الجمعة، 14 مايو 2021

هكذا يتفلسف السامريُّ عادةً!!

 هكذا يتفلسف السامريُّ عادةً!!



د.علي فريد

هو لا يأتيك- ابتداءً- بالكفر العاري؛ بل يأتيك بالكفرِ مستوراً بضغثٍ من الإيمان!!
شيءٌ ما يحدث في عقله؛ فيظن نفسَه الأحكم والأفضل.. تماماً كما حدث مع الشيطان:"أنا خير منه".. 
يكمن في كل سامريّ شيطان.. إنه يرى ما لا يرى الآخرون:"بصرتُ بما لم يبصروا به".. فيقبض قبضةً من أثر مقدّسِك، ثم يُخرج لك مقدساً جديداً مُغلّفاً ببعض مقدسك الأصلي؛ فيسحر عينيك ويخدعك عن نفسك؛ لتسيطرَ عليكَ- بعد ذلك- ذاتُ اللحظة التي سيطرت عليه (تلك المجنونة العاقلة أو العاقلة المجنونة)؛ ليصبح المعقولُ في عقلك غيرَ معقول، وغيرُ المعقولِ في عقلكَ معقولاً.. ثم تكتشف- بعد فوات الأوان- أنه لا فرق بينك وبين السامريّ الأول سوى أن لحظتَه أصابته قبل أن تصيبَكَ لحظتُك.. وإذ أنت سامريٌّ كاملٌ مع نصف شيطان!!

هكذا تبدأ الأشياء!!
فكرةٌ تنبت في رأس سامريٍّ من أكابر مجرميها، يتلقفها العامة والغوغاء، ثم تتجذر في التربة تَجَذُّرَ العامة والغوغاء (ولا جذر أثبتَ منهم!!) حتى إذا جاء من يُذكِّرهم بالأصل الذي طال عليه الأمد؛ قالوا: إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون"!!
قد يتجسد الشيطان في فَردٍ أو أمة، كما يتجسد في فكرة أو منهج!!
وقد يظهر لك في الإيمان المشوب كما يظهر في الكفر المحض!!
وقد يخطر أمامك في جبة صوفي يتمايل في حضرة، أو عمامة أشعري يتفلسف في حلقة، أو لحية سلفي يُحَدِّث في محراب!!
والطامة الكبرى أن يتراءى لغيركَ فيك، كما يتراءى لكَ في غيرك؛ فيراكَ الآخرون شيطاناً وتراهم أنت شياطين.
في الفيلم الأمريكي(الآخرون)- وعلى مدار تسعين دقيقة- كانت البطلة تحارب الأشباح حِفاظاً على بيتها وأسرتها.. في الدقائق العشر الأخيرة اكتشفنا- واكتشفت البطلة- أنها وأبناءها وخدمها ليسوا سوى أشباح، وأن أولئك الذين يصارعونهم هم البشر الحقيقيون.. وأنها- في لحظة ذهان حادة في حياتها الحقيقية- خنقت أطفالها _حِفاظاً عليهم_ ثم قتلت نفسها!!
ما حدث للأمة الإسلامية قريبٌ من هذا.. حالة (تيه ذهاني) أو (ذهان تيهي) سيطرت عليها منذ ما يزيد على مائتي سنة؛ فخنقت أبناءَها، ثم تحولت إلى شبحٍ تحارب ما تظنه شبحاً!!
ضَرَبَنَا أخطبوطُ السامرية العلمانية بأذرعه المتعددة : قومية، وطنية، ديمقراطية، ليبرالية.. وكان مع كل ذراعٍ سامريّ يؤزه الشيطان لينثر عليه وحوله قبضةً من أثر الرسول فيسحر أعين الناس ويسترهبهم!!

قَبَضَ سامريٌّ (قوميٌّ) قبضةً من أثر الرسول منطلقاً من قوله تعالى:" كنتم خير أمة أُخرجت للناس" " وكذلك أنزلناه حكماً عربيا".. 
ثم انتهى به الحال إلى قول الشاعر:
آمنتُ بالبعث رَبّاً لا شريك له
وبالعروبة ديناً ما له ثاني!!

وقبض سامريٌّ (وطني) قبضةً من أثر الرسول منطلقاً من قوله صلى الله عليه وسلم عن وطنه مكة:" إنكَ لأَحَبُّ بِلادِ اللَّه إِلَيَّ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِليَّ ولولا أَنِّي أُخرِجتُ مِنكِ مَا خَرَجتُ".. ثم انتهى به الحال إلى:" أخرجوهم من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهرون"!!
وقبض سامري (ديمقراطي) قبضةً من أثر الرسول منطلقاً من قوله تعالى :" وأمرهم شورى بينهم" ثم انتهى به الحال إلى:" ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"!!
وقبض سامري (ليبرالي) قبضة من أثر الرسول منطلقاً من قوله تعالى:"لا إكراه في الدين" "لست عليهم بمسيطر" "وما أنت عليهم بجبار".. 
ثم انتهى به الحال إلى:" لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا"!
وإذِ الأسماء لا مسميات لها، والمصطلحات لا معاني لها.. وإذ القومي سامري يحارب دينه، والوطني سامري يحارب قوميته، والديمقراطي سامري يحارب وطنه، والليبرالي سامري يحارب الحرية.. واتحد النقيض مع نقيضه لضرب مثيله؛ فصرنا نرى قومياً عروبياً يتحد مع فارسي أو عبري لضرب مثيله العروبي.. وإسلامياً أصولياً يتحد مع الصليبي والقومي والديمقراطي لضرب مثيله الإسلامي.. وديمقراطياً ليبرالياً يتحد مع أعتى الدكتاتوريات العسكرية والقبلية لضرب الجميع!!

ولم يسلم الإسلامُ ذاته من السامرية التي تسربت إليه فأنجبت فرقاً وطوائف خرج بعضُها من دائرة الإسلام بالكلية، ثم تلاعب سامريون آخرون بما بقي داخل الدائرة؛ فحرفوا الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذُكِّروا به، وتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون!!

وكان أن حَصَرَ سامِريُّو السلفية وسامريو الأشعرية وسامريو الصوفية ابنَ تيمية، والعزَّ بن عبد السلام، وإبراهيمَ بن أدهم في العقيدة والكلام والزهد.. وتناسوا فيهم ما عدا ذلك.. فإذا قيل لهم إن هؤلاء الأفذاذ لم يضعوا أيديهم في يد طاغوت قط، ولم يرضخوا لمتجبر قط، ولم يداهنوا في العقيدة قط، ولم يتهاونوا في الولاء والبراء قط، ولم يتوانوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قط.. نفروا ونخروا كالحُمُر المستنفرة فرت من قسورة!!
وإذِ الأمرُ (إرجاءٌ محض) لا سلفية فيه ولا أشعرية ولا صوفية!!
تساوى الثلاثة في الأكل بالدين، والتلاعب بالعقيدة، والتمكين للمتجبرين، والمشاركة في سفك الدماء المعصومة، وتوهين أمر الأمة.. حتى قال قائل حصيف: (كنا نظنهم ثلاثةً يتصارعون فإذا هم واحدٌ يحاول تكسير مرآته)!!
فلا يشمخن أحدٌ على أحد، ولا يحتكرنَّ أحدٌ الإسلامَ دون أحد؛ فالثلاثة- رغم اختلاف أسمائهم المدّعاة- يمرحون في قِدِّ الطاغوت، ويدورون في فلك الأنظمة، ويتخبطون في صندوق النظام العالمي.. وما مَثَلُهم إلا كمثل ما رواه الزجاجي في أماليه عن تلك المرأة التي تزوجت رجلاً اسمه (حمار)؛ فحسُنَ موقعُها عندَه؛ فأرادته على تغيير اسمه؛ فقال: قد فعلت، إني تسميت (بغلاً)؛ فقالت: هو أحسن من ذاك، ولكنك بَعدُ في الاصطبل!!
جميعهم لا يزالون في الاصطبل.. اصطبل الطغاة.. والطغاة يبحثون دائماً عن ضعيفي المستوى، وقليلي القيمة، وعديمي القدرة؛ ليصنعوا منهم دوائر فاسدة مفسدة تحيط بهم بعد أن يُدخلوهم في (خلاط التلميع الإعلامي) ليخرجوهم حاملين:
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ
والناس تعرف- حين تُسلط الأضواء على شخص بعينه- أن لقباً ما قد خلا مكانُه ويُبحث له عن حامل، أو أن فارغاً ما قد أظل زمانه ويُبحث له عن لقب!!
ولا فرق- والحال هذه- بين مؤتمر جروزني الذي احتكر فيه (بعض السامريين) الإسلامَ وأخرجوا منه بقية المسلمين، وبين مؤتمرات جدة والدوحة والقاهرة والرباط التي يحتكر فيها (بعض السامريين) الإسلامَ ليُخرجوا منه بقية المسلمين.. لا فرق بين الإسلام الروسي والإسلام الأمريكي.. الاصطبل واحد.. وإن سَكَنَهُ شركاءُ متشاكسون!!
ولئن أتاهم- حديثاً- بوتين ليعلمهم أمر دينهم؛ فقد أتاهم- قديماً- بوش وكلينتون وريجان وكارتر ونيكسون وروزفلت.. ولا يزال الحبل على الجرار.
لقد التقى منذ أشهر بابا الفاتيكان مع بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بعد قطيعة دامت ألف عام.. ألف عام.. وكان التصريح الأبرز للقاء هو: وجوب استعادة الوحدة المسيحية لإنقاذ المسيحيين الذين يواجهون العنف في الشرق الأوسط!! (وأنتم تعرفون بالطبع معنى هذا التصريح)!!
وفي سبعينيات القرن العشرين أفتى الرافضيان: موسى الصدر، وحسن مهدي الشيرازي.. وغيرهما من مرجعيات الرافضة بإسلام الطائفة النصيرية (طائفة حافظ الأسد) وإدخالها ضمن الشيعة الاثني عشرية، بعد تكفير دام أكثر من ألف سنة. وما تجرأ رافضي قبلهما على إدخال هذه الطائفة- تحديداً- في دائرة الديانة الرافضية فضلاً عن إدخالها في دائرة الإسلام.. ومنذ ذلك الحين بدأ البويهيون الجدد أو القرامطة الجدد- لا فرق- في بذر بذرة التنظيمات الرافضية المسلحة ابتداءً من حركة (أمل)- ذات الوجه العلماني والقلب الديني- وانتهاءً بحزب الشيطان.. ويعرف الجميع ماذا فعلت حركة أمل في لبنان.. كما يُعايش الجميعُ الآن مجازر حزب الشيطان للمسلمين في الشام والعراق ومعاونته للطائفة التي ظلوا يكفرونها ألف عام مضت!!
والخسة من معدنها لا تُستغرب!!
الجميع يتوحد.. والجميع يُدخِلُ معه مَن ليس منه.. والجميع ينسى أو يتناسى ثارات ألف عام في سبيل التأسيس لنظامٍ عالمي جديد يبقى مائة سنة أخرى قابعاً على أنفاس المسلمين وجثثهم وأشلائهم.. وإني لأعجبُ والله أشد العجب من أولئك الذين يدّعون التزامهم- في نظامهم- بشرع الله وسُنّةِ نبيِّه، ثم يضربون_ حتى الإسقاط_ كلَّ تيارٍ (سني معتدل!!) يصل إلى الحكم من حولهم؛ فيحاصرون أنفسَهم بأعدائهم؛ فإذا وقعت الواقعة لم يجدوا حولهم إلا القرامطة والصليبيين يتلمظون للانقضاض عليهم!!
ومن يدري.. لعلنا نكتشف في قابل الأيام أن أشد الجهات هجوماً على هذا المؤتمر السامري هي ذاتها الجهات الراعية له!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق