من يوقف جيش اليمين الإرهابي؟
ظهيرة السبت، العاشر من أغسطس/ آب الحالي، الموافق ليوم عرفة الماضي، وقفت سيارة الشاب النرويجي، فيليب مانهاوس، عند مركز النور الإسلامي في ضواحي أوسلو، ويُعتقد أنه تصور أن حج عرفة يحتشد فيه المسلمون في مساجدهم أيضاً، وكان قد حمل من سيارته، بحسب رواية تفصيلية، سلاحي رشاش آلي، وكأنه نموذجٌ مطابقٌ لعملية إرهابي نيوزيلندا، توجه الإرهابي إلى مدخل المسجد الرئيسي، ولكنه وجد بوابة المسجد مغلقةً بالقفل الرقمي. وحين لم يُفتح الباب الأول، توجه إلى الباب الخلفي الصغير، ووجده مقفلاً أيضاً. كان المصلّون قد أنهوا صلاة الظهر، وبقيَ بعضهم فيه، فأطلق النار على القفل لكسره، وهو ما نبه الرجل الذي أُطلق عليه اليوم بطل السلام، وهو النرويجي من أصل باكستاني، محمد رفيق، فكمن للداخل من الخلف. وحين دخل الإرهابي، ألقى القبض عليه بكل قوة، فبدأ مانهاوس بإطلاق الرصاص، محاولاً إصابة رفيق، لكنه فشل، فاستطاع رفيق إلقاءه على الأرض وتكتيفه، حتى سلّمه المصلون للشرطة.
رئيسة الحكومة النرويجية توجهت إلى المركز، كما احتشد عشرات من مواطني النرويج غير المسلمين، لحماية المسجد الكبير في أوسلو، في بادرةٍ مدنيةٍ رائعة، لكن الأمر لم يطو ولن يُطوى عند هذه الصفحة، وقد شنّت رئيسة الحكومة هجوماً على السويد، كون أن تصعيد
التطرّف اليميني في الدول الإسكندنافية يتخذ استوكهولم مركزاً، بحسب رأيها، وبحسب ما يُرصد أخيرا من تنامي الكراهية للمهاجرين في السويد، وقد ردّت السويد باتهامٍ شبيه.
وتبادُل الاتهام إيجابي، وإن كان موقف رئيسة الحكومة النرويجية أكثر مصداقية، لكن السؤال هو كيف تَخلّق اليوم هذا الجيش اليميني المؤمن بالإرهاب، لأسباب عقائدية وقومية عنصرية. وكيف أضحى يتطور، حتى وصل إلى نشر النموذج العنيف المتطرف وتنفيذه، عبر الاتحاد الفكري، سواء وُلد عبر مجموعات أو استنسخت الفكرة. وللمفارقات، كان هذا الأسلوب ضمن سياق نشر فكر "داعش".
حينها كان يُخشى على المدنيين من المسلمين وغيرهم أن يصل إليهم عناصر التنظيم، عبر الفكرة، وليس عبر قوة تنظيمٍ متصل على الأرض. واليوم تحولت الفكرة نفسها إلى نموذج يُهدد مسلمي الغرب. ولكن لا توجد مطلقاً حالة تضامن عالمي ولا غربي، ولا عبر الأمم المتحدة، تعلن أن هذه الظاهرة خطرة على النفس البشرية، ووسيلة مدمّرة لتعايش الشعوب، والتضامن الوطني متعدّد الأعراق في العالم. وهو هنا أيضاً يُشير إلى ما هي المهام، والمشاريع القانونية التي ستتخذها أوسلو لمواجهة الظاهرة، وهي القضية التي واجهت رئيسة حكومة نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، بعد موقفها الرائع، من الجريمة الإرهابية الفظيعة في بلدها، ونرجو أن تكون اليوم قد نجحت في بعض معالمها.
مجموع هذه الدلائل لم يعد يجيب على سؤال ما إذا كان هناك إسلاموفوبيا أو لا يوجد، وقد كان هذا التشكيك أحد مسبّبات تمكّن الظاهرة، وهو التشكيك الذي دأبت عليه حكوماتٌ غربيةٌ عديدة، فيما اليوم نحن نواجه سيلاً من العمليات التي نُفذ بعضها، وتُشير إلى أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أضحى ملهماً فاعلاً لخطاب الكراهية وطرد اللاجئين وازدراء المهاجرين، ثم تحوّل ليكون ملهماً لهذا التنظيم المسلح الذي يقوم على فكرة إرهابية ضد الآخر.
ولم توثّق السلطات سبب قتل الشاب النرويجي أخته، قبل التوجه إلى مركز النور، غير أن
الأنباء تفيد بأنه قتلها لاعتراضها عليه. وتستحق روحها كل إكبار ومواساة لهذا النموذج الإنساني الذي يذكّرنا بالأميركية راشيل كوري التي قتلها المحتل الإسرائيلي في فلسطين، وهي ثقافة سلام وتعايش موجودة ومرصودة في الغرب، لكن الكارثة أن هذه الثقافة تُحاصر اليوم بصعود يميني شرس، وهو في الحقيقة لا يُهدد المسلمين فحسب، بل يتحوّل إلى أطياف المجتمع الغربي الآخر، بما فيها المتحد معهم في العنصر القومي.
التساؤل اليوم في ظل انتشار حوادث العنف المسلح، ذات الصبغة العنصرية أو المسيحية المتشددة، يشير إلى حالة الدهشة التي تحيط بواقع المؤسسات السياسية والمدنية الغربية، وموقفها من صعود ثقافة العنف. وهنا يلفت النظر في الاتهامات المتبادلة بين أوسلو واستوكهولم، عن المجموعات اليمينية في اسكندنافيا وباقي أوروبا التالي: السلطات رصدت ووثقت من قبل الأيديولوجية العدائية الشرسة ضد المهاجرين، والمسلمين خصوصاً. تحتفظ هذه المجموعات بمخزون من الأسلحة، يكفي لاستنساخ المئات من فواجع نيوزيلندا. تعبّر هذه المجموعات عن رأيها في "السوشيال ميديا"، وتعلن تضامناً قوياً من دون محاسبة، وجهود الحد من خطابها ضعيف جداً. وهو هنا تحت المسؤولية المباشرة للدولة المدنية في الغرب، حيث هناك تواصل فكري دافئ وناشط، بين اليمين السياسي والإعلامي واليمين الإرهابي، من دون أن يواجه أي ضغوط تُذكر، ويستأنف تطرّفه بعد كل جريمة.
وهنا نعيد التذكير بقواعد رئيسية من المبادرات المدنية، تُساهم في وقف هذا التطور الخطير،
وتولد خلايا الجيش اليميني:
أولا، لا خيار أمام مسلمي الغرب إلا الكفاح المدني، وهذا الكفاح ليس منصة توسّل ضعيفة مضطربة، وإنما معادلة أفكار ومشاريع فاعلة تواجه هذا الصعود، في الوطن الأخير لهذا الجيل وأجيال الشباب.
ثانيا، نموذج حوار وتبادل الاتهامات الذي تم بين أوسلو واستوكهولم، كان من الممكن أن تبنى عليه قضية وطنية داخل الدول الغربية، وتؤسس مؤتمراتٍ تدعى لها كل الأطراف، وحتى اليمين يُدعى، وتلقى عليه أسئلة المسؤولية.
ثالثا، يحتاج ذلك كله إلى مرحلة معرفة وتأسيس مرجعي فكري، ونقله إلى الأجيال ليعبر بلغة التخاطب الفكري، لا لغة الحديث، ونقصد بهذه اللغة الجذور والمفاهيم الفكرية لعقل المتحدّث التي يشرح بها قضية الحق المدني لمسلمي الغرب، وتكون منطلقةً من قناعته، وعقل الشباب الجديد.
وكلما تأخرت صناعة هذا الوعي لهذا الجيل خسر المسلمون في الغرب، سوراً لحمايتهم، ويفقدونَ زمناً مهماً لكسب شركاء وطنيين لصفّهم، أمام جيشٍ عنصري لا يرحم.
وتبادُل الاتهام إيجابي، وإن كان موقف رئيسة الحكومة النرويجية أكثر مصداقية، لكن السؤال هو كيف تَخلّق اليوم هذا الجيش اليميني المؤمن بالإرهاب، لأسباب عقائدية وقومية عنصرية. وكيف أضحى يتطور، حتى وصل إلى نشر النموذج العنيف المتطرف وتنفيذه، عبر الاتحاد الفكري، سواء وُلد عبر مجموعات أو استنسخت الفكرة. وللمفارقات، كان هذا الأسلوب ضمن سياق نشر فكر "داعش".
حينها كان يُخشى على المدنيين من المسلمين وغيرهم أن يصل إليهم عناصر التنظيم، عبر الفكرة، وليس عبر قوة تنظيمٍ متصل على الأرض. واليوم تحولت الفكرة نفسها إلى نموذج يُهدد مسلمي الغرب. ولكن لا توجد مطلقاً حالة تضامن عالمي ولا غربي، ولا عبر الأمم المتحدة، تعلن أن هذه الظاهرة خطرة على النفس البشرية، ووسيلة مدمّرة لتعايش الشعوب، والتضامن الوطني متعدّد الأعراق في العالم. وهو هنا أيضاً يُشير إلى ما هي المهام، والمشاريع القانونية التي ستتخذها أوسلو لمواجهة الظاهرة، وهي القضية التي واجهت رئيسة حكومة نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، بعد موقفها الرائع، من الجريمة الإرهابية الفظيعة في بلدها، ونرجو أن تكون اليوم قد نجحت في بعض معالمها.
مجموع هذه الدلائل لم يعد يجيب على سؤال ما إذا كان هناك إسلاموفوبيا أو لا يوجد، وقد كان هذا التشكيك أحد مسبّبات تمكّن الظاهرة، وهو التشكيك الذي دأبت عليه حكوماتٌ غربيةٌ عديدة، فيما اليوم نحن نواجه سيلاً من العمليات التي نُفذ بعضها، وتُشير إلى أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أضحى ملهماً فاعلاً لخطاب الكراهية وطرد اللاجئين وازدراء المهاجرين، ثم تحوّل ليكون ملهماً لهذا التنظيم المسلح الذي يقوم على فكرة إرهابية ضد الآخر.
ولم توثّق السلطات سبب قتل الشاب النرويجي أخته، قبل التوجه إلى مركز النور، غير أن
التساؤل اليوم في ظل انتشار حوادث العنف المسلح، ذات الصبغة العنصرية أو المسيحية المتشددة، يشير إلى حالة الدهشة التي تحيط بواقع المؤسسات السياسية والمدنية الغربية، وموقفها من صعود ثقافة العنف. وهنا يلفت النظر في الاتهامات المتبادلة بين أوسلو واستوكهولم، عن المجموعات اليمينية في اسكندنافيا وباقي أوروبا التالي: السلطات رصدت ووثقت من قبل الأيديولوجية العدائية الشرسة ضد المهاجرين، والمسلمين خصوصاً. تحتفظ هذه المجموعات بمخزون من الأسلحة، يكفي لاستنساخ المئات من فواجع نيوزيلندا. تعبّر هذه المجموعات عن رأيها في "السوشيال ميديا"، وتعلن تضامناً قوياً من دون محاسبة، وجهود الحد من خطابها ضعيف جداً. وهو هنا تحت المسؤولية المباشرة للدولة المدنية في الغرب، حيث هناك تواصل فكري دافئ وناشط، بين اليمين السياسي والإعلامي واليمين الإرهابي، من دون أن يواجه أي ضغوط تُذكر، ويستأنف تطرّفه بعد كل جريمة.
وهنا نعيد التذكير بقواعد رئيسية من المبادرات المدنية، تُساهم في وقف هذا التطور الخطير،
أولا، لا خيار أمام مسلمي الغرب إلا الكفاح المدني، وهذا الكفاح ليس منصة توسّل ضعيفة مضطربة، وإنما معادلة أفكار ومشاريع فاعلة تواجه هذا الصعود، في الوطن الأخير لهذا الجيل وأجيال الشباب.
ثانيا، نموذج حوار وتبادل الاتهامات الذي تم بين أوسلو واستوكهولم، كان من الممكن أن تبنى عليه قضية وطنية داخل الدول الغربية، وتؤسس مؤتمراتٍ تدعى لها كل الأطراف، وحتى اليمين يُدعى، وتلقى عليه أسئلة المسؤولية.
ثالثا، يحتاج ذلك كله إلى مرحلة معرفة وتأسيس مرجعي فكري، ونقله إلى الأجيال ليعبر بلغة التخاطب الفكري، لا لغة الحديث، ونقصد بهذه اللغة الجذور والمفاهيم الفكرية لعقل المتحدّث التي يشرح بها قضية الحق المدني لمسلمي الغرب، وتكون منطلقةً من قناعته، وعقل الشباب الجديد.
وكلما تأخرت صناعة هذا الوعي لهذا الجيل خسر المسلمون في الغرب، سوراً لحمايتهم، ويفقدونَ زمناً مهماً لكسب شركاء وطنيين لصفّهم، أمام جيشٍ عنصري لا يرحم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق