التفجيرات والتصفيات ومأزق الإخوان!
كيف لا يتم إجبار المطلوبين على الاستسلام، والإمساك بهم في كل المداهمات؟ وكيف يقع تبادل إطلاق النار فيُقتل جميع المتهمين بالإرهاب في كل مرة؟
طه خليفة
المعادلة الدموية التي تفرض وجودها في مصر منذ سنوات هي التفجيرات القاتلة، التي تعقبها التصفيات القاتلة أيضاً.
في الانفجار الذي وقع أمام معهد الأورام بالقاهرة مؤخراً، وبعد الرواية الثانية لوزارة الداخلية بأنه عمل إرهابي - وليس اصطدام سيارات كما قالت الرواية الأولى - وتمت نسبته إلى حركة تُسمى "حسم"، كان السؤال على بعض مواقع التواصل الاجتماعي يتعلق بموعد التصفيات لمن سيجري اعتبارهم المتورطين في الجريمة، وكم سيكون عددهم هذه المرة؟
ولم يمر وقت طويل حتى أذاعت وزارة الداخلية بيانها وخلاصته أنه تم التوصل إلى المسؤولين عن التخطيط والتفجير للعمل الإرهابي، وأن العناصر المتهمة بادرت بإطلاق النار على قوات الأمن خلال القبض عليهم، فتعاملت معهم وتمت تصفيتهم، وعددهم في الجولة الجديدة من الدماء 17 شخصاً، وعندما نضيفهم إلى 22 شخصاً سقطوا في انفجار المعهد نكون أمام 39 مصرياً قُتلوا في أحدث حركة للدائرة التي لا تريد التوقف، دائرة التفجيرات المباغتة، والتصفيات المستجدة، وهو ما لم يكن يحدث من قبل بهذه الوتيرة.
دوامة من الدماء
لست جهة ضبط وإحضار، ولا جهة تحقيق وقضاء، إنما جهة عقل وقلم وتحليل، وبالتالي لا نتهم بالمطلق، ولا نبرئ بالمطلق، لكن نطرح الأسئلة، ونجتهد لمعرفة الإجابات عليها في هذه الدوامة التي تمزق نياط القلب وتترك أسراً محزونة في بلد لم يكن يعرف هذا المستوى من التفجير أو التصفية.
التفجيرات مرفوضة بالمطلق، والتصفيات تثير التوجس وفق الصورة التي تُقدم بها دوماً، إذ يصعب في كل مرة ألا تتمكن الأجهزة من السيطرة على عدد من العناصر المختبئة في مكان مسور أو مغلق - مزرعة أو مخزن أو شقة أو بيت - واعتقالهم أحياء، أو اعتقال بعضهم، فالأصل محاصرة المشتبه بهم، والعمل بكل السبل على اعتقالهم.
كيف لا يتم إجبار المطلوبين على الاستسلام، والإمساك بهم في كل المداهمات؟ وكيف يقع تبادل إطلاق النار فيُقتل جميع المتهمين بالإرهاب في كل مرة، ولا يتعرض أحد في القوات لمجرد خدوش بسيطة من تطاير شرر الرصاص؟ هل هناك ضحايا لا يُذكر شيء عنهم لضرورات أمنية مثلاً؟
هواة وانتحاريون
لا نريد المساس بأفراد الأمن طبعاً، ونريد الحفاظ على حياتهم مؤكداً، لكن العناصر المتهمة بالعنف يصعب أن تحتفظ بكل هذا السلاح والقنابل والمتفجرات، الذي يُعلن عن ضبطه معهم بعد قتلهم، للزينة من دون أن يُستخدم، من يمتلك هذا السلاح لا بد أن يكون مدرباً جيداً على استعماله.
والمؤكد أن المشتبه فيهم، أو المتهمين، يعلمون أن قوات الأمن في قمة الجاهزية، أي أنهم يواجهون طرفاً يحتاج منهم القدرة على التعامل الاحترافي، وإلا فإنهم يكونون مجموعات من الهواة والانتحاريين الذين يندفعون نحو الموت مجاناً، فهم ينفذون تفجيرات، ثم ينتظرون قدرهم في التصفية داخل مخابئهم باعتبار أن هذا طريقهم إلى جنات عدن.
الاعتقال أكثر فائدة
لست أول من يشمله العجب في مسار التصفيات الذي لا يتوقف، ولا يكون بديله الإمساك بالعناصر وهي حية لكي تخضع للتحقيق لتكشف عما لديها من معلومات وخطط وأسرار مهمة، كما تكشف عن نمط التفكير والرؤية للدولة والنظام والأجهزة والمجتمع والحياة ليدرسها العلماء والمتخصصين في مختلف مجالات العلم والمعرفة لفهم طبيعة ظاهرة التطرف في هذه المرحلة، ومحاولة الإجابة على أسئلة من نوع، لماذا هذا الإرهاب؟، ما أسبابه الحقيقية؟، لماذا يندفع شباب صغير السن في آتون هذا الجحيم؟، لماذا يضحي هؤلاء بأنفسهم وبعوائلهم بكل هذه البساطة وهم يعلمون أنه لا نجاة في هذه المحرقة؟، وما الرواية مكتملة الفصول لكل ما نسمع عنه في قضية الإرهاب منذ سنوات؟
معادلة عدمية صفرية
الملاحظ أن التصفيات تتم عقب التفجيرات، وهي معادلة صفرية عدمية، وعندما لا تقع تفجيرات لأسابيع أو شهور فلا تحدث تصفيات، وفي حادث معهد الأورام ظننت أن قناعات رواد مواقع التواصل ستخيب بعدم حدوث تصفيات هذه المرة، إنما اعتقال المشتبه فيهم، واستجوابهم، ثم تقديمهم للمحاكمة، لكن خاب الظن، وتكرر ما بات مألوفاً.
فهل الرسالة هنا أن التفجير لا بد أن يعقبه تصفية حتمية، فلا وقت للقبض، والتحقيق، وسنوات من المحاكمة، وبالتالي من يفكر في الإقدام على هذا العمل عليه التيقن أن نهايته ستكون القتل أيضاً؟!.
والمزعج هو ادعاءات البعض أن التصفيات تستهدف مختفين قسرياً يجري التضحية بهم على مذبح التفجيرات، وبث رسائل من الرعب في نفوس المتطرفين، ومعهم الخصوم والمعارضين بأنه لا تسامح مع أحد.
هذا وغيره من التكهنات لا يُحتمل، وبحاجة لتوضيحات وشفافية أمنية وسياسية حتى لا يستقر كقناعات أو تظل هناك متاجرة به واستثمار خارجي له.
المعارضة السلمية وليس العنف
المس بالقوات الأمنية والمدنيين خطر ومكلف، وهو ما نراه اليوم على مختلف الصعد، وحق الاختلاف والمعارضة يجب أن يكون سياسياً فقط، ويتم التعبير عنه بوسائل سلمية وحضارية، وإذا أُغلقت أبواب التعبير السلمي الآمن فلا يجب الانجرار إلى العنف لأنه مدمر ومهلك، وسلطة الأمن لا تعرف في عملها غير المواجهة والقتل، فهي مدربة على ذلك، والنظام يمتلك وحده وسائل القوة ويحتكر استخدام العنف المنظم ولابد أن تكون الغلبة له.
وقوى التطرف والعنف لن تنجح في كسر الأجهزة العسكرية والأمنية، ومن يفكر في ذلك فهو يعبث، وهو يقتل نفسه بلا ثمن، صحيح أن استمرار استهداف القوات في سيناء، ووقوع تفجيرات هنا وهناك في القاهرة وبعض المحافظات محل تساؤلات، لكن قوة المؤسسة الأمنية لا تُقارن معها قوة التنظيمات التي تحاربها.
توقف التفجيرات والاستهدافات
حل هذه المعضلة بأن تتوقف الاستهدافات والتفجيرات فوراً، فلن تنهزم الدولة، ولن يسقط النظام، ولن يخشى مواصلة النهج الأمني، والخاسر هو التنظيمات سواء كانت محترفة أو هاوية، والخاسر الأكبر هو السياسة والمعارضة المدنية السلمية ودعوات الإصلاح.
والنظام يستفيد داخلياً وخارجياً من كل عملية تفجير وقتل، فهو يجيد استثمارها شعبياً بالتأكيد على رسالة الإرهاب المدمر وضرورات مواجهته واستئصاله، والناس بطبيعة الحال ترفض العنف والدماء، وتتعاطف مع الضحايا، ولا تتعاطف مع قتلى التصفيات حيث يرونهم إرهابيين يستحقون ما يجري لهم، وجريمة معهد الأورام تمثل انتكاسة لمن يتبنى نهج العنف، والمتهم الرئيسي من جانب النظام هم الإخوان، ومهما أصدروا من بيانات إدانة، ومهما ترحمت فضائياتهم على شهداء العمليات، فلن تتوقف السلطة عن تحميلهم مسؤولية كل هذه العمليات، ومعهم الحركات التي تعتبر أنها ذراعهم العسكري مثل "حسم"، وبالتالي على الإخوان التفكير بشكل مختلف تماماً لإعلان البراءة القاطعة من العنف والإرهاب، ومن أي حركات تمارسه وذلك عبر وسائل إقناع جديدة حتى لو وصل الأمر لاعتزال العمل السياسي لفترة من الزمن.
خسائر الإخوان
لم يستفد الإخوان شيئاً منذ خروجهم من السلطة، بل خسائرهم ضخمة، وحتى مع تراجع شعبية السلطة، ومصاعب الحياة لكثير من المصريين، وانفضاض حلفاء السياسة من حولها، فإنهم لا يحرزون مكاسب، فالسلطة لم تعد تعبأ بالشعبية، ولا بملفات الحريات، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، وأعباء أزمات الاقتصاد، كما لا تزعجها صورتها بالخارج، وطالما يوجد إخوان في الخارج بمثل هذا الأداء، فهناك متهم ثابت يتم تحميله كل الإخفاقات، وهذه أكبر هدية يواصل الإخوان تقديمها منذ ست سنوات بأداء باهر لسلطة الحكم خصمها اللدود.
السلطة لا تشعر بأنها في مأزق مؤرق وعاجل، فقد فرضت وجودها، بينما الجماعة هي التي تتدحرج لأسفل في بئر مأزقها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق