شحيبر وشركاؤه المتشاكسون
(إلى صديقي الذي يصر دائماً على السقوط في الحفرة)
23 مايو 2019
علي فريد
@alimfareed
علي فريد
@alimfareed
*****
بحثتُ عن مَثَلٍ نظيفٍ أُقَرِّبُ لك به الصورة؛ فلم أجد سوى أمثلة وَسِخَة لا تصلح للكتابة في رمضان ولا في غير رمضان!!أعترف أنني شعرتُ بالخوف على نفسي حين أحسستُ أن خيالي صار مريضاً إلى الحد الذي يعجز فيه عن الإتيان بمثال نظيف.. بيد أني عدتُ وأقنعت نفسي أن الواقع الوَسِخ من الصعب توضيحُه بأمثلةٍ نظيفة!!
قال تامر لوائل: رأيت هاني الكهربائي يُعاكس أختك في الشارع
رد وائل: هاني لم يكن كهربائياً ولم يفهم قط في الكهرباء!!
طُرفة قديمة.. وربما (بايخة) لم تعد تُضحك أحداً.. بيد أني تذكرتها حين هَبَّ بعضُ الحمقى المستهبلين للدفاع عن قناة الجزيرة وجواريها بعد أن حذفت منصةُ (+AJ) التابعة للقناة تقريراً مرئياً تناول فيه صاحباه ما يُسمى (الهولوكست) بطريقة لا توافق النظرة الصهيونية أو اليهودية لها.. ثم لم تكتف القناة بذلك؛ بل طردت الصحفييَن المسؤولَين عن نشره واعتذرت للصهاينة على موقع الجزيرة الانجليزي فقط، دون الإشارة إلى ذلك الاعتذار في موقعها العربي الموجه لإخواننا الطيبين عشاق الرأي والرأي الآخر!!
المبررون المستهبلون لم تشغلهم الجريمة التي اقترفتها الجزيرة في حق الصحفييَن حين طردتهما- وهي سابقة غريبة ومتجاوزة لا أذكر أني سمعت بمثلها في القناة من قبل- ولم يشغلهم ابتلاعُ القناة لأكذوبة الرأي والرأي الآخر حين حذفت التقرير، ولم يشغلهم الاعتذار المُهين للصهاينة والرضوخ الذليل لهم في الوقت الذي يستأسد فيه الصهاينة على أطفالنا ونسائنا ورجالنا العُزَّل قتلاً وقصفاً وتدميراً!!
لقد شُغلوا فقط بمناقشة ما زعموه أخطاء منهجية قاتلة وردت في التقرير، ومدى مخالفة هذه الأخطاء للمعايير الصحفية الموضوعية المعتمدة في القناة ومنصاتها، والتي لا تليق بوسيلةٍ إعلامية كبرى بالغة التأثير مثل الجزيرة!!!).. هكذا استهبل أحدهم ضمن (طَقِّ حَنكٍ) كثير كتبه ونشره، ثم أعادت نشره إحدى مذيعات الجزيرة المعروفات بتبادل (الردح) الإعلامي بينها وبين الذباب الإليكتروني السعودي.. ذلك الردح الذي يجعل القارئ يعجز عن التفريق بينهما!!
هذا الاستهبال وأمثاله ذكرني بوائل الذي (نَقَحَ) عليه عِرقُ الموضوعية فاعترض على كهربائية هاني المزعومة، وتغافل عن عِرضِ أخته المهتوك في الشارع!!
مناقشة هذه الكائنات عبثٌ لا طائل منه؛ لأن هذه الكائنات نفسها تعرف قبل غيرها أن مثل هذا الاستهبال في مثل هذه المواقف لا يُقصد به إلا التشويش على محل النزاع وأصله وإشغال الناس بما ليس محلاً ولا أصلاً.
إنْ سلمتَ- جدلاً- أن التقرير يخالف الموضوعية والمهنية المعتمدة لدى الجزيرة (وهذا غيرُ صحيح)؛ فما عليك إلا أن تقرأ وتسمع وتشاهد عشرات المقالات والتقارير المرئية والمسموعة والمكتوبة التي طفحت بها- منذ سنتين تقريباً- قناةُ الجزيرة وجواريها من منصات ومدونات؛ وستكتشف- إن كنت تملك مسكةً من عقل ومهنية- كَمَّ التهريج والانحياز والسطحية والتفاهة وإسقاط الحقائق أو الالتفاف عليها في كثيرٍ من الموضوعات المطروحة في العلم والسياسة والاجتماع والثقافة والدين؛ حتى وصل الأمر في بعض درجاته إلى الترويج للإلحاد والملحدين بالتشكيك- من طرف خفي- في الإسلام ذاته وتشويه علمائه بعلماء السلطان ثم جعلهم جميعاً سبباً وحيداً أو أولياً لانتشار الإلحاد والكفر بالدين.. أما الهجوم على المجاهدين واتهامهم بأنهم صنائع أمريكا؛ فهذه (موضة) هذه الأيام في الجزيرة تحديداً بعد أن تقادم العهد عليها في غيرها من مستنقعات ما يُسمى الإعلام العربي!!
ستختفي ادعاءات الموضوعية هنا.. لا لشيء إلا لأنهم يرون أن الإسلام ليس له أهل يردون عنه، أو يطؤون على رأس من يتجرأ عليه كما وَطِئَ الصهاينةُ على رأس قناة الجزيرة وأجبروها على الحذف والاعتذار والطرد!!
ستجد في هذه المنصات سفهاً كثيراً وحمقاً وضجيجاً وافتئاتاً على الموضوعية وجهلاً؛ حتى تظن أنك في (سوق جمعة) فيه من (الخردوات) أكثر مما فيه من الأصيل.. كما ستجد أيضاً بعضَ موضوعيةٍ ومهنيةٍ وعمقٍ، مَرَدُّه- في الأصل- إلى اجتهادِ وفهمِ وثقافةِ منشئي المحتوى وليس إلى عارضيه!!
ربما تقول لي: إن ذلك السفه والحمق والجهل والافتئات مَرَدُّهُ أيضاً إلى مُنشئِيه وليس إلى عارضيه.. وهذا صحيحٌ تماماً.. ولكن لماذا لم تنتفض الجزيرة لتمنع هذا السفه والحمق والجهل عملاً بمعاييرها الموضوعية المزعومة، كما انتفضت ضد التقرير الذي عَامَلتْ صاحبيه بعنفٍ غير مبررٍ وغير مسبوق!!
الجزيرة لم تحذف، وتعتذر، وتطرد، بسبب مخالفة الموضوعية المعتمدة لديها.. الجزيرة حذفت واعتذرت وطردت لأنها كغيرها لا تستطيع المساس بمقدسات الصهاينة المزعومة، ولا تجرؤ على الخروج عن الحدود المرسومة لها ولأمثالها!!
الجزيرة ليست الصورة التي تروجها هي أو جواريها.. ليست الصورة التي في ذهنك أنت.. ليست حاملة هَمِّ الأمة، ولا المتحدثة باسم الإسلام والعروبة.. ليست كهف الخائفين ولا ملاذ المبعدين ولا غياث المستغيثين.. هي لا تَدَّعِي ذلك وإنْ كانت تُحبُّ أن يَظنَّ أمثالُك ذلك.. الجزيرة بوقٌ منحازٌ للسياسات التي أُنشئت من أجلها، تماماً كغيرها من الأبواق.. فإذا كانت بعض هذه السياسات تقوم على الاحتواء والتدجين وممارسة شيء من المقاومة أو العمق أو المهنية أو الاهتمام ببعض القضايا العربية والإسلامية من قبيل التنفيس وإراحة الذبيحة قبل ذبحها؛ فلا يعني هذا أن تحسب السراب ماءً أو الورم شحماً أو الصفيح اللامع في الشمس ذهباً!!
قلت لك مراراً وتكراراً: لا فرق بين (الجزيرة) و (العربية) إلا كالفرق بين عاهرة الحواري وعاهرة الفنادق.. (وأستغفر الله من هذه الألفاظ).. لا فرق بين هذه الأبواق كلها.. (الكلبُ أخو السَّلق).. فلماذا تصر- بعد كلِّ خروجٍ لك من الحفرة- على التقنع بقناع الدهشةِ الغبي ثم الوقوع في الحفرة التالية!!
لا مشكلة بين (شحيبر) وأبنائه وشركائه المتشاكسين.. الجميع يحب شحيبر.. المشكلة فيك أنت!!
منذ سنة تقريباً صَرَّحَ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قائلاً: "إسرائيل لها الحق في العيش على أرضها بسلام".. قامت الدنيا ولم تقعد.. وحُقَّ لها أن تقوم فلا تقعد.. استغلت قناة الجزيرة ووسائل الإعلام الدائرة في فلكها هذا التصريح وزادت من وتيرة القصف الإعلامي الذي لم يتوقف بين الجانبين منذ اشتعال الأزمة الخليجية.. جاء التصريح في وقته تماماً وبدأت الحفلة والتحفيل!!
لاحقاً.. غرد حمد بن جاسم بن جبر وزير خارجية قطر الأسبق على تويتر غامزاً من قناة ابن سلمان، وكان من جملة تغريداته قوله:" أصبحنا أضحوكة نُبتز وتُهدر أموالنا بين صفقات غير مدروسة أو الدفع للوبيات في الدول صاحبة القرار حتى عندما نذكر أن للإسرائيليين الحق بأن يعيشوا في أرضهم بأمان وهذه قناعتي منذ سنوات طويلة ومازلت. نستحي أن نذكر أن للفلسطينيين الحق نفسه أيضاً."!!
كُنتُ متكئاً فجلست.. قلت في نفسي: (جاء يكحلها فعماها).. قفز أمامي مشهد مصطفى متولي وهو يقول لعادل إمام في تلك المسرحية:" ما أنا كمان بحب شحبير"!!
أوقع ابنُ جاسم ذبابَ الجزيرة الإليكتروني في ورطة حين أطفأ- دون أن يدري- أنوارَ الحفلة وأخرسَ المغنين وخَرَّق الطبول!!
تحول كثيرٌ من المهاجمين لابن سلمان إلى مهاجمة ابن جاسم.. و(باظت الطبخة)!!
***
قلنا قديماً وشتمنا إخواننا الطيبون:" لم تنجح معاهدةُ كامب ديفيد في كَسرِ الحاجزِ النفسي العربي تجاه الكيان الصهيوني ورموزه.. وَحْدَهَا قناةُ الجزيرة فَعلتْ ذلك.. الخازوق- أحياناً- لا يَكونُ في يَدِ مَن يُهَدِّدُ بِه؛ بل في يَدِ مَن يُنَدِّدُ بِه"!!
كانت سنة 1996م من السنوات الكبيسة- وما أكثرها- على الوعي العربي والإسلامي؛ ففي هذه السنة تأسست قناة الجزيرة التي مارست- على مدار عقدين من الزمن- أبشع أدوار تجريف التربة لغرس الوعي الزائف في العقول المُجرَّفة.. في هذه السنة أيضاً- إن لم تخني الذاكرة- بدأت قطر علاقتها التجارية مع ما يسمى دولة إسرائيل.. وإن كان الجميع يعلم أن علاقات جميع المحميات الأمريكية العربية- دبلوماسية واقتصادية- مع ما يسمى دولة إسرائيل سبقت هذه السنة بعقود طويلة!!
عن نفسي- وأظن أن كثيرين مثلي- لم أرَ محللاً سياسياً صهيونياً يتحدث في وسيلة إعلام خليجية قبل قناة الجزيرة.. بل لا أكاد أذكر أن هذا حدث في وسيلة إعلام مصرية بله أن تكون عربية قبل ذلك.. رغم أسبقية مصر في معاهدات الذل والعار والتطبيع.. لقد صارت الأسماء الصهيونية وجبةً شبه يومية في كثير من نشرات أخبار الجزيرة حتى اعتادت العينُ العربيةُ على رؤية هؤلاء المغتصبين المحاربين واعتادت الآذان على سماع منطقهم الذي يدعو إلى السلام ويبرر وجود دولتهم أو يبرر دفاعها عن نفسها ضد الإرهابيين الفلسطينيين.. وشيئاً فشيئاً تسرب الاعتيادُ البصري والسمعي إلى النفوس ليتحول إلى اعتياد نفسي قَلَّت معه حدة العداوة بالتدريج؛ حتى وصلنا- بعد عشرين سنة من تطبيع قناة الجزيرة الإعلامي مع الصهاينة- إلى ظهور كائنات عربية (مسلمة بالميلاد) في السعودية والإمارات ومصر وغيرها من المحميات العربية؛ تهاجم الفلسطينيين في كل مجزرة يديرها الصهاينة على أهل غزة.. ومن قبيل الرأي والرأي الآخر كانت قناة الجزيرة تستضيف المتحدث الرسمي باسم ما يسمى جيش الدفاع الإسرائيلي ليرد على العرب المنتقدين للمجزرة ويبررها بدعوى الدفاع عن النفس ضد الإرهابيين.. وكان غاية ما تفعله الجزيرة أن يأخذ الحماسُ مذيعةً أو مذيعاً- إيعازاً أو اجتهاداً- فيهاجم المتحدث الرسمي ويمسح به بلاط الأشياء ليصفق المغفلون فرحين بـ(فشة الخِلق) التي تريحهم نفسياً وتخفف عنهم عناء العجز وقلة الحيلة؛ تماماً مثل ذلك العاجز الذي (أوسعهم سباً وساروا بالإبل)!!
بالطبع لم تكن الجزيرة وحدها سبباً في ظهور تلك الكائنات العربية التي تخلقت في الجيف وظهرت لتناصر الصهاينة ضد الفلسطينيين.. الأسباب كثيرة ومعقدة وتحتاج إلى نقاش معمق لا يغفل سياقات الأوضاع الحالية في العالم العربي.. بيد أن الجزيرة حازت قصب السبق الإعلامي في إسقاط الحاجز النفسي- عربياً وإسلامياً- بيننا وبين الصهاينة!!
حين يخترق ما يسمى النشيد الوطني لما يسمى دولة إسرائيل آذان المسلمين في قطر، ويرتفع ما يسمى عَلَمْ ما يسمى دولة إسرائيل في سماء قطر؛ لا تسألني عن التطبيع.. لا تسألني عن تطبيع مصر أو السعودية أو الإمارات.. هذه محميات بعضها ظاهر العهر منذ زمن وبعضها اكتشف الطيبون أمثالُك عهرَهَا حديثاً.. ستظل مشكلتك أنت في العهر القطري الخفي الذي لم تكتشفه بعد أو لم ترد اكتشافه، لا لشيء إلا لأنَّ دورَ قطر في اللعبة كان دوراً احتوائياً منزوعَ الدسم لأمثالك من الفارين من جحيم الانقلابات العسكرية على الثورات العربية، تماماً كدور السعودية في السبعينات والثمانينات والتسعينات في احتواء التيار الإسلامي الهارب من جحيم عبد الناصر، ثم مباركة ظهور الصحوة واحتواء غالب مشايخها بدرجات متفاوتة.. وها أنت ترى الآن ما تفعله السعودية في الإسلاميين ومشايخ الصحوة!!
أغرب ما حدث في هذه الواقعة تحديداً أن غالبية المغردين القطريين اعترضوا على ذلك التطبيع الرياضي.. وحده مذيع شهير في قناة الجزيرة برر هذا التطبيع بقيود السياسة وشروط ما يسمى كأس العالم.. ولكي تظل الدهشة الغبية تملأ وجهك عليك أن تعلم أن هذا المذيع فلسطيني الأصل.. وحين يصل مهرجان التبرير للجميع- فيما يخص التطبيع مع ما يسمى إسرائيل- إلى مذيعٍ فلسطيني الأصل ستعلم أنْ لا أحد-غالباً- محصن ضد الانزلاق النفسي تجاه العدو حين تصبح معايشة العدو (روتيناً) يومياً دون أن يكون المقصد من معايشته دراسته استعداداً لحربه.. وأنت في غنى بالطبع عن أن أقول لك إن هذه المعايشة ليست مقدمة حرب بل نتيجة هزيمة!!
الجزيرة ليست جمعية خيرية.. أعرف هذا.. وقطر كغيرها من المحميات العربية لا تمتلك قرارها امتلاكاً كاملاً.. الجميع أيضاً يعرف هذا.. لا تُلام قطر أو الجزيرة لومَ دولةٍ مسلمة منطلقة من منطلقات إسلامية.. ليس ثمة دولة مسلمة ولا منطلقات إسلامية.. مضى ذلك الزمن يا بُنَيّ.. الأصول الآن مخترقة والحصون مهدمة.. أنا لا أناقش تفاصيل الدوائر المسموح لقطر والجزيرة بالحركة فيها، أو الحدود القاطعة التي لا يُسمح لأحد بتخطيها.. كل هذا تجاوزناه منذ زمن.. أنا أريد فقط أن أفتح رأسك وأغرس فيها أن الجميع مثل الجميع بدرجات متفاوتة حسب الأدوار المرسومة.. ليس في القنافذ أملس.. الأدوار مرسومة منذ زمن وأنت كعربي أو مسلم لست موجوداً أصلاً.. لم تُدع إلى الحفلة ولم يُعمل حسابك فيها!!
حين بدأت الأزمة السعودية القطرية وحوصرت قطر حصاراً ظالماً؛ طَالَبْتَنِي أن أكتب شيئاً.. قلت لك: أَيْ بُنَي.. قنفذان يَتَسافدان بعنفٍ على قارعة الطريق، من الحمق أن تُدخل يديك بينهما.. إن وجدتَ من أحدهما بَعضَ خيرٍ فلا تَستَأنسه كَهِرة.. هو قنفذ في النهاية، إن استطعتَ أن تطأهما بحذائك فافعل، فإن لم يكن لك حذاء؛ فاصنع حذاءك.. اِصنع حِذاءَك وكُفَّ عن السيرِ حافياً في أرض القنافذ"..
شتمتني كعادة إخواننا الطيبين.. ثم ارتديتَ قناع الدهشة!!
هل كنتَ تظن أن (حفلة خاشقجي) كانت من أجل خاشقجي؟!
هل كنت تظن أن أخبار مجازر ابن سلمان وابن زايد في أهلنا في اليمن كان يمكن أن تكون وجبة يومية في الجزيرة قبل حصار السعودية والإمارات لقطر؟!
لقد كانت قطر مشاركة ومباركة لما يسمى عاصفة الحزم.. شاركت قطر في الدم اليمني، كما شاركت في الدم العراقي، كما شاركت في الدم الشامي!!
هي مصالح تتصالح أو تتناطح على أجسادنا يا بُنيّ!!
لم تكن حفلة خاشقجي التي أدارتها الجزيرة بمهارة تغطيةً إعلامية.. لم تكن محاولةً شريفةً لكشف الحقيقة.. لم تكن وقوفاً مع الحق المظلوم ضد الباطل الظالم..
كُف عن هذا العته!!
لقد كانت في الحقيقة حرباً قذرة تدور رحاها فوق جثة إنسان!!
خنزيران بريان همجيان متوحشان يتقاتلان على أشلاء فريسة!!
أمر ابن سلمان بقتل خاشقجي وتقطيعه بعد دخوله القنصلية بسبع دقائق.. قناة الجزيرة ظلت أكثر من ثلاثة أشهر تقتل خاشقجي وتقطعه في اليوم مائة مرة.. ولا زال الحبل على الجرار كلما سنحت الفرصة!!
فيلم الرعب الذي أراده ابنُ سلمان للكبار فقط؛ حولته قناةُ الجزيرة إلى فيلم عائلي!!
ضع نفسك مكان أبناء خاشقجي أو بناته أو أشقائه أو أقربائه، ثم افتح قناة الجزيرة وشاهد واستمع..
من غير الطبيعي أن يستمع الإنسان- على مدار الساعة- إلى تفاصيل تفاصيل التفاصيل عن الكيفية البشعة التي قُتل بها أبوه أو أخوه أو ابنه أو صديقه، لا لشيء إلا لأن محمية أمريكية اسمها (قطر) استغلت فرصةً ذهبية لإذلال محمية أمريكية أخرى اسمها (السعودية)!!
على مدار عشرين يوماً بعد الجريمة لم أشاهد في قناة الجزيرة نشرةً إخبارية واحدة اختلج فيها وجه مذيع أو مذيعة حزناً أو قرفاً أو شفقة وهو يسرد تفاصيل العملية كخبر عاجل.. مِن فقرة القتل، وحتى فقرة تهريب الجثمان، مروراً بفقرة المنشار، ثم فقرة الموسيقى المصاحبة للتقطيع، ثم فقرة الطبيب الشرعي الأسرع والأكثر حرفية، ثم فقرة تغليف أجزاء الفقيد المقطعة في أكياس بلاستيكية!!
كنتُ أدقق في وجه المذيع أو المذيعة جيداً وأنا في أشد حالات الذهول من الخبر وقارئه معاً!!
حيادٌ تام.. أو ربما برود جراح بريطاني يُجري عملية جراحية بطريقة آلية تعود عليها!!
أعرف أن ظهور علامات التأثر العاطفية على وجه قارئ الأخبار ليس من كمال إتقان المهنة، بيد أني كنت أشعر أن الأمر كان مريحاً لهم ولهن.. حتى تخيلت أنهم (ربما) سيبتهجون أكثر إن جاءهم خبرٌ عن تفصيلة أشد بشاعة في عملية القتل ليتشفوا- بنشرها- في حليفهم القديم الذي يحاصرهم الآن!!
التشفي هو ما وصلني!!
التشفي في القاتل وليس الغضب للمقتول!!
كل تلك الضجة لم تكن حزناً على خاشقجي؛ بل كرهاً وتشفياً في ابن سلمان.. وإنه والله لحقيق بالكره والتشفي إن أصابه السوء في نفسه.. نسأل الله أن يعجل به عليه.
***
لا قيم ولا مبادئ في كل ما ترى..
هي مصالح تتصالح أو تتناطح حسب السياقات المتغيرة، ولا بأس أن (تُمَكْيَجَ) المصالح بأصباغ القيم والمبادئ لتخفيف ميكيافيليتها في عيون الطيبين من أمثالك!!
حدثني بعضُ من أثق به عن صديق له كان يعيش في قطر- قبل أزمتها مع السعودية-؛ قال: كتب صديقي تغريدةً لا تزيد على ثلاثة أسطر يهاجم فيها النظام السعودي حين كانت السعودية وقطر سمناً على عسل في الظاهر؛ فلم يمر عليه يومان إلا وهو مبعدٌ خارج قطر!!
هذا طبيعيٌ جداً في العلاقات السياسية بين المحميات العربية وقت الرضا، وطبيعيٌ أيضاً أن يشتعل (الردح البلدي) بين أبواق تلك المحميات وقت الغضب.. وإني والله لأخشى من السياسية البراجماتية القطرية على أولئك الشباب من رافضي الانقلابات في العالم العربي، المنفيين عن بلادهم بسبب ماضيهم الثوري، والذين تقاطعت مصالحهم (المبادئية) غالباً مع مصالح قطر البراجماتية دائماً؛ فاستخدمتهم الجزيرةُ ومنصاتُها، أو استغلوا هم الجزيرةَ ومنصاتِها، أو فتحت لهم قطرُ الجزيرةَ ومنصاتِها (صِفِ الصورةَ كيف شئت)؛ للهجوم على الأنظمة المعادية لها وللثورات العربية.. أخشى عليهم من اليوم الذي تَقلِبُ لهم فيه قطر ظهرَ المِجَنّ حين تنتهي الأزمة الحالية بـِـ(حَبَّةِ خَشمٍ) هنا وَ(حَبَّةِ خَشمٍ) هناك!!
***
أعرفُ أنَّ الوضعَ مُعقدٌّ جداً..
ولكني أعرفُ أيضاً أنَّ الصمتَ الغريب على واقعة الحذف والاعتذار والطرد هذه، مِنْ قِبَلِ بعض الكُتَّاب والنشطاء والعاملين والمتعاونين مع الجزيرة ومنصاتها ليس له من معنى سوى أن مساحة الحرية الممنوحة لهم لا تتجاوز السعودية والإمارات ومصر.. وهذه المساحة لم تُمنح لهم بالطبع من أجل عدائهم المبادئي مع هذه الدول بل من أجل عداء قطر البراجماتي معها.. وإني والله لأُجِلُّ كثيراً منهم عن أن يكون ذلك كذلك.. فهذا سيُحولهم من كتاب ونشطاء ومبادئيين إلى شيء آخر يؤسفني بشدة أن أشبهه بكلب الصيد الذي قال فيه الشاعر:
كَكَلبِ الصيدِ يُمسكُ وهو طَاوٍ
فَـريـسَتَـهُ ليَأكُـلــَهــــا سِــوَاهُ
ولن يكون بينهم- بعد ذلك- وبين ذباب السعودية الإليكتروني أو مذيعي قنوات الانقلاب السيساوي وكُتَّابِه وأبواقِه كبيرُ فرق.. وحاشا لله أن يكونَ (بعضهم) كذلك!!
لا أقلَّ من الاعتراض والتنديد والاستنكار على الصفحات الخاصة، أو الإشارة إلى رفض تصرف الجزيرة المهين والمذعور في بداية المقالات أو مقدمات المحتويات المختلفة.. وقد رأيتُ- حتى الآن- قلةً منهم فعلت ذلك.. وهو محمودٌ مشكورٌ رغم قِلَّتِه!!
أيها الكُتَّابُ والنشطاء..
لقد استفادت الجزيرةُ ومنصاتُها منكم أضعافَ ما استفدتم أنتم منها، وأكبرُ فائدةٍ استفادتها الجزيرة منكم أنها تجملت بكم أمام الناس فسحرت أعينَهم عن براجماتية حقيقتها بمبادئية حقيقتكم، فلا تكونوا "كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً"؛ "فتزلَّ قدمٌ بعد ثبوتها وتذوقوا السوء" بسقوط حقيقتِكُم في مستنقع حقيقتها.." وإن أدري لعله فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق