فيلم "الساعات الأخيرة".. شهادة منقوصة وطعنة للرئيس مرسي!
شعبان عبد الرحمن
انتظرت عدة أيام قبل كتابة هذا المقال، لعل شاهدا جديدا على الساعات الأخيرة من حكم الرئيس محمد مرسي يظهر فيضيف على ما قيل، لتكون الصورة لدينا أكثر وضوحا، أو لعل الأستاذ خالد القزاز يدقق في تعليق السيدة الفاضلة حرم الرئيس وابنيه، الدكتور أحمد والأستاذ عبد الله، فيخرج علينا بتصحيح نفسه.. لكن الرجل لم يفعل، ويبدو أنه اكتفى بالشكر وبعض التصحيحات التي أرسلها للبرنامج عبر مقال في الجزيرة نت، كما يبدو أنه متمسك بما قاله عن الرئيس محمد مرسي وكذّبته عائلة الرئيس التي كانت أكثر قربا منه في تلك الساعات التي لن ينساها
يخبرنا "معجم المعاجم الجامع" بأن معنى "وثَّق" الموضوع: أي دعَّمه بالدَّليل وأثبت صحّته.
وأداة التوثيق هنا، فرد واحد من مستشاري الرئيس القريبين منه، هو الأستاذ خالد القزاز (متعه الله بالصحة)، أُدخل سجنا انفراديا قاسيا كبقية مستشاري الرئيس، ومرض مرضا شديدا كاد يفضي به إلى الموت، وفق ما كان يُعلن من قبل أسرته في ذلك الوقت، وتم الإفراج عنه بعفو صحي وسافر للخارج مباشرة، حتى ظهر في الفيلم الوثائقي.الفيلم أغفل تماما أسرة الرئيس: السيدة حرمه وأولاده، رغم أنهم كانوا أكثر قربا للرئيس من الأستاذ خالد القزاز، إذ كانوا يقيمون معه في مكان قريب من الحرس الجمهوري قبل الأحداث بفترة
لكن الفيلم أغفل تماما أسرة الرئيس: السيدة حرمه وأولاده، رغم أنهم كانوا أكثر قربا للرئيس من الأستاذ خالد القزاز، إذ كانوا يقيمون معه في مكان قريب من الحرس الجمهوري قبل الأحداث بفترة، وبالتالي فقد كانوا أكثر اهتماما ومتابعة والتفافا حوله من أي شخص آخر، حتى ولو كان خالد القزاز، وبالتالي كان الأولى بالجزيرة الاستماع إليهم وتسجيل شهادتهم.
وكان من الممكن لمعدي الفيلم أن يناقشوا أسرة الرئيس في أي معلومات يتشككون في سلامتها، لكنهم أهملوا بذلك طرفا رئيسيا في هذا الحدث التاريخي، وهو ما يلقي بظلال من الشك على أن هناك توجها مسبقا في توصيل تلك الرسالة السلبية التي فهمها كل من تابع الفيلم بحق الرئيس محمد مرسي.
نحن إذاً أمام شهادتين:
شهادة الأستاذ خالد القزاز، وشهادة أسرة الرئيس التي كانت أكثر قربا من الرئيس، وظلت واقفة على باب حجرته حتى آخر لحظة، ودارت بينها وبينه حوارات، وهي شهادة تناقض ما قاله خالد القزاز، إذ نفت قول "خالد" أن الرئيس أخبرهم بأنه لأول مرة منذ تولى الرئاسة نام في تلك الليلة نوما هادئا.. وتناقض ما قاله أيضا عن أن الرئيس فوض من ينوب عنه إماما (لأول مرة) لصلاة الفجر، في إشارة فهمها كثير من المتابعين عن أنه تنازل غير مباشر عن الرئاسة. وقد خرجت صفحتان على الفضاء الالكتروني تؤكدان ذلك.
شهادة خالد ترفضها أسرة الرئيس التي كانت ملازمة له (كما قلنا آنفا) حتى آخر لحظة.
تقول زوجة الرئيس تعليقا على كلام خالد: "بالعكس، من كان واقفا أمام غرفته، ومن ظل واقفا لم تغمض له عين، أولاده وشخصيات كانت معه وحوله، وإن كان المجرمون يعلمون أسماءهم فلا داعي لذكرههم.. أولاده وهؤلاء الأشخاص هم من ظلوا حراس الرئيس على أقدامهم حتى الثامنة صباحا.. قبل الفجر كان الرئيس مستيقظا يدعو الله: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.. وظن من هم خارج الغرفة أنه نائم مطمئن حتى صلاة الفجر، ثم خرج وصلى بالناس إماما، وقال لي ولأسرته نصا: أنا سأختار ما اختاره سيدنا عثمان ابن عفان، حتى لا تكون نهجا من بعدي.. دمي أمام منصبي".
ثم وجهت السيدة حرم الرئيس في آخر كلامها انتقادا لا ذاعا لخالد القزاز...
وكلام زوجة الرئيس هو ما أكده ولداه: الدكتور أحمد، الابن الأكبر، وعبد الله، الابن الأصغر، ويؤكده كذلك كلام الرئيس نفسه في آخر خطاب له: "الشرعية تمنها حياتي.. حياتي أنا.. "اوعوا" حد يضحك عليكم.."، ثم تأكيده في كل المحاكمات أنه ما زال رئيس الجمهورية، وأن تلك المحاكمات باطلة.
وشخصيات أخرى رئيسية كان ينبغي إحاطة الرأي العام بموقفها ودورها، حتى يستوفي الفيلم توثيقه، لكن تم إهمالها، مثل دور الدكتور محمد البرادعي وبقية رفاقه في جبهة الإنقاذ، ومعهم السفيرة الأمريكيةومن ناحية أخرى، فإن محاور وشخصيات أخرى رئيسية كان ينبغي إحاطة الرأي العام بموقفها ودورها، حتى يستوفي الفيلم توثيقه، لكن تم إهمالها، مثل دور الدكتور محمد البرادعي وبقية رفاقه في جبهة الإنقاذ، ومعهم السفيرة الأمريكية، ودور الكنيسة والأنبا تواضروس، وحزب النور، وبقية الجالسين على منصة الانقلاب.
كما تم تجاهل دور المجموعة الأوروبية ودور كاترين آشتون، مفوضة المجموعة التي التقت الرئيس مرسي في الأيام الأولى للانقلاب عليه، ودور الإمارات والسعودية، وهما من الأركان الرئيسية في دعم الانقلاب علنا، وكذلك الدور الأمريكي الكامل، وإن كان قد تم التطرق بصورة مقتضبة.
ومن هنا، فإن عرض الفيلم بهذا الشكل المنقوص أرسل رسالة سلبية عن الرئيس مرسي، الصامد في محبسه حتى الآن.. ما كان يستحقها، بل يستحق أن يخلد في التاريخ المصري.
عرض الفيلم بهذا الشكل المنقوص أرسل رسالة سلبية عن الرئيس مرسي، الصامد في محبسه حتى الآن.. ما كان يستحقها، بل يستحق أن يخلد في التاريخ المصري
ولو أنه تنازل عن الرئاسة كما يروجون، لرفع الانقلاب العسكري عنه القفص الزجاجي والحديدي، ولسمحوا له بالكلام ليعبر عن ذلك، ولنقلته كل القنوات حتى يعلم القاصي والداني بتنازله المزعوم ذلك.
وكنت أتمنى أن يقوم خالد القزاز بتصحيح ما صححته أسرة الرئيس، في مقاله المنشور بعد بث البرنامج بـ"الجزيرة نت".
فيلم مبتور، لم يكشف حقائق الساعات الأخيرة، لكنه كشف عن خطأ مهني جسيم لأكبر وأشهر قناة عربية، أسهم في الاغتيال المعنوي للرئيس وإظهاره في حالة ضعف وتسليم بالتخلي عن المسؤولية والتنازل عن اختيار الشعب له، في حين أظهر الطرف الباغي المنقلب في حالة قوة وانتصار، وكأنها معركة.. ولا نستغرب بعد ذلك من ظهور صفحات الكترونية مجهولة المصدر تعزف على هذه النغمة.. نغمة أن الرئيس تنازل وانتهى الأمر.. كفاية خلصونا!
كما لا نستغرب ما قاله أحد الشباب في صلاة الغائب الشهداء التسعة: احنا اللي يهمنا المعتقلين فقط.
وفي التحليل الأخير.. فإن شهادة خالد القزاز، وهذا الفيلم بل وأفلام الدنيا كلها لن تغير من الحقيقة شيئا، وهي أن الرئيس ما زال ثابتا صامدا لم يتنازل عن الشرعية التي منحها له الشعب، في أول انتخابات رئاسية حقيقية ونزيهة بشهادة العالم كله، وإن موقفه ذلك ليس تشبثا بسلطة ولا تكالبا على الرئاسة، وإنما تشبثا بحق الشعب، ودفاعا عن الأمانة التي في عنقه ويقابل بها الله عز وجل. ومن جهة أخرى، حتى لا يكون "محمد مرسي" مثلا وحجة على امتداد التاريخ يستند إليه الطغاة في قفزهم على السلطة واختطاف حق الشعوب.
ذات صلة
أسرة مرسي والقزاز يردون على فيلم "الساعات الأخيرة"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق