الأربعاء، 20 مارس 2019

ثلاث رسائل صريحة ومتعجلة من نيوزيلندا

ثلاث رسائل صريحة ومتعجلة من نيوزيلندا

د. محمد الجوادي
مفكر سياسي
الآن وقد مضت ساعات الانفعال بكل قسوتها نبدأ القراءة الموضوعية ونبحث عن الرسائل التي يستهدفها من يقتلوننا على الهوية، ويمكن لنا أن نقول إن هذه الرسائل صريحة الدلالة والمضمون لكن أولاها واضحة العبارة، وثانيتها معقدة التكتيك، وثالثتها حالمة بالعقل الباطن.
  
فأما أولى هذه الرسائل الصريحة وهي الرسالة الواضحة والمفهومة فإنها رسالة غير إنسانية ولا لائقة، وهي رسالة صادمة للمشاعر وللتفكير بالقدر ذاته، وقد بعث بها من خطّط أو خطّطوا لحادث نيوزيلاندا والحوادث الشبيهة والحوادث المُحتملة في نفس الإطار وهي إرهاب وترهيب جموع المسلمين بصورة مُطلقة حتى ترعبهم من أي تجمع لهم معا حتى إنها ترعبهم من الوجود في المسجد للصلاة، فالمساجد في هذه الخُطّة الشريرة أصبحت تبدو للمرة الثالثة في خلال عامين وعلى امتداد ثلاث قارات وكأنها بمن فيها مُستهدفة للإبادة على الهوية!

ورغم عبثية هذه الرسالة من وجهة نظر كل معتنقي الأديان فإن التعامل الواعي معها يسير جدا على المسلمين الذين يؤمنون بما نبّههم إليه كتابهم الكريم من إظهار القُدرة الحاسمة على التصدّي لمثل هذه المُحاولات بدءاً من الإنذار المُبكّر عبر التقنيات الحديثة المُنتشرة وغير المُكلفة وحتى استراتيجيات التعامل الكفيلة بردع أيّ متهوّر عن أن يُفكّر في مثل هذا الجنون. وفي هذا الإطار فإن في القرآن الكريم آيتين صريحتين صراحة شديدة في الأسلوب الذي ينبغي على المسلمين أن يسلكوه من باب تأمين ظهورهم في أثناء الصلاة.

ثالثة الرسائل التي يُوجّهُها حادث نيوزيلاندا رسالة كابوسية مما يوصف بأنه من أضغاث الأحلام أو يوصف اختصارا بأنه من المعتقدات الحالمة فحسب وهي أن جذوة الحروب الصليبية قابلة للاشتعال مرة أخرى
ثانية الرسائل التي يبعث بها من خطّطوا لحادث نيوزيلاندا رسالة معقدة ولن يفهمها من هم معنيون بها بسبب الغشاوة التي على أعينهم، وتستهدف هذه الرسالة تصعيد بلبلة المُجتمعات الإسلامية تجاه حُكّامها المخلصين للمشروع الأمريكي الراهن الذي يقوده أشخاص غير مسئولين ومن العجيب أن الرسالة لن تقرأ من قبل هؤلاء الحكام الشبان المُستغربين تماما بطموحاتهم ومُعتقداتهم، وربما يذهل القُرّاءُ من أن يكون هذا التوجّه هو التوجّه الحاكم الذي يفرض نفسه على العالم المُتعصّب تجاه عُملائه المذعنين.

لكن الحقيقة في فسيولوجيا التاريخ تقول إن هذا الأسلوب هو أقوى الأساليب فعالية في التّحكّم في مصائر الدول التي تتمتّع بثروة ولا تتمتّعُ بعقل مواز للثروة، وهكذا يوحي غلاة المُتعصّبين لهؤلاء الحُكام بأن يتخلوا عن ذواتهم لينضمّوا إلى العالم المُتقدّم بعيدا عن التعصّب والهوّية كما يهيئون لهم، وكأن التخلي عن الذات يُحقّق العولمة تلقائيا، ثم يستدير هؤلاء الغربيون المُتعصبون إلى الشعوب ليُنبّهوها بأساليب غير مباشرة إلى أدلة خيانة الحكام المُتذلّلين للغرب لأبناء جلدتهم.

بهذا الأسلوب ذي الخطوتين المُتكاملتين اللتين تبدوان مُتناقضتين يتحقق للعدو المُتعصّب ما لا يُمكن أن يتحقّق بأسلوب ذي توجّهٍ واحد مُحدد، ذلك أن هذا التذلّل المَقيت الذي يُقدّمه الحُكّام ويتخلّون به عن ذواتهم وهوّيتهم يُفقدهم أوتوماتيا أقوى عناصر شرعيتهم ومن ثم فإنهم يدخلون في دائرة مُفرغة من العدم إذ كلما قيل عنهم إنهم مُتغرّبون ازدادوا تغرُبا، وكلّما قيل عنهم إنهم تابعون ازدادوا تبعيةً، وكلّما قيل عنهم إنهم مُعادون لأُصولهم وتاريخهم ازدادوا معاداة لأصولهم وتاريخهم حتى لا يبقى لهم من ذواتهم إلا اسمهم الذي يُصبحُ ملوّثا ومُلطّخا بالانتقادات الكفيلة بدفعهم إلى التخلّي عنه.  وفي وُسع القارئ أن يتصوّر مدى الحرج الذي يُحسّ به مسئول ما وسَم قومه بأنّهم مُتطرفون وإرهابيون وكيف يصعُب عليه أن يُناقض أطروحاته السابقة فيقول إن قومه ضحايا التطرّف والإرهاب، وهكذا تمضي الأمور في حلقة مُفرغة لا تنتهي إلا بنهاية نُظُم الحكم التي فضّلت التبعية حتى آخر رمق في حياتها.
  
ثالثة الرسائل التي يُوجّهُها حادث نيوزيلاندا رسالة كابوسية مما يوصف بأنه من أضغاث الأحلام أو يوصف اختصارا بأنه من المعتقدات الحالمة فحسب وهي أن جذوة الحروب الصليبية قابلة للاشتعال مرة أخرى، وهي رسالة عبثية من كل الوجوه، فلم تكُن الصليبية أبداً سبباً من أسباب النهضة، ولا سبباً من أسباب استعادة النهضة، وإذا كانت الصليبية بحملاتها قد آذت الشرق الإسلامي والشرق المسيحي على حد سواء فإنها في واقع الأمر آذت الغرب الأوربي بأكثر من ايذائها للشرق الإسلامي والمسيحي معاً.
  
وإذا كانت الصليبية قادرة على الحشد فإنها تعجز عن توظيف الشحن من أجل النهضة وإنما أقصى نجاحها هو أن تُعبّر عن الشحن بالانفجار غير الآمن، وإذا كانت أوربا قد نجحت في أن تنجو في مُنتصف القرن السادس عشر من المصير الذي كانت ايزابيلا وزوجها قد فكّرا في أن يُحضّراه للعالم الغربي فإنها قادرة في مُنتصف القرن الحادي والعشرين على ان تنجو من مصائر مُتشابهة يكادُ يدفعها إليها زُعماء مُغامرون على اختلاف قوّتهم السياسية والعسكرية سواء في ذلك الديكتاتور التقليدي في عاصمة شرقية، وأشباه الديكتاتوريين المُبتَكرون (بفتح التاء) في عواصم أخرى قريبة من بودابست أو بعيدة عنها.
   
وإذا كان من كلمة أُوجّهُها لمن يتخوٌفون على العالم من هذا التّوجه الذي تخلُقه النزوات فإني أكتفي بأن أقول إن التكنولوجيا التي هي فرانكشتاين حقيقي لن تسمح بالوجود إلى جوارها لأيّ فرانكشتاين فُقاعي أي مُتكوّن بالفُقاعات.. سواء في هذا تكنولوجيا الاتصال، وتكنولوجيا الانفصال على حد سواء، ذلك أن تكنولوجيا الانفصال توقف الاتصال ولا تقطعُه، وتجعله أصم ولا تمنعه، كما أنها أصبحت تستمدّ وجودها من تكنولوجيا الاتصال لا من العدم.









































































































































































































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق