شرعنة العنف
فهمي هويدي
من عناوين الصفحات الأولى للصحف المصرية هذه الأيام ما يلي: رياح العصيان: إغلاق مجمع التحرير ومحاصرة 3 أقسام شرطة بطنطا ــ أعضاء الأناركية (الفوضوية) يظهرون فى المنصورة ــ معتصمو التحرير يغلقون المجمع ويهددون بإجراءات تصعيدية أخرى ــ عناصر البلاك بلوك يقتحمون محطة المترو ــ نزيف الدم مستمر على أبواب الرئاسة ومرسي صامت(العنوان تحت صورة منشورة على ثمانية أعمدة لحرائق مشتعلة، والسماء محجوبة باللهب على أبواب قصر الاتحادية) ــ البلاك بلوك تدعو لعصيان مدني ــ بلاك بلوك تهدد باقتحام القصر الرئاسي ــ البلاك بلوك: غدا سنقتحم القصر الرئاسي...الخ.
وفى حين كانت الصحف تبث مثل هذه العناوين منذ بداية الأسبوع، فإن الفضائيات استضافت بعضا من عناصر مجموعة بلاك بلوك الذين برروا لجوءهم للعنف، كما استضافت أشخاصا من المعارضين، منهم من قال إن ما يحدث الآن فى مصر ليس عنفا وإنما هو أقرب إلى «شغب الملاعب» الذى يتمثل فى عراك مشجعي الفريقين المتنافسين. ومنهم من قال إن ما يحدث هو بمثابة رد على عنف الحكومة، ومنهم من دعا إلى عدم التسرع فى الحكم احتراما لدماء الشهداء(!).
وفى حين كانت الصحف تبث مثل هذه العناوين منذ بداية الأسبوع، فإن الفضائيات استضافت بعضا من عناصر مجموعة بلاك بلوك الذين برروا لجوءهم للعنف، كما استضافت أشخاصا من المعارضين، منهم من قال إن ما يحدث الآن فى مصر ليس عنفا وإنما هو أقرب إلى «شغب الملاعب» الذى يتمثل فى عراك مشجعي الفريقين المتنافسين. ومنهم من قال إن ما يحدث هو بمثابة رد على عنف الحكومة، ومنهم من دعا إلى عدم التسرع فى الحكم احتراما لدماء الشهداء(!).
وظل القاسم المشترك بين أحاديث الضيوف هو التعاطف مع عمليات اقتحام محطات المترو، وتعطيل مصالح عشرات الآلاف الذين يؤمون مجمع التحرير كل يوم ومباركته، والنفخ فى مجموعة بلاك بلوك، وتصويرهم وكأنهم جيش التحرير الجديد أو جبهة تحرير مصر من الإخوان.
هذه الخلفية تضعنا إزاء مفارقة خلاصتها أن الثورة التى تباهينا بسلميتها وقلنا إنها ضربت مثلا وقدمت درسا بليغا للعالم المتحضر، أصبح أبناؤها يضفون شرعية على العنف، وان الثوار الذين انحازوا إلى السلم فى مواجهة النظام المستبد، غيروا رأيهم بعد نجاح الثورة وانحازوا إلى العنف فى مواجهة رفاق الثورة.
إذا قال قائل إن الذين يمارسون العنف ويحرضون عليه ليسوا هم ثوار 25 يناير. فلن اختلف معه كثيرا، لكننى لا أستطيع أن أتجاهل حقيقة أن ثوار 25 يناير الحقيقيين اختفوا من المشهد، واستقالوا عن مسؤولية إنجاح وحماية الثورة التى فجروها. كما أنني لا أستطيع أن أغمض عيني عن الدور التحريضي الذى يقوم به بعض الرموز الذين فرضوا أنفسهم على الثورة واحتلوا المقاعد على منصتها.
إن بعض زملائنا الإعلاميين يحاولون إقناعنا ببراءة الإعلام وبأنه لا يفعل أكثر من أنه يسجل ما يحدث، إلا أنني أزعم بأن الإعلام يلعب الدور الأخطر فى التعبئة والتحريض وشرعنة العنف.
هذه الخلفية تضعنا إزاء مفارقة خلاصتها أن الثورة التى تباهينا بسلميتها وقلنا إنها ضربت مثلا وقدمت درسا بليغا للعالم المتحضر، أصبح أبناؤها يضفون شرعية على العنف، وان الثوار الذين انحازوا إلى السلم فى مواجهة النظام المستبد، غيروا رأيهم بعد نجاح الثورة وانحازوا إلى العنف فى مواجهة رفاق الثورة.
إذا قال قائل إن الذين يمارسون العنف ويحرضون عليه ليسوا هم ثوار 25 يناير. فلن اختلف معه كثيرا، لكننى لا أستطيع أن أتجاهل حقيقة أن ثوار 25 يناير الحقيقيين اختفوا من المشهد، واستقالوا عن مسؤولية إنجاح وحماية الثورة التى فجروها. كما أنني لا أستطيع أن أغمض عيني عن الدور التحريضي الذى يقوم به بعض الرموز الذين فرضوا أنفسهم على الثورة واحتلوا المقاعد على منصتها.
إن بعض زملائنا الإعلاميين يحاولون إقناعنا ببراءة الإعلام وبأنه لا يفعل أكثر من أنه يسجل ما يحدث، إلا أنني أزعم بأن الإعلام يلعب الدور الأخطر فى التعبئة والتحريض وشرعنة العنف.
تشهد بذلك العناوين السابق ذكرها، إلى جانب ممارسات يومية لا حصر لها، تحتفي بأخبار إغلاق مجمع التحرير واقتحام محطات المترو ومحاصرة أقسام الشرطة، وبمهاجمة قصر الاتحادية.
إذ تنشرها الصحف باعتبارها أخبارا عادية، وليست جرائم تعطل مصالح الخلق وتعتدي على النظام العام فى المجتمع.
وإذا كان أحدهم قد حاول التهوين من العنف ودعا إلى اعتباره من قبيل شغب الملاعب الذي يحدث بين الحين والآخر فى مباريات الدوري أو الكأس. فإنه أراد أن يقنعنا بأنه لا فرق بين اشتباك مشجعي كرة القدم وبين محاولة البعض إحراق قصر رئاسة الجمهورية أو اقتحام أبوابه.
قبل ست سنوات، فى شهر فبراير من عام 2007، التقط أحد المصورين صورة لمجموعة من شباب جامعة الأزهر الذين قلدوا عناصر المقاومة فارتدوا أقنعة سوداء وراحوا يجرون بعض التمارين الرياضية فى فناء الجامعة. يومذاك سارعت إحدى الصحف إلى نشر الصورة مكبرة وادعت أن هؤلاء يشكلون «ميليشيا» الإخوان. وخلافا لتقاليد المهنة ظلت تنشر الصورة ذاتها ثلاثة أيام متوالية، لإشاعة التخويف والترويع، وسواء تم ذلك بترتيب مع أجهزة الأمن أم لا، فإن الداخلية سارعت بعد ذلك إلى اعتقال 140 شخصا من شباب الإخوان وقياداتهم (حوكموا عسكريا). وكانت تلك إحدى الغارات الشهيرة التى شنها جهاز أمن الدولة، معتمدا على الدور الكيدي والتحريضي الذي قامت به الصحيفة «المستقلة».
تمت تبرئة كل الطلاب الذين لم يكن معهم أى سلاح ولم يثبت بحقهم ما يستوجب الاحتجاز أو الإدانة، حيث كانت فكرة الميليشيا من اختراع الجريدة، أو أمن الدولة أو كليهما معا. الآن تقوم الجريدة ذاتها مع غيرها بذات الدور التحريضي من منطلق آخر، حيث تروج للعنف وتحتفي به وتشجع عليه، وترى فى الميليشيا الجديدة الحقيقية وليست الوهمية تجسيدا لروح الثورة وتطلعاتها.
لقد شبعنا نقدا لأخطاء الرئيس محمد مرسي الذي تحاكمه وسائل الإعلام يوميا.
قبل ست سنوات، فى شهر فبراير من عام 2007، التقط أحد المصورين صورة لمجموعة من شباب جامعة الأزهر الذين قلدوا عناصر المقاومة فارتدوا أقنعة سوداء وراحوا يجرون بعض التمارين الرياضية فى فناء الجامعة. يومذاك سارعت إحدى الصحف إلى نشر الصورة مكبرة وادعت أن هؤلاء يشكلون «ميليشيا» الإخوان. وخلافا لتقاليد المهنة ظلت تنشر الصورة ذاتها ثلاثة أيام متوالية، لإشاعة التخويف والترويع، وسواء تم ذلك بترتيب مع أجهزة الأمن أم لا، فإن الداخلية سارعت بعد ذلك إلى اعتقال 140 شخصا من شباب الإخوان وقياداتهم (حوكموا عسكريا). وكانت تلك إحدى الغارات الشهيرة التى شنها جهاز أمن الدولة، معتمدا على الدور الكيدي والتحريضي الذي قامت به الصحيفة «المستقلة».
تمت تبرئة كل الطلاب الذين لم يكن معهم أى سلاح ولم يثبت بحقهم ما يستوجب الاحتجاز أو الإدانة، حيث كانت فكرة الميليشيا من اختراع الجريدة، أو أمن الدولة أو كليهما معا. الآن تقوم الجريدة ذاتها مع غيرها بذات الدور التحريضي من منطلق آخر، حيث تروج للعنف وتحتفي به وتشجع عليه، وترى فى الميليشيا الجديدة الحقيقية وليست الوهمية تجسيدا لروح الثورة وتطلعاتها.
لقد شبعنا نقدا لأخطاء الرئيس محمد مرسي الذي تحاكمه وسائل الإعلام يوميا.
لكننا غضضنا الطرف عن جرائم الطرف الآخر وصارت منابرنا الإعلامية تقدم له التبرير والرعاية.
علما بأن أخطاء مرسي نستطيع أن نتخلص منها بعدم التصويت له مرة ثانية، أما شرعنة العنف فمشكلتها أكبر، لأنني لا أعرف كيف ومتى يمكن أن نتخلص من قيمها وأساليبها؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق