الثلاثاء، 19 مارس 2019

"الجزائر ليست سوريا".. متى نكف عن المقارنات المؤذية لغيرنا؟

"الجزائر ليست سوريا".. 
متى نكف عن المقارنات المؤذية لغيرنا؟



خولة شنوف
مدونة جزائرية
تداولَ ناشطونَ جزائريون بكلّ تأثر وفخر، مقطعًا لطفلٍ صغير يبكي مردّدا: "الجزائر ليست سوريا"، ليحتضنَه مَن حوله وسط تصفيقٍ وصراخٍ، يدلّ على أنّ الفتى نطَق دررا في زمنٍ قلّ فيه ذلك، كان كلام الطفل هذا ردًّا على تصريحِ وزيرٍ جزائريّ خوّفَ شعبهُ بمصيرٍ مُشابه لما حدث هناك في سوريا. هذه العبارة التي يقومُ الكثير من الجزائريين بترديدها، قبلَ كلام الوزير وبعده، وإنْ كانت بحُسن نيّة أحيانًا، إلاّ أنّها تغرسُ سكينًا في قلبِ كلّ سوريّ وعربيّ عاصرَ الثورة وعايشَ لحظاتِها وتمنّى لو أنّه حصد ثمارَها دون أن يتغذى جشعُ القاتل على وجعه، ودون أن يكون هناك خسارة في الأرواحٍ، وفي الأوطان، ودون أن تخرج آهاتُه بحرقة وتصل مُشوّشة إلى عالم أصمّ وأبكم وأعمى لم يرَ من الثورة إلاّ بضعَ جثث لا تستحق سوى الشّعور بالقلق.
  
لا يمكنُ لبلدٍ أن يشبه آخر، أعلمُ ذلك تمامًا، فالتجربة والموقع والظروف تختلف، مهما كان رأسُ الهرم متخرّجا وأقرانَه من جامعة الاستبداد نفسها، ولا يمكننا في الوقت نفسه أيضا، نكران أنّ هناك دولا استفادت من تجارب الدول الأخرى التي سبقتها، إلاّ أنّ نظرة التعالي التي تحيط بالجملة تلك، لا يمكن أن تمرّ دون تعليقٍ ولو بسيط. فبعض الجزائريين يتخوّف أن يُطلَق على حَراك الشعب اسم الثورة، وينتفضُ غاضبا إذا تناولها الإعلام بتلك الصفة، ويُلاحق كلّ عربيّ يحاول أن يقدّم رأيه داعما أو مؤيدا أو حتى ناصحا.
  
فهو نفسه، أيّ هذا الجزائريّ، الذي لا يترك شاردةً ولا واردة في دول العالم إلاّ ويحلّلها وينتقدها ثم يرسم لها سيناريوهات طويلة وعريضة، وقد يفتي فيها ويضحك عليها في النهاية. هو نفسه، كان ولا يزال، يرى في ثوراتِ الربيع العربيّ فتنة قائلا: "الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها"، وهو نفسه يعتقد أنّ ما يحدث في الجزائر شأنٌ داخليّ عائليّ، لا يجوز لأحد تناولُه بالتحليل أو النُّصح أو التغطية.
  

مع أنّه يعلم أنّ ثورات الربيع في سوريا وغيرها، بدأت كما بدأ الحراك في الجزائر مُسالما بأهداف كثيرة، وأحلام كبيرة ووطن يريد أن يتنفس شعبه حريةً بعيدا عن جور الظالمين، إلاّ أنّ حكاما اختاروا لهم مصيرا مأساويا، ووحدَهم قرروا أنّ هذا الشّعب الذي يتوقُ للحرية والعيش بكرامة مذنبٌ لا يستحق سوى العقاب، فلا يجوز له الاعتراض ولا يحق له الاختيار، إلى أن حدث ما حدث.


أمّا البعض الآخر فيرتجفُ صوتُه، وترتعدُ فرائصه عندما يسمع شعار: "الشّعب يريد إسقاط النظام" فيهرَع ليبرّر ويُؤوّل ويشرح لنا الفرق بين النظام وبين الدولة ومؤسساتها، فترتبكُ الكلمات من خوفه، ويتحوّل الهواء الذي يتنفسه إلى كتلةٍ يدفعها بقوة عن حلقه كيّ لا يختنق، فيبدأ بتراشُق الاتهامات لغيره بالتخوين والمؤامرة على أمن البلاد، ويُزايد على مَن حوله بوطنية لا تُشترى بدرهم في سوق النّخاسة. وقد يتسلّل إلى غرفنا السريّة ليهمس في آذاننا، أن هذا الوطن لهم وحدهم فغادروا على جناح السرعة فنحن لا نريد لبلادنا أن تتحول إلى جحيم كسوريا ومصر واليمن.
  
أمّا نحن فنضع يدنا على قلب الوطن نراقبُ دقّاته لنطمئن ونُعيرَه بعضا من أمل كِدنا أن نفقده قبلَ هذا الحراك الأخير، أمل يقصر ويطول كلّما زادت قدرتنا على تحمّل هؤلاء الذين يريدون منّا أن نسمع ما قاله الشعب، ونُخفيَه عن أعين الشّاشات كي لا يُفهم خطأ، فهم لا يقصدون إسقاط النظام بل تغييره، وإنما قيلت هذه العبارة من البعض المندفع بحماس اللحظة وبغير وعي، وكأن الشمس يمكن تغطيتها بغربال، وكأنّ الحرية تهمة كبيرة، والمطالبة بإسقاط عصابة يحتاج لتأويل وشرح وتبرير، وكأنّ معنى المفردة يحتاج لكلّ هذا الغضب.
  
أنا وإن كنت أتفهم تخوّف بعض الجزائريين المبالغ فيه أحيانا والمبرّر أحيانا أخرى، بالنسبة لشعب لم ينعم بالأمان كثيرا، فمن الاحتلال الفرنسي إلى زمن العشرية السوداء التي لا يزال للآن يتمنى لو أنه يمتلك قوة خارقة تمكنه من دفن ذكرياتها الموجعة في أول حفرة يرتطم بها، دون أن يشعر بالوحشة أو الندم. إلاّ أنني رغم ذلك أشعر بالضيق أحيانا عندما يتحول هذا الخوف إلى مقارنات بدول أخرى، تصل إلى مسابقة الأكثر وعيا بين الشعوب مع ضمان النتائج لشعب الحراك الأخير، مقارنات نخلع عنها صفة التعالي بأظافرنا فتأبى ذلك وحوارات يتغزل فيها من ظن أن شعبه أكثر وعيا من الشعوب الأخرى وكأننا نخاصم أملا مشتركا وحلما واحدا في حلبة حَكَمُها الوحيد: صوتُ الجبروت القادم من أعلى الهرم.
   
فلماذا يختبئ الواحد منهم وراء إصبعه محاولا إخفاء الحقيقة، ولماذا لا نكفّ عن المقارنات المُحاطة بالتباهي والتّعالي والغرور، ولم لا نضعُ أرجلنا على الأرض ونتوقف عن الدوران حول أنفسنا بلا فائدة، فلا الكواكب تتآمر علينا، ولا الشعوب المضطهدة تشمت بنا، ولا الحرية والكرامة والثورة كلمات يُستعابُ بها، ووحدها الأنظمة المستبدة تضرب الأمثلة بغيرها من الشعوب، لتربي شعبها وتخيفَه، ووحدها من تختار لهم ذاك المصير.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق