الاثنين، 11 فبراير 2013

دم مصـــــــر


دم مصـــــــر 
د. سلمان العودة


يعرف المصري بأنه خفيف الدم ولطالما عبر المصريون بالنكتة عن مفاهيم وأبعاد سياسية كانوا يخافون البوح بها‏.‏
الدم المصري خفيف, ولكنه ثقيل في الميزان.. شاب مصري كان موجودا بموقع حادث قطار البدرشين قال لرئيس الوزراء دماء هؤلاء الضحايا في رقبتك.. هذا الكلام لم يكن ممكنا قبل الثورة, ولا كان الشاب قادرا أن يري رئيس الوزراء بالعين المجردة, أو أن يصافحه الثورة منحت شباب مصر روحا جديدة هي ضمانة المستقبل بإذن الله.
محكمة مصرية حكمت ببراءة إعلامي اتهم بالتحريض علي إهدار دم الرئيس..
متي كانت المحاكم قادرة علي إصدار حكم كهذا؟ وهل كانت تنظر إلي قضية تتعلق بالرئيس بهذه الروح, أم تقوم بدراسة ملف أمني ضخم حافل بالتحقيقات والإفادات والحيثيات أن يكون القضاء العادل ملاذا لنا جميعا حتي حين يكون خصمنا الرئيس.. لم يكن موجودا قبل الثورة, وحق لنا أن نشكر الثوار الذين حملونا إلي هذه المرحلة مع مراعاة التأكيد علي أن دماء شهداء الثورة ليست رخيصة, فهي التي سقت شجرة الحرية حتي جاشت بالحياة, ولا بد أن يأتي اليوم الذي ينتصر فيه ذلك الدم الغالي!
القضية هنا ليست ثأرا فالثأر لم يعد له مكان في زمن المؤسسات والقوانين العادلة..
الشهداء سيكونون أسعد في قبورهم حين يجدوننا في الطريق الصحيح, وقد وضعنا أيدينا معا لبناء مصر وتحررنا من الظلم والطغيان وأدواته.. الشهداء سيكونون راضين حين نعلن مصالحة وطنية تشمل من لم يتلطخوا بدم أو سرقة تدينهم أمام القضاء العادل النزيه! الثورة لم تحرر الأرض فحسب, بل حررت الإنسان المصري من الخوف والارتهان الإرث الحضاري العظيم للشعب المصري يجعلنا مطمئنين علي مستقبل مصر مهما كانت التحديات.
الدم المصري ليس يجري في عروق تسعين مليونا فحسب; بل في عروق أربعمائة مليون عربي ومليار ونصف مليار مسلم, كلهم يعتبرون مصر منصة القيادة ويفرحون لفرحها ويحزنون لمصابها, ويتحدثون عن قضاياها وينغمسون في تفاصيل شئونها, وكأنهم من أبنائها الذين تنفسوا هواءها.. هي بلدهم حقيقة لا مجازا.. الذين يحتجون بالقنابل والحجارة ويسهمون في جرح مصري لا يدركون قداسة هذا الدم, وأنه من اليوم فصاعدا يجب أن تكون الكلمة الحرة هي الأداة وليست اللكمة أو القذيفة أو الرصاصة الدم المصري تغذي من هذه التربة الطيبة, وشرب من ماء النيل العذب, ولذا فهو وفي لأرضه وأهله وناسه, وقادر علي أن يختلف ويحتكم إلي مؤسسات شامخة وقيم راسخة.
والمصري يردد دم أخويا هو دمي, بعد اليوم لن يهدر أحد دم أحد عبر كلمة طائشة.. لا مسلم ولا قبطي, ولا حاكم ولا محكوم, ولا إسلامي ولا ليبرالي.
القضاء بمؤسساته ومرجعياته هو الحكم, والقرائن والأدلة هي التي تملي علي القاضي قراره وليس شيء آخر والقصاص من المعتدين علي الدم شريعة الله, وسنة رسله ولكم في القصاص حياة, من يحاول انتهاك دم مصري واحد فكأنما هو ينتهك حرمة شعب بأكمله, إنه يقامر بثورة البلد وثورته مصر لن تباع في المزاد ولن يتركها أبناؤها كالعجل المذبوح..
مصر ليست للإخوان, ولا للمعارضة, ولا لشباب الثورة, ولا للمصريين, مصر لنا جميعا, سنظل متحمسين لها متابعين لأحداثها, حالمين بصورة رائعة ووردية لمستقبلها, وقادرين علي السهر حتي تهدأ قلوبنا, ونطمئن إلي أن القطار المصري لن يتعثر بعد اليوم! يقول شوقي: وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
نعم.. دق المصريون باب الحرية بأيديهم المضرجة بالدم, وفتحوه واستنشقوا عبيرها, ولن يقبلوا أن يظل دمهم نازفا إلي الأبد, فهم شعب البناء والتنمية كما هم شعب الثورة والتضحية.
الأمين المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق