الجزيرةُ وجَوَارِيهَ
@alimfareed
لا تنظروا إلى الفيلم ومحتواه..
بل انظروا إلى الفيلم وصانعيه..
لا يخدعنكم الصانعُ عن مرض نفسه بمرض نماذجه..
فيلم: (في سبع سنين) لا يُعَبِّرُ عن أزمةِ نماذجِهِ بقدر ما يُعَبِّرُ عن أزمةِ صَانِعِيه!!
إذا كنتم مهتمين.. فيجب ألا ينصبَّ اهتمامُكُم على النماذج التي عرضها الفيلم؛ بل على النماذج التي صَنَعت الفيلم!!
ليس السؤال: لماذا يُلحدُ الشباب!!
لأن الكثرة الكاثرة من الشباب لا تُلحد رغم تيسر دواعي الإلحاد.. وهذه الظواهر التي تتقافز أمامكم الآن ليست سوى (هوامش منحرفة) حول (متنٍ معتدل) وُجدَ مثلُها في كل زمانٍ ومكانٍ ومِلةٍ ودين.. وتسليطُ الضوءِ على الهوامش المنحرفة لا يدل على تَسَلُّطِ الهامشِ المنحرف على المتن المعتدل؛ بل يدل على تسلط ذلك الهامش على نفسيتك المريضة أو وقوع نفسيتك المريضة في مستنقع ذلك الهامش!!
وليس السؤال: لماذا يُجاهد الشباب!!
لأن الإجابة ببساطة شديدة هي: الجهادُ- كالصلاة والصيام والحج والزكاة- فريضةٌ إسلاميةٌ- بل فطرة إنسانية- غابت أو غُيِّبَتْ ردحاً مِن الزمن، ثم استيقظ أهلُها السادةُ العظماءُ؛ ليعبدوا الله- من خلالها- قتلاً وقتالاً؛ كما عبدوه- في الصلاة- سجوداً وركوعاً.. فإن كان من غير المعقول أن يسأل أحمق: لماذا يصلي الشباب؛ فإنه من غير المعقول أيضاً أن يسأل تافهٌ: لماذا يجاهد الشباب!!
وليس السؤال لماذا يلجأ الشباب (للعمل المسلح).. لأن الإجابة ببساطة هي: الإسلامُ ليس فيه (عملٌ مسلحٌ).. الإسلام فيه (جهاد) فقط.. فإذا أردتَ أن تتعامل مع الإسلام فعليك أن تتعامل معه بألفاظه ومصطلحاته.. أما إذا كنتَ من الذين تَحَرَّشَ بهم الغربُ فكرياً ثم اغتصبهم ثقافياً؛ فلا بأس أن تستمتعَ بهذا التحرش وذلك الاغتصاب بعيداً عن الإسلام!!
السؤال الحقيقي هو: ماذا حدثَ لكَ أنتَ لتصير تافهاً وعبيطاً إلى هذه الدرجة العادية الخالية من أي تجديد في التفاهة، أو أي ابتكارٍ في العبط؟!
هذا هو السؤال.. ومِن هنا نبدأ!!
*****
عشرة أيام أو تزيد وقناة (الجزيرة) القطرية تَبثُّ إعلاناً عن فيلمٍ وثائقي يناقش قضايا تفنى في مناقشتها الأعمار، على طريقة أفلام المقاولات الثمانينية: (متعة، إثارة، تشويق)؛ لنسمع ونبصر من خلال الإعلان فتاةً لا ندري عن حالها شيئاً تقول: (أنا كافرة)، وفتىً لا ندري عن حاله شيئاً يقول: (مفيش إله.. أنا مُلحد)، وشاباً يضع ساقاً على ساق ويتقمص الهيئة العبيطة المضحكة لمثقفي وسط البلد متحدثاً عن (اللاأدرية).. وآخر ملثماً يحتضن سلاحه ويتحدث عن سقوط السلمية وحتمية ما أسموه (العمل المسلح).. ذلك المسمى الذي يحلو للكفار (الكيوت) مدعي الحياد إطلاقُه على (الجهاد) لإسقاط مصطلحه من قاموس المسلمين وعقولهم ونفسياتهم.. بخلاف الكفار الكفار الذين يسمونه عنفاً وإرهاباً!!عشرة أيام وأنا أشاهد الإعلان فأعجب من كَمِّ الوساخة والتفاهة والعبط والحمق والغباء والخبث وقِدَمِ الأسلوب.. لقد تذكرت تلكَ الإعلانات القديمة الرخيصة حين كانت شركات صناعة السيارات تجلب فتاة شبه عارية صارخة الزينة لتتكئ على حافة السيارة بوضعية جنسية مثيرة ثم تُصَوّرهَا لتجعلها دعايةً للسيارة!!
كانت قناة الجزيرة- في ذلك الإعلان اليومي- تقوم بذات العمل الذي كانت تقوم به تلك الشركات: استغلال الغرائز لترويج السلعة، ورفع نسبة المشاهدة، وزيادة حالة الترقب!!
أسلوب دعائي رائع ومُريع ورخيص، أسلوب دعائي شديد النجاح شديد الوساخة؛ تماماً كأسلوب القواد الذي يُدلل على عاهرته بالتلويح بملابسها الداخلية!!
المختلف هذه المرة هو أن الجزيرة لم تمتهن جسدَ امرأة.. بل امتهنت روحَ المقدس المغروس في أرواح المسلمين: أنا ملحد.. أنا كافرة.. مفيش إله!!
تخيل ابنكَ أو بنتك أو أخاك أو أختك وهم يشاهدون هذا الإعلان بهذا الأسلوب؛ ما الذي سيرتكز في نفسياتهم على مدار عشرة أيام؟!
أيّ استهانةٍ بالله جل وعلا ستنغرس في نفوسهم، وأيّ استسهالٍ لكلمة الكفر سيكون على ألسنتهم، وأيّ شعور ٍبهوانِ الدين سيهيمنُ على أرواحهم؟!
فِعْلُ الكلمة السيئة كفعل الصورة السيئة كفعل الطلقة القاتلة!!
عقولُ أبناءِ المسلمين وأرواحُهُم ليست حقولَ تجارب للجزيرة وجواريها مِن منصاتٍ إعلامية طفح بها الأثير وسيطر عليها المغتَصَبون فكرياً ليستخدموا فيها مجموعاتٍ من (الإكس إسلاميين) المأزومين المهزومين المهوسيين بالشهرة والنجاح الإعلامي وعمل أفلام (تكسر الدنيا) و(تعلِّي التريند) على حساب سلامة المجتمعات المسلمة-أو ما تبقى منها- دينياً وثقافياً!!
هل تعرفون كيف أتخيل قناة الجزيرة وجواريها:
في كلِّ مسلخ بشري من مسالخ ما يُسمى (أمن الدولة) في الأكشاك العربية المحتلة؛ هناك ضابطٌ رقيقٌ ناعمٌ، يلبس لكَ وجهَ أبي بكر على قلب أبي لهب؛ فيتظاهر بإنقاذك من براثن زميله الضابط المتوحش الذي سهر عليك ليلة كاملة في تعذيب وحشي متواصل؛ (فيطبطب) عليك بحنو زائد مفتعل ويأخذك إلى مكتبه ليقدم لك بعض المراهم والأدوية والأطعمة شاتماً زميله المتوحش الذي لا يُقدِّرُ الإنسانَ ولا الإنسانية.. هذا الضابط الرحيم هو نفسه الذي يتبادل الأدوار مع زميله المتوحش فيأخذ دوره في تعذيب معتقل آخر؛ ليأخذ الضابطُ المتوحشُ دورَه الرحيم مع ذلك المعتقل.. وكلاهما متوحش: أحدهما يتوحش عليكَ جسدياً بالتعذيب، والآخر يتوحش عليكَ نفسياً بالاحتواء!!
هذا الضابط الذي يرتدي لك قناع الرحمة هو تحديداً مَنْ يجبُ أن تحذره.. إنه الأبشع في تلك المسالخ.. وقناة الجزيرة هي- بالضبط- ذلك الضابط!!
هي خنجرُ ابنِ العمِّ في ظهرك وابتسامتُه في وجهك.. هي حصان طروادة، وطعنة بروتوس، ودلالة أبي رغال!!
الخنجرُ لا يَكونُ- دائماً- في يَدِ مَن يُهَدِّدُ بِه؛ بل رُبَّمَا يَكونُ- أحياناً- في يَدِ مَن يُنَدِّدُ بِه!!
إنَّ دورَ قناة الجزيرة في استلطاخ العقل العربي والإسلامي، ثم استدراجهما إلى (إسلام السوق)، أو الإسلام الأمريكاني، أو إسلام مؤسسة (راند) يحتاج إلى مجلداتٍ ذوات عددٍ من الدراسةِ العميقة والبحث الدقيق.. وهذا الدور لا يقل- إنْ لم يزد- عن الدور الإماراتي السعودي الحالي؛ بل وعن الدور المصري على مدى نصف قرن من التغريب وتجفيف المنابع.. لقد كانت الجزيرة قفزة نوعية عميقة الأثر شديدة الضرر مختلفة الأدوات في استلاب وتأطير وتسطيح الوعي العربي والإسلامي!!
قناة الجزيرة أشبه بعملية التطعيم التي تقوم على أخذ عينةٍ ضعيفةٍ من المرضِ ذاته المراد من الجسد مقاومته، ثم حقن الجسد به ليُنتج أجساماً وخلايا مناعية مضادة بالقدر الذي يكفي لمحاربة أي عدوى مستقبلية بالمرض ذاته!!
إسلامٌ زائف سيقاوم عما قليل الإسلام الحقيقي.. وعيٌ زائف سيطغى عما قليل على الوعي الحقيقي.. قضايا كبرى تُعالج بطريقة سطحية لتحجيم أثرها في الوعي الزائف.. قضايا جانبية تافهة تُعالج بطريقة احترافية عميقة لإشغال الوعي الزائف عن القضايا الكبرى وذر رماد (الاحترافية) في العيون المسحورة!!
****
ليس للثورات المضادة صورة واحدة تتمثل في الانقلابات والقمع والسجون.. ما فعلته قطر بجزيرتها، ثم ما فعلته الجزيرة بجواريها؛ أبشع بكثير من القمع والإرهاب والسجون!!الاحتواء أبشع أدوات الثورات المضادة، وأبشع الاحتواء الاحتواء الإعلامي الذي يسحر أعين الناس ويسترهبهم ويزيف وعيهم!!
نجحت الجزيرة نجاحاً آنياً كبيراً في إعادة تدوير وتخليق (مخلفات الثورات) فكرياً وبشرياً.. كان تركيزها الأكبر على البشر؛ ليس لأهميتهم عندها؛ بل لمركزيتهم في عملية إعادة تدوير الأفكار القديمة لتخليق أفكار جديدة لا تمت إلى ما كانوا عليه بصلة.. ترحيلٌ نفسيٌ هادئٌ ومتدرجٌ مِنْ مُرَّبَعٍ إلى مُربَّع.. إحلالٌ وتجديدٌ بطيء الحركة أكيدُ المفعول..
نموذج (الإعلامجي الإسلامي) كان النموذج المحبب لها؛ ليس لتمكنه في فنه؛ فهو لم يكن يملك غالباً من أصول الإعلام الحداثي كثير شيء؛ بيد أنها رأت لأسباب عديدة أنه سيكون نافعاً في عملية تدوير المخلفات الفكرية، وفي تثبيت صورتها الخادعة القائمة على أوهام الحياد، والموضوعية، وعرض الحقائق، والاحترافية، ومناصرة ثورات الشعوب، والرأي والرأي الآخر، في عقول العامة والغوغاء.. ولا بأس أن نذكر هنا أن العامة والغوغاء هؤلاء يمكن أن يكونوا مِنْ حَمَلَةِ الماجستير والدكتوراه، ومن علماء الدين كبار السن محدودي الفهم!!
من الظلم للجزيرة أن نتهمها بكامل عملية تخليق الإعلامجي الإسلامي.. لقد جاءها هذا الإعلامجي مثخناً بالجراحات النفسية والاجتماعية والفكرية، مترحلاً- شيئاً فشيئاً- من مُربَّعٍ إلى مربع، مُسقِطَاً ـ(صورة الأب) مريضاً بـ(التوحد بالمعتدي)، سَطحيَّ الثقافة والتأصيل، منبهراً بالآخر؛ لا يكاد يُطلبُ منه تعديلُ أفكاره ومصطلحاته؛ لامتلاكه حاسةَ شَمٍّ ذئبية تؤهله لمعرفة اتجاه الريح داخل المنظومة الجديدة.. جاءها جاهزاً كما يُهَيَّؤ المريضُ للعملية الجراحية.. مِقَصٌ هنا ومِشرطٌ هناك وينتهي كلُّ شيء بنجاح ليدخل الإعلامجي الجديد، والإسلامي السابق إلى عالم الإعلام المحكوم بمنطق السوق.
ولأن النفس الإنسانية ليس من طبيعتها- عادةً- أن تنقلب فجأة من النقيض إلى النقيض؛ سيظل في نفس هذا الإعلامجي وروحه شيءٌ من (قيمةٍ إسلامية سابقة) تُطل برأسها حيناً وتختفي حيناً.. وهنا يأتي دور الإعلام الأمريكاني القائم على منطق السوق في قناة الجزيرة.. إنه لا يرفض هذه القيمة ولا يقمعها؛ بل هو لم يختر هذا النموذج (الإكس إسلامي) إلا لهذا.. هذه (القيمة) لا بد أن تتحول إلى (شيء) تمهيداً لتحويلها إلى (سلعة).. (تشييء القيم لتسليعها) هو العنوان الأكبر للحداثة وما بعد الحداثة في تعاملهما مع القيم.. وكلما كانت القيمة أشد عمقاً وتجذراً في النفوس؛ فستكون- حين تتحول إلى سلعة- أكثر رواجاً وانتشاراً في السوق!!
وكعصائر الفواكه المصنعة؛ سيصنعُ هذا الإعلامجي منتجاتِه الإعلامية: (سُكَّر لتحلية الطعم، وماء للسيولة، ومواد حافظة، ورائحة الفراولة أو التوت أو التفاح) دون فراولة أو توت أو تفاح... رائحة القيمة دون قيمة!!
أما المواد الحافظة في السوق فستكون خليطاً من التفاهة والسطحية والانتقائية وادعاء العمق، مع الدعاية الواسعة القائمة على ما يُناسب طبيعة المنتج دينياً وثقافياً واجتماعياً، ولا بأس باستخدام الغرائز أو الاستهانة بالمقدس لرفع حالة الترقب.. ثم إضافة ثمن الدعاية إلى سعر المنتج!!
لا تنس أيضاً أن هذا الإعلامجي إنسانٌ في النهاية محكوم بالأهواء والرغبات والسعي إلى تحقيق الذات وحب الإنجاز.. وهو يعمل ضمن منظومة علمانية متكاملة المنطلقات والخصائص، حَدِّيةُ الالتزامات والشروط، تؤثر عليه نفسياً واجتماعياً وتدفعه إلى الإبداع في (التشييء والتسليع)؛ ليكون الأفضل والأشهر والأكثر رواجاً.. لا مؤامرة في الأمر غالباً.. قد تكون المؤامرة في الدخول إلى المنظومة ابتداءً.. أما بعد ذلك فإنَّ آليات المنظومة مسبقة الصنع ستتكفل بعملها تلقائياً !!
****
والآن.. كيف وصل هذا الشاب الإسلامي إلى هذا المستنقع؟! وما الذي حدث لنفسيته في رحلته الطويلة من تيهٍ لتيه؟!
إذا جاز لنا أن نستأنس بنظريات التحليل النفسي؛ فإن أغلبَ الظنِّ- وقد أكون مخطئاً- أنه تَعَرَّضَ لحالةٍ وأُصيبَ بتشوِّه.. أما الحالة فهي (سقوط صورة الأب)، وأما التَّشَوه فهو (التوحد بالمعتدي):
حالة سقوط (صورة الأب) في التحليل النفسي أصلٌ محوري تدور حوله آليات هذا التحليل.. والمثلث الشهير (ابن، أم، أب) هو الأساس- بحسب التحليل النفسي- في بناء نفسية الإنسان.. وفيه ومنه وعنه وبه تتأسس وتنطلق طرائق تعامل الإنسان مع الحياة والأشياء بعد ذلك!!
أولُ شيء ينبغي أن يُنظرَ إلى الإنسان من خلاله- في التحليل النفسي- هو أنه جاء إلى الحياة محتاجاً وإشباعُ كلِّ احتياجاتِه في يَدِ غَيرِه.. " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد".. " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً" يُهيّؤ الله جل وعلا الأمَّ لإشباع احتياجات الطفل لتكون كالأرض للإنسان؛ منها وفيها مصدرُ عيشه الذي يُسقط به فقرَه، ومدرسةُ تَعَلُّمِه التي يمحو بها جهله!!
ولأنه محتاج إلى إشباع حاجاته الأولية؛ ففطريٌ جداً أن يشبعها من خلال المصدر الذي جاء منه.. وطريقة إشباع احتياجاته الأولية من خلال أمه هي التي ستشكل بعد ذلك أنماطَ شخصيته.
يضع (جون بولبي) من خلال (نظرية التعلق) ثلاثةَ أنواع للتعلق: (آمن، ومتجنب، وقَلِق)، الآمن: يقوم- غالباً- على وجود الأم عند الحاجة لإتمام حالة الإشباع؛ فإذا تم إشباعه استقر في وعيه أنَّ مصدرَ أمانِه موجودٌ حين الحاجة.. والمُتَجَنِّبُ: يقوم- غالباً- على نُدرةِ تلبيتها لاحتياجه؛ فهو يحتاج فيجد، ثم يحتاج فلا يجد، ثم يحتاج فلا يجد.. ومع تكرار عَدمِ الإشباعِ لِعَدمِ الوجود ينشأ الإحباطُ الذي يدفعه إلى التجنب والكفِّ عن الاحتياج لشعوره بانعدام الجدوى.. أما القَلِق: فيقوم غالباً على الوجود المتقطع، وهذا النوع ينتج تعلقاً شديداً من الطفل بأمه حال وجودها خوفاً من خسارتها مرة أخرى!!
هذا ملخصٌ شديد الاختصار- وربما شديد الإجحاف- لأنواع العلاقات الأولية بالأم حسب ما يرى (جون بولبي).
حين يظهر الأبُ في سنة الطفل الثالثة أو الرابعة- باعتباره ممثلاً للقانون والثقافة والقيم-؛ يكون دخولُهُ عاملاً سلبياً حرمانياً في نظر الطفل لأنه حرمه لذتَه أو أَجَّلها..
يرى (فرويد) أن علاقة الطفل بأمه وعلاقة الأم بطفلها هي علاقة لذة في الأساس، أو علاقة إشباع احتياجات متبادلة.. وبعيداً عما دار حول هذه النظرية من تفاهاتِ ما سُمِّيَ بـ(العقدة الأوديبية الجنسية) فإننا نستطيع أن نتلمس في بعض جوانبها تفسيراتٍ مهمة لبعض تصرفات الإنسان.
هذا الأب الذي ترتبط صورته عند الطفل- بحسب فرويد- بالحرمان من عالم اللذة للدخول إلى عالم الواقع؛ هو الذي (يظن فرويد) أنَّ الطفلَ عَرَفَ قيمتَه من خلال اهتمام الأم وإعجابها به.. ثم هو أيضاً الذي تظن (آنا فرويد)- بعد ذلك- أنه يمثل عند الطفل صورةَ المعتدي الذي لا يستطيع مواجهة اعتدائه فيتلبَّسه متوحداً به مقلداً له في كلامه وزيِّه ومشيته وسائر تصرفاته.. ليكون هذا التوحد أولَّ توحدٍ بالمعتدي!!
أعرفُ أن هذه النظرية المتخيلة- والتي رفضَ ثلةٌ من علماء الغرب أنفُسُهم الكثيرَ من تفاصيلها- لا تكاد تمت إلى حضارتنا الإسلامية بصلة.. بيد أننا نستأنس ببعض أجزائها العامة في تحليل ظاهرة الشاب الإسلامي المعاد تدويره وترحيله إلى تلك الحضارة التي أنتجت هذه النظرية!!
علينا الآن أن نفرق بين الأب الفعلي، وبين ما يسميه (جاك لاكان): الأب الرمزي الذي يُمثل المكانة الأبوية المستقرة، والتي يمكن أن نُعبِّرَ عنها بألفاظ مختلفة، مثل: الشيخ والمريد، القائد والأتباع، المدير والموظفون، الحاكم والشعب، الراعي والرعية.. بل إننا نستطيع أيضاً- وبتبجيلٍ شديد- أن نعتبر سيد البشر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أباً معنوياً لهذه الأمة كلها:" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم"؛ فكأن الأمة كلها أسرة واحدة لها أبٌ وأجداد؛ ابتداءً مِن آدم (الجد الأعلى)، ومروراً بإبراهيم (الجد الأوسط)، وانتهاءً- دونَ نهايةٍ- بسيد الأولين والآخرين محمد (الأب المباشر الخاتم) عليه وعلى أنبياء الله ورسله الصلاة والسلام.
في العقدين الماضيين كَثُرت صور المكانة الأبوية التي يمكننا أن نختار منها ثلاث صور هي الأكثر رواجاً وشيوعاً: صورة الأب السلطوي الشرير ممثلاً في الحاكم الطاغية.. وصورة الأب التنظيمي البديل ممثلاً في هرم الجماعات المختلفة؛ إسلامية وغير إسلامية.. وصورة الأب المثالي الشعبي الحُر ممثلاً في الدعاة الجدد أو المفكرين أو الكُتَّاب أو ما يكبر في نفوس الأبناء علمياً ودينياً وثقافياً دون سلطة أو تنظيم.
حين انفجرت ثورات العرب في الأكشاك العربية دخل الشبابُ أو أُدخلوا في حالةٍ من نشوة المراهقة الجامحة؛ فـ(العيال كِبرت)، والآمال تفتحت، والقيود تحطمت، والمستقبل الواعد يفتح ذراعيه لاستقبال مُشْعِلِي الثورة وآباء عذرتها!!
السيولة في كل شيء كانت عنوان المرحلة.. تراوحت علاقة الشباب بصورة الأب بين الاحترام السابق مصحوباً بشيء من المعارضة الهادئة، وبين المعارضة الصاخبة مصحوبة بشيء من الرفض.. إلى أن استقرت العلاقة على الرفض الكامل والانعتاق من الصورة الأبوية التي رأى الأبناء أنها لم تكن على مستوى الحدث..
وحين وقعت طامة الانقلابات والثورات المضادة زُلزلت النفوس بعودة الأب السلطوي الطاغية ليثبت أقدامه بعنف أقسى وبطش أشد!!
اكتشف الشباب أن الصور الأبوية الأخرى- رغم رفض الشباب لها والانعتاق منها- لم تكن صوراً مبصرة، رحيمة، مستوعبة للواقع، قادرة على الفهم، مُعليةً لمصلحة الأمة والوطن؛ بل كانت صوراً زائفة، منافقة، ضئيلة القَدْر والقُدرة، محدودة الفهم أو معدومته، لا تملك مشروعاً واقعياً ولا منهجاً حقيقياً وإنما هو الوهم والتوهم!!
حدثت الكارثة، وشعر الابن باليتم حين لم يجد أباً يستحق صورة الأب، في الوقت الذي لم يستطع هو- لعدم اكتمال نضجه- أن يكون أباً!!
هذه الحالة التي قد يستهين بكارثيتها بعضُ المتعجلين؛ يمكن ببساطة- بحسب (جاك لاكان) أن تصيب الإنسان بالفصام الذُهاني الذي يوقع صاحبَه في الهلاوس السمعية والبصرية، والتشوش الفكري، والإنهاك الدائم، والشعور بالاضطهاد، والتعايش مع الأوهام والمعتقدات الخاطئة أو غير الموجودة واقعياً!!
أسقطَ البعضُ الصورةَ الأبوية على مستوى السياسة، كما أسقطها البعضُ على مستوى الدين، كما أسقطها البعضُ على المستويين.. وحاول البعضُ الاجتهاد لنفسه حسب حالته وظرفه، حتى كثرت المحاولات التلقائية لحل إشكالية سقوط الدور الأبوي في نفوس الشباب واتسعت مساحتها، وتداخلت آلياتها دون أن تبزغ فيها ومنها (صورة الأب المنشودة)، ودخلت الأمة مرة أخرى في حالة سيولة فراغية إلى الحد الذي وصل الشبابُ فيه- مدفوعين بالمرارة من السقوط السابق لصورة الأب- إلى إسقاط أية صور جديدة قد تُذَكّرهم بالمرارة السابقة.. حتى لو كانت الصورة الجديدة تمتلك أسساً أولية لما ينبغي أن تكون عليه الصورة الحقيقية!!
وحين لم يبق على الساحة سوى الأب السلطوي الطاغية المسنود بآباء النظام العالمي القادرين على التعامل مع الكارثة؛ ليس لأنهم الأقدر على حلها؛ بل لأنهم الأدرى بكيفية استخدامهم لنا.. حين حدث هذا حدثت عملية الترحيل أو الإحلال والتجديد أو إعادة التدوير للنموذج الإعلامجي سالف الذِكر الذي عاد- شَاعِراً أو غير شاعر- إلى أحضان الأب السلطوي؛ مصاباً بتشوه (التوحد بالمعتدي)!!
و(التوحد بالمعتدي) آلية نفسية (لا شعورية) نستطيع أن نُقَرِّبَهَا- ابتداءً- مِنْ نظريتيّ (ولع المغلوب بتقليد الغالب)، و(متلازمة ستكهولم).
المعروف أن التوحد عادةً يكون بالمحبوب الذي تهفو إليه الأرواح وتطمئن به القلوب وترتاح إليه النفوس؛ كتوحد المُتَمَثِّلِ بالمثال أياً كان: مُريدٍ بشيخه، عاشقٍ بمعشوقه.. إلا أنَّ (آنا فرويد) اكتشفت- وهي تتحدث عما يُسمى (ميكانزمات الدفاع اللاشعورية)- نوعاً آخر من أنواع التوحد؛ هو التوحد بالمعتدي الذي تَعَوَّدَ المصابُ به على اعتدائه فاستعذبه حتى لم يعد يشعر بالرغبة في الخلاص منه؛ بل صار وجوده تحت كنفه باعثاً على الشعور بالأمان والحماية والاكتفاء؛ تماماً كتوحد الخادم بالمخدوم، أو (خولي العزبة) بالباشا صاحب العزبة.. ورغم كراهية المعتدَى عليه للمعتدِي إلا أن التحرر منه سيوقعه في مأزق شرط الحرية الأكبر؛ وهو المسؤولية عن الذات والتصرفات في الوقت الذي لم يتدرب فيه على هذه المسؤولية أو يعرفها.. هو شيء أشبه بالخروج إلى العراء دون مظلة، أو الدخول إلى مأسدة بغير سلاح.. فإذا حدث وسقط المعتدي ودُفع المعتدى عليه إلى الحرية دفعاً فلن يجد أمامه آلياتٍ للتعامل مع الآخرين إلا آليات المعتدي ذاتها؛ فكأنه بذلك يُبقي المعتدي داخل نفسه ويتوحد به ليستجلب- مِنْ بقائه فيه ومعه-السندَ والحماية والأمان الذي كان ينعم بهم في ظله رغم اعتدائه، ويتلبس بشعور السيادة والسلطة والقوة التي ظَنَّ أنه تملكها حين توحد- لا شعورياً- بالمعتدي السابق الذي تجسدت فيه السلطة والقوة والسيادة.. تماماً كالطفل الذي أخرجه أبوه من عالم اللذة إلى عالم الواقع، ثم أبصره مهيمناً بالغ القوة لا قدرة له على دفعه والحلول محله؛ فَتَلَبَّسَه!!
الشعور بالنقص عند هذا المتوحد- وإن لم يظهر بوضوح- سيكون هو القاسم المشترك الأكبر في غالب تعاملاته مع الآخرين مِن جهة، وفي استجلاب كلِّ آليات الاعتداء التي مورست عليه مِن قِبل المعتدي ليمارسها على غيره مِن جِهةٍ أخرى.
****
حين ظن المتوحدون بالمعتدي من (الإكس إسلاميين) أنهم انعتقوا- بالثورة- مِن سيطرة الإعلام اليساري العلماني الذي كان يدكهم صباح مساء؛ لم يجدوا غيرَ آليات هذا الإعلام ليتعاملوا به مع الإسلام ذاته الذي اعتبروه (آخرَ) يجب أن يُقاوم، أو (صورةَ أب) يجب أن تَسقُط!!
هُم لم يروا من ذلك الإعلام- في تناوله للإسلام والمسلمين- إلا الجهلَ والوضاعةَ والانتقائيةَ والسطحيةَ والحقارةَ والهبلَ؛ مُغلفاً بطبقة من التنفج الثقافي المصطنع، وادعاء العمق والحياد، وحب الظهور بمظهر الساعي للحرية المحارب للتخلف الناجي من أمراض المجتمع وأفكاره البالية!!
فطبقوا كلَّ ذلك على غيرهم حذو النعل بالنعل والوساخة بالوساخة!!
الذي أوجعه مسلسلُ (العائلة) أو فيلم (الإرهابي) وأمثالهما لم يجد- حين انعتق من المعتدي- آلياتٍ للتعامل مع ما توهمه (صورة أب) سوى آليات المعتدي التي مورست عليه في مسلسل العائلة وفيلم الإرهابي:
تضخيم الأخطاء.. التركيز على الأمثلة السلبية وانعدام الأمثلة الإيجابية.. استجلاب الهامش وجعله مركزاً.. التعاطف مع الانحراف والمنحرفين.. وضع الانحراف والمنحرفين في صورة جميلة براقة محببة تدفع إلى التقليد، أو صورة مسكينة مظلومة تستجلب العطف والتعاطف.. جعل الجهاد- الذي هو فريضة إسلامية وفطرة إنسانية- إرهاباً أو عنفاً أو عملاً مسلحاً لا يُلجأ إليه إلا رداً لفعل؛ ثم إظهار أصحاب رد الفعل هؤلاء في صورة بائسة مترددة تتمنى الرجوع إلى الحياة الطبيعية المحصورة في ممارسة الحب وسماع الأغاني.. بالإضافة إلى بقية الاتهامات اليسارية العلمانية العبيطة عن نشوء المتطرفين في الأحياء الشعبية الفقيرة وخلفياتهم الاجتماعية المتدنية، وشعورهم بالكبت الجنسي الدائم، أو السعار الجنسي الدائم، وحصرهم دور المرأة في خانة تفريغ هذا الكبت فقط!!
كُلُّ هذه كانت آلياتِ مُعتَدٍ استخدمها متوحد!!
تستطيع الآن- وبسهولة شديدة- أن تلمس في إعلام المعارضة- إسلامي وغير إسلامي- حالاتٍ وآلياتٍ ومنطلقاتٍ شديدة الشبه بـ (أحمد موسى، وعمرو أديب، وعزمي مجاهد، ولميس الحديدي ومحمود سعد.. بل؛ ويسري فودة، ومنى الشاذلي، وريم ماجد) في مستوى أعلى.. أما توفيق عكاشة؛ فأنا- عن نفسي- أعرفُ شخصين- على الأقل- لا أراهما إلا ويتمثل أمامي مشهدُ (تزغيط البط)!!
****
صُنَّاعُ فيلم (في سبع سنين) المتوحدون بالمعتدي استجلبوا آليةً علمانية يسارية موغلة في القِدَم والتفاهة والسطحية حين عرضوا مشاهدَ تمثيلية للفتاة التي ألحدت وخلعت الحجاب بسبب شعورها بالتناقض بين حديثها عن الحرية وارتداء الحجاب؛ لينغرس في نفسية المشاهد أن الحجابَ مظهرٌ من مظاهرِ العبودية لا بد من خلعه لتتحرر الفتاةُ على (كورنيش النيل) بشعرها الحرير (ع الخدود يهفهف ويرجع يطير).. لقد (هُرِسَ) هذا العبط مئات المرات في الكتابات والأفلام والمسلسلات اليسارية العلمانية.. بيد أني لم أعرف حتى الآن سبب إلحادها، هل هو الشعور بالتناقض بين الحرية والحجاب، أم هو الرغبة في السير على كورنيش النيل والهواء يداعب شعرها!!
الفتاة الأخرى التي صُورت كُلُّ مشاهدها- بصحبة المُحَاوِرِ المتوحد بالمعتدي- في غرفة النوم وهي تحتضن (الوسادة الخالية)؛ خلعت نقابها ثم ألحدت لأن زوجها كان يضربها.. هذا سببٌ آخر مهمٌ جداً للإلحاد اجتهد في اختراعه المتوحدون فأتوا بما لم يخطر في بال المعتدي ذاته؛ بل بما لم يخطر في بال الدهريين الأوائل!!
التصويرُ في غُرَفِ النوم أساساً، وإخراجُ هذه الفتاة بهذه الطريقة، وإظهارُها زائغةَ العينين مضطربةَ النفسِ والروحِ والجَسد لا تعرفُ ما تقول ولا ما تفعل؛ حالةٌ تستجلب التعاطف والشفقة في الوقت الذي يستحق فيه مرضى التوحد صُنَّاعُ الفيلم المحاكمة والعقاب على استغلال هذه الفتاة المريضة لإظهارها والتشهير بها بهذه الطريقة!!
أضف إلى هذا قائمةً أخرى من آليات العبط اليسارية متمثلة في الموسيقى التصويرية الحزينة حيناً والرقيقة أحياناً بحسب الموقف، ثم الحميمية الدافئة التي تصل إلى حد (النحنحة والمُحن) بين المحاور- المتوحد بالمعتدي- ونماذجه الملحدة رجالاً ونساءً، ثم تتبع الكاميرا للفتاة الملحدة حين خلعت حجابها في غرفتها المظلمة الكئيبة لتنطلق إلى شمس الحرية ونور الشارع؛ بشعرها الذي يتطاير في الهواء؛ مصحوبةً بالموسيقى التي توحي بتحقق الحلم والانعتاق من القيد.. (إذا كان هذا حياداً وعمقاً فأخبروني ما هو الانحياز والسطحية)!!
يتغير كل هذا فجأة حين يصل المحاورُ المتوحد إلى الجزء الخاص بسادة الدنيا وتيجان الرؤوس (المجاهدين)؛ ليجسدهم- في هيئة المتردد النادم الذي يتمنى العودة لما يسميه الحياة الطبيعية، أو في هيئة (رد الفعل فقط) دون امتلاك مشروع أو إيمان بفريضة.. ثم تنقلب الرقةُ قسوةً، والقربُ بعداً، والهمسُ صخباً، والنحنحة جدالاً ورفضاً، حتى يصل المحاور مريض التوحد إلى ذروة العبط اليساري في التعامل مع هؤلاء العظماء حين يسألهم- ملمحاً إلى الكبت العاطفي والحرمان من متع الحياة- عن أغانيهم التي كانوا يحبونها قديماً، أو قصص الحب التي عاشوها سابقاً أو يعيشونها الآن.. (هَبَلٌ لا أستطيع فهم نفسية صاحبه رغم محاولاتي المتكررة لفهمها)!!
هذا المتوحد المريض لا يستطيع أن يبرر مثلاً حالة المجاهد الأمريكي أو الأوربي المسلم، أو غير العربي عموماً ممن لم يتعرض للظلم ولا القهر ولا المجازر في بلاده، وتَرَكَ حياةَ الرغدِ والرفاهية والمُتع الحسية والمعنوية ليلتحق بإخوانه المجاهدين.. لا يستطيع أن يبرر ذلك لأنه لم يتعلمه في (الكيلاس) الذي أنشأه له الباشا اليساري صاحب العزبة ليمارس عليه فيه اعتداءه!!
*****
على هذا المنوال تدفع الجزيرة القطرية جواريها للعمل، أو تجتهد الجواري من ذوات أنفسهن لمعرفتهن بالخط العام لسيدهن..في إطار المناكفة المشتعلة بين الضرتين الأمريكيتين (قطر والسعودية) قامت إحدى جواري الجزيرة مِن شهر تقريباً بإذاعة تقريرٍ إعلامي استخدمت فيه أعبط تهمة يسارية علمانية يُتهم بها المجاهدون مُنذ زمن بعيد، وهي كونهم (صناعة غربية أمريكية)، تلك التهمة التي أنتنت رائحتُها من شدة قِدَمِهَا.. وعلى طريقة (رمتني بدائها وانسلت)- ولا أريد ذِكر المثل العامي المعبر عن هذا المثل الفصيح-؛ أرادت قطر اتهامَ السعودية بتصنيع الإرهاب المُمَثَّل في الشيخ الجليل المجاهد: أسامة بن لادن رحمه الله، ثم استخدام الشيخ وأمثاله من قِبلِ أمريكا لمحاربة الاتحاد السوفيتي السابق؛ ليظهر الشيخ رحمه الله وكأنه لم يجاهد الروس إلا انطلاقاً من كونه صنيعة المخابرات السعودية وسلاحاً من أسلحة أمريكا.. مع (تحبيشات) أخرى استقاها صُنَّاعُ التقرير المتوحدون بالمعتدي مِن دراسة قديمة للهالك هيكل استقاها بدوره مما يمكن أن نسميه نظرية (ضرب العدو بالعدو) التي عمل عليها مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق بريجنسكي.
الغريب أنه في الوقت الذي كانت رسائل الشيخ الجليل أسامة بن لادن لا تُذاع ولا تُبثُّ إلا على قناة الجزيرة ذاتها؛ كان الجميع يعلم أن دور قطر في المسلسل الأمريكي المستمر منذ ما يقارب العقدين من الزمن هو دور احتواء الإسلاميين عموماً والجهاديين خصوصاً مِن القاعدة، لطالبان، لبعض فصائل العار التي صَنَّعتها قطر بأمر أمريكا في الشام المنكوب بالصنائع؛ (تماماً كدور الرحمة الذي يمثله ذلك الضابط المتوحش نفسياً في تلك المسالخ البشرية).. وربما يأتي اليوم الذي ينكشف فيه الدور الحقيقي لقطر في إفساد الثورة والجهاد الشامي على السواء.. وهو دور لا يُسلط عليه الضوء في الجزيرة بالطبع وإن كانت بعض خيوطه ظهرت في تصريحات وزير الخارجية القطري الأسبق في القنوات الأمريكية حين كان يدفع عن بلاده تهمة التحيز للإرهابيين؛ فيُصَرِّح بأن التنسيق مع الفصائل وطالبان والقاعدة تَمَّ (بطلبٍ/ أمرٍ) مباشرٍ من أمريكا؛ تماماً كما تفاخر وزير الخارجية القطري الحالي- دافعاً عن بلاده ذات التهمة- بستة آلاف طلعة جوية قطرية في ثلاث سنوات ضمن التحالف الكافر لقتل المسلمين في العراق والشام.. ذلك التحالف الذي خَلَّف قَصْفُهُ الذي شاركت فيه قطر إزهاقَ أرواح أكثر من ثلاثين ألف مسلم مدني لا تزال بعض جثامينهم الطاهرة تحت أنقاض سيدة المدائن الموصل!!
صنائع يتهمون الأحرارَ بكونهم صنائع!!
****
إنَّ هذه الحالة المقيتة من الاستهبال الإعلامي، وخلط الأوراق، وقَيئ عفونات النفوس المريضة، وتكريس مظاهر الأمراض النفسية، والإشغال والتشتيت على طريقة (بُص العصفورة)؛ ستستمر معنا طويلاً، وسنعاني من فرقعاتها الطبلية وفقاعاتها الإعلامية كثيراً؛ فلا يخدعنكم عَرَضُ الداء عن جوهره، ولا فَرعُه عن أصله!!هؤلاء الأوباش ليسوا إعلاميين؛ بل مرضى يحتاجون علاجاً في الوقت الذي يَدَّعُونَ فيه تقديم العلاج .. مأزومٌ يُعالج مأزوماً كمجنون في يده خنجر!!
مُدُّوا الخَطَّ على استقامته، واعلموا أنه لن يخرج من هؤلاء خيرٌ وإن غُلِّف بالخير، ولن تحصل منهم الأمة على دواء وإن غُلِّفَ بالدواء.. ليس هناك سوى منطق السوق والمصلحة.. هذه الشاشات والمنصات الإعلامية ليست ضوءاً في آخر النفق؛ بل قطارٌ قادم!!
لا تخافوا من فتح جراحات الأمة لتطهيرها؛ فما من أمةٍ نهضت بعد عثرة إلا وقام نهوضها على أساسٍ من معرفة أسباب عثرتها.. بيد أنَّ الفرقَ كبيرٌ بين فتح الجرح لتطهيره، وبين صَبِّ الملح على الجُرح!!
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق