الحياة مسرح كوميديا
كلمة بعد نقطة
أنوار التنيب
إن كنت تحسن التصفيق بقوة فافعل... وإن كنت تستطيع أن تضحك بملء حنجرتك فافعل... فقد اكتشفت أخيراً كم هو ممتع ومسلٍ أن تشاهد كل أنواع التمثيل مباشرة وجهاً لوجه في كثير من الأماكن، التي ترتادها أو على شاشات التلفاز حتى من الشخصيات المحترمة والمرموقة، وقد تكون بحاجة بالفعل للضحك على غباء من هو أمامك أو سذاجة من يتحدث إليك أو تمحلق وتزلف أصحاب الشوارب لعلية القوم، ثم تصفق على تلك الأدوار التي يمارسونها بوعي أو من غير وعي!
لكن للأسف الشديد... تبدأ المشكلة عندك بعد أن تنتهي من المشاهدة، حينما تسأل نفسك وأنت محاط بالشك... هل كنت أنا من يضحك عليهم... أم كانوا هم من يضحكون عليّ؟
من خلال تصوري للواقع الحالي إن أردت أن تكون شخصاً مقبولاً ومحبوباً ومقنعاً في الوقت نفسه، فلا بد أن تتقن فن التمثيل، أن تترك عاداتك السيئة وأفكارك المتضاربة وبساطة عيشك جانباً وتسدل عليهم الستار، لتخرج متجملاً متنمقاً متذاكياً أمام الناس، وحينما تعود إلى دارك ترمي ثقل هذه الثياب لتتحد مع ذاتك البسيطة المتواضعة، التي ضيعتها خلال ساعات تلوّنك، كل دور تستطيع تمثيله لتخفي واقعك... يمكن أن يكون مقبولاً لدى الآخرين... ما عداك،لأن عينيك هما اللتان تترقبانك... ولن تنتقدك سوى نفسك، ولن تجلد ذاتك سوى ظنونك، هنا وفي هذه اللحظات الخاصة... ستكون بالفعل حراً من التمثيل، ثم تنام آخر النهار متلحفاً بذاكرة ممتلئة بالأحداث، لكنك قد لا تفرق بين الحقيقة والكذب.
وأما إن كنت ممن يشقون من حمل أدمغتهم أمامهم، فالأمر سيختلف معك تماماً عن عامة الناس، ستكون متعة التمثيل الذي يدار حولك كوجع تصديقه !... وتكون سرعة التقييم والتحليل الذي يجريه عقلك كسرعة أخذ النتيجة التي ستخرج منها، لأن المشاهد كانت بالنسبة إليك واضحة كأنها مشاهد ثلاثية الأبعاد، والمقاصد المخفية عن الجميع مكشوفة أمامك كأنها غطيت بغطاء شفاف لا يستر منها عنك شيئاً، ولن يعكر عليك سوى عقلك الناقد الناقم... فيثير لديك الشفقة والحنق !
شقاؤك من هذا الصغير المختبئ في صندوق رأسك... لذا لا أشك أن تتمنى كثيراً أن تكون غبياً ولو ليوم واحد لتستمتع بالمسرحيات التي تدار الآن حولك، راضخاً ومصدقاً وتصفق لها كأبله، وتصر أذنيك عن عقلك الذي يبكي بكاء الحر المكبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق