قاعدة طارق بن زياد بين الحقيقة والتصفير
من السهولة بمكان أن يدرك المراقب، أن حملة الجدل التي أثيرت على قطر، حول تغطية الصحفية التركية، لقاعدة طارق بن زياد، لا علاقة لها ببعد سياسي جديد، ولا تطور نوعي في الحضور التركي العسكري، الذي تم بناء على اتفاق الدفاع المشترك.
ولا يمكن اغفال دور الوزير البحريني خالد آل خليفة، الذي بات يمارس مهمة أنور قرقاش، كلغة تحريض إعلامية لا علاقة لها بالمنصب الدبلوماسي، وما يعنيني هنا هو هدف هذه الرسالة، وتوجيه الكلمة التي نقلت عن القائد المسلم الأمازيغي، طارق بن زياد، رغم أن الكلمة بذاتها محل تشكيك من بعض المصادر، وأن ابن زياد لم يقم بإحراق السفن أصلا.
كما أن توجيه المخاوف نحو الرياض، في اتفاقيات الدفاع القطرية ليس غريبا، كون أن الرياض هي التي دُفع بها كشقيقة كبرى، لأسوأ مسارات الحرب، في القطيعة الاجتماعية أو التهديد الأمني، عبر توجيه مبرمج ناجح من أبو ظبي، تُفهم فيه مهمة الوزير البحريني، كإسناد إعلامي لا أكثر، وللبحرين معركتها المؤسفة مع قطر بسبب صراع الأسرتين الحاكمتين قديماً، لكن الدور الوظيفي هو أقرب لخدمة أبو ظبي من الموقف الخاص بالبحرين.
فهنا مهمة الحملة حول قاعدة طارق بن زياد، تكريس بيئة شعور نهائية، أن الموقف من الدولة السعودية هو عدائي مطلق، وليس بناءً على تحول الديوان الملكي بعد صعود ولي العهد، واستهدافه لقطر، ورغم الإرث السيئ لهذه الحملة وتوقع بقاء آثاره زمنا ليس بالقصير، إلا أن القول إن قطر ترجو أن يدوم هذا العداء، هو تجديف كاذب لا يقوم على أساس استراتيجي.
فمؤكد أن الدولة القَطرية لو قُدر لهذه الخريطة البقاء، أي منظومة الدولة السعودية الملاصقة لقطر، والمتصلة بها بحرا وأرضاً وروابط اجتماعية للبادية والحاضرة، فهي لا تفضّل قطعا بقاء حالة المواجهة القائمة اليوم، والمسألة هنا ليست مشاعر، وإنما جغرافيا سياسية ومنظور واقعي لاستراتيجية الدوحة.
هنا نفهم بان توجيه الوزير البحريني، لصالح عاصفة أبو ظبي الاعلامية، تأتي في وقت عاد فيه فريقها السعودي، للدفاع عن موقف أبو ظبي من إسقاط عدن، والتنسيق مع إيران لمستقبل الحرب، واقتسام النفوذ بين الشمال والجنوب، ولذلك فإن القلق السعودي، الذي توسع رغم خضوع ولي العهد لرؤية محمد بن زايد حتى اليوم، يحتاج لموجات عداء فوضوية مع أهل قطر، استُخدمت فيها قاعدة طارق بن زياد.
والقاعدة وكل الوجود التركي، يخضع في الحقيقة لمفهوم سلة التوازن التي سعت قطر لسد ثغرتها، حين كشف ترامب ولو لأسبوع واحد ظهر الدولة القطرية، وعرّضها بالفعل لمواجهة الغزو العسكري، والذي سريعا فات موسمه، لكن كان أسبوعاً واحداً تحت هذا الفراغ، يكفي أن يتحول إلى كابوس دموي لا على قطر فقط، بل على كل المنطقة.
والموقف المبدئي العروبي للخليج العربي، هو كراهية وجود كل تلك القواعد الأميركية والغربية، وأن التواجد التركي مرحب به فقط في ظل توازن الأعراف السيادي المستقل، لا عودة الهيمنة العثمانية، التي لا واقع لها اليوم، وخاصة في ظل تطورات المشهد التركي، وانقسام العداليين، الذي سيؤسس حزبه قريبا عبر تياره الإصلاحي.
وحتى لو فازت المعارضة العلمانية مستقبلياً، فهي ستتعامل وأيا كان من يحكم أنقرة في المستقبل، بأن الحضور العسكري في الخليج، هو ضمن مصالح القومية التركية التي تعود أيدولوجيتها اليوم بقوة، وتتراجع أمامها الروح الإسلامية المعتدلة مع العرب، لا العثمانية المنحطة ولا العلمانية الحادة، وهو تراجع داخل العدالة نفسه.
لكن لغة المصالح بين الدول لا علاقة لها بهذه المشاعر إنما بتوافق مصلحة قطر الاستراتيجية، مع مصلحة تركيا، التي شكلت رادعاً مهماً لقطر، رغم توسع قاعدة العديد الأميركية، وهو توافق لم يعد يخضع لأحلام المحور بأن تغير الرئاسة أو الحكومة في تركيا، سوف يُغيّر حسابات القومية التركية، وبالتالي شعر المحور بفشله فأطلق عاصفة التصفير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق