ضاعت عدن يوم ضيَعوا صنعاء ودمشق؟
وائل عصام
النزاع بين السعودية والإمارات على عدن، مثال أخير وليس وحيدا على التخبط والفوضى العربية العارمة في إدارة ساحات المواجهة مع إيران، من العراق لسوريا للبنان وصولا حتى اليمن، ففي عدن لا وجود لهيمنة إيرانية أو لميليشيات أو قوى سياسية موالية لطهران، ويفترض بعدن، كونها مدينة كبرى تحت سيطرة التحالف المواجه للحوثيين، أن تكون ساحة دعم ومدد وفناء خلفيا، للانطلاق نحو صنعاء، حيث رمزية السيادة في اليمن المفقودة لصالح الحوثيين، وبدلا من أن تكون عدن مركز التنسيق بين التحالف ضد الحوثيين، تحولت إلى بؤرة صراع بين الحلفاء أنفسهم.
أصبح واضحا الآن، لماذا فشلت القوى المسلحة الموالية للتحالف، في وضع حد للحوثيين، رغم تمتع التحالف بالتفوق العسكري والغطاء الجوي، فخلل كهذا في القيادة، يضعف فرص أي قوة بالسيطرة حتى على مدينة صغيرة مثل الحديدة، شنت عليها ثلاث حملات كبرى. ولم تبدأ قصة التصدع في تحالف اليمن حديثا، بل سبقته عدة مراحل، كان أهمها انسحاب عدة دول من معسكر الحرب المدمرة التي قادتها السعودية، باكستان انسحبت مبكرا، ثم قطر، والان يتقاتل من بقي من هذا التحالف (الإمارات والسعودية) فيما بينهما على ما تبقى من «يمن» بين أيديهم.
هذا المشهد الذي يعكس هشاشة تحالفات الدول العربية ضد إيران، تكرر سابقا في عدة بلدان عربية، كالعراق وسوريا ولبنان، وإن لم يكن ملحوظا بوضوح، لطغيان التحدي الإيراني على ما عداه من أزمات، ففي غوطة دمشق، المحاصرة، ظل فصيلان مدعومان من السعودية وقطر، هما فيلق الرحمن وجيش الإسلام، متنازعين حتى تحت قصف النظام ثم اقتحامه، وظلت الأحياء التي يسيطران عليهما، تقاتل منفردة من دون تنسيق موحد، وهي ضمن جزء من ريف دمشق، أمام قوة عسكرية نظمت إدارة مقاتليها من طهران إلى بيروت.
وهذا لا يعني، أن اختلاف سياسة الداعمين هي التي قادت بالضرورة لتلك النزاعات كما هو شائع، بل إن قدرة الداعمين على لجم خلافات الفصائل ظلت محدودة، وهذا يعود بجزء أساسي منه أيضا، إلى شدة تباغض الفصائل وتنافسها الشديد في ما بينها، بمعزل عن خلافات الحكومات.
ولعل اللافت هنا، أن هذه الفوضى لا تقتصر على خلافات الحكومات فحسب، بل إنها ممتدة إلى الكيانات والفصائل المسلحة العربية التي تعمل في ساحات المواجهة لإيران، من العراق حتى سوريا، بل لعلها أكثر ترسخا بين تلك القوى المسلحة، باختلاف تشكيلها، قبلية كانت أو إسلامية معتدلة، أو حتى سلفية جهادية، حيث يذبح "إخوة المنهج" إخوانهم منذ سنوات، لذلك، تبدو هذه الفوضى العربية، متفشية، حكومة وشعبا، أنظمة وفصائل، قبائل وجهاديين، ولعلها تمنح تفسيرا لتخبط أكثرية عربية سنية في سوريا، في مواجهة نظام أقلوي يحكم البلاد بالنار والحديد منذ نصف قرن.
وفي العراق، كان الدعم السياسي والمالي يصب دوما في المكان الخطأ، فبعد سنوات من دعم السعودية لإياد علاوي، ثم التقارب والدعم الإعلامي للعبادي، أصبح خيار السعودية هو دعم رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، والإيحاء بأنه معاد للنفوذ الإيراني في العراق، قبل أن يتبين تداعي كل هذه الطروحات، فأهم قادة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، مثل قيس الخزعلي والكعبي، هم مساعدون سابقون لمقتدى الصدر وأبناء التيار الصدري، وهم عماد الكثير من الميليشيات المقاتلة في سوريا.
ضعف القيادة وسوء التنسيق والتردد، وغياب العقيدة والغبش في رؤية وفهم النزاع، ظل يطبع القوى الداعمة للفصائل والقوى السنية في العراق وسوريا ولبنان، ورغم امتلاك دول الخليج للوفرة المالية، فإن الصراعات الأخيرة في المنطقة، كانت مثالا جديدا لحقيقة قديمة عن محدودية خيارات من لا يمتلك سوى المال. أكثر الحكومات العربية التي دعمت الجماعات المسلحة المقاتلة للقوى المرتبطة بإيران، تقودها أنظمة غير متمرسة في الحرب وإدارة الصراعات، فهي إما شخصيات قبلية وصلت للسلطة بالوراثة والدعم الغربي، أو رجال أعمال، أو الاثنان معا، لذلك فإن تكوينها ينعكس في النهاية على طريقة إدارتها للنزاعات، بروح التنازع القبلي من ناحية، والاعتماد على الدعم والمؤازرة الغربية في مواجهة الخصوم، كما في الحصول على الحماية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق