الجمعة، 28 مايو 2021

علامة استفهام (29) | هل نحن أيضًا طغاة؟

 علامة استفهام (29) | هل نحن أيضًا طغاة؟

أسعد طه

(1)

يمرُّ بنا الحدث فيهزُّنا هزًّا، يُسقط بعض أوراق التوت عنا لنكتشف أنفسنا من جديد، يوجه قائد مقاومة ما عُدّ تحية لبشار الأسد، فيوجه له البعض بدورهم نقدًا، كيف تحارب طغاة هنا وتحيي طاغية هناك؟! فيثور آخرون، كيف لكم أن توجهوا سهامكم إلى من يضع رُوحه على كفِّه؟!

(2)

نهاجم الحاكم بضراوة مُتسلّحين بشعار حرية التعبير لكننا نرفض في اللحظة ذاتها أن يوجه واحد منَّا نقدًا -حتى إن كان لطيفًا- لقائده؛ زعيمه في الحزب أو الحركة أو الجماعة، نعدّ ذلك مساسًا بشخصه الفاضل، وبتاريخه النضالي، كأن النقد سباب، وليس تقييمًا وتصويبًا.

هناك خلط شديد بين النقد الشخصي ونقد السلوك السياسي الذي تنتج عنه عواقب وخيمة، النقد ليش تشكيكًا بأخلاق القائد، ولكن بسلوكه، وربَّما بواحد من قراراته، والفارق عظيم.

هل نحن نوظف شعار حرية التعبير في معاركنا مع الحاكم، وفي الحقيقة لا نؤمن به؟ هل "نقاء" قائدنا الذي نؤمن به يمنعنا من توجيه النقد إليه؟ هل معاناة القائد وثباته في سجون الطغاة، أو نضاله البطولي في وجه الكيان الصهيوني -مثلًا- يمنحه حصانة من توجيه النقد له؟ وإذا كان الأمر كذلك، لماذا كُنَّا نُردّد دائمًا وبفخر المقولة المنسوبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه "إن أخطأت فقوِّموني بسيوفكم"؟!

الله عز وجل عاتب النبي صلوات الله عليه عتابًا علنيًّا، نتلوه ونتعبَّد به في القرآن الكريم.

الرافضون ذلك يعتقدون أن الوقت غير مناسب، تمامًا كما يرى الحاكم الطاغية أنَّ البلاد تمرُّ بظروف حرجة، وأنَّها مستهدفة، وأنَّ ذلك يُحَتّم على الشعب أن يصمت حتى لا يستغلّ الأعداءُ الفرصة، هو هو المنطق نفسه.

الناس في السجن، يجب ألا توجه النقد لقائدهم، الناس خرجوا من السجن لكنهم باتوا في الحكم ويتآمر عليهم الجميع، ويجب ألا تساعد خصومهم بنقدك لهم، اصمت، الناس دخلوا السجن مرة أخرى ويعانون صنوفًا من التعذيب، اصمت.

هناك خلط شديد بين النقد الشخصي ونقد السلوك السياسي الذي تنتج عنه عواقب وخيمة، النقد ليش تشكيكًا بأخلاق القائد، ولكن بسلوكه، وربَّما بواحد من قراراته، والفارق عظيم.

يعتقد المؤمنون بحرية التعبير ضد الحاكم الرافضون حرية التعبير ضد القائد أنَّ النقد يُثير الفتنة، وهو ما يزعمه إعلام السلطة، إعلام الطغاة، يبتعد عن المسائل والقضايا الحسّاسة، يصرف الجهود إلى قضايا فرعيّة، ورسالته دائمًا "إثارة الأسئلة والبحث عن إجابات سيدفع بالبلد إلى الهاوية". السؤال يثير الفتنة؟!

لا.. الفتنة كلها في الصمت، وفي ذهن كل واحد منا ألف سؤال، النقاش والإجابات هو ما ينقذنا، الشفافية تنجينا، الحوارات تزيل الشكوك وتقضي عليها.

يجب ألا نتوقف أبدا عن توجيه الأسئلة للقائد، لماذا فعلت؟ ولماذا فعلت؟ التابعون يدفعون الثمن أيضًا وليس القائد فقط، القائد شخص يصيب ويخطئ، حقيقة بسيطة.

الاستشهاد على طريقة "إذا بلغك عن أخيك شيء فالْتَمِس له عذرًا، فإن لم تجد له عذرًا، فَقُل: له عذر"، في غير محله تمامًا، نحن لا نتحدث عن علاقة بين شخصين، نحن نتكلم عن حركة وقرارات سياسية وثمن سوف يدفعه التابعون.

يقولون كيف تنتقد الضحية؟

يا سادة، وعلى سبيل المثال: نحن نتضامن مع المسروق ضد السارق، ولكننا ننتقد المسروق لإهماله في حفظه حاجاته.

يا سادة، وأنتم تحملون قيمكم العليا لا تكونوا مثل الطغاة.

(3)

إذا كنت قائدًا، وفي لحظة ما بتَّ عند مفترق طرق، وعليك اتّخاذ قرار إمَّا تميل إلى مبادئك الأساسية فتخسر الحركةُ التي تقودها وتتزعمها خسارةً فادحة قد تفنيها، أو تقدم تنازلات أساسية وتستمر حركتك، فأيّ الطريقين تختار؟!

سألت هذا السؤال على مواقع التواصل، وكانت معظم الإجابات مُناوِرة، والحقيقة أن مفترق الطرق الذي تحدَّثت عنه وعَنيته لا يحتمل أي مناورة أو دهاء سياسي، ولو كان هناك هذا الاحتمال ما كنتُ سألت هذا السؤال، إما هذا وإما ذاك، إما المبادئ وإما المصالح، فماذا تفعل؟

(4)

لا أدّعي أنني على صواب وغيري على خطأ، لكن ما سأقوله هنا هو ما أومن به ويبدو لي واضحًا وجليًّا تمامًا.

نعم يستطيع القائد تقديم تنازلات، بل عليه ذلك لحماية حركته بقيمها ومثلها العليا، لكنه عند حدّ معيّن عليه ألا يفعل حتى لو أدّى ذلك إلى فناء حركته؛ لأنّ الفكرة ببساطة لا تموت، لكنها بتقديمه تنازلات رئيسية تموت.

الحنكة السياسية هي في المناورة وتقديم التنازلات المحدودة، وليست في التنازلات الرئيسية، فعندما توافق حركة على التطبيع مع الكيان، فقد تجاوزت كل الخطوط الحمر، وتساوت مع الآخرين، أنت تدّعي أن هذا لمصلحة حركتك، وهم يتنازلون أيضا بدعوى مصلحة البلد.

ارفُضْ ولو كان الثمن حلّ حزبك أو حركتك، إن كنت تدّعي فعلًا أنك صاحب فكرة، التنازل الذي يتعدى الخط الأحمر هو وأد للفكرة، حُلَّ حزبك، تبقى الفكرة حية وإن كانت تحت التراب، إلى أن يأذن الله لها بالبعث مرة أخرى.

لا منطق في اختصار الفكرة في الحركة، أي أن نعدّ أن الوطن أو الدين هو هذه الحركة، ومن ثم مطلوب حمايتها بأي ثمن، ولو بتقديم تنازلات رئيسية.

لا يا سيدي حركتك ليست هي الوطن، ولا الدين، قد تفنى حركتك لكن الدين أو الوطن الذي تدافع عنه سيبقى.

ثمّة فارق يجب أن يبقى بيننا وبين الطغاة، علينا ألا نُشْبِههم أبدًا، نعم للسياسة أدواتها، لكن إذا كنا صادقين، فنحن نتميز بمبادئنا، فإذا تنازلنا عنها تساوينا معهم.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق