكبرى هذه لأن فى ذلك اصطدام مع النظام الأمريكى، والنتيجة استمرار نهب ثرواتنا واستمرار أزمة الطاقة والتركيز على حلها بإلغاء الدعم، والاستيراد من الخارج! أى تجنب مواجهة أمريكا، والدخول فى مواجهة مع الشعب الذى سيدفع الثمن، بل ومواصلة سياسة مضادة لمصالحنا الوطنية. وقد دافع وزير البترول الحالى عن سياسات سامح فهمى الوزير المسجون فى أحاديثه التلفزيونية.
وقد كتبت من قبل عن تجديد مدة عمل بريتش بتروليم بنفس شروط العقد الفاسد الذى أبرم عام 2010 الذى تحصل فيه الشركة على 100% من إنتاج الغاز ثم تعيد بيعه لنا بالأسعار الدولية، وهذا من أهم أسباب حالة العجز المالى التى تعانى منها وزارة البترول. وكذلك تلك القضية التى كشفنا تفاصيلها على صفحات الشعب والخاصة باستيلاء إسرائيل على غاز مصرى فى أعماق البحر المتوسط بـ 200 مليار دولار. ومرة أخرى يقول جهابذة الأمن القومى بالقوات المسلحة إننا لا نريد التصادم مع إسرائيل، ولا داعى لإثارة هذا الموضوع. ويتم إغلاق هذا الملف باتفاق بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية. ولكننا لن نغلق هذا الملف وسنفتحه كلما ورد إلينا جديد كما حدث فى العدد الماضى.
إن حل مشكلة الطاقة يرتبط بسيطرتنا على مواردنا الوطنية، ويمكننا التعاون مع شركات صينية وماليزية مثلا كما فعلت السودان فى قطاع البترول لحين استكمال خبراتنا فى هذا المجال. كذلك حل مشكلة الطاقة يرتبط بقرارنا الوطنى بخصوص بداية بناء مفاعل الضبعة النووى. وهذا المشروع معطل بدوره بقرار أمريكى منذ 30 سنة، وتركته الحكومات السابقة فى عهد العسكرى معلقا، والآن لا يوجد أى قرار حاسم منذ 6 شهور لحكم الرئيس مرسى. مرة أخرى ابحث عن أمريكا:
وهناك فرع آخر لحل مشكلة الطاقة عن طريق استغلال مواردنا من الفحم خاصة فى سيناء (منجم المغارة) وإذا قرأت قصة توقف العمل فى هذا المنجم ستجدها قصة مريبة وأن السبب الحقيقى هو الفيتو الأمريكى الصهيونى على تعمير سيناء. فتشغيل هذا المنجم الذى يملك احتياطيات تكفى 30 سنة على الأقل يمكن أن يكون محورا لمنطقة صناعية واعدة فى سيناء. والفحم لا يزال يستخدم فى العالم بنسبة 40% وتكلفة الطاقة الصادرة عنه رخيصة بل نصف تكلفة الطاقة المتولدة عن الغاز الطبيعى أو المازوت.
ولتكتمل الدائرة فى مجال الطاقة سنجد أن الصندوق الدولى هو الذى كان يدفع دوما لإلغاء الدعم عن الكهرباء. وكل الزيادات فى أسعار الكهرباء طوال العهد البائد وحتى الآن من تأثير هذه الضغوط من الصندوق. هم يحرموننا من مواردنا الطبيعية: الزيت والغاز والطاقة النووية ثم يطلبون من الشعب المصرى أن يدفع ثمن الطاقة الغالية التى تسببوا هم فى ارتفاع أسعارها!! وهذا مثال واحد على تداخل الهيمنة الأجنبية فى حياتنا الاقتصادية ومعاناتنا اليومية. ونحن لا نرى أمامنا إلا وزير الكهرباء فنسبه ونلعنه، بينما أصل حل المشكلة ليس فى يده بل فى تحرير البلاد من أسر التبعية فى مجال الطاقة.
أمريكا والثورة:
كانت أمريكا ملتزمة ومرتبطة وداعمة لنظام مبارك حتى النفس الأخير رغم أنه لم يسمع نصائحها بإجراء بعض عمليات تجميل للنظام، ولم تغير أمريكا موقفها من النظام ولكن سايرت عملية تغيير الطاقم الحاكم وتريد وتعمل بكل قوة كى يسير النظام الجديد على نفس الأسس القديمة. وهذا أمر منطقى أن تحافظ الدولة العظمى على مصالحها. واستقلال مصر وقيادتها للمنطقة يعنى تقويض النفوذ الأمريكى فى أهم وآخر منطقة نفوذ لها فى العالم وهذا ما لم تسلم به أمريكا بسهولة. وهذا ما أوضحناه سابقا، وهذا من سنن التاريخ وهذا ما فعلته أمريكا مع شاه إيران وساموزا رئيس نيكاراجوا وسوهارتو رئيس إندونيسيا، وموبوتو رئيس الكونغو، وماركوس رئيس الفلبين حيث دافعت عن كل منهم حتى الرمق الأخير وعندما أصبحت الحالة ميئوسا منها ألقوا بثقلهم لترتيب الأوضاع فى ظل طاقم حاكم جديد.
وفيما يتعلق بكارثة الزراعة فى عهد يوسف والى التى كشفتها صحيفة الشعب خاصة فيما يتعلق بالمبيدات المسرطنة والتقاوى المهندسة وراثيا من إسرائيل وأيضا فيما يتعلق بالإهمال العمدى للمحاصيل الإستراتيجية وعلى رأسها القمح وكذلك ترك العملية الزراعية لآليات السوق. كانت هذه السياسة مدعومة صراحة وعلنا من الولايات المتحدة. وقد نشرت هذه الوقائع خلال حملتنا الأصلية على يوسف والى وجاء فيها مثلا ما يلى:
*الدور المتميز والواعى ليوسف والى فى خدمة الخط الإسرائيلى-الأمريكى.. وضد الحكومة المصرية.. نقرأه فى شهادة أدمون هل نائب رئيس البعثة الأمريكية، والتى نشرت فى الأهرام بالنبط العريض فى1/4/1995.. فى الصفحة الإعلانية ليوسف والى نقرأ فى الأهرام هذا العنوان المفزع على 6 أعمدة:
(أدموند هل: د. والى فى طليعة الإصلاحيين الحكوميين لأنه بدأ فى قيادة التحرر الزراعى مبكرا رغم سياسة رسمية كانت تتسم بالتحكم والتدخل).. وهكذا نجد فى صحيفة الأهرام التى تسمى الصحيفة الرسمية.. شهادة أمريكية لوالى بأنه يتحدى السياسة الرسمية للدولة.. وتحت هذا العنوان المفزع الذى يتحدى السيادة الوطنية نقرأ الفقرة التالية:
(وأكد السيد أدموند هل نائب رئيس البعثة الأمريكية أن مناخ السياسات الزراعية فى مصر بدأ فى التحسن، وقد تحقق ذلك بالقيادة ذات المستوى الرفيع.. قيادة الدكتور يوسف والى لقطاع الزراعة المصرية).
لاحظوا أنه لا يتحدث عن الحكومة ولا عن سياستها.. ولكن عن يوسف والى الطليعى المقدام.. ويواصل السيد هل حديثه:
(فى يوم الاثنين الماضى حينما كنت بصحبة الدكتور والى فى انتظار مقابلة السيد آل جور نائب الرئيس الأمريكى، قصصت على الدكتور والى واقعة، كان بعض مسئولى السفارة يقومون بإطلاع مكتب نائب الرئيس على تفاصيل الإصلاح الاقتصادى فى مصر.. والمعوقات والحساسيات السياسية وغير ذلك. وقال أحد موظفى البيت الأبيض "إذن فالأمر مستحيل"، وكان ردنا عليه: الأمر ليس كذلك، فنحن نعرف أن الإصلاح ممكن لأن الدكتور يوسف والى قد نجح فى تحقيقه فى القطاع الزراعى".. لقد كان الدكتور والى فى طليعة الإصلاحيين الحكوميين.. لقد تحدث عن تحرير الزراعة فى الوقت الذى كان فيه التحكم والتدخل هو السياسة الرسمية.. ومنذ بداية الثمانينيات قام هو ومعاونوه بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وغيرها من الجهات المانحة ببذل جهود مخلصة لإصلاح السياسات الزراعية.
ويضيف السيد هل أن إنجازات والى تمثلت فى أن المزارع لم يعد ملزما بالتركيب المحصولى (وكأن هذا لصالح الاقتصاد المصرى!!).. ولم يعد المزارع ملزما بشراء الأسمدة من الحكومة.. ولم يعد حظر على واردات مكونات الأعلاف).
وهكذا أشار السيد هل إلى أسباب الكوارث التى تحياها الآن فى عام1999 الزراعة المصرية فى مختلف مجالاتها. (4 مايو 1999 الشعب - كاتب هذه السطور).
مغزى الإطاحة بالليثى:
وكان أحمد الليثى قد تولى وزارة الزراعة بعد عزل والى وحاول وقف المبيدات المسرطنة وحاول التوسع فى زراعة القمح على طريق الاكتفاء الذاتى وبدأ فعلا، وحافظ على أسعار الأسمدة للفلاحين، فتمت الإطاحة به سريعا وجاء أباظة ليواصل سياسة والى التى تتفق مع السياسة العليا للدولة ووفقا للتوجيهات الأمريكية فتضاعفت أسعار الأسمدة وفقا لآليات السوق التى تباركها أمريكا كما رأينا، وتناقص إنتاج القمح من جديد، وعادت المبيدات المسرطنة من جديد.
فكما أن التبعية لأمريكا والغرب هى أساس مشكلتنا المفتعلة فى الطاقة فإن ذات التبعية اللعينة هى وراء أزمتنا الزراعية فى عدم الاكتفاء بالقمح وفى معاناة الفلاحين الرهيبة فى أسعار الأسمدة وغيرها من مستلزمات الإنتاج والتى لا تزال مستمرة حتى الآن لأن وزير الزراعة الحالى من مدرسة يوسف والى، مدرسة التبعية ومدرسة إطلاق آليات السوق لتطحن الفلاح. هذان فقط مثلان للتأثير المباشر للطاغوت الأمريكى على معاناة الجماهير وإفقارها. ولا يمكن إصلاح أحوال البلاد بدون التخلص من هذا الاستعباد، الذى يستخدم فيه صندوق النقد كأداة تنفيذية.
هذا موضوع عقدى يا إخوة ويا إخوان، هذا موضوع دعوة، كما هو موضوع سياسة. لا يوجد أى فصل بين أمور الدعوة وأمور السياسة (إلا من الناحية الوظيفية). فلا يوجد ما يسمى هذا أمر دعوة وليس أمر سياسة أو العكس. واقرأوا على سبيل المثال بعض الآيات الحاكمة فى كل الذى ذكرناه آنفا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)
(هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ)
(إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران: 118-120).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق