الاثنين، 8 يوليو 2019

الشامتون في أردوغان: قراءة مختلفة في نتائج إسطنبول

الشامتون في أردوغان: قراءة مختلفة في نتائج إسطنبول

تغير اتجاه التصويت كان انتقائيا لفرد واحد لمنصب واحد وليس توجها عاما، وهذا مرتبط بأسباب استثنائية ودوافع وقتية لها مبرراتها.

عامر عبد المنعم
لم تكن انتخابات بلدية إسطنبول مجرد شأن تركي داخلي يخص المقيمين في هذه الولاية المهمة، وإنما تحولت إلى قضية عالمية يتابعها المسلمون وغير المسلمين لما تمثله من رمزية في الصراع بين الغرب والإسلام.
تركيا اليوم تمثل الأمل لكثير من المسلمين الذين يرونها تمثل الصعود الإسلامي، ومن الناحية الأخرى تمثل تحديا وتهديدا للكارهين للإسلام الذين يخشون من تركيا قوية تذكرهم بتاريخ عزة الإسلام الذي يحاولون نسيانه، وبسببه يعملون بكل طاقتهم لإزاحة أردوغان وحزب العدالة والتنمية من السلطة.
لم تكن خسارة مرشح العدالة والتنمية بن علي يلدريم وفوز مرشح المعارضة أكرم أوغلو نهاية معركة كما يصورها الإعلام الرسمي العربي، وإنما مجرد جولة صغيرة ليس لها كل هذه الاستنتاجات التي يضج بها البث الفضائي والإلكتروني والتي تتحدث عن نهاية مزعومة لأردوغان، كما أنها ليست هامشية كما يراها البعض.
في معركة إسطنبول نجح ممثل المعارضة رئيسا للبلدية التي يسيطر حزب أردوغان على معظم مقاعدها، وهذا يعني أن الأغلبية التي انتخبت أكرم أوغلو انتخبت الإسلاميين؛ أي أن تغير اتجاه التصويت كان انتقائيا لفرد واحد لمنصب واحد وليس توجها عاما، وهذا مرتبط بأسباب استثنائية ودوافع وقتية لها مبرراتها.
الشعب التركي مع الإسلام
نتيجة هذه المعركة الرمزية لها سلبيات كما لها ايجابيات مثل كل المعارك التي تخوضها الأمة؛ فلا يوجد انتصار دائم كما لا توجد هزيمة ساحقة، والمسلمون الأوائل مرت بهم فترات انتصار وحدثت لهم نتيجة أخطائهم بعض الهزائم.
الحكمة تقول إن الخسائر التي لا تكسر الظهر تقويه، وتكون سببا في تصحيح الأخطاء والبحث عن نقاط الضعف التي يحدث منها اختراق الأعداء والخصوم، ومن غير المتصور أن أردوغان وأصحابه الذين خاضوا المعارك طوال عقدين من الزمن ضد شياطين الخارج وعملاء الداخل وبينهما الشريحة المتأرجحة بلا هوية غير مدركين نقاط الضعف، ولكن ربما كانوا يحتاجون إلى هذه الصدمة ليستخدموا مشرط الجراح.
بعيدا عن التهويل والتهوين فإن الشريحة الأكبر من الشعب التركي المسلم تقف مع الإسلام ومع كل ما يمثله، وهي التي تضمن عدم الانتكاس والعودة إلى حكم الكماليين المعادي للدين، وكانت آخر محاولات خصوم الإسلام هي الانقلاب الأخير، الذي فشل ولم يجد من يسانده حتى من المعارضين لأردوغان.
أكذوبة ديكتاتورية أردوغان
معظم الشامتين حاولوا توظيف فوز مرشح المعارضة للطعن في أردوغان، وفسروا النتيجة على أنها نهاية حكم الإسلاميين، لكن فاتهم أن قبول الرئيس التركي بالنتيجة وتقديم التهنئة كان أكبر رد على كل الحملات المضادة، التي كان محور هجومها أن أردوغان ديكتاتور، وأنه حاكم مستبد وقمعي.
حقق فوز المرشح التركي المعارض مكسبا مهما في قضية الوعي، فكثيرا ما كان يردد دعاة الاستبداد أن الإسلاميين إذا وصلوا إلى السلطة فإنهم لن يتركوها، وسينقلبون على العملية الانتخابية، وسيأخذ الرئيس المسلم المنتخب السلم معه، وسيكون الرئيس المنتخب هو الديكتاتور الأخير!
لقد وجه أردوغان صفعة قوية متعددة الاتجاهات باحترام نتيجة الصندوق، وقدم درسا بأن من جاء بالانتخاب يحترم رأي الشعب حتى لو كان في غير مصلحته، فأسكت زعماء الغرب وأذيالهم العرب الكارهين لدينهم، وأثبت أن الشعب من حقه أن يختار ومن حقه أن يعاقب.
الفكاك من الهيمنة
أردوغان يسابق الزمن لإخراج تركيا من القبضة الغربية والتخلص من الاحتلال الأجنبي، وقد حقق في هذا الطريق إنجازات مهمة، ولم يبق له إلا القليل، وهذا هو سبب الصراع الحقيقي بين تركيا وأمريكا ومعها أوربا، فتركيا اليوم خطت خطوات واسعة في زيادة قوتها العسكرية الدفاعية والاستغناء تدريجيا عن حلف الناتو.
أصبحت الصناعات العسكرية التركية تنافس في سوق السلاح العالمي، فهي تنتج الطائرات بدون طيار والمروحيات والدبابات وتشكيلة واسعة من الأسلحة الإلكترونية وبدأت في تصنيع مقاتلة خاصة بها، وهذا يجلب عليها غضب دوائر الحكم في الغرب.
واستثمر أردوغان الصراع الأمريكي الروسي في الاستفادة من روسيا سياسيا خاصة في سوريا لمنع الأكراد من السيطرة على الشمال السوري، وعسكريا في الحصول على منظومات دفاعية مثل صواريخ S 400 وهي الصفقة التي قد تكون سببا في القطيعة النهائية بين تركيا وأمريكا لأنها ستجعل الأتراك قادرين على التصدي لأي هجوم جوي.
أردوغان وأرطغرل
يحذو أردوغان حذو البطل المسلم أرطغرل والد مؤسس الدولة العثمانية، الذي شاهدنا قصته في أروع عمل فني يعرض على شاشة التلفزيون منذ ظهورها، ويدور حول الصراع التاريخي بين المسلمين وخصومهم، فأوجه التشابه كثيرة بين الشخصيتين.
أرطغرل استطاع أن يؤسس من 400 خيمة من القبائل التركية أقوى إمبراطورية إسلامية استمرت لمدة 600 عام وأفلت من كل المؤامرات التي تعرض لها، وأدار بذكاء المعارك مع خصومه الخارجيين مثل الصليبيين والمغول، وقضى على الجواسيس والعملاء داخل قصور الحكم وصفوف المسلمين.
وأردوغان استطاع بعد مئة عام من الاختطاف والاحتلال إعادة الاعتبار للإسلام كدين للدولة التي تحالفت كل شياطين الأرض لتفكيكها وعزلها عن أمتها ونزع هويتها، ويواصل طريقه رغم محاولات عرقلته للوصول إلى النقطة التي تنتهي فيها الهيمنة الخارجية وإغلاق قاعدة إنجيرليك.
لم يكن "قيامة أرطغرل" مسلسلا تاريخيا يحكي قصة لأحد أبطال المسلمين وإنما كان عملا يحكي قصتنا الآن، وفي كل دولة وفي كل مكان على الأرض، قصة الصراع بين الحق والباطل.
 لقد حكي لنا مسلسل قيامة أرطغرل قصة صراع الأمة مع خصومها بأسلوب مبهر يفهمه الصغير والكبير، وكشف لنا أن في كل مرحلة يوجد كثيرون مستخف بهم، يسيرون خلف البهتان ويقولون "إنا كنا لكم تبعا" يخوضون مع الخائضين، ويشاركون في جيوش الأعداء على غير هدى.
وسط الضجيج والتشويش تبقي الحقيقة التي يعرفها كل خصوم أردوغان في دول الغرب، وهي أن استمرار الإسلاميين في حكم تركيا بضع سنوات أخرى سيجعل تركيا دولة إسلامية كبرى، تفتح الباب لدول أخرى لتشكيل نظام عالمي جديد يكون الإسلام فيه قويا عزيزا على غير ما نراه الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق