غثاء السيل… فمتى نستفيق؟
أحمد طه
14 أبريل، 2017
جاء في سنن أبي داود: عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» [سنن أبي داود/ 4297، مسند أحمد/ 21890، مسند أبي داود الطيالسي/ 1085]
أحمد طه
14 أبريل، 2017
تحليل اجتماعي لحالة الأمة المسلمة
هذا المتن عجيب في بابه، فهو كأنه تحليل اجتماعي سنني لحالة الأمة المسلمة، بل أحوال الأمم جميعاً، وفيه من الحِكم البالغة، والتوجيه الرشيد ما يشير بأنه من “أنوار النبوة” أو قريب منها.
فيبدأ الحديث بتحذير الأمة من اقتراب تداعي الأمم والأقوام والأعداء عليها، والذي عبّر عنه الحديث بقوله “يوشك” ولعل هذا الاقتراب هو الاقتراب المعنوي وليس الزمني، كمثل {اقتربت الساعة} فهو مسألة نسبية، وفيه أيضاً أخذ العظة والعبرة بغض النظر عن إدراك ذلك الزمان أو لا.
فالأمة الإسلامية في زمن ثوبان رضي الله عنه وإلى العصر العباسي الأول كانت في عزة ومنعة يهابها الجميع، ويُعمل لها ألف حساب، ويمكن التأريخ لهذا التداعي مع هجمات المغول من جهة الشرق، والصليبيين من جهة الغرب على بغداد، وسقوطها، وإن كانت أسباب التداعي قد بدأت مع بداية الملك العضوض.
و”تداعي الأعداء” علينا يوضح أن الأمة أصبحت لقمة سهلة، قريبة، لا عناء في الاعتداء عليها، وسرقة ثرواتها، واستباحة أهلها، كمن يدعو الناس إلى طعام مجاني!
فيبدأ الحديث بتحذير الأمة من اقتراب تداعي الأمم والأقوام والأعداء عليها، والذي عبّر عنه الحديث بقوله “يوشك” ولعل هذا الاقتراب هو الاقتراب المعنوي وليس الزمني، كمثل {اقتربت الساعة} فهو مسألة نسبية، وفيه أيضاً أخذ العظة والعبرة بغض النظر عن إدراك ذلك الزمان أو لا.
فالأمة الإسلامية في زمن ثوبان رضي الله عنه وإلى العصر العباسي الأول كانت في عزة ومنعة يهابها الجميع، ويُعمل لها ألف حساب، ويمكن التأريخ لهذا التداعي مع هجمات المغول من جهة الشرق، والصليبيين من جهة الغرب على بغداد، وسقوطها، وإن كانت أسباب التداعي قد بدأت مع بداية الملك العضوض.
و”تداعي الأعداء” علينا يوضح أن الأمة أصبحت لقمة سهلة، قريبة، لا عناء في الاعتداء عليها، وسرقة ثرواتها، واستباحة أهلها، كمن يدعو الناس إلى طعام مجاني!
أسباب تداعي الأمم علينا
الأول: هو أن القوة لا تعرف السكون
فالأمم القوية تسعى لفرض إرادتها وثقافتها على الأمم الضعيفة، كنوع من السيطرة والسيادة وانتزاع الثروات من أيدي أصحابها، وقد عرف التاريخ البشري ألوان وصنوف شرور هذه القوة عندما تنطلق من أجل المتعة أو لذة السيطرة بدون وازع إيماني أو أخلاقي فتصبح قوة ساحقة هادمة تسحق في طريق رغبتها ملايين البشر، وقد ذاقت الأمم الضعيفة-بغض النظر عن دينها وفكرها-شرور هذه القوة.والثاني: الأمة بحد ذاتها هدفاً مرصوداً من قِبل الباطل وأهله
فطبيعة وأهداف الأمة المسلمة يجعلها بحد ذاتها هدفاً مرصوداً من قِبل الباطل وأهله، والتدافع بين الحق والباطل من سنن هذه الحياة، فحتى لو الأمة المسلمة في حالة القوة، فلا بد أن يكون هناك نوعاً من التدافع والتحدي، فما بالنا إن ضعفت الأمة المسلمة وتحولت إلى غثاء السيل والعياذ بالله، ولذا حذرها القرآن الكريم من الغفلة عن إعداد القوة، وأمرها بالاجتماع على كلمة سواء، والاعتصام بحبل الله المتين، وعدم التنازع، وإن وقع التنازع حرّم الاحتراب الداخلي، وأمر بالتعاون على البر والتقوى.
ولا يتصور أحد حالة التداعي إلا في حالة “القلة” فقال قائل: “أمن قلة؟” فكان الجواب: “لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل!” وهذا التعبير هو فريد ودقيق ومُعبر. “غثاء السيل” كثرة لا قيمة لها، يجري بها التيار العارم ويأخذها حيث شاء، فلا قيمة لها، ولا إرادة قيادية في حركتها، بل همل كثير، قد يضر أكثر مما ينفع، يمضي بلامبالاة حيثما يصطدم السيل بنهايته.
وهو وصف اجتماعي لحالة من تفسخ الأمة، وتحول الكثرة إلى مجرد أكوام اجتماعية ليس لها رابط يجمعها، ولا هوية توحدها، ولا غاية تصل إليها، بل حيث يأخذها السيل تمضي، فبذلك تفقد الأمة فاعليتها، وريادتها، وتموت الروح التي تسري فيها.
فطبيعة وأهداف الأمة المسلمة يجعلها بحد ذاتها هدفاً مرصوداً من قِبل الباطل وأهله، والتدافع بين الحق والباطل من سنن هذه الحياة، فحتى لو الأمة المسلمة في حالة القوة، فلا بد أن يكون هناك نوعاً من التدافع والتحدي، فما بالنا إن ضعفت الأمة المسلمة وتحولت إلى غثاء السيل والعياذ بالله، ولذا حذرها القرآن الكريم من الغفلة عن إعداد القوة، وأمرها بالاجتماع على كلمة سواء، والاعتصام بحبل الله المتين، وعدم التنازع، وإن وقع التنازع حرّم الاحتراب الداخلي، وأمر بالتعاون على البر والتقوى.
ولا يتصور أحد حالة التداعي إلا في حالة “القلة” فقال قائل: “أمن قلة؟” فكان الجواب: “لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل!” وهذا التعبير هو فريد ودقيق ومُعبر. “غثاء السيل” كثرة لا قيمة لها، يجري بها التيار العارم ويأخذها حيث شاء، فلا قيمة لها، ولا إرادة قيادية في حركتها، بل همل كثير، قد يضر أكثر مما ينفع، يمضي بلامبالاة حيثما يصطدم السيل بنهايته.
كيف تنهض الأمم؟
وإذا تحدثنا عن الأمم عامة: فإن تكوين كل أمة يجب أن يجمعه ثقافة متجانسة، وروابط مشتركة، وفاعلية حيوية، وغاية واحدة يعمل من أجلها الجميع، فنجد في الأمم القوية المادية. الروح الدافعة للسيطرة على المادة وتحقيق أقصى استمتاع بالحياة، حتى ولو كانت الوسائل خاطئة، ولكن وجود “هدف – طموح – إرادة – رغبة في التفوق” يجعل هذه الأمم ذات فاعلية وعزيمة لا تكون فيها في “حالة غثائية” بل في “حالة ريادية قيادية” تفرض قوتها وإرادتها وفكرها وموازينها على الأمم الضعيفة، بل وتستبيحها حينما يغيب الوازع الأخلاقي والأخروي، ويحضر الاغترار بالنفس والدنيا، إلى أن تستنفذ أغراضها، وتموت فاعليتها ودوافعها، فتتحول إلى “الحالة الغثائية” لتصبح في خانة “المفعول به” من طرف الأمم الناهضة الريادية التي تأخذ دورتها هي الأخرى في هذه الحياة.
وإذا تحدثنا عن الأمة المسلمة خاصة: فإن تكوين هذه الأمة ذات طبيعة خاصة، لقد أنشأها القرآن الكريم إنشاءً، ورفع الله ذكرها بالكتاب الذي أنزله إليها {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10] فالأمة المسلمة ليست أمة عربية، ولا قومية، ولا حتى زمانية. بل هي امتداد لموكب الرسل الكريم على مدار الأزمان، وأخرجها الله للناس على هذا النحو-بلا اعتبار لقوم أو لون أو جنس أو لغة أو أرض-لتكون خير أمة أخرجت للناس، ولتكون هي الشاهدة والمُعلِّمة والحاملة للرسالة، والقائمة بها. وكل ما يجنح إليه البعض من الاعتزاز بقوم أو لغة أو جنس هو من أوضح ضروب الجاهلية التي جاء الإسلام ليقضي عليها، ولقد ظلت هذه الروح تسري في الأمة، حتى ما تكاد تنحسر وتختنق، حتى يعود ميلادها من جديد.
وإذا تحدثنا عن الأمم عامة: فإن تكوين كل أمة يجب أن يجمعه ثقافة متجانسة، وروابط مشتركة، وفاعلية حيوية، وغاية واحدة يعمل من أجلها الجميع، فنجد في الأمم القوية المادية. الروح الدافعة للسيطرة على المادة وتحقيق أقصى استمتاع بالحياة، حتى ولو كانت الوسائل خاطئة، ولكن وجود “هدف – طموح – إرادة – رغبة في التفوق” يجعل هذه الأمم ذات فاعلية وعزيمة لا تكون فيها في “حالة غثائية” بل في “حالة ريادية قيادية” تفرض قوتها وإرادتها وفكرها وموازينها على الأمم الضعيفة، بل وتستبيحها حينما يغيب الوازع الأخلاقي والأخروي، ويحضر الاغترار بالنفس والدنيا، إلى أن تستنفذ أغراضها، وتموت فاعليتها ودوافعها، فتتحول إلى “الحالة الغثائية” لتصبح في خانة “المفعول به” من طرف الأمم الناهضة الريادية التي تأخذ دورتها هي الأخرى في هذه الحياة.
وإذا تحدثنا عن الأمة المسلمة خاصة: فإن تكوين هذه الأمة ذات طبيعة خاصة، لقد أنشأها القرآن الكريم إنشاءً، ورفع الله ذكرها بالكتاب الذي أنزله إليها {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10] فالأمة المسلمة ليست أمة عربية، ولا قومية، ولا حتى زمانية. بل هي امتداد لموكب الرسل الكريم على مدار الأزمان، وأخرجها الله للناس على هذا النحو-بلا اعتبار لقوم أو لون أو جنس أو لغة أو أرض-لتكون خير أمة أخرجت للناس، ولتكون هي الشاهدة والمُعلِّمة والحاملة للرسالة، والقائمة بها. وكل ما يجنح إليه البعض من الاعتزاز بقوم أو لغة أو جنس هو من أوضح ضروب الجاهلية التي جاء الإسلام ليقضي عليها، ولقد ظلت هذه الروح تسري في الأمة، حتى ما تكاد تنحسر وتختنق، حتى يعود ميلادها من جديد.
الوهن وأثره في حياة الأمة المسلمة
ويبدو في لحظات الانحسار والاختناق تتحول الأمة إلى “الحالة الغثائية” التي عبّر عنها الحديث أعلاه، وعندها لا تستطيع النهوض والحياة بغير “روح الإسلام” ولذلك كانت كافة محاولات النهوض والحياة بغير الإسلام جميعها باءت بالفشل، وزادتها وهناً على وهن.
والوهن الذي يصيب القلوب هو شعور الاستضعاف، والضياع، شعور الخوف، والاضطراب، شعور فقدان الإرادة والاستسلام لرغبة وضربة السيل الجارف، هو شعور اللامبالاة وعدم الاهتمام بأمر الأمة، هو قبول الإهانة وفقدان الكرامة بل مقاومة ولا تدافع. هو ليس فقدان القوى المادية التي تحقق النصر والتمكين، وإنما هو فقدان “إرادة النصر” والقابلية للهزيمة والاستسلام، هذا هو الوهن الذي يدمر مصادر القوى المتوفرة للأمة، ويمنع عنها تحقيق المزيد منها، ويجعلها تتراجع في كل مظاهر الحياة والقوة.
فما إن تنحسر روح الإسلام فيها، إلا وَيَدُبّ الوهن في كل شيء في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر، والوعي والإدراك. فالوهن هو ضعف الروح عن الحركة والعزيمة، والفتور والجبن عن الجهاد في سبيل الله كما قال تعالى: {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146] والأمة التي تُظهر الوهن والاستضعاف-أو لا تفكر في رفعه ومقاومته-فإنها تعلن بذلك أنها أصبحت “وجبة مجانية” تدعو بنفسها الأعداء أن ينهشوها بلا خوف من ردة فعل أو رعب من ضربة على يد المعتدي.
والوهن الذي يصيب القلوب هو شعور الاستضعاف، والضياع، شعور الخوف، والاضطراب، شعور فقدان الإرادة والاستسلام لرغبة وضربة السيل الجارف، هو شعور اللامبالاة وعدم الاهتمام بأمر الأمة، هو قبول الإهانة وفقدان الكرامة بل مقاومة ولا تدافع. هو ليس فقدان القوى المادية التي تحقق النصر والتمكين، وإنما هو فقدان “إرادة النصر” والقابلية للهزيمة والاستسلام، هذا هو الوهن الذي يدمر مصادر القوى المتوفرة للأمة، ويمنع عنها تحقيق المزيد منها، ويجعلها تتراجع في كل مظاهر الحياة والقوة.
فما إن تنحسر روح الإسلام فيها، إلا وَيَدُبّ الوهن في كل شيء في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر، والوعي والإدراك. فالوهن هو ضعف الروح عن الحركة والعزيمة، والفتور والجبن عن الجهاد في سبيل الله كما قال تعالى: {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146] والأمة التي تُظهر الوهن والاستضعاف-أو لا تفكر في رفعه ومقاومته-فإنها تعلن بذلك أنها أصبحت “وجبة مجانية” تدعو بنفسها الأعداء أن ينهشوها بلا خوف من ردة فعل أو رعب من ضربة على يد المعتدي.
سبب هذا الوهن
هو حب الدنيا، وكراهية الموت. والنكوص عن الجهاد في سبيل الله، فالوهن يسبب للنفس أيضاً مرض “الفردية والتوحد” والتمحور حول الذات، دون النظر بأي قيمة لأمة. أصبحت كغثاء السيل، ومن ثم تفترق الوحدة الجامعة للأمة، وتتفسخ الروابط الروحية التي تجمعها، وتُستباح روابطها المادية، فيهرب كل فرد إلى ذاته، ويختل التوازن الاجتماعي، ويقع الانهيار الحضاري للأمة.
ولعل حب الدنيا المقصود هو التنافس على متاعها والتقاتل عليه، واستباحة كل شيء في طريق هذا المتاع، وأخطر ما في حب الدنيا هو: نزعة حب التملك والسلطة، ونزعة جمع المال والثروة، وفي سبيلهما يُستباح كل شيء، فجاء في الحديث المرفوع للنبي ﷺ أنه قال: “وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ” [صحيح البخاري/ 4015]
وجاء في الأثر: ” إِنَّكُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ مَا لَمْ تَظْهَرْ فِيكُمْ سَكْرَتَانِ، سَكْرَةُ الْجَهْلِ، وَسَكْرَةُ حُبِّ الْعَيْشِ، وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ حُبُّ الدُّنْيَا فَلا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلا تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلا تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْقَائِلُونَ يَوْمَئِذٍ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ كَالسَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالأَنْصَارِ ” [مسند البزار/ 2631]
ولعل “حب الدنيا وكراهية الموت” هو كناية عن فقدان الروح الدافعة والنكوص عن حمل الرسالة، وما يستلزم ذلك من حركة ودعوة وجهاد وعمل دؤوب ووحدة واتحاد في الأهداف والغايات، وكراهية الموت دلالة على عدم تمني لقاء الله، والاستعداد للدار الآخرة، فالمسلم في هذه الدنيا ليُعد لمقامه الأخروي، وهو في شوق لهذه الدار، فلا يكره الموت، بل يستعد له، فهو أحرص الناس على الحياة الآخرة؛ فلا يتسلل إليه شعور الخوف والحرص الذي يجعله يُعرض عن المضي في معتركات الحياة.
وإن حب الدنيا لم يصب الأمم الأخرى بالوهن، بل جعلها أكثر حرصاً على القوة، وأكثر إدراكاً للسيطرة على المادة، وقد اختارت طريقها “متاع الدنيا وزينتها”. بعدما أصاب الوهن الروح، حتى قتلها، وسد عليها منافذ النور.
ولكن الأمة المسلمة وطبيعة تكوينها يجعلها لا تستطيع أن تنهض إلا بروح الإسلام سواء أرادت الدنيا أو الأخرة، فإن فقدت هذه الروح أو اختنقت أو انحسرت. خسرت الدنيا والآخرة.
ولعل حب الدنيا المقصود هو التنافس على متاعها والتقاتل عليه، واستباحة كل شيء في طريق هذا المتاع، وأخطر ما في حب الدنيا هو: نزعة حب التملك والسلطة، ونزعة جمع المال والثروة، وفي سبيلهما يُستباح كل شيء، فجاء في الحديث المرفوع للنبي ﷺ أنه قال: “وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ” [صحيح البخاري/ 4015]
وجاء في الأثر: ” إِنَّكُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ مَا لَمْ تَظْهَرْ فِيكُمْ سَكْرَتَانِ، سَكْرَةُ الْجَهْلِ، وَسَكْرَةُ حُبِّ الْعَيْشِ، وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ حُبُّ الدُّنْيَا فَلا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلا تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلا تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْقَائِلُونَ يَوْمَئِذٍ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ كَالسَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالأَنْصَارِ ” [مسند البزار/ 2631]
ولعل “حب الدنيا وكراهية الموت” هو كناية عن فقدان الروح الدافعة والنكوص عن حمل الرسالة، وما يستلزم ذلك من حركة ودعوة وجهاد وعمل دؤوب ووحدة واتحاد في الأهداف والغايات، وكراهية الموت دلالة على عدم تمني لقاء الله، والاستعداد للدار الآخرة، فالمسلم في هذه الدنيا ليُعد لمقامه الأخروي، وهو في شوق لهذه الدار، فلا يكره الموت، بل يستعد له، فهو أحرص الناس على الحياة الآخرة؛ فلا يتسلل إليه شعور الخوف والحرص الذي يجعله يُعرض عن المضي في معتركات الحياة.
وإن حب الدنيا لم يصب الأمم الأخرى بالوهن، بل جعلها أكثر حرصاً على القوة، وأكثر إدراكاً للسيطرة على المادة، وقد اختارت طريقها “متاع الدنيا وزينتها”. بعدما أصاب الوهن الروح، حتى قتلها، وسد عليها منافذ النور.
ولكن الأمة المسلمة وطبيعة تكوينها يجعلها لا تستطيع أن تنهض إلا بروح الإسلام سواء أرادت الدنيا أو الأخرة، فإن فقدت هذه الروح أو اختنقت أو انحسرت. خسرت الدنيا والآخرة.
ختامًا
وهذا الحديث وإن كان يشير إلى العلة وأسباب المرض، فإنه كذلك يشير-بطريقة ضمنية ومعنوية-إلى طريق العلاج وهو: الانتقال من “الحالة الغثائية” إلى “الحالة الريادية” هو إيقاف هذا السيل الجارف وعدم الاستجابة لضرباته، والمدخل الشيطاني لبقاء حالة الغثائية، هو الوقوف على مجرى السيل، “يُزين” للناس سباحتهم مع التيار ويجعلها ضرورة قاهرة، وجبرية لا مناص منها ولا خلاص، وإرادة قدرية لا يمكن تغييرها. بل أمر الله بها!! والهلكة كل الهلكة في محاولة السباحة ضد التيار، و”يخُوفهم” بمصير أولئك الذين حاولوا المضي عكس تيار السيل فهلكوا، وشُردوا، ليحاصر العقل الإنساني بتزينه الباطل، وبتخويفه من طريق الخلاص.
وإن السباحة ضد تيار السيل قد يبدأ معها الإنسان ضعيفاً لا يقوى على المواجهة، وحيداً لا يقدر على المقاومة، ولكن إذا صدق، وعزم، وقام بعد كل ضربة من ضربات السيل، فإنه يكتشف في نفسه القوة، والقدرة على المقاومة، وتقوى عضلاته شيئاً فشيئًا.ثم يبدأ الناس في الاجتماع، حتى تنخار عرامة السيل وهيجانه، ثم ينهض الناس شيئاً فشيئًا كأنهم يستفيقون من سكرة شديدة، وتتكشف لهم الحقائق كأنه “الميلاد الجديد”
فالطريق ليس الاستسلام إنما مقاومة السيل، ودفعه بقوة من يريد أن يملك قراره، ويصبح “حراً” وليس “عبداً” لحركة سيل أعمى، ويريد أن يتحول من “غثاء” يجره السيل، إلى “إنسان” كريم حر يقود الحياة نحو خلافة راشدة في الأرض، ويرتفع إلى مستوى الكرامة الإنسانية، والرفعة الإيمانية التي تبني حضارة ربانية لا تستسلم للوهن ولا للضعف ولا للطغيان ولا للفساد ولا للعبث، بل تمضي لتكون خير أمة أخرجت للناس.
وإن السباحة ضد تيار السيل قد يبدأ معها الإنسان ضعيفاً لا يقوى على المواجهة، وحيداً لا يقدر على المقاومة، ولكن إذا صدق، وعزم، وقام بعد كل ضربة من ضربات السيل، فإنه يكتشف في نفسه القوة، والقدرة على المقاومة، وتقوى عضلاته شيئاً فشيئًا.ثم يبدأ الناس في الاجتماع، حتى تنخار عرامة السيل وهيجانه، ثم ينهض الناس شيئاً فشيئًا كأنهم يستفيقون من سكرة شديدة، وتتكشف لهم الحقائق كأنه “الميلاد الجديد”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق