الثلاثاء، 19 مارس 2019

حظر البصل المصري بالسعودية..

حظر البصل المصري بالسعودية.. ابن سلمان يفضله هنديًا!

شددت السعودية الاشتراطات على المنتجات الزراعية المصرية لصالح الحليف الهندي بعد زيارة ولي العهد فبراير الماضي باسبوع واحد فقط.

عبدالتواب بركات

أكاديمي وكاتب مصري ، دكتوراه في العلوم الزراعية.

 استاذ مساعد في مركز البحوث الزراعية، عمل مستشارا بوزارة التموين والتجارة الداخلية

أغلقت المملكة العربية السعودية أبوابها أمام المنتجات الزراعية المصرية بأربعة شروط كي تستطيع دخول إلى أسواق المملكة، وهي أن تخضع المصانع المصرية المصدرة للمنتجات الغذائية للتفتيش والرقابة من جانب لجنة فنية سعودية وهيئة سلامة الغذاء المصرية، وأن تعتمد وزارة الزراعة المصرية أو هيئة سلامة الغذاء المزارع الموردة للمملكة، وأن تخضع المنتجات المصرية لاختبارات معملية فى الموانئ المصرية قبل تصديرها إلى المملكة من خلال شركتين أجنبيتين ابتداء من شهر مارس الجاري.
تعلم سلطات المملكة أن 98% من الشركات المصرية والبالغ عددها 2606 شركة تفتقد الاشتراطات الجديدة، ما يعني تعمد منع نفاذ المنتجات الزراعية المصرية للاسواق السعودية.
وفي الوقت الذي طالب المجلس التصديرى للصناعات الغذائية المصري السعودية منح الشركات المصرية مهلة مقدارها 6 أشهر للوفاء باشتراطاتها الجديدة، اكتفت بالسماح لعدد 46 شركة فقط للتصدير إلى أسواقها وفق الاشتراطات الجديدة، بنسبة 1.7%.
وبالرغم من تقديم تسهيلات لشركائها الدوليين فرضت السعودية اختبارات معملية على المنتجات المصرية من خلال شركتين أجنبيتين تتكلف العينة الواحدة من 450 حتى 3500 دولار، ما يعادل 7800 جنيه حتى 61000 جنيه، وإذا نجحت شركة واحدة في استيفاء الاشتراطات، فإن منتجاتها لن تنافس في السوق السعودي القريب جغرافيًا من مصر ولن تجد من يشتريها بسبب تكلفة الاختبارات الاستفزازية.
حظر البصل المصري
في السابع عشر من يناير الماضي حظرت المملكة استيراد البصل من مصر، وأصدرت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية بيانًا ذكرت فيه أن الحظر جاء بسبب احتواء البصل المصري على متبقيات مبيدات بنسبة أعلى من الحد المسموح به عالميًا..
المبرر السعودي لحظر البصل المصري غير علمي، إذ تحتوي أوراق البصل على طبقة شمعية تمنع استقرار المبيدات على سطحها وتقلل امتصاصها داخل الأوراق.
ولم تكتفِ المملكة بحظر شحنات الشركة المخالفة فقط، بل حظرت كل واردات البصل من مصر، ما يعد انتهاكا لاتفاق يلزم السلطات السعودية بوجوب إخطار الحجر الزراعي المصري حتى يوقف شحنات الشركة المخالفة وحدها ودون غيرها من الشركات المنضبطة. كما لم تُخطر السلطات السعودية نظيرتها المصرية بقرار الحظر، وعلمت الأخيرة بقرار الحظر من وسائل الإعلام، وليس من قنوات الاتصال الدبلوماسية بين البلدين، ما يعد تشهيرا بالمنتجات الزراعية المصرية في السوق الدولية.
السلطات السعودية خيرت المصدرين المصريين بإعدام حاويات البصل على أرض المملكة ودفع 1800 دولار تكلفة لإعدام كل حاوية، أو إرجاع البصل إلى بلد المنشأ وهو مصر، وهو ما يكلف الحاوية الواحدة قرابة 6 آلاف دولار. وبالتالي خسر المصدرون 100 ألف جنيه في كل حاوية تحتوي على 29 طنا، وخسر آلاف من العاملين في محطات التصدير مصدر الرزق لهم ولأولادهم.
السعودية انفردت بقرار الحظر ودون أن تحظره دولة واحدة من 25 دولة تستورد البصل المصري ومنها: روسيا وبريطانيا وفرنسا واليابان وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية، وجميعها تتشدد في مواصفات المنتجات الغذائية التي تدخل بلادها أكثر من السعودية، ما يجعل القرار السعودي في حاجة إلى سبب آخر للحظر غير المبرر.
حظر السعودية البصل وغلق الباب أمام باقي المنتجات يشكك في حرصها على مصالح الشقيقة الكبرى ويعيد إلى الذاكرة مشاركتها لروسيا والولايات المتحدة في حظر المنتجات المصرية بسبب رفض مصر استيراد القمح الملوث بفطر الإرغوت المسرطن من الدولتين في 2016، وليس لأسباب صحية كما قيل، بدليل أن الدولتين علقتا الحظر في نفس الموسم الزراعي بعد قبول مصر استيراد القمح الملوث بالإرغوت ثم تبعتهما السعودية مباشرة بتعليق الحظر.
استقرار السوق وعدم تذبذب الطلب من موسم إلى آخر هو شرط نجاح العلاقات التجارية بين الدول.
في المقابل فإن حظر السعودية البصل المصري يعني غلق السوق وخراب بيوت الآلاف من الفلاحين المصريين الذين يزرعون البصل كل عام في مساحة 15 ألف فدان من أجل السوق السعودي أكبر مستورد للبصل المصري بمعدل 200 ألف طن، وهي تمثل قرابة 50% من إجمالي صادرات مصر من البصل، وبالتالي يفقد الآلاف المزارعين والعمالة الزراعية اليومية في المزارع ومحطات التصدير مصدر رزقهم.
إساءة سعودية ودفاع تركي
بعد حظر السعودية البصل المصري، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تخوفات من جودة المنتجات المصرية في الدول التي تستوردها. وكتب ناشط يعيش في إيطاليا، وهي من أكبر الدول المستوردة للمنتجات المصرية يقول إن: "أغلبها تسقى بماء الصرف الصحي". واعتبر آخر يعيش في ليبيا، وهي كذلك تستورد المنتجات المصرية بكميات كبيرة، سبب رفض المنتجات المصرية لأنها: "الصرف الصحي والوباء والسرطان".
وعلق مواطن سوداني يقول: "لأن أغلب المنتجات أصبحت مغشوشة وبها نسبة عالية من المواد المسرطنة المضرة بصحة الانسان". وقال آخر: "كيف لدولة يوجد بها 17 مليون حالة فيروس سي أن تقوم بتصدير الأغذية". وعلق مواطن من الكويت بقوله: "علشان مسرطنة". كتب آخر يقول: "كلها بلهارسيا وفيروس الكبد".
وفي روسيا التي تستورد 70 ألف طن من البصل المصري سنويًا كتب موقع إيست فروت الروسي يقول إن "المشكلة الرئيسية هي أن هذا الحظر لم يكن له تأثير سلبي على الأسعار في البلاد فحسب، بل أثر أيضًا على سمعة البصل المصري، والتي سيتم الآن فحصها والتدقيق فيها بعناية أكبر" ..
وهكذا أساءت المملكة إلى سمعة المنتجات المصرية وعرضتها للخسائر.
في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة المصرية أن المملكة السعودية الحليف الأكبر لمصر، وأن تركيا هي الشيطان الأكبر وداعمة الإرهاب في مصر، فقد وافقت تركيا على طلب للحكومة المصرية باستيراد البصل من مصر بعد أسبوع واحد من قرار الحظر السعودي وبكميات غير محددة ما يعطي فرصة للمزارعين والمصدرين المصريين لتعويض السوق السعودي.
وبالرغم من التوتر السياسي بين البلدين إلا أن تركيا لم تقطع العلاقات التجارية مع مصر، ولم توقف اتفاقية التجارة الحرة المشتركة، ولم تحظر المنتجات الزراعية المصرية كما تفعل السعودية، ولم تفضل البصل الهندي على المصري كما فعلت السعودية.
لعنة خاشقجي
على هامش قمة العشرين في الأرجنتين نهاية العام الماضي، التقى رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليشارك في كسر العزلة الدولية التي أحاطته بعد جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تركيا في مقابل استثمارات سعودية في عدة مجالات.
ووفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية كان جوهر الاستثمار في المجال الزراعي عبارة عن إحلال الواردات الهندية الزراعية محل الواردات الزراعية من دول أخرى إلى المملكة.
وقبل القرار السعودي بحظر البصل المصري بأسبوعين فقط، كتبت وكالة رويترز تقريرا قالت فيه إن الهند تعاني من انهيار حاد في أسعار البصل بسبب انخفاض طلبات التصدير إلى منطقة الخليج، وإن المزارعين الهنود قاموا باحتجاجات وأغلقوا الطرق السريعة وألقوا البصل على الطريق بعد أن انخفضت الأسعار إلى أقل من روبية واحدة للكيلوغرام الذي يكلف 8 روبيات.
ورصد مراسلو رويترز استياء المزارعين بسبب انخفاض أسعار البصل ما يضر بشعبية حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء نارندرا مودي في الولايات الريفية في الانتخابات المزمعة في مايو القادم.
ثم شددت السعودية الاشتراطات على المنتجات الزراعية المصرية لصالح الحليف الهندي بعد زيارة ولي العهد فبراير الماضي للهند بأسبوع واحد فقط. وقد صرح مصدر مطلع بهيئة الغذاء لصحيفة القبس الكويتية بأن إيقاف استيراد البصل المصري في السعودية جعل التجار السعوديين يتجهون إلى السوق الهندية مباشرة، وهو ما رفع سعر البصل الهندي في السوق الخليجي إلى 300 دولار بعد أن كان في الأسابيع الماضية بـ 230 دولارا.
خسائر مضاعفة
والسعودية هي المستورد الأول للحاصلات الزراعية المصرية، وبلغت وارداتها 767 ألف طن بقيمة بلغت 329 مليون دولار في موسم التصدير الماضي، وهي تسبق كل من روسيا التي استوردت 767 ألف طن بقيمة 326 مليون دولار، والإمارات التي استوردت 220 ألف طن بقيمة 114 مليون دولار، وهولندا التي استوردت 222 ألف طن بقيمة 148 مليون دولار، وبريطانيا التي استوردت 144 ألف طن بقيمة 135 مليون دولار.
حظر السعودية المنتجات المصرية يحرم المصريين العاملين بالمملكة وأسرهم المقيمين معهم، والذين بلغ تعدادهم قرابة الثلاثة ملايين مصري من منتجات بلادهم التي يفضلونها على غيرها، لزيادة دخل بلدهم من العملة الصعبة.
إقبال المصريين على المنتج المصري كان سببا رئيسا في أن تصبح السعودية المستورد الأول للمنتجات المصرية، ولم يكن للسعودية أي دور في تفضيل المنتج المصري على غيره من المنتجات الأجنبية.
حرمان المقيمين المصريين من استهلاك منتجات بلادهم يزيد من خسائر قطاع التصدير الزراعي المصري والذي يعمل به 35% من إجمالي القوى العاملة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق