مذبحة لشبونة..
أحد فصول محاكم التفتيش الدموية في الأندلس..
قصة الإسلام
تعرف على أكبر مذبحة دموية عنصرية تعرض لها مخالفو المذهب الكاثوليكي في البرتغال خاصَّةً مسلمي الأندلس (الموريسكيين)، وما زالوا إلى الآن ينكرون تلك الفعلة
مذبحة لشبونة
وصف المؤرخ «دون جومس واسيلڤا» مذبحةً حدثت في مدينة «لشبونة» عاصمة بلاد البرتغال أيام الملك «مانويل الأول» في (10 أبريل سنة 1506م = 16 ذي القعدة 911هـ) وكان يوم عيد الراعي الصالح عند النصارى.
يقول المؤرخ:
لمـَّا أصبح الصباح على "لشبونة" أخذت أجراس كلِّ الكنائس تُصلصل صليلًا متواطئًا بطيئًا يُدخل الحزن على النفس، على الرغم من جمال ذلك اليوم وشمسه الساطعة، وكان يومًا من أيَّام الربيع البديع.
وإذا ما نظر إنسان إلى العاصمة رأى بحرًا متحرّكًا من رءوس البشر، وهم جموعٌ غفيرةٌ من الأهلين جاءوا ليحضروا الاحتفال الديني، وقد اعتمَّ كلٌّ بعمامةٍ تُباين عمامة الآخر، وتعصَّبوا بعصاباتٍ مختلفةٍ متلوِّنة، فمن اعتنق المسيحية وهو مكرهٌ كانت عصابته حمراء، وهم من أجبرهم ديوان التفتيش على الكثلكة من المسلمين واليهود، والذين أُجبروا -أيضًا- على حضور الاحتفال لإظهار حسن نيَّتهم مع الدين الجديد.
كان ذلك البحر الزاخر من الناس يموج ويعلو كالأمواج ويرتطم عند باب الكنيسة الكبير، وهناك أُقيم حوضٌ كبيرٌ من الرخام فيه الماء المقدَّس، فكان الناس يغمسون أيديهم ويرسمون إشارة الصليب على جباههم، أفواجًا أفواجًا.
وأُقيم في وسط الساحة مذبحٌ كبيرٌ غُطِّي بالمخمل المذهب، تُحيط به أوانٍ من ذهبٍ وفضَّةٍ وبلُّور؛ كلُّ ذلك لكي تُبهر عيون الناس إذا ما وقعت عليه أشعة الشمس.
فأمَّا وراء المذبح أُقِيم صليبٌ كبيرٌ جدًّا، بمنصَّاتٍ عليها صور القدِّيسين وعظامهم المزيَّنة بالحجارة الكريمة، لتقبل توبة الخاطئين ومن لم يكن مسيحيًّا من قبل.
كان في وسط المذبح نجمةٌ كبيرةٌ أسموها "نجمة المؤمنين" أحدثت بها أشعة الشمس لمعانًا يُبهر الأنظار ويُحدث ألمـًا شديدًا في عيون الناس المكرهة على التحديق فيها، فأخذ الجهلة يصيحون والكلُّ يتبعهم: "اركعوا يا أهل لشبونة؛ فقد أشرق نور العذراء، أظْهِرْ مجدك يا رب، وبارِك المؤمنين".
ثم جاءوا بالصلبان من داخل الكنيسة وصاح أحد الكهنة مخاطبًا تلك الجموع:
"يا أيها الناس؛ إنَّ النور الذي ترون ليس بنور العذراء، ولا هو من نور الربِّ؛ بل هو نور الشمس، وقد قالت السيدة إنَّها لن تشرق علينا لوجود كفرةٍ بيننا لايستحقُّون مشاهدة نور الإله، فأرجو (أن يُزيل الربُّ أولئك الكفَّار عنَّا، ومن بيننا) هيا أرجوه".
فصاح الشعب المتعصِّب بصوتٍ هادرٍ قائلًا: "الويل للزنادقة، الويل للكفرة...".
ثم نهضت تلك الألوف المؤلَّفة، وسارت في موكبٍ كبيرٍ وأخذوا يصيحون بالويل والثبور وعظائم الأمور، وبالقتل لكلِّ الزنادقة واليهود والملاحدة، فاجتمعوا على يهوديٍّ فقتلوه شرَّ قتلة، وقتلوا كلَّ معترضٍ عليهم بالطعن والتمزيق، واشتدَّ العجب والصراخ.
وسار الكهنة في مقدِّمة الجماهير تصحبهم صلبانهم وراية الخلاص لكي يُؤجِّجوا حماس الجماهير المتعصِّبة الجاهلة؛ وأخذت المذبحة تبطش بأصحاب العمائم الحمراء، وتمتدُّ رويدًا رويدًا إلى كلِّ أنحاء المدينة، وأخذ في الهرب من الموت كلُّ من يتوقَّع شرًّا.
ولمـَّا انتصف النهار، كانت الطرقات والميادين ملأى بالجثث في كلِّ مكان، وقد جمعت في أكوام مكدَّسة، وسار منادوا محاكم التفتيش يُنادون بالتطهير والقتل لكلِّ مقاومٍ للكنيسة، مباركين أعمال القتلة و الظلمة! ويقولون: "الويل لهم… انهبوا… ومن لا ينهب معكم فاحرقوه بالنار".
قَتَلَت الجموعُ النساء وهنَّ يحملن أطفالهن، وقتلوا معهنَّ الأطفال، فكانوا يدخلون البيوت ليقضوا على كلِّ مشتبهٍ ويحرقوا عليه دوره.
حاولت بعض النسوة الذود عن صغارهن، لكن أين.. أين الخلاص، والموت بالمرصاد خبط عشواء؟! فالشعب ثائرٌ والكهنة تستحثُّه لارتكاب الفظائع التي تقشعرُّ منها الأبدان، باسم الدين لطلب رحمة الإله.
لمـَّا حلَّ الليل وأرخى سدوله، امتدَّت المذابح والكهنة كالضبَّاط يقودون الناس لارتكاب المنكرات، وهم يحملون معهم تماثيل العذراء، وينشدون الأناشيد باللاتينيَّة، ويردُّ عليهم الشعب وهو يُرتِّل لازمته بلغةٍ ولهجةٍ مستنكرة، تُضاف إلى صليل الأجراس المتوالي، ورائحة الأجساد المشويَّة يحملها دخان الحرائق.
واستمرَّت المذبحة… ومضى اليوم التالي بليله… ثم اليوم الثالث… والحالة تزداد سوءًا، حتى قرَّرت الحكومة في الأخير بعث الجنود لردِّ السفَّاكين، وأعدمت قلَّةً منهم شنقًا؛ ذرًّا للرماد في العيون.
بعد هذه المذبحة الرهيبة سعى الكهنة بكلِّ ثقلهم لتأسيس «ديوان التفتيش» على غِرار جيرانهم الإسبان، يتمتَّع بحصانةٍ ودعمٍ أكبر من الحكومة لتتبُّع وقتل الكفرة، وتطهير أرض البرتغال منهم، فاستمرَّ النظر والتنظيم إلى أن أُقِرَّ ذلك في عهد الملك «خوان الثالث».
ويجب ملاحظة أنه لا يُعترف رسميًّا إلَّا بالضحايا اليهود لهذه المذبحة فقط!! مع كلِّ تنكُّرٍ لجالية المدجَّنين أو الموريسكيين (المسلمين) التي شكَّلت السواد الأعظم من المضطهدين آنذاك بحكم نهاية الوجود الإسلامي في الأندلس.
ولا غالب إلا الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق