السبت، 30 مارس 2019

أردوغان، وابن سلمان والعودة إلى الجذور

أردوغان، وابن سلمان والعودة إلى الجذور

ولم يقتصر جهد الأمير الشاب على العودة إلى جذور جاهلية ما قبل الإسلام، بل أحيا سنة أبي جهل وأمية بن خلف في تعذيب المستضعفين والتنكيل بدعاة المسلمين
د. محمد الصغير
جمع بين تركيا والسعودية في الحقبة الحالية حرص قيادة البلدين على العودة إلى الجذور، وتجاوز المرحلة السابقة على وصولهم إلى سدة الحكم.
في الوقت الذي بدأ فيه الرئيس أردوغان باستعادة الهوية الإسلامية، وعودة ما حورب منها بداية بعودة الحجاب، وإحياء الأوقاف، وعمارة المساجد بل وعودة المأذون الشرعي، وأصبحت القضايا الإسلامية في مقدمة الأجندة التركية، وفتح ملاذا آمنا لملايين المظلومين الفارين بدينهم من بطش طواغيت العرب، وجبابرة المسلمين..
بل من عجائب الطرائف أن تركيا تشهد هذه الأيام انتخابات البلديات وهي معركة حامية الوطيس، وتسعى الأحزاب المنافسة من خصوم أردوغان إلى كسب الأصوات عن طريق حضور مجالس القرآن كما يفعل هو ورجال حزبه، بل مما يأخذونه عليهم ويذكرونه للناخبين أنهم يستوردون اللحوم من دول لا تذبح الحيوانات حسب الشريعة الإسلامية!
لأنهم أيقنوا أن القرب من الإسلام أصبح هو المزاج العام، ومن عوامل التأثير على الناخب التركي!
إن المتابع المنصف لا يخفى عليه أن الإسلام يكسب كل يوم أرضا جديدة في تركيا، في الوقت الذي يتنازل فيه حكام العرب عن أرض المسلمين ويبددون ثرواتهم، وبالدرجة نفسها التي تسعى بها تركيا إلى العودة لجذورها الإسلامية، نجد في المقابل ولي عهد السعودية محمد بن سلمان يحاول بكل قوة التخلص من جيل الصحوة الإسلامية، وسجن رموزه، بل والتحلل من إرث الدعوة الوهابية التي أسست لملك آبائه وأجداده...
جذور الجاهلية
ولم يقتصر جهد الأمير الشاب على العودة إلى جذور جاهلية ما قبل الإسلام، بل أحيا سنة أبي جهل وأمية بن خلف في تعذيب المستضعفين والتنكيل بدعاة المسلمين، وصد الحجاج والمعتمرين عن بيت الله الحرام، وذهب إلى غور أبعد، وجاهلية أقدم، فاستجلب المغنيات والسائحين والسائحات إلى مدائن صالح، وفعل فيها ما لم تفعله ثمود!
مجاهرا بمخالفة هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدم الدخول على قرى المعذبين، وليته أخذ جاهلية العرب بخيرها وشرها، وإذن لعرف حق الجار، بدلا من الحصار، ولعلم أن مهمته ستر الحرمات، لا اعتقال النساء والبنات، لكنه أخذ القبيح من الجاهلية العربية، وجمع إليه المرذول من العلمانية الغربية، فعلى سبيل المثال في باب الحقوق والحريات أخذ حرية الفسق وحق الترفيه الحرام، معرضا عن حرية التعبير وحق اختيار الحاكم ومساءلته...
ونظرا لأنه بضدها تتميز الأشياء، فإن الإعلام السعودي، والممول سعوديا، كلاهما ينظر إلى تركيا على أنها تكشف سوأة، هم من أصر على تعريتها ! ويزعجهم جدا أمر المقارنة التي يفرضها الواقع وتصرفات البلدين، وإلا فلماذا يشتد غضب هؤلاء وأشياعهم عند التعبير عن أعمال ابن سلمان وتوجهاته بأنها "السعودية الجديدة"؟
ويرون ذلك ذما له وتعريضا به، مع أنك إذا علقت على أردوغان وأعماله بأن هذه هي "تركيا الجديدة" عد هذا من المدح، ووضع في باب المناقب !
حتى جاء حادث مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، وانتقل الأمر من المقارنة بين نموذجين، إلى المواجهة بين البلدين، حيث أقدمت السعودية على قتل صحفي بريء، ومثلت بجثته داخل مقار دبلوماسية على أرض تركية، في الوقت الذي سعت فيه تركيا إلى كشف غموض الجريمة البشعة، ومعرفة من أمر بها، ولم تكتف بما ورد من تصريحات سعودية متضاربة، لأن مثل هذه الجرائم لا يأتي الأمر بها إلا من ولي الأمر، أو من ولي عهده....
السلطان سليمان القانوني
واستطاع أردوغان ومعه أجهزة الدولة ومؤسساتها جعل قضية الصحفي المغدور، قضية رأي عام تخطت القطرية إلى العالمية، وأصبحت ملفا لا يمكن تجاوزه أو التلاعب به، ومن هنا ظهر الخلاف المكتوم، وخرج للعلن بل تحول إلى فجور في الخصومة، وعملت معاول الهدم، وأبواق السوء على النبش في تاريخ الدولة العثمانية، سعيا إلى تشويهها والحط من قيمتها، وبلغ الفحش منتهاه فطال سلاطين الإسلام، وخلفاء المسلمين الذين حملوا راية الملة، وحموا بيضة الدين، واتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهدهم حتى وصلوا إلى قلب أوربا وخضعت لهم القارة العجوز .
نالت سهام الإعلام السعودي من السلطان سليمان القانوني أطول من حكم في تاريخ المسلمين، حيث استمرت مدة حكمه أكثر من خمس وأربعين سنة، وتم حصر ما قضاه منها في الفتح والغزو فكانت أحد عشر عاما، حتى مات في آخر جيش خرج على رأسه إلى أوربا، بل وصل الأمر للنيل من السلطان محمد الفاتح الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى على جيشه حيث قال: (لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ) أخرجه أحمد والحاكم وصححه.
وختموا حملتهم بخاتم الخلفاء العثمانيين السلطان عبد الحميد صاحب المواقف المشهورة، الذي كان سدا منيعا أمام الطامعين في قدس المسلمين، وما دنسه المحتل، وما ذهب ريح الأمة، وقسمت بلادها إلا بعد سقوط حكمه، وذهاب ظله.
إن ما تفعله السعودية الآن بنفسها، لا يطمح أعدى أعدائها إلى أكثر منه، فهى تنسف القاعدة الدينية، والرابطة الوهابية التي قام عليها نظام ملكها، كما تخلت عن مكانتها الدينية المرتبطة بخدمة الحرمين الشريفين عندما سيست الحج والعمرة، وزاحمت ذلك ببرامج سياحية تقوم على المخالفات الشرعية، كما خسرت تعاطف الشعوب في محيطها العربي بدعمها للثورات المضادة، ومحاربة حق الشعوب في الحياة خارج دائرة الفساد والاستبداد، كما بدت زاهدة في محيطها الإسلامي من خلال بدايات التطبيع مع إسرائيل، والالتزام بما تمليه عليها حكومة أبو ظبي!
إن ما خسرته المملكة السعودية من بعد وصول ابن سلمان إلى ولاية العهد، عادة ما تخسره الأمم خلال سلم انحدارها في عقود، ولكنها سنة الله في الاستبدال والتغيير.
(ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق