"فورين بوليسي": كيف انتهى الأمر بدول الخليج إلى الاصطفاف مع إسرائيل وتجاهل القضية الفلسطينية
ترجمة: خدمة العصر
كتبت مجلة "فورين بوليسي" أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يبني العلاقات مع القادة العرب المناهضين لإيران من الرياض إلى الدوحة ويراهن على أن اتفاق السلام ما عاد شرطا ضروريا لتطبيع العلاقات الدبلوماسية.
لم تحقق قمة وارسو، التي حظيت بكثير من الاهتمام في فبراير الماضي، سوى القليل. وقد حاولت الولايات المتحدة إقناع حلفائها الأوروبيين بالتخلي عن الصفقة النووية الإيرانية والضغط من أجل فرض المزيد من العقوبات على طهران، ولم يحدث أي منها. والإثارة الوحيدة جاءت من إسرائيل وبعض دول الخليج التي لم تخجل من التباهي بتحالفها المفتوح ضد إيران.
جلس وزراء خارجية الإمارات والسعودية والبحرين إلى جانب بنيامين نتنياهو في حفل الافتتاح الكبير. كان من المفترض أن يكون اجتماعًا مغلقًا، لكن نتنياهو سرب شريط فيديو للتجمع، حيث سُمع كبار المسؤولين البحرينيين يصفون إيران بأنها العقبة الرئيسية أمام حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. كما ظهر وزير الخارجية الإماراتي وهو يدافع عن "حق" إسرائيل في تفجير أهداف في سوريا. كان مهرجان الحب، كما أشار نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، "حقبة جديدة". ثم كانت هناك مصافحة بين نتنياهو ووزير الخارجية العماني وتفاعل قصير مع وزير الخارجية اليمني، والتي أصبحت كلها جزءًا من اندفاعلا رئيس الوزراء المثير قبل انتخابات 9 أبريل في إسرائيل. إن وعد نتنياهو بتقريب العلاقات مع الدول العربية قد جعله يقوم بزيارات إلى أماكن مثل تشاد وسلطنة عمان، حيث يتوق أكثر لإظهار أن الدولة الفلسطينية لم تعد شرطا أساسيا لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع الدول الإسلامية والعربية في المنطقة.
وقال كاتب المقال إن وعد نتنياهو بتقريب العلاقات مع الدول العربية قد جعله يقوم بزيارات إلى أماكن مثل تشاد وسلطنة عمان، حيث يتوق أكثر لإظهار أن الدولة الفلسطينية لم تعد شرطا أساسيا لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع الدول الإسلامية والعربية في المنطقة.
ولطالما اعتقدت إسرائيل أنها واحة ديمقراطية تقاتل العديد من الأعداء في منطقة غير مستقرة. وإيهود باراك، رئيس الوزراء السابق، لخصها بشكل جيد عندما كان يشبه إسرائيل بفيلا في غابة.
ويبدو أن نتنياهو قد تبينى بعض هذه الادعاءات، حيث عزز قاعدته الشعبية قبل الانتخابات من خلال الادعاء بأن إسرائيل ما عادت منبوذةً إقليمياً كما كانت من قبل. لقد حاول إيجاد أرضية مشتركة مع الأعداء السابقين بإظهار الازدراء تجاه إيران ولغة المصالح التجارية المشتركة. السعوديون ودول الخليج الأخرى، الذين دافعوا في وقت ما عن القضية الفلسطينية ليس في الداخل، وفقط، ولكن أيضا أمام نظرائهم الغربيين، عكسوا المسار مع مرور الوقت.
العلاقة الجديدة بين الخليج وإسرائيل هي جزء من تحول أكبر تحاول إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تتصدره، حيث اصطفت الدول العربية الإقليمية صراحة مع إسرائيل في معارضة لإيران. ويرى البيت الأبيض أن اتفاق السلام الإسرائيلي - الفلسطيني المخفف جزء من هذه العملية.
قبل مغادرته متوجهاً إلى تشاد في 20 يناير الماضي، وصف نتنياهو زيارته، والتي تكلَلت باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطعهما في عام 1972، بأنها "جزء من الثورة التي نقوم بها في العالمين العربي والإسلامي، لقد وعدتكم أن هذا سيحدث. ... سيكون هناك المزيد من البلدان، كما تعهد.
في أكتوبر 2018، زار نتنياهو سلطنة عمان واجتمع إلى حاكمها السلطان قابوس، واستغلها فرصة أخرى لتعزيز حجته بأن المستوطنات الإسرائيلية والاحتلال والحصار المفروض على الفلسطينيين كل هذا ليس عائقًا أمام إقامة علاقات مع العالم العربي. كما تباهى نتنياهو مؤخرًا بأن طائرات الركاب الإسرائيلية يمكن أن تطير فوق عُمان والسودان (وقد حلقت طائرة متجهة إلى إسرائيل فوق السعودية في مارس الماضي)، مما حقق مكسبا آخر لجهوده في مجال التكامل الإقليمي (أو الهيمنة الإقليمية).
تربط الإمارات وإسرائيل علاقة عمل منذ عقود، وتشتمل على الدفاع والتكنولوجيا والزراعة. ولكن في أكتوبر 2018، تقدمت خطوة إلى الأمام، حيث سمحت بعزف "النشيد الوطني لإسرائيل" في بطولة الجودو في أبو ظبي بحضور وزير الرياضة الإسرائيلي.
وموقف السعودية من العلاقات غير الرسمية هو الأحدث. لقد تحركت بعد وفاة الملك عبد الله في عام 2015، ومع صعود محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد في عام 2017. طموح الرياض للوصول إلى انفراج مماثل مع إسرائيل يجعل مبادرة السلام العربية التي طرحتها قبل عقدين تقريبًا جزءا من الماضي.
وحتى قطر، التي عزلت وحوصرت من قبل عدة دول خليجية أخرى ومصر، كانت لديها أيضًا ترتيبات عمل مع إسرائيل لسنوات، وركزت مؤخرًا على السماح للدوحة بنقل الأموال إلى قطاع غزة للتخفيف من حدة الوضع الإنساني الكارثي في القطاع المحاصر.. وفي محاولة للحصول على موافقة المجموعات اليهودية الأمريكية الكبرى، قامت قطر مؤخراً بحظر فيلم وثائقي من إعداد قناة الجزيرة حول اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. كما أنفقت ملايين الدولارات على مغازلة رؤساء هذه المنظمات، وترتيب رحلات لهم، من الدرجة الأولى، إلى الدوحة، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة هاآرتس. ولطالما استخدموا القضية الفلسطينية لصرف الانتباه عن القضايا المحلية الملحة لعقود.
تبنى البعض في إسرائيل خطة نتنياهو لتجاوز الفلسطينيين. وأكدت مقالة للمراسل الدبلوماسي، هيرب كينون، في صحيفة "جيروساليم بوست" نُشرت بعد مؤتمر وارسو، أن الفلسطينيين ما عاد لهم حق النقض على العلاقات العربية مع إسرائيل.
وهذا الاندفاع المثير لم يقتصر على نتنياهو واليمين الإسرائيلي. ففي أوائل ديسمبر، قام آفي غباي، زعيم حزب العمل، بزيارة سرية إلى الإمارات. و في محاولة لدعم أوراق اعتماده في السياسة الخارجية قبل انتخابات إسرائيل في أبريل، التقى بكبار المسؤولين في أبو ظبي، حيث ورد أنه ناقش قضية إيران والصراع مع الفلسطينيين.
وفي الوقت نفسه، يبدي اليمين استعداده ورغبته في التواصل مع السعوديين ودول الخليج الأخرى على جميع المستويات بسبب المعارضة المشتركة لإيران ونفوذهم الإقليمي. إنهم لا يرون أي سبب للتوصل إلى اتفاق سلام مؤلم مع الفلسطينيين. ونتنياهو مقتنع بأنه قادر على إخضاع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأن الفلسطينيين سيقبلون في نهاية المطاف بالحكم الذاتي المحدود في الأحياء اليهودية المنفصلة، مما يسمح لإسرائيل بأن تغسل يديها من القضية الفلسطينية. لكن حتى مع وجود تهديد إيراني دائم، ليس الجميع في إسرائيل مقتنعين بأن تخطي الفلسطينيين سيساعد على التحصين اللازم ضد طهران وجلب البلاد السلام الذي تريده في الداخل والإقليم.
ورأى كاتب المقال أن هذه العلاقة الأكثر انفتاحاً مع الخليج تخفف الانقسام بين المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية، إذ لا يزال عديد من أعضاء النخبة الحربية القديمة يؤمنون بالاتفاق بين الطرفين. وفي هذا، قال نداف تامير، الذي شغل منصب مستشار السياسة للرئيس السابق شيمون بيريز، إن الإستراتيجية الحالية المتمثلة في عدم معالجة الدولة الفلسطينية "تتعارض مع المصالح الإسرائيلية، لأن كل القضايا من حولنا، إذ القضية الأكثر حضورا هي القضية الفلسطينية...لأن هذه هي القضية الوحيدة التي تشكل في الواقع تهديدًا لهوية إسرائيل كوطن للشعب اليهودي".
ويعتقد عديد من الصهاينة الليبراليين أن نتنياهو يُبقي الصراع على الجليد لأن الوضع الراهن يخدمها سياسيا. لكنهم يقولون إن تردده سيؤدي في النهاية إلى حل الدولة الواحدة، وهو أمر لا يمكنهم قبوله. "إذا كانت هناك أعداد متساوية من الفلسطينيين واليهود بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط ، فهل تمنح إسرائيل الفلسطينيين حقوقًا متساوية؟ هل تسمح لهم بالانتخاب للمناصب؟ منحهم حق العودة؟ تتعارض هذه الأفكار مع فكرة دولة إسرائيل وطنا للشعب اليهودي. وهنا يكمن اللغز". ويعتقد الخبراء العسكريون المتقاعدون والمسؤولون الذين يدعمون الانفصال عن الفلسطينيين أن صنع السلام مع العرب الآخرين على حساب الفلسطينيين هو خداع.
ولم تقترح معظم الأحزاب السياسية العاملة في الانتخابات المقبلة وضع حد للنظام العسكري في الضفة الغربية والحصار على غزة، ولا يبدو أن الحكومات العربية تهتم. لقد قلصت حكومات الخليج إلى حد كبير من محاولات التوسط الدبلوماسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبدلاً من ذلك اختارت المضي قدمًا في التطبيع، سواء أ كانت هناك خطة سلام أم لا. ويؤكد هذا الانفتاح بداية عهد جديد في السياسة في الشرق الأوسط: حقبة ما عادت فيها فلسطين هي القضية الحاسمة.
** رابط المقال الأصلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق