أنا مع الإرهاب ..!!
الدكتور محمد عباس
كان صديقى يقول معاتبا:
- أسرفت على القراء.. حاول أن تعطيهم جرعة أمل..
وقبل أن أرد عليه استطرد قائلا والدموع فى عينيه:
الكارثة أننى أطلب منك ذلك رغم أننى أعرف أنك لا تذكر كل الجرائم والغباوات والجهالات والبشاعات والخيانات والكوارث.. بل إنك رغم كل ما تكتب ما أحطت منها إلا بجزء يسير.. ورغم علمى بذلك فأنا –والقراء- يحتاجون إلى جرعة من الأمل..
وقلت له:
عندما نهوى من حالق فليس من الحكمة – ولا من صالحنا أيضا - أن يطمئننا أحد .. بل الأولى أن يصرخ فينا أن نتشبث بالصخور وبالثوابت كى لا تتهشم عظامنا.. وعندما تشتعل النار فى بيتنا فنحن لا نحتاج – أثناء الحريق – لمن يسرّى عنا بل لمن ينقذنا من النار..
صرخت فيه:
تريد الأمل المزيف .. أنظر إلى شاشات التلفاز.. لقد أحصيت بالأمس اثنين وعشرين محطة عربية.. تابعت برامجها.. ما من برنامج منها كان يوقظ الأمة أو يوحى أنها مهددة بالتلاشى.. ما من برنامج منها يكشف للأمة أننا قطيع يساق إلى المجزرة وهو فرح بها نشوان.. ما أكثر الغناء والرقص.. ما أكثر البرامج التافهة.. كل البرامج لا تضيف إلى الوعى بل تستنزفه.. كل البرامج لا تستدعى الذاكرة بل تشوهها.. تريد الأمل المزيف..
طالع صحافة العرب والمسلمين.. حيث كل عهد أروع العهود.. أنظر إليها.. لن تجد منها ما يذيع حتى عن أحداث الطائرة المصرية أو عن أحداث الكويت.. أمريكا المتهمة لا تبالى وتنشر.. والكويت التى تدفعنا للرعب من وعيد الله من فتنة لا تصيب الذين ظلموا خاصة .. أما نحن فلا شئ ينقذنا من الغيبوبة أو ينهى الرقص فى محطات إرسالنا..
لن تجد من يتحدث عن لحمنا الذى يتمزق فى الشيشان..
ولا أعراضنا التى تنتهك فى أربعة أنحاء المعمورة..
ولا عن رقابنا التى تقطع.. ولا عن ديننا المحاصر المضطهد المطارد.. ولا عن حكامنا الذين يستنسخهم الغرب كيفما شاء فيوليهم علينا..
هل رأيت كيف يغير ملكا ولى عهده وهو على فراش الموت فى بلد العدو..
هل رأيت وزارة تشكل تصلح مجلسا للجامعة الأمريكية لا وزارة .. ثم يتحدثون عن استقلال القرار وعدم الخضوع للضغوط ..
هل رأيتهم يقدمون القرابين لبيت الشيطان الأبيض فيتبادلون التمثيل الدبلوماسى مع إسرائيل.. دون أى مبرر.. دون أى خطر مباشر..
انفرط العقد .. وكنا نحن من قطع الخيط الذى يربطه.. ولم يكن ذلك الخيط سوى الإسلام.. إذ ما الذى يربط الأندونيسي بالمصرى بالموريتانى سوى الإسلام.. وقد قطعوه وحاصروه.. قطعوه وشتتوا أمة يجمعها الدين والجغرافيا والتاريخ والقرآن وهم يواجهون أمة تجمعت من شتات الأرض لا يجمعها إلا الدين..إسرائيل.. قطعوه فأفقدونا أقوى سلاح كان فى أيدينا.. قطعوه فهان أمرنا على العالمين.
أبشع مراتب المهانة والألم أن يشفق عليك حتى عدوك..
سيناتور أمريكى صفت سريرته فضج ضميره فصرخ:
ليت المسلمين كانوا درافيل حتى يمكننا الدفاع عنهم..
ويا أيها السيناتور لو أن آلك لم يكونوا وحوشا ضارية.. لما احتجنا أن نكون درافيل..
ويا أيها السيناتور لولا الخداع والانخداع والخيانة لما كان للأمور أن تسير على هذا النحو..
***
أجل يا مسلمون .. لو أنكم درافيل أو قطعا من الحمار الوحشى لضج العالم من مذابحكم..لكنهم يستنكرون ذبح شاة كأضحية – أيها المتوحشون المتخلفون القساة -المسلمون- ولا يهتز لهم جفن لذبح مئات الآلاف منكم..
بل لو اختلجت مشاعر واحد منكم لذبح أخيه فهو متهم بالإرهاب يجب استئصاله..
يصرخ نزار قبانى:
متهمون نحن بالإرهاب..
إذا رفضنا محونا..
على يد المغول ..واليهود.. والبرابرة..
متهمون نحن بالإرهاب..
إذا رفضنا أن نفاوض الذئب..
وأن نمد كفنا لعاهرة..
متهمون نحن بالإرهاب..
إذا حملنا الخبز والماء..
إلى طروادة المحاصرة..
متهمون نحن بالإرهاب..
إذا رفعنا صوتنا..
ضد الشعوبيين من قادتنا..
وكل من غيروا سروجهم..
وانتقلوا من وحدويين إلى سماسرة..
***
يا أمة: الغرب ووسائل إعلامنا علمونا أن الجهاد إرهاب..و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا آمركم بخمس الله أمرني بهن بالجماعة وبالسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلى أن يرجع ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم قالوا يا رسول الله وإن صام وصلى قال وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم.."..
ماذا فعلنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟..
الجماعة تفرقت وتشرذمت..
السمع والطاعة لأمريكا و إسرائيل ..
الهجرة لا إلى الله بل إلى ملاجئ اللاجئين أو إلى الشيطان..
الجهاد تجرمه قوانين عقوباتنا..
ثم نزعم أنا مسلمون..
إنهم يدعونك بدعوى الجاهلية يا أمة فلا تستجيبى ولا تصدقى..
وصلوا بك إلى ما دفع بعض عدوك للإشفاق عليك..
لقد كان قلبى ينزف وأنا أتابع جورج جالاوى فى قافلة مريم ..
دعنا الآن من أن اسمها قافلة مريم.. فنحن المسلمين أكثر من يبجلها فى الدنيا..
دعنا الآن من أن اختبار الاسم نوع من النفى لنا..
دعنا من أن خديجة وزينب -رضى الله عنهما- أسماء لا تصلح عندهم إلا للمهانة والاستهزاء فسموا ما ينتعل فى القدم : خدوجة و زنوبة.. فعلوا ذلك وفعلناه خلفهم..
دعنا من كل ذلك..
يصف جورج جالاوى معظم حكوماتنا العربية بأنها "عبدة وعميلة".. ويصرح بأن ثلاثة وزراء بريطانيين هم تاتشر وميجور وبلير قد أخبروه أن الحكومات العربية هى التى تشجع ضرب العراق و أنها أعطت الغرب تفويضا كاملا بذلك وقد أعطونى إحصائيات مفصلة عن المبالغ النقدية التى تدفعها حكومات عربية لبريطانيا لتمويل قصف العراق وحصاره..
يا إلهى..
هل أسامة بن لادن وعمر عبد الرحمن ومن على دربهم هم المجرمون الذين يستحقون الشنق؟..
وهل هم الخونة؟!
وهل ثمة فرجة لأمل تحت حكم مثل هؤلاء يا صديقى المعاتب؟..
يا إلهى..
ثم تعجبون حين تدعون فلا يستجاب لكم..
يستعرض جورج جالاوى ما وصل إليه الحال فى العراق فيقول:
إن ما يحدث للشعب العراقى من حصار وجوع وضرب بالقنابل وقتل للأطفال والنساء والمدنيين ونشر للأمراض بينهم إنما هو عمل مشين ونحن نعلم يقينا من الذى يقوم بوأد أطفال العراق.. إنه الاستعمار الأمريكى والبريطانى.. ولكننا نعلم فى نفس الوقت من الذى لا يقومون بأى جهد لردع هذا العدوان ووقفه.. إن ما يحدث فى العراق هو من أكبر جرائم العصر..ولكن المجرمين ليسوا أولئك الذين يخططون وينفذون الجريمة فقط.. المجرمون أيضا هم الذين لا يفعلون شيئا لوقف هذا الإجرام.. شاهدت المأساة العراقية بعينى.. استمعت إلى أصوات لا أتمنى أن يسمعها أعدائي.. سمعت صوت امرأة تضع طفلها فى عملية قيصرية دون مخدر.. و رأيت نساء يحملون أطفالهن الموتى بأيديهن.. و رأيتهن يضعن أطفالا مشوهين.. لقد رأيت أطفالا يولدون دون رؤوس.. و أطفالا يولدون برأسين .. و أطفالا يولدون بلا أطراف.. و أطفالا يولدون بأطراف إضافية..
ثم لا يتمالك نفسه فيصرخ:
إن هذا الأمر هو كرامتكم وشرفكم.. و إذا كان هذا الأمر بالنسبة لى كغير عربي وغير مسلم ومن مجتمع استعمارى قضية شرف بالنسبة لى.. فأترك لكم أن تحددوا ماذا يعنى هذا الأمر بالنسبة لكم؟!..
ماذا يعنى هذا الأمر بالنسبة لك يا أمة؟..
هل تتخيلون أن مساعدة العراق أو ليبيا أو السودان أو سوريا أو إيران إرهاب..
وأن ولاة أمرنا آمنوا بذلك وأمّنوا عليه..
وأصرخ مع نزار قبانى:
متهمون نحن بالإرهاب..
إذا اقترفنا مهنة الثقافة..
إذا قرأنا كتابا فى الفقه والسياسة..
إذا ذكرنا ربنا تعالى..
إذا تلونا سورة الفتح..
و أصغينا إلى خطبة يوم الجمعة..
فنحن ضالعون فى الإرهاب..
متهمون نحن بالإرهاب..
إن نحن دافعنا عن الأرض..
وعن كرامة التراب..
إذا تمردنا على اغتصاب الشعب..
إن كان هذا ذنبنا..
ما أروع الإرهاب..
***
لقد سألتكم - يا قراء - فى مقال سابق أننا نعرف بالتحديد متى احتلت بلادنا لكن التساؤل الأهم هو متى احتلت أرواحنا..يحاول الأستاذ أنور الجندى أن يجيب عن السؤال فيقول :
ظهرت فى السنوات الأخيرة وثائق كثيرة كانت خافية على المسلمين والعرب لها أثرها الكبير فى مصائرهم ومقدراتهم وإليهما يمكن تفسير أسباب هزيمتهم ونكبتهم ومنها يوجد المنطلق إلى الأصالة الحقة. بعد هزيمة لويس التاسع فى المنصورة، وجنوحه إلى التأمل فى نتيجة خطته التى جرت عليه الهزيمة والاعتقال، كتب مذكرة خطيرة أشارت إليها مراجع عديدة من كتب التاريخ الفرنسى، وذكرها مؤرخه جوانفيل، يحدد بها الموقف من العالم الإسلامى بعد هذه السنوات الطويلة من الحروب الصليبية والمعروف أن لويس كان يقود الحملة الثامنة.
لقد أشار لويس التاسع فى وثيقته إلى أنه لا سبيل إلى السيطرة على المسلمين عن طريق الحرب أو القوة، ذلك لأن فى دينهم عامل حاسم هو عامل المواجهة والمقاومة، والجهاد وبذل النفس والدم رخيصا فى سبيل حماية العرض والأرض، وأنه مع وجود هذا المعنى عند المسلمين، فمن المستحيل السيطرة عليهم، لأنهم قادرون دوما انطلاقا من عقيدتهم على المقاومة ودحر الغزو الذى يقتحم بلادهم،وأنه لابد من وجود سبيل آخر من شأنه أن يزيف هذا المفهوم عند المسلمين، حتى يصبح مفهوما أدبيا أو وجدانيا، وإيجاد ما يبرره على نحو من الأنحاء بحيث تسقط خطورته، واندفاعاته، و أن ذلك لا يتم إلا بتركيز واسع على الفكر الإسلامى وتحويله عن منطلقاته وأهدافه حتى يستسلم المسلمون أمام لقاء القوى الغربية وتروض أنفسهم على تقبلها على نحو من أنحاء الاحتواء، أو الصداقة أو التعاون، وحتى نحصل على نص وثيقة لويس التاسع التى لم نتمكن من الحصول إلا على مقتطفات منها فيما أورده الأستاذ محمد على الغتيت فى كتابه من الحروب الصليبية إلى حرب السويس، فإن الضرورة تقضى بدراسة هذا الهدف الذى كان له أثره فى ذلك المنحنى الخطير الذى تحولت إليه علاقات الغرب مع عالم الإسلام، هذا الهدف الذى جندت له قوى التبشير والاستشراق والتغريب والغزو الثقافى، فى خطة محكمة مدبرة ما زالت مفروضة على العالم الإسلامى منذ عام 515 هجرية الموافق 1121 ميلادية، هذه الخطة التى سيطرت عليها من بعد قوى الصهيونية العالمية.
المذهل فى الأمر يا قراء أن لويس التاسع حدد نقطة ارتكاز فى الشرق لكى يتخذها الغرب لتقويض الإسلام، وأن نقطة الارتكاز هذه تتطابق حدودها مع حدود إسرائيل!!..
أدرك لويس التاسع، و أدرك الغرب كله معه أن المعركة مع المسلمين يجب أن تبدأ أولا من تزييف عقيدتهم الراسخة التى تحمل طابع الجهاد والمقاومة، والتى تدفع بألوفهم إلى ساحات الاستشهاد فى سبيل الدفاع عن الحق وعن الأرض وعن العرض. إذن فهذه هى بداية المعركة ولابد إذن من تزييف هذه العقيدة وامتصاص ما فيها من قوة وجهاد و إيمان، وذلك بالتفرقة بين العقيدة والشريعة، أو تصوير الإسلام بصورة دين عبادى كالمسيحية وفصل الدين عن الدولة، حتى يفقد المسلمون ذلك السر الخطير الكامن فى أصالة عقيدتهم، وجوهر دينهم، عندئذ يصبحون قطيعا من السائمة التى تنطوى وتقهر.
***
المرض إذن قديم يا أمة..
مرض وبيل عضال.. أخطر ما فيه أنه شمل النخبة و أصابها أكثر ما أصاب وأخطر ما أصاب.. لم يفلت منها إلا أقل القليل..
ولقد كان الكتاب والمفكرون من بين إصاباتنا الفادحة..
لقد باع معظمهم نفسه..
يصرخ نزار قبانى:
لم يبق فى حياتنا قصيدة..
ما فقدت عفافها..
فى مضجع السلطان..
***
إننى ألاحظ خطابات القراء فأجدها أشد نضجا و أكثر وعيا – بل وربما أصح لغة – من معظم الكتاب.. ذلك أنه كان من شروط الغزو الثقافى الكاسح الذى تعرضنا له أن تنشأ آلية كآلية أجهزة الأمن فى الجامعة والتى حدثتكم عنها فى المقال الماضى.. آلية تحاصر المفكر الجاد وتحاول أن تمنعه أصلا من الوصول إلى منابر لفكر التى يمكنه أن ينشر منها رأيه.. فإن عجزت عن منعه سعت إلى أن تقضى عليه.. فإن عجزت حاولت أن تحيطه بالتجاهل والظلام.. فإن عجزت حاولت أن تسفه فكره.. فإن عجزت حاولت أن تسلط كلابها عليه .. فإن عجزت تلقفته أجهزة الأمن و آوته السجون .. لا تنجو من مقصلة الجزار إلا النماذج المشوهة..إن محمود شاكر- على سبيل المثال - هو نموذج فذ وكامل لكل هذه الآلية الجهنمية.. وهو فى نفس الوقت بفضح كل آلياتها..
ألاحظ كتابات كبار الكتبة ..
لحظوا كتابات الدكتور جابر عصفور على سبيل المثال.. فهو ينتمى إلى فصيل من الكتاب يكون ملء السمع والبصر طالما بقى فى وظائفه العديدة فإذا أقيل منها لا يسمع به ولا له أحد.. تفرض الدولة كتبه وأحاديثه إلى القراء مدعومة وتناقش كل الصحف الكبرى كل إصداراته وهو عن طريق علاقاته المتشعبة والخدمات التى يمكن أن يؤديها ينتشر وينتشر وينتشر.. لكن .. ثمة سؤال هام: ما هى القيمة الفكرية التى يمثلها فى النهاية..؟ ما هو الفكر أو الإبداع أو الإنجاز الذى شيده..
فكروا يا قراء.. وسوف تجدون أن النتيجة : لا شئ..
فى كتابه : " مواجهة المواجهة" يتناول الأستاذ "محمد إبراهيم مبروك" مواقف الدكتور عصفور ويتساءل ذات السؤال فيجيب: ":
انظروا كيف يعالج الدكتور جابر المسألة؟.. إنه لا يفعل شيئا سوى أن يطبق مصادرته المسبقة على الحالة التى أمامه فمن يؤيد الشيخ (وجهة نظر جابر) من دعاة الاستنارة والعقلانية والتقدم والحالمين بالديموقراطية والحرية أما من يرفضون فهم دعاة الحكم المطلق وأنصار الأتباع والتقليد وبمفهوم المخالفة فهم غير تنويريين وغير عقلانيين كما أنهم متخلفون رجعيون.. هل فعل الدكتور شيئا؟.. هل فكر فى شئ؟ هل قدم أى نوع من الدلائل على ما يقول؟ أين ه1ذا الفكر الذى ناقشه فيه؟ و أين فكر الدكتور حتى نناقشه نحن؟ لا يوجد شئ من كل هذا والمسألة كلها عبث فى عبث، و إطلاق تهم عدوانية مسبقة لا أكثر.. والسؤال الأهم من كل هذا: أين تلك العقلانية التى يتحدث عنها الدكتور؟ أين هى فى فكره هو؟..
يتناول الأستاذ مبروك نماذج مذهلة من كتابات جابر عصفور المنحرفة، ومنها على سبيل المثال اعتباره أن من المحن التى حاقت بالتنوير تراجع محمد حسين هيكل تحت ضغط التقليديين ليكتب كتابه "حياة محمد" واتجاه "العقاد" ليكتب فى "العبقريات الإسلامية"..
مشكلتنا مع أمثال الدكتور جابر ممن تسند إليهم السلطة عشرات المناصب وتمهدهم لمناصب أعلى أن أفكاره بلا قيمة حقيقية و أنها تكرار وترديد لأقوال المستشرقين، ليس المنصفون منهم بل غلاة المتعصبين الكارهين للإسلام والحاقدين عليه، لا يوجد فكر، لكن يوجد إلحاح إعلامى مدر.. ضجيج ولا طحن.. لذلك فإن أى مفكر يتردد كثيرا قبل أن يواجهه ويفند فكره.. لأنه لا فكر.. ثم أن فكره كله سيتهاوى كجذع شجرة نخره السوس فى أول بادرة لتخلى السلطة عنه.. النقطة الأخيرة .. أنه يملك – بفضل ما ذكرنا وما لم نذكر – الوسائل التى يمكن أن ينشر بها لا فكره على أوسع نطاق.. كما يملك -وهذا هو الأهم- من الوسائل ما يمنع المتصدى له من الوصول إلى وسائل إعلام يسيطر هو عليها.. إما بالوظيفة و إما بالعلاقات ..
فى كتابه مركسة الإسلام وفى مقالات نشرتها صحيفة الشعب المصادرة واجه الأستاذ منصور أبو شافعى كاتبا آخر من نوع الدكتور جابر عصفور، الدكتور القمنى، وببراعة دمر مشروعه الفكرى -أو لامشروعه- ليثبت الأخطاء والأكاذيب الفادحة التى تهدف بصراحة ووضوح إلى تدمير السيرة النبوية.. لا فى مجالات قد يجوز الاختلاف فيها.. لا .. فالمجال الذى يسير فيه المشروع هو تكذيب النبوة كلها..
ما فعله محمد غبراهيم مبروك ومنصور أبو شافعى مثالى، لكن من أين نأتى لكل تنويرى بكاتب باحث مجتهد يفضح مشروعه ويكشفه أمام الناس.
إننى ألاحظ والأسى ينهشنى أنه كلما ابتعد القارئ عن كتاب التنوير كلما كانت رؤيته أصوب وأصدق..
القارئ العادى يفهم المسألة أفضل من كثير كتابنا.. من أكبر كتابنا..
وبعض الأميين يفهم المسألة أكثر من كثير من المتعلمين..
فلقد نجا الأميون بأميتهم من عمليات غسيل المخ واستنزاف الوعى وتشويه الذاكرة..
ولقد اهتممت بهذه القارعة كثيرا..
كيف أن نخبة المثقفين تسقط كل هذا السقوط..
ولقد ألممت بجانب من الإجابة عندما فكرت أن الاستعمار حين جاء لم يجئ ليلهو.. بل جاء ليشكل بممارسات فى غاية التعقيد والشمول تغيير نخبة الأمة .. وقد غيرها.. وعندما رحل فقد سلم زمام الأمور إليها.. ولقد نصب فى كل بلد من بلاد العالم الإسلامى أصناما.. يستطيع الناس أن يجترئوا على الله وعلى الرسل وعلى الصحابة دون أن يمسهم سوء ( بل على العكس.. تفتح لهم الأبواب للسيادة والرئاسة أنى كانوا..من رئاسة الدول إلى رئاسة التحرير إلى رئاسة الصفحات الثقافية) لكنهم إذا اجترءوا على هذه الأصنام فهم إرهابيون ظلاميون متأسلمون حمقى..
لقد كان مذهلا لى أن أكتشف أن معظم ما يردده دعاة التنوير الآن مكتوب بنصه فى تقارير اللورد كرومر السنوية..
يقول أنور الجندى:
" فى هذه التقارير، سجل كرومر الخطوط العامة لتهديم كل عوامل الإيمان الوطنى والاعتزاز العربى الإسلامى.. وكان أول من ساق الأكذوبة الضخمة التى تقول أن المصريين كانوا خاضعين أكثر زمانهم.. فقد حكمتهم دولة الفرس فاليونان فالرومان فعرب جزيرة العرب، وبغداد، فالجراكسة، فالترك آل عثمان.."
هذا بالضبط ما كتبه اللورد كرومر عام 1906 ومازال كبار مثقفينا الرسميين الذين تفرضهم حكوماتنا علينا يرددونه حتى اليوم.. متجاهلين أن صلة مصر بالعرب لم تكن صلة استعمار وأن الرابطة بين العرب وبين الدولة العثمانية لم تكن رابطة احتلال..
لقد تحدث كرومر أيضا على أن مصر ليست جزءا من أفريقيا ولا من الشرق وكان يهدف إلى نزع مصر من دورها وجذورها.. وهو ما يزال صبيته يرددونه حتى اليوم..إن الأفارقة متخلفون والعرب أجلاف وتركيا بلد احتلال فمال مصر وكل هذا.. وليت نخبة مثقفينا - حتى بمفهومهم الغبى الخائن - فكروا ما هو الثمن الذى سنحصل عليه عندما نقطع جذورنا.. هل سنلتحق بأوروبا مثلا.. ؟!..كان كرومر أيضا هو أول من هاجم الحكومة الإسلامية، ووصفها بأنها الحكومة الثيوقراطية..
أخطئ يا عربي يا مسلم فى تلاوة القرآن..
أنكر حديثا نبويا شريفا..
عارض شرعا أو فقها..
لا ضير..
لكن حاول أن تعارض ما غرسه كرومر لتنطلق كلاب جهنم تعوى عليك من كل صوب..
والرجل – للدهشة والأسى- لم يحاول إخفاء دخيلته.. فهو يعترف بالنص فى تقرير عام 1906: "إنى واثق من قوة أوروبا، واقتدارها عند الاقتضاء على تلافى هذه الحركة
(الحركة الإسلامية) من الجهة المادية وإن تكن غير قادرة على ذلك من الجهة الروحية.."..
شن كرومر حملة شاملة على الإسلام..
وما زالت حملته وتعاليمه هى المسيطرة والحاكمة..
ما زال كرومر هو مندوب الإعلام السامى ومندوب التعليم والثقافة..
ما زال كرومر هو المرجعية الأولى لأجهزة الأمن السياسي..
وما زالت نفس عباراته هى العبارات التى يلوكها كبار كتابنا..
أنظر إلى قوله مثلا عن المنهج الإسلامى: " السعى فى القرن العشرين فى إعادة مبادئ وضعت من ألف سنة صدى لهيئة اجتماعية فى حالة الفطرة والسذاجة، هذه المبادئ مناقضة لآراء أهل البصر.."..
هل رأيتم يا قراء..
هل لاحظتم معى أن كبار كتابنا قد رضعوا لبن كرومر وأنهم يحاربون حتى الآن بسيفه ولا يزالون يحصلون على ذهبه..
كانت الطبقة القديمة التى حملت هم الدين والوطن قد استشهدت أو قمعت أو غيبت فى غياهب السجون.. وكانت الطبقة الجديدة – ويسميهم كرومر: الأحداث- قد انسلخت عن الدين والوطن إما عن جهل و إما عن ضلال و إما عن خسة.. وكانت طبقة الأحداث هذه تطلب الثمن طموحا عارما مجنونا إلى السلطة والسيادة والريادة.. وكان كرومر جاهزا.. إنه يقول: بدأ أحداث المصريين يصيحون للحصول على نصيب أعظم فى حكومة بلادهم و إدارتها..(..) ..إنهم يريدون أن يرتقوا إلى مناصب الحكومة العالية التى يتقلدها الأوربيون الآن وليس عندى كلمة ضد هذه الأمنية"..
وولاهم..
وخدعت يا مصر .. وخدعتم يا عرب .. وخدعتم يا مسلمون..
كنتم تحسبون أنكم أرغمتم الاستعمار على أن يخفف قبضته وأن يولى رجالنا بدلا من رجاله..
وكان كرومر – وكل كرومر - كالحية الرقطاء قد نفث سمه واستودعه النخبة التى ما تزال حتى اليوم تحكمنا..
كان على النخبة أن تدافع عن وعى الأمة..
لكنها كانت للمأساة أكثر من شوهه..
تستر الصليبيون خلف مفكرين وشيوخ وقادة لم ينطقوا إلا بلسان أعدائنا..
يلاحظ "محمد جلال كشك" أن العالم الغربى يقسم تاريخه إلى حقب ثلاث .. يسمى الحقبة الوسطى منها عصور الظلام.. كانت قمة تخلفه.. وكانت فى نفس الوقت عصرنا الذهبى الذى سدنا فيها العالم ألف عام.. لكن مفكرينا جريا على ما جرى عليه الغرب طبقوا نفس التقسيم علينا ليجعلوا من أزهى عصور ازدهارنا عصرا للتخلف والظلام..!!..
لم يفضح كبار كتابنا المعايير المزدوجة..
فضحها بعد إسلامه "مراد هوفمان" كما يذكر فى كتابه: الطريق إلى مكة- دار الشروق- تشدق الغرب بحقوق الإنسان قائلا: " يبدو أن الغرب فى تعريفه للإنسان يقصد ذوى العيون الزرقاء والشعر الأشقر!".. ثم يواصل فضح العالم الغربى الذى ترسبت فى أعماقه مشاعر الفزع والرعب من كل ما هو إسلامى . هذا الفزع التاريخى، يصل إلى درجة اللامعقول، وسرعان ما يتحول وبسهولة شديدة إلى عداء سافر..
ويتغذى هذا الفزع على ذكريات جماعية مشتركة، تتوارثها الأجيال عن المنازعات الحربية المريرة بين العالمين المسيحى والإسلامى فى العصور الوسطى. لم تغب أبدا عن ذاكرة الألمان -حتى بشكل غير واع -حقيقة وجود المسلمين لعدة قرون فى إسبانيا وصقلية والمجر.
ولعبت الحروب الصليبية، بطبيعة الحال، دورا أساسيا فى إزكاء هذا الفزع وروح العداء تجاه الإسلام والمسلمين. فلقد أصابت هذه الحروب - برغم نجاحها العسكرى-الأوربيين بصدمة ثقافية هائلة ومروعة، لأنهم تيقنوا أن هؤلاء " الكفرة " الحقراء، الذين يقطنون بلاد الشام، أصحاب حضارة كبرى مزدهرة، بل إنها تتفوق على الحضارة المسيحية - الأوربية فى مختلف الأوجه والمجالات . .
ولقد أدرك بعض الأوربيين، فى ذلك الوقت، حقيقة أثارت حرجهم، بل أزعجتهم، حقيقة مفادها أن الغرب هو غروب صباح أشرق فى بلاد الشرق .
وتأتى صحوة الإسلام، وعودة الحياة والروح إليه التى شهدها فى العقود القليلة الماضية، لتضيف أسبابا جديدة لفزع الغرب من الإسلام، خصوصا وأن هذه الصحوة تتعارض تماما مع تكهنات المحللين المتخصصين فى دراسة الشرق .
فى عام 1901 نشرت للمرة الأولى ترجمة القرآن كتب المترجم فى مقدمتها : " إن الإسلام على ما يبدو قد استنفد دوره السياسى " .
وكانت هذه العبارة فى ذلك الوقت تحمل الكثير من الصحة، نظرا لوقوع العالم الإسلامى بنسبة تصل إلى 100% تحت وطأة الاستعمار الأوربى .
وكان دارسو الإسلام، إبان فترة الاستعمار وحتى خمسينيات هذا القرن، على يقين تام من موت وفناء موضوع بحثهم، حتى إنهم انطلقوا يبحثون عن الإسلام قبل زواله وأفول نجمه، ليتمكنوا من وصفه وتصويره، مثلهم مثل علماء الأنثروبولوجيا، وعلماء النبات .
لقد كان واضحا بما لا يدع مجالا للشك، أن ديانة السكان الأصليين البدائية ستذوب أمام شمس الحداثة الغربية.
أما الصدمة الكبرى، والأمر المثير لاستفزاز دول الغرب وحكوماته، فهو ذلك التطور فى مسيرة الإسلام وصحوته، والذى بلغ قمته عندما ألحقت دولة شيعية، هى إيران، إهانات بالغة ومتتالية لأمريكا، بدأت منذ عام 1979 .
وأن هذه الإيران تصمد لكل ردود فعل الولايات المتحدة وعقوباتها . وعلى الجانب الآخر، أجبر المجاهدون الأفغان الجيش السوفيتى، وهو جيش قوة عظمى، على الانسحاب من أراضيه .
ويعتبر الكثير من الغربيين صمود الإسلام، ورفضه الانسحاب من مسرح الأحداث، خروجا عن سياق الزمن والتاريخ، بل إنه يمثل إهانة بالغة للغرب، خاصة بعد انتصار النظام " الرأسمالى " على غريمه الشيوعى .
ثم يواصل مراد هوفمان فضحه للازدواجية والعنصرية الغربية قائلا:
"لا يتوهم المسلمون على أى حال أن الغرب ما كان ليتدخل عسكريا وبقوة إذا كان الصرب -بكل ما اقترفوه من الجرائم ضد البشرية مسلمين، والبوسنيون -بكل ما تحملوه من آلام هم المسيحيين. إننا على يقين تام بأن الغرب كان سيشن حربا شعواء على هؤلاء المسلمين المتوحشين الهمج، وكل هذا باسم حقوق الإنسان، ومبادئ الأمم وقيم الإنسانية الغربية.. أما أن يفرض حظر سلاح على البوسنة الكاثولوكية الضعيفة فلا أستطيع تخيل وجوده أبدا."
***
كنت أعود إلى صديقى المعاتب..وكنت أقول له أننى لم أشك لحظة واحدة فى حتمية انتصار الإسلام.. فذلك وعد الله..
و أن حزنى كله هو من أجل نفسى.. و أهلى.. وقومى.. و أمتى.. فقد كنت أتمنى أن نكون من ينفذ الله على أيديهم وعده.. والآن أشك فى ذلك.. وأحسبه يذهب بنا ليأتى بقوم يحبهم ويحبونه يحقق على أيديهم النصر..
كنت أقول له ذلك.. ثم أتمتم مع نزار قبانى:
أنا مع الإرهاب..
إن كان يستطيع أن يحرر الشعب..
من الطغاة والطغيان..
وينقذ الإنسان من وحشية الإنسان..
أنا مع الإرهاب..
إن كان يستطيع أن ينقذنى..
من قيصر اليهود..
أو قيصر الرومان..
أنا مع الإرهاب../ بكل ما أملك من شعر .. ومن نثر .. ومن أنياب..
مادام هذا العالم الجديد..
بين يدى قصاب..
أنا مع الإرهاب..
إن كان مجلس الشيوخ فى أمريكا..
هو الذى فى يده الحساب..
وهو الذى يقرر الثواب والعقاب..
أنا مع الإرهاب..
مادام هذا العالم الجديد..
يكره فى أعماقه..
رائحة الأعراب..
أنا مع الإرهاب..
مادام هذا العالم الجديد..
يريد أن يذبح أطفالى..
ويرميهم إلى الكلاب..
من أجل هذا كله..
أرفع صوتى عاليا..
أنا مع الإرهاب..
أنا مع الإرهاب..
أنا مع الإرهاب..
***
المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس
٢٥ مارس ٢٠١٤
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق