تنوير القطيعة مع الدين
د.محمد عمارة
ولقد عبر عن هذا المذهب (الوضعي اللاديني) أحد مفكري هذا التنوير الغربي، عندما تحدث عن القطيعة المعرفية الكبرى التي أقامها هذا التنوير (وثقافة الحداثة) مع الموروث الديني على وجه الخصوص، فقال:
"لم يعد الإنسان يخضع إلا لعقله، فأيديولوجيا التنوير التي أقامت القطيعة الأبستمولوجية (المعرفية) الكبرى قد فصلت بين عصرين من الروح البشرية: عصر الخلاصة اللاهوتية للقديس توما الأكويني (1225 - 1274م)، وعصر الموسوعة لفلاسفة التنوير، فراح الأمل بمملكة الله ينزاح لكي يخلي المكان لتقدم عصر العقل وهيمنته، وراح نظام النعمة الإلهية ينمحي ويتلاشى أمام نظام الطبيعة، وأصبح حكم الله خاضعا لحكم الوعي البشري، الذي يطلق الحكم الأخير باسم الحرية"!
ولقد كان هذا التنوير الوضعي اللاديني هو فلسفة الثورة الفرنسية عام 1789م، وكان مذهب نابليون بونابرت (1769-1821م) الذي قاد الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م.
ولقد حاول بونابرت إخفاء مذهبه الوضعي اللاديني عن الشعب المصري، للتقرب إليه وخداعه، بل وأعلن حبه للإسلام ورسوله، سائرا في هذا الخداع على طريق الاسكندر الأكبر (356-323 ق.م) الذي أعلن احترامه لديانة المصريين وتوقيره لمعابدهم، وذلك لتأييد وتأبيد احتلال الأرض باحتلال العقول والقلوب!
لكن علماء الأمة أدركوا ببصيرتهم المؤمنة أن بونابرت إنما يريد خداعهم، وأن الرجل وحملته وجيوشه لا علاقة لهم بأي دين من ديانات السماء، فأعلن الجبرتي (1167-1237 هـ، 1754-1822م) في مواجهة دعوى إيمان بونابرت وجيشه بالإسلام؛ أن "إسلامهم نصب!، فلقد خالفوا النصارى والمسلمين، ولم يتمسكوا من الأديان بدين، وهم دهرية معطلون، وللمعاد والحشر منكرون، وللنبوة والرسالة جاحدون"!
وعندما صدرت مجلة "المقتطف" عام 1889م، في ظل الاحتلال الانجليزي لتبشر بهذا التنوير الغربي، ولتقدم الوضعية اللادينية باعتبارها نظريات علمية، وصفها عبد الله النديم (1261-1313هـ، 1845-1896م) ووصف القائمين عليها بأنهم أعداء الله وأنبيائه، والأُجراء الذين أنشأوا لهم جريدة جعلوها خزانة لترجمة كلام من لا يدينون بدين، ممن ينسبون معجزات الأنبياء إلى الظواهر الطبيعية والتراكيب الكيماوية، ويرجعون بالمكونات إلى المادة والطبيعة، منكرين وجود الإله الخالق، وقد ستروا هذه الأباطيل تحت اسم فصول علمية، وما هي معاول يهدمون بها بها الأديان"!
وبينما كان المتغربون يعرضون جانبا واحدا من جوانب صورة فلاسفة التنوير الغربي، وخاصة فولتير (1734-1778م) وروسو (1712-1778م)، كتب جمال الدين الأفغاني (1254-1314هـ، 1838-1897م) ففضح حقيقة فكرهما اللاديني والمعادي للنبوات والرسالات، فقال:
"إنهما يزعمان حماية العدل ومغالبة الظلم، والقيام بإنارة الأفكار، وهداية العقول، فنبشا قبر "أبيقور" الكلبي، وأحييا ما بلي من عظام الدهريين، ونبذا كل تكليف ديني، وغرسا بذور الإباحية والاشتراك، وزعما أن الآداب الإلهية جعليات خرافية، كما زعما أن الأديان مخترعات أحدثها نفص العقل الإنساني، وجهر كلاهما بإنكار الإلوهية، ورفع كلٌ عقيرته بالتشنيع على الأنبياء، وكثيرا ما ألف فولتير من الكتب في تخطئة الأنبياء والسخرية منهم والقدح في أنسابهم وعيب ما جاؤوا به، حتى نبذ الفرنساويون الديانة العيسوية، وبعد أن أغلقوا أبوابها فتحوا على أنفسهم أبواب شريعة الطبيعة".
هكذا تبلور في ثقافتنا (إزاء التنوير الغربي اللاديني) تياران: تيار المتغربين.. وتيار الإسلاميين.
"لم يعد الإنسان يخضع إلا لعقله، فأيديولوجيا التنوير التي أقامت القطيعة الأبستمولوجية (المعرفية) الكبرى قد فصلت بين عصرين من الروح البشرية: عصر الخلاصة اللاهوتية للقديس توما الأكويني (1225 - 1274م)، وعصر الموسوعة لفلاسفة التنوير، فراح الأمل بمملكة الله ينزاح لكي يخلي المكان لتقدم عصر العقل وهيمنته، وراح نظام النعمة الإلهية ينمحي ويتلاشى أمام نظام الطبيعة، وأصبح حكم الله خاضعا لحكم الوعي البشري، الذي يطلق الحكم الأخير باسم الحرية"!
ولقد كان هذا التنوير الوضعي اللاديني هو فلسفة الثورة الفرنسية عام 1789م، وكان مذهب نابليون بونابرت (1769-1821م) الذي قاد الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م.
ولقد حاول بونابرت إخفاء مذهبه الوضعي اللاديني عن الشعب المصري، للتقرب إليه وخداعه، بل وأعلن حبه للإسلام ورسوله، سائرا في هذا الخداع على طريق الاسكندر الأكبر (356-323 ق.م) الذي أعلن احترامه لديانة المصريين وتوقيره لمعابدهم، وذلك لتأييد وتأبيد احتلال الأرض باحتلال العقول والقلوب!
لكن علماء الأمة أدركوا ببصيرتهم المؤمنة أن بونابرت إنما يريد خداعهم، وأن الرجل وحملته وجيوشه لا علاقة لهم بأي دين من ديانات السماء، فأعلن الجبرتي (1167-1237 هـ، 1754-1822م) في مواجهة دعوى إيمان بونابرت وجيشه بالإسلام؛ أن "إسلامهم نصب!، فلقد خالفوا النصارى والمسلمين، ولم يتمسكوا من الأديان بدين، وهم دهرية معطلون، وللمعاد والحشر منكرون، وللنبوة والرسالة جاحدون"!
وعندما صدرت مجلة "المقتطف" عام 1889م، في ظل الاحتلال الانجليزي لتبشر بهذا التنوير الغربي، ولتقدم الوضعية اللادينية باعتبارها نظريات علمية، وصفها عبد الله النديم (1261-1313هـ، 1845-1896م) ووصف القائمين عليها بأنهم أعداء الله وأنبيائه، والأُجراء الذين أنشأوا لهم جريدة جعلوها خزانة لترجمة كلام من لا يدينون بدين، ممن ينسبون معجزات الأنبياء إلى الظواهر الطبيعية والتراكيب الكيماوية، ويرجعون بالمكونات إلى المادة والطبيعة، منكرين وجود الإله الخالق، وقد ستروا هذه الأباطيل تحت اسم فصول علمية، وما هي معاول يهدمون بها بها الأديان"!
وبينما كان المتغربون يعرضون جانبا واحدا من جوانب صورة فلاسفة التنوير الغربي، وخاصة فولتير (1734-1778م) وروسو (1712-1778م)، كتب جمال الدين الأفغاني (1254-1314هـ، 1838-1897م) ففضح حقيقة فكرهما اللاديني والمعادي للنبوات والرسالات، فقال:
"إنهما يزعمان حماية العدل ومغالبة الظلم، والقيام بإنارة الأفكار، وهداية العقول، فنبشا قبر "أبيقور" الكلبي، وأحييا ما بلي من عظام الدهريين، ونبذا كل تكليف ديني، وغرسا بذور الإباحية والاشتراك، وزعما أن الآداب الإلهية جعليات خرافية، كما زعما أن الأديان مخترعات أحدثها نفص العقل الإنساني، وجهر كلاهما بإنكار الإلوهية، ورفع كلٌ عقيرته بالتشنيع على الأنبياء، وكثيرا ما ألف فولتير من الكتب في تخطئة الأنبياء والسخرية منهم والقدح في أنسابهم وعيب ما جاؤوا به، حتى نبذ الفرنساويون الديانة العيسوية، وبعد أن أغلقوا أبوابها فتحوا على أنفسهم أبواب شريعة الطبيعة".
هكذا تبلور في ثقافتنا (إزاء التنوير الغربي اللاديني) تياران: تيار المتغربين.. وتيار الإسلاميين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق