السبت، 30 مارس 2019

الحدود فى الإسلام كنز لا وباء!!..

نشر هذا المقال في صحيفة الشعب المصرية منذ 16 عاما-صودرت بعدها بعام،وإلى اليوم
الأحد، 22 نوفمبر 2015
الحدود فى الإسلام كنز لا وباء!!..


المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس

هل نحن مؤمنون حقا ؟..
بل هل نحن مسلمون ؟!..
كيف..
كيف وقد تركنا الكنز واستمسكنا بالوباء..
كيف وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف إلى تقريظ المنكر والسخرية من المعروف إلى المكافأة على المنكر والسجن على المعروف بل إلى الحكم بالمنكر والقتل على عمل المعروف..
فعلنا ذلك فحق علينا الوعيد وحلت بنا النقمة فتولى أمرنا شرارنا ثم ندعو ولا يستجاب لنا..
كيف ؟‍.. كيف وقد صار المغنم دولا..
كيف وقد صارت الأمانة مغنما، والزكاة مغرما..
كيف وزعيم القوم أرذلهم..
كيف وما يكرم الرجل إلا مخافة شره..
كيف ونحن نؤمن – يا رب – ببعض كتابك ونكفر ببعض..
ثم نتشكى مما يلحق بنا من كوارث وما يدهمنا من خطوب.. سبحانك إنا ظالمون..
سبحانك ما أشد جرأتنا عليك وما أكثر حلمك علينا..
سبحانك فما لنا أن نعجب حين لا يستجاب لنا فالأولى أن نعجب أن طال علينا صبرك ولم يمحقنا غضبك ويحرقنا سخطك..
لقد نبهنى القراء أن أشد ما يتهدد الأمة ليس مجرد الأعداء الذين أتحدث عنهم فالأمر من وجهة نظرهم أخطر بكثير..
فليس الوعى هو الذى ينزف بل الدين..
وليست الذاكرة ما نفقد بل الإيمان..
ليس إيمان النخبة فقد فقدت النخبة إيمانها منذ زمان طويل..
بل إيمان رجل الشارع العادى..
إيمان أبنائنا وإخوتنا..
إيمان التلاميذ فى المدارس والعمال فى المزارع والفلاحين فى الحقول،و.. و.. والجالسين أمام شاشات التليفزيون،!!..
وحين أتحدث عن الإيمان فإننى لا أقصد الإيمان الحقيقى بشروطه وأركانه ولا التليفزيونى ولا إيمان صفحات الملاحق الدينية ولا حتى الإيمان الذى يدعونا إليه فضيلة شيخ الأزهر أو مفتى الديار إنما أقصد إيمانا آخر إيمان جوهره قضية بسيطة لكنها فاصلة..
ما أقصده أبسط بكثير وأكثر مأساوية بكثير..
لم يعد لدى من شروط لظاهر الإيمان سوى الكف عن الاستهزاء بالقرآن والسخرية من الإسلام.. 
ترانى بذلك أطلب المستحيل؟!..
انظر أيها القارئ إلى نخبك الحاكمة..
انظر إلى ذلك الدفاع الفاجر عن كل من يقتطع من الإيمان شلوا..
أنظر إلى صحفك وشاشات تليفزيونك..
عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه و عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تمسخ طائفة من أمتي قردة، وطائفة خنازير"..
صدقت يا سيدى يا رسول الله..
صدقت..
فأنا أرى تلك القردة والخنازير تتصدر صفحات صحفنا وشاشات قنواتنا الفضائية..
أراها كلابا للغرب آلت على نفسها أن تقوم للعدو – بالوكالة – بما عجز أن يقوم هو به بالأصالة بهدم ديننا وإيماننا..
***
كانت هناك أم تصرخ على الهاتف فى مرارة:
- لست أدعى أن الدين مرجعى ودليلى، لكنه خوفى من الإيدز هو الذى دفعنى لتحذير أبنائى من الخطيئة خشية الإصابة، حاولت أن أبين لهم سوء الفواحش وعقوبتها فى الدين، فإذا بهم ينفجرون ضاحكين من تخلفى، كانت تسألنى فى لوعة عمن يسخر من حدود الله، فقلت لها أننى لا أفتى أبدا لكن إجابتى :هو الكفر دون سواه وأبناؤك الجاهلون يحكمون على كتاب الله فما شاءوا آمنوا به وما أبوا تركوه.. وصرخت الأم :لكن كل زملائهم كذلك.. الجميع كذلك.. الجميع كذلك.. الجميع كذلك..
***
وقلت لنفسى أن من ليس كذلك مغيب فى السجون أو مهدد بها..
لقد أينعت حدائق الشيطان التى غرسها دنلوب ليتولاها بالرعاية جل وزراء تعليمنا وإعلامنا وثقافتنا جلهم وعلى امتداد العالم الإسلامى كله..
***
كان ثمة قارئ يصرخ على الهاتف:
عندما يأتون لتقسيم مصر فمن سيدافع عنها شباب الزمالك ومصر الجديدة ذووا السلاسل الذهبية فى أعناقهم أم عشرات الآلاف من المعتقلين ذوى السلاسل الحديدية فى أقدامهم ؟! الرجال المخنثون الذين يستعملون الماكياج أم أولئك المضمخين بدماء عذابهم وتعذيبهم، الساخرون من الشريعة والمستهزئون بالدين أم من يموتون بسبب محافظتهم على الشريعة والدين؟!..
***
وقلت لنفسى أن المحافظة على نظم الحكم لم تكن تتطلب هذا القهر كله كان يكفى بضعة أحكام بالإعدام وينتهى الأمر لكن الأمر لم يكن يقتصر على ذلك كان المقصود منذ البداية اختراق ثغر وتحطيم جبهة وتدمير دين.
لاحظت توحد الوسائل بين أجهزة أمننا ( بل أجهزة قمعنا ) و جيوش الصرب وإسرائيل فأدركت أن الغايات أيضا واحدة!!.
***
وقلت لنفسى أن مجلس شعبنا على سبيل مثال متكرر فى كل عالمنا الإسلامى – ليس سيد قراره على الأمة فقط بل وينصب نفسه حاكما- عفوك يا رب – عليك أيضا فيؤمن ببعض ما أنزلت إلينا ويكفر ببعض وهو يا رب لا يزَوِّر – أو يُزَوَّر – علينا فقط بل عليك أيضا..
كان علينا أن نواجه كأفراد وكمؤسسات..
كان على الأزهر أن يقودنا..
الأزهر .. 
كل آن و آن كان شأن الأزهر يفدحنى فينفجر الغضب فى قلبى وكنت أجادل مجدى حسين فى ضرورة المواجهة والتنديد لكنه كان يردنى فى حزن قائلا أن الأمر شائك جدا لأننا حين نفعل ذلك نفعله تقويما لاعوجاج بعض شيوخه وحرصا على قيامه بدوره الجهادى فى رفعة الدين كاملا لكننا لو تناولنا بعض رموزه بالتخطئة والإدانة فسوف يشاركنا مجهودنا القردة والخنازير.. ولأننـا حين نخدش هيبة بعض شيوخ لم يحرصوا على هيبة دين الله فسوف يندفع وسط غبار المعركة من يسعى لهدم الأزهر نفسه ولهدم دين الله ومن هنا وجب الحرص.
وكنت أفكر أننى كتلك الأم التى اختلفت إلى القاضى تتنازع مع امرأة أخرى طفلا كل منهما تدعى أنها أمه ولما عجزتا عن تقديم البينة حكم القاضى الحصيف أن يشق الطفل نصفين لتحصل كل منهما على نصف وهنا صرخت الأم الحقيقية :إنه ليس طفلى..
صرختها كى تنقذ الطفل..
وصرخت أنا :
- ليس الأزهر أزهرى خذوه لكن لا تهدموه ولا تشقوه..
لكنهم.. على الرغم من نوايانا أو.. على الأحرى بسببها- لم يكفوا عن شقه.. 
***
لقد كنت أرتعب دائما من أن أورط نفسى فيما ليس لى به علم..
لكن ما حيلتى إذا بدت بلاد المسلمين كبناية نشب فيها حريق..
هل من حق سكانها ألا يشاركوا فى الإنقاذ والإطفاء لأنهم غير متخصصين فى إطفاء الحريق ؟!..
ما حيلتى إن أنذرت الشواهد أن جنود الإطفاء لن يأتوا أبدا وانتشرت الشائعات أنهم بعض من أشعل الحريق؟!..
تطلعت إلى الأزهر وما أزال..
***
تتداعى فى مخيلتى صرخات تلك الأم عن أبنائها الذين راحوا يسخرون من القرآن عندما حدثتهم عن الحدود..
وأنا أدرك أن الإسلام قد عاد غريبا كما بدأ وأنا أبا لهب لم يعد كبير بطن من بطون قريش بل وكيلا للغرب فى كافة أرجاء عالمنا الإسلامى أما أبو جهل فهو رئيس جل وزراء الثقافة والإعلام والتعليم..
أولئك الذين يدعونا للخجل مما كان يجب أن نفخر به وللفخر مما كان يجب أن نخجل منه..
وفى جو هذا الهواء المسموم تحولت قضية الحدود فى نظر البعض إلى عورة أو عار مع أنها والله أوسمة فخار..
ولقد ساعدهم فى ذلك - للحزن والأسى - تناول بعض إخواننا فى الله لتلك القضية..
إننى أنبه القارئ منذ البداية أننى غير متخصص ولست بفقيه وأناشد القارئ ألا يستخرج مما أكتب حُكْمًا وأن يعود بنفسه إلى المصادر أو إلى شيوخ غير مشغولين بمبايعة أو بلقاء حاخام وأن يضع فى اعتباره دائما أن أكون قد أخطأت فى الحفظ أو فى النقل أو فى الاستدلال..
كنت أقول لنفسى أن الأمر فى هذه القضية كما فى كل قضايا الإيمان الأخرى يلخصها ما قاله أبو بكر رضى الله عنه: "إن كان قالها فقد صدق" كنت أقول لنفسى أن الفيصل فى أى قضية ليس موافقتها لعقلنا وهوانا أو عدم موافقتها، فالعقل والهوى متغيران، لكن الفيصل هل وردت فى القرآن وصحيح الحديث أم لم ترد فهما ثوابت إيماننا، ذلك أن جوهر الإيمان تسليم العقل البشرى بمحدوديته وأنه يرى جزءا ضئيلا جدا من الصورة وأننا وجدنا قبل الميلاد وسنوجد بعد الممات إنه يدرك أنه جزء من منظومة وعبد فى الكون لا سيد الكون ولذلك فإن عليه ألا يعمل رأيه فيما فيه نص.. لنا أن نجتهد فى تفسير النص كما شئنا فى التفسير لا فى التكسير، فى مزيد من الفهم لا فى مزيد من الجهل..
إن القضية يمكن تلخيصها فى إيجاز مخيف.. إن مرتكب الكبائر التى تستوجب الحدود ليس بكافر لكن الكافر هو من يرفض أو ينكر وجوب تطبيق هذه الحدود..
***
فى قضية الحدود بالذات يبدو الالتباس فظيعا ونزيف الوعى هائلا وفقدان الذاكرة مروعا ..
إن المسلم الذى انصرف عن التفقه فى دينه عموما فى إطار نزيف الوعى هو بالطبيعة أكثر انصرافا عن فقه الحدود فالذين يرتكبون ما يستوجب الحدود هم أبعد الناس عن الفقه أصلا أما سواد المجتمع بعد ذلك فقد اكتفى بالحد الأدنى الذى يعتبر النزول دونه خللا جسيما فى الدين.. وهذا الحد يكتفى من الفقه بما يقيم صلب حياته اليومية وأساسيات ممارساته الدينية إنه يقرأ القليل جدا عن الصلاة والصوم ويسأل الآخرين فيما يتعدى ذلك كالز واج والطلاق والحج ترتب على هذا أن الجانبين ابتعدا عن قراءة هذا الفقه والتعمق فيه الذين يرتكبون ما يستوجب الحد والذين لا يرتكبون فأصبح مصدر معلوماتنا الوحيد عن الحدود هو أقوال المهاجمين لنا والمعادين لديننا من علوج الغرب وخنازير العلمانيين وكان الجو أمامهم خاليا فباضوا وصفروا!..
اندفعوا وهم يدركون ضعفنا وحصارنا وهواننا على العالم ليكذبوا بمنتهى الفجور وليجلدونا بمنتهى القسوة..
اختزلوا الإسلام فى الحدود وتجاهلوا أن الحدود فى الإسلام كحلقة فى فلاة..
وراحوا يعلنون الهجوم على الحدود مضمرين على الإسلام هجومهم..
الحدود همجية ووحشية وتخلف..
يا كلاب جهنم أنتم الهمج الهامج وأنتم المتوحشون وأنتم المتخلفون وأنتم السفهاء ولكن لا تعلمون..
فى الجانب الآخر ابتلع بعض اخوتنا الطعم .. غفلوا عن أن كلاب جهنم يحاولون اختزال الإسلام فى الحدود .. فراحوا يدافعون والأوقع أن يهاجموا حاصروا أنفسهم فيما قدمه الخنازير من شرح للحدود وغفلوا عن واجب فضح عبيد الشيطان كلاب جهنم بتقديم الوضع الحقيقى للحدود فى الإسلام..
تقدم الأفاقون والنصابون أتباعهم من صبية زويمر وتلاميذ دنلوب وجنود كرومر فعلوا ما يفعله أى نصاب أفرغوا حقيبتنا من محتواها ودسوا فيها سمومهم ومخدراتهم الممنوعة ثم أشهدوا العالم علينا وعندما سألنا العالم :أليست هذه حقيبتكم ؟
أجبنا دون أن نفطن للحيلة :بلى..
لمثل هذا المنزلق استدرج بعض اخوتنا فى دفاعهم عن الحدود وهم يتبنون وجهة نظر أعداء الإسلام فيها !!..
***
والآن سوف أعرض لكم نموذجا باهرا فى الرحمة شامخا فى العدل سامقا فى الإحسان مذهلا فى كيفية احترام البشر ونصوص القانون..
سوف أعرض لكم الوجه الآخر الذى لم يعرضه المنافقون علينا حين راحوا يهاجموننا مصورين الأمر كما لو كان الإسلام متعطشا لإقامة الحدود ويترصد الناس فى الطرقات ولقد ساعدهم على ذلك للحزن والأسى نماذج معاصرة اختزلت الإسلام فى تطبيق الحدود جاهلة أو متجاهلة أن الحدود كانت تطبق فى الجاهلية وأنها ما تزال!!..
إن حد الزنا مثلا مشهور.. ومشهور أكثر الصعوبات الهائلة التى تكتنف إثبات الجريمة بالشهود.. ذلك أن الشرع يشترط تواجد أربعة شهود (يشترط تواجدهم بالصدفة) ورؤيتهم للفعل الفاضح كاملا دون أى شك.. واتفاق شهاداتهم حرفيا فإذا تناقضت شهادة أى واحد منهم أقيم عليهم حد القذف.. وبرئ الزانى.. 
وللقارئ أن يتخيل أننا لو حاولنا تسجيل الفعل الداعر بالصوت وبالصورة فإن كاميرات التصوير الأربعة ستختلف فى زاوية الرؤية (الشهادة)،!!
 لذلك ذُكر أن هذه الجريمة لم تثبت فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالإقرار.. والإقرار أربع مرات فى أربع جلسات مختلفة لو رجع فى أى واحد منها سقط عليه الحد.. وعلى القاضى أن يبدى كراهيته للسماع.. بل وأكثر من ذلك عليه أن يلقن المعترف الإنكار.. فإذا اعترف الزانى أربع مرات فإنه يمكن أن ينكر فى أى لحظة بل إن بعض الفقهاء يعتبرون أن محاولة الهرب أثناء إقامة الحد رجوع عن الإقرار توجب إسقاط الحد.
***
أما حد السرقة فلا يقام على مفهوم السرقة الذى يتبادر لأذهان السامعين..
يعرف الإسلام السرقة بأنها: أخذ الشي في خفية ولقد شدد العقوبة عليها.. والحكمة في تشديد العقوبة في السرقة أنها تهدد كل فرد فى المجتمع، ولا يمكن إقامة الدليل عليها بسهولة، وأنه لا يمكن درؤها بولى الأمر الصالح، كما أن اللص بطبيعته مستعد لارتكاب كل الكبائر الأخرى – كالقتل مثلا – إذا ما عاقه عن ارتكاب جريمته، إلا أن الإسلام إذ يشدد العقوبة يضع لها محاذير هائلة تتعلق باللص وبالمال المسروق وبالمكان الذى كان فيه المال وبالضحية، فإذا لم تنطبق هذه الشروط يسقط الحد 
فلابد لاكتمال أركان السرقة من صاحب مال، ومال، ومكان يحفظ فيه المال..
ولابد للجريمة أن تحدث خفية، ولابد للمال أن يكون مملوكا لأحد، وأن يكون صاحب المال قد اجتهد قدر فى يستطيع فى وضعه فى مكان أمين : "الحرز"..
وربما يلخص هذا الأمر فى جلاء مثل بسيط: فإذا دخل اللص مسجدا ووجد رجلا احترز بقدر استطاعته ووضع متاعه تحت رأسه فسرقه اللص فإنه إذا كان الرجل نائما كانت تلك سرقة يقام فيها الحد، فإن كان مستيقظا عد اللص منتهبا ولا يقام عليه الحد بل يعزر..
ويشترط الإسلام شروطا لإثبات السرقة ويضع محاذير لإقامة الحد تجعل الإنسان فى مرحلة من مراحل عبور قناطر الشك إلى بحر اليقين يهتف بنفسه :لقد تواطأ الفقهاء كى لا يتم إقامة الحد على اللصوص والزناة (أستغفر الله العظيم)!!..
وحتى فى هذا المفهوم الضيق للسرقة فيرى الفقهاء ألا يكون للسارق في الشيء المسروق شبهة، فإن كانت له فيه شبهة فإنه لا يقام عليه الحد، ولهذا لا يقام الحد على الأب ولا الأم بسرقة مال ابنهما، وكذلك لا يقام على الابن بسرقة مالهما، أو مال أحدهما لأن الابن يتبسط في مال أبيه وأمه عادة، والجد لا يقام عليه الحد ؛ لأنه أب ؛ سواء أكان من قبل الأب أم الأم، ولا يقام الحد على أحد من الآباء والأجداد – والأبناء، وأبناء الأبناء وأما ذوو الأرحام، فقد قال أبو حنيفة والثوري : لا قطع على أحد من ذوي الرحم المحرم مثل العمة والخالة والأخت والعم والخال والأخ لأن القطع يفضى إلى قطيعة الرحم التى أمر الله بها أن توصل، ولأن لهم الحق فى دخول المنزل وهو ما يختل الحرز به. 
ولا قطع على أحد الزوجين، إذا سرق أحدهما الأخر..
ولا يقام عليه الحد الخادم الذي يخدم سيده بنفسه..
والضيف لا يقام عليه الحد إذا سرق لأن صاحب البيت هو الذى أذن له بالدخول فاختل الحرز ولم يعد كاملا، بل ووصل الأمر أن بعض الفقهاء قال أنه إذا جاء اللص فى ليلة فثقب الجدار أو كسر النافذة ثم جاء فى الليلة التالية ودخل وسرق فلا يقام عليه الحد لأنه حين دخل فى المرة الثانية دخل مكانا مختل الحرز.
ولا يقام الحد على من سرق من بيت المال لأن له فيه نصيبا وذلك يورث شبهة تمنع إقامة الحد كذلك لو سرق من مال لشركة له فيها نصيب..
ولا يقام الحد على من سرق من المدين المماطل في السداد، أو الجاحد للدين لأن ذلك استرداد لدينه..
ولا قطع في سرقة العارية من يد المستعير؛ لان يد المستعير يد أمانة وليست يد مالك .
ومن غصب مالا وسرقه، وأحرزه، فسرقه منه سارق ؛ فقال الشافعي، وأحمد :لا يقام عليه الحد ؟ لأنه حرز لم يرضه مالكه..
وإذا وقعت أزمة بالناس، وسرق أحد الأفراد طعاما لا يقام عليه الحد وقد قال عمر – رضي الله عنه - :لا قطع في عام المجاعة..
واختلفوا في الطرار (النشال).
ويرى الشافعى أن من سرق قناديل المسجد وحصرها لا يقام عليه الحد ؛ لأن ذلك جعل لمنفعة المسلمين وللسارق فيها حق..
فهل اكتفى الإسلام بكل هذا كى يدرأ الحدود بالشبهات..
لا فإن مطالبة صاحب المال بالمسروق شرط في القطع فلو وهب اللصَّ ما سرقه أو باعه قبل رفعه إلى الحاكم سقط الحد ..
فهل اكتفى الإسلام بذلك لدفع إقامة الحد؟!..
اتفق الفقهاء على أن الدار لا تكون حرزا، إلا إذا كان بابها مغلقا، واختلفوا فيما إذا اشترك اثنان في نقب دار، فدخل أحدهما، فاخذ المتاع، وناوله الآخر وهو خارج الحرز، وهكذا إذا رمى به إليه، فأخذه؟ قال أبو حنيفة :لا يحد منهما أحد .
واختلفوا فيما إذا قرب الداخل المتاع إلى النقب، وتركه، فأدخل الخارج يده، فأخرجه من الحرز ويرى الشافعى و أبو حنيفة أنه لا حد عليهما. 
وذهب أبو حنيفة، ومحمد، والأوزاعي، والثوري إلى أن عقوبة التعزير هى العقوبة الواجبة على النباش الذي يسرق أكفان الموتى لأنه ليس سارقا، فلا يأخذ حكم السارق، ولأنه أخذ مالا غير مملوك لأحد فالميت لا يملك، والقبر ليس حرزا ( مكانا أمينا)..
كما أن المسلم يقام عليه الحد، إذا سرق من الذمى، أما المعاهد والمستأمن، فإنهما لا يقام عليهما الحد لو سرقا في أصح قولي الشافعية وعند أبي حنيفة اللذان يريان أيضا أن سارق الطفل حتى ولو سرق ما عليه من حلى لا يقام عليه الحد بل يعزر(والتعزير يبدأ بالغرامة وقد يصل بالحكم إلى الإعدام). 
ويرى أبو حنيفة أنه لا حد على من سرق المصحف لأنه ليس بمال وليس ملك أحد..
ثم إن إقامة الحد لا تتم إلا بشاهدين عدلين أو بالإقرار مرتين( هذا فى السرقة أما فى الزنا فأربعة شهود أو الإقرار أربع مرات)..
وتصل العقوبة بالشاهدين إذا ثبت أنهما ( لفقا القضية) للمتهم إلى قطع أيديهما..
ويندب للقاضي أن يلقن السارق ما يسقط الحد.
فيقول :أسرقت ؟ قل :لا.
وعن أبى الدرداء، أن أبا بك أتى بجارية سرقت فقال لها: أسرقت؟ قولي :لا. . فقالت :لا.. فخلى سبيلها. وعن عمر، أنه أتي برجل سرق فسأله :أسرقت ؟ قل :لا.. فقال :لا.. فتركه.
فهل اكتفى الإسلام بكل هذا..
لا..!!
فبعد هذا كله إذا ادعى اللص أن ما أخذه من الحرز ملكه، بعد قيام البينة عليه فقد أفتى أبو حنيفة وال شافعى أن لا يقام عليه الحد، وسماه الشافعي :السارق الظريف!!. 
***
نطمئن الزنادقة إذن أن سرقة الفنادق والبنوك والقطاع العام والأموال الحكومية لا يقام عليها الحد، ولا كذلك الاستيلاء على الأراضى والعقارات والأوقاف..
***
ثم أقدم لك أيها القارئ درسا باهرا فى احترام النصوص وعدم الخروج عليها درس أطمع أن يدرسه ذات يوم ترزية القوانين وسيد قراره بل أطمع أن يدرسه العالم..
إذ لا يؤخذ الأخرس بحد الزنا ولا بشيء من الحدود، وإن أقر به بإشارة أو كتابة أو شهدت به عليه شهود، فالكتابة قائمة مقام العبارة، والحد لا يقام بمثله، وكذلك إن شهدت الشهود عليه بذلك، لأنه لو كان ناطقاً ربما يدعي شبهة تدرأ الحد، وليس كل ما يكون في نفسه يقدر على إظهاره بالإشارة، فلو أقمنا عليه كان إقامة الحد مع تمكن الشبهة،
اقرأ أيها القارئ ولتته على العالمين فخارا بدينك ..
اقرأ أيضا أنه بعد كل هذه المحاذير فإن الزانى إن قال زنيت في حال جنوني لم يحد..
اقرأ أيضا درسا نبيلا باهرا فى احترام الرأى المخالف..
إن جمهور الفقهاء يعتبر زواج المتعة زنا ولكن نفس هذا الجمهور- الذى لا يقره – اعتبره شبهة تمنع إقامة الحد، والجمهور يرى وجوب الوكيل والشهود فى الزواج.. لكن بعض الفقهاء لم يشترط ذلك فاعتبر عدم وجود الشهود والوكيل شبهة تسقط الحد!!.. حتى يصل الأمر ببعض الفقهاء إلى القول : إذا وجد رجل مع امرأة لا زوج لها فإن له أن يدعي أنه تزوجها، وذلك شبهة تدرأ الحد في بعض المذاهب"..
وإذا أقر الرجل أربع مرات أنه زنى بفلانة، وقالت كذب ما زنى بي، ولا أعرفه لم يحد الرجل في قول أبي حنيفة..
***
وقد يتبادر للذهن أن الإسلام قد حاصر الزناة واللصوص وشاربى الخمر بأن أوجب عليهم الاعتراف وإلا خرجوا من الملة أو أنه هدد الشهود إذا نكصوا عن الشهادة..
لكن ذلك لم يحدث..
حدث العكس!!
فالإسلام قد أوجب على المسلم إذا وقع في ذنب من هذه الكبائر، أن يقلع عن الذنب ويتوب إلى الله تعالى، ويسترعلى نفسه، ولا يفضحها بالتحدث بالذنب أمام الناس، والتجاهر بالمعصية، وقد روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال :أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى..
أما الشاهد فلم يوجب عليه الشرع التقدم بشهادته بل خيّره :فهو مخير في أداء الشهادة حسبة لله تعالى وغيرة على حدوده، أو ترك الشهادة رغبة في الستر على أخيه المؤمن وعدم إشاعة الفاحشة..
***
ولقد اتفقت كلمة العلماء على أن الجريمة التي لم يصل خبرها إلى الحاكم، لا يقام من أجلها حد، وأن الجريمة التي علم بها الحاكم، ولم تثبت لديه بالإقرار، أو بشهادة الشهود لا يقام الحد عليها.. فإذا رأى الحاكم الجريمة بعينيه فليس له أن يقيم الحد عليها إلا باكتمال شروط إقامة الحد وليس له أن يعتمد على ما رأى..
واتفقت كلمة الأئمة على أن من أقر بحد من الحدود أمام الحاكم، ولم يفسره فلا يطالب بتفسيره وبيانه ولا يقام عليه الحد..
إن الحربي المستأمن في دارنا إذا أقر بالزنا أربع مرات لا يقام عليه الحد وإن المسلم إذا سرق الذمى أقيم عليه الحد..
فأى عظمة وأى بهاء..
***
ولقد قال الفقهاء :أن صاحب العسس إذا شاهد فاسقا يحمل تحت ثوبه قارورة - مثلا- لم يجز له أن يكشف عنه ما لم يظهر ما تحت ثوبه بعلامة، فان فسقه لا يدل على أن الذي معه خمر إذ الفاسق محتاج إلى غير الخمر - أيضا - مما يوضع في القوارير، ولا يجوز أيضا أن يستدل بإخفائه على حرمته لأن أغراض الإخفاء لا تقتصر على الحرمة فقط!!..
فأى عظمة وأى بهاء..
***
لا ينبغي للقاضي أن يلقن الشهود ما تتم به شهادتهم في الحدود لأنه مأمور بالاحتيال لدرء الحد لا لإقامته وفي هذا احتيال لإقامة الحد فلا يكون للقاضي أن يشتغل به..
ثم إن موت الشهود أو موت أحدهم مسقط للحد فربما كان يرجع فى شهادته إن امتد به العمر!!..
فأى عظمة وأى بهاء..
***
عن خليد أن رجلا أتى عليا فقال :إني أصبت حدا فقال علي: سلوه ما هو؟ فلم يخبرهم، فقال علي :اضربوه حتى ينهاكم.
فأى عظمة و أى بهاء و أى تكريم للإنسان أكثر من أن يجعله الله قاضيا على نفسه فإن شاء أقر و إن شاء أنكر و إن شاء رجع عن إقراره، فإذا اعترف بما يوجب إقامة الحد لم يجز للحاكم سؤاله عن التفاصيل ووجب على القاضى أن يظهر كراهيته لسماع اعترافه بل ووجب عليه أن يلقنه إنكار ما اقترفه كى لا يقيم عليه الحد..
أى تكريم و أى عظمة وأى بهاء..
عندما رأى الفاروق عمر رضى الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم يصلى على زانية بعد حدها سأله فى دهشة :تصلي عليها؟ يا نبي الله وقد زنت؟.. فقال :لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم. وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟..
أى تكريم وأى عظمة وأى بهاء،وأى رحمة..
فى هذا الإطار ينبثق نور الرحمة الذى يحاول المنافقون والمشركون أن يطفئوه..
فالعظمة الهائلة التى تدفع بشرا فتحت أمامه كل وسائل الهروب لكن ضميره وخوفه من الله يجعلانه يصر فى نقاء ليس له مثيل على أن يجود لله بنفسه هى قمة فى السلوك الإنسانى ندر أن يوجد لها مثيل..
ثم أن الإسلام لم يقصد الفرد بالحد بل لقد حاول أن يجنبه الحد بكل الوسائل.. وما حرص عليه الإسلام هو حماية المجتمع من المجاهرة بالفحشاء..
حق لك أيها القارئ أن تتيه فخارا بدينك..
***
أما القردة والخنازير الذين يطالعوننا على صفحات الصحف وشاشات التليفزيون يغمزون ويلمزون فيكفى دليلا على دنسهم أنهم وهم يعترضون على شرع الله فى ادعاء داعر للرحمة لم يجرءوا أبد على الاعتراض على التعذيب فى المعتقلات ولا على المئات الذين تحكم المحاكم العسكرية بإعدامهم قربانا للحكام وكلاء الغرب وبتهمة الإسلام!!..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق