الجمعة، 6 مارس 2020

في معنى الجيل... والمجايلة!

في معنى الجيل... والمجايلة!

خواطر صعلوك
محمد ناصر العطوان

أهدي إليك عزيزي القارئ قطعتين من قلبين... 
قطعة كتبها قلب أب لابنته، وقطعة كتبتها أم بقلبها لابنها، رسالتان نُثر فيهما الكلام على سجيته، بلا تكلف أو تصنع.

قد لامستني الرسالتان عندما قرأتهما لأني أيضاً أب لابنة وابن، سيأتي ذلك اليوم الذي أدرك فيه أن أبنائي ليسوا أبناء أيامي وإنما هم أبناء أيامهم.

وشعرت أن فيهما سمة مشتركة من المهم أن تكون لدى كل أب أو أم، فأحببت أن أشارككم المعنى الجميل الذي تحمله، وحالة الصدق العالي الذي تنشده.
قطعة من قلب الأب:
- يا ابنتي أحبك... وأحب فيك إحساسك بالحياة... والانطلاق والتجربة... وأحب فيك إحساسك بخطواتك، والطريق، أما الطريق هو أنت، وأنت هو الطريق... لا شيء ينتظرك أمامك، لا مستقبل ولا حاضر ولا ماض، هو أنت من ينتظر ذاته هناك، أكثر ما ستكتشفينه عندما تكبرين... من أنت، ولماذا أنت، ما هو سرك، ومركز جاذبيتك... أحبك يا ابنتي وصديقتي، تذكريني في ذاتي، واعذروني فأنت جزء مني وأعرفك كما أعرف نفسي... نفس إحساسي وانطلاقي في الحياة، لم أكن أرى غير نفسي، وهذا مهم، لا بد من القليل من الأنانية في الطريق، والأنانية أن تري ذاتك في كل لحظة من عمرك، وعندما كبرت، تغيرت وغيّرت... قد تفهميني الآن وأعلم أنك تشعرين بكلاماتي، لكني متأكد - وهذا دعاء لله - أن تفهميني أكثر كلما كبرت ونضجت.
هناك أبيات شعرية كنت أحب ترديدها وأنا في عمرك، قوليها: «طيري يا بنت ريش... يا طيور السهل والوديان... طيري نحو صوتي وأجنحتي... إنّا فينا شبقاً للطيران».

قطعة من قلب الأم:
- تزدحم المشاعر في كبدي، فقد كبرت يا ولدي
وأصبحت لك حبيبة واشتد عودك
وتمردت وأصبح صوتك عالياً، أُمثل أني غاضبة منك ولكن فرحي بوقاحتك يهطل كمطر يغسل روحي.
كبر ابني ونبتت لحيته... وفرش تمرده حولي، ما زلت يا ولدي أراك وعلى ظهرك حقيبة المدرسة لأول مرة، مريولك الأزرق المفرود بعناية، وشعرك الذي كان مرتباً شعرة شعرة، ما زلت أشعر بدفء دموعي على وجنتي فرحاً بك، أذكر مرة ذهبنا إلى حفلة لإحياء ذكرى الشيخ «إمام» المغني والملحن الشهير، صعدت وحدك إلى المسرح وهمست في أذن المغني الشاب «عمو غني حالويلا».
كان فمك قريباً من الميكروفون، سمع الحاضرون، ضحكوا وصفقوا... أما أنا فقد كنت أشعر بفخر من فتح القسطنطينية، أصبحت الآن يا ولدي لا تسمع إلا الأغاني الغربية لا أعرف معناها ولكني أستمع بشغف إلى قصصك حول من يغنونها وحول مدخولهم السنوي، وأصبحت لا أفهم أغلب اهتماماتك ولكني أنصت لك باهتمام وأنت تشرح بكلمات صعبة حول تلك التقنيات التي استخدمتها لترسم تصميمك الذي يصعب عليّ استيعاب تفاصيله.
أصبحت مستقلاً، ونقلت مكان سكنك لكني أحتفظ بسريرك وتفاصيلك تماماً كما تركتها.
فردة جوربك هناك... وأوراقك المبعثرة هنا
علبة مشروب الطاقة الذي أتشاجر معك في كل مرة تشربه!
أعرف أنك تكره كم أنك ما زلت طفلاً في عيني
لكنك لا تعرف أنك لن تهرب من قلبي عنوانك هنا
لا تعرف أنك ابن روحي ولست ابن رحمي فقط
ترفض عاداتي وتكره مواعظي... ولكني أعشق رفضك هذا، تحديك واستقلاليتك المبالغ بها، أكبر كما شئت... ولكنك ما زلت تستلقي بحجم كمشة الكف في روحي، أصبح عمرك ثمانية عشر أصبحت رجلاً يا بني.
أنت رضا الله عليّ... ودعوات أمي وجدتي لي.
أنت السند والكتف، وليست الدنيا في عيني إلاك... بحبك يا روحي... وأنا لست إلاك يا بني.

عزيزي القارئ، إن قليل من التأمل في الرسالتين لا بد أن يأخذنا إلى أن هناك سمة مشتركة بينهما رغم اختلاف أماكن من كتبهما واختلاف الدور الاجتماعي لهما، فبالإضافة إلى كمية الحب التي في الرسالتين، والتفاصيل الصغيرة الجميلة في رسالة الأم، والتكثيف العالي في رسالة الأب، والشعور المختلط والمتعدد بين الفرح والحزن في الوقت نفسه وقد رفع عنهما القناع، هناك أيضا تطبيق واضح لمعنى المجايلة، وهي مصطلح سكه خبير تنمية ونماء الشباب كامل النابلسي يوماً ونحن نحتسي الشاي بالنعناع، في لحظة تجلي وقت الصبح ونحن نتحدث عن أبنائنا، على أنغام فيروز أو محمد صديق المنشاوي... لم أعد أذكر!
والمجايلة هي تقارب الأجيال في الفهم وتفهم ثقافة الأبناء ووجهة نظرهم في الحياة، وسد الفجوات بين خصائص المراحل العمرية المختلفة وترتيب قيمها وأولوياتها بين الآباء والأبناء، للتقليل من ضروب سوء الفهم والتقدير التي تنشأ نتيجة عدم الالتفات إلى مفهوم مثل المجايلة.
والمجايلة تتطلب من الشباب والشابات أيضاً أن يفهموا ويتفهموا وجهة نظر الآباء والأمهات ومشاعرهم، وما تراكم لديهم من خبرة ومعرفة واتجاهات متنوعة.
والمجايلة أوسع من السياق العائلي لأنها تشمل وتدخل في السياق السياسي والاقتصادي والتنموي، وعدم الالتفات إليها يسبب فجوات بين الأجيال.
دائماً نسمع الشباب وهم يقولون: «إنهم لا يفهمونا» ودائماً نسمع الآباء وهم يقولون: «إنهم لا يسمعونا»، ولكن في الرسالتين السابقتين هناك معنى مختلفاً وإطلالة جديدة، وكل ما لم يذكر فيه اسم الله... أبتر

تعريف:
الحب هو شدة إدراك استحالة التملّك.

@moh1alatwa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق