الأحد، 23 مايو 2021

العلو الكبير في فصله الأخير (١ من ٣)

 العلو الكبير في فصله الأخير (١ من ٣) 





د. عبد العزيز كامل 

 مركز محكمات للبحوث والدراسات

الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..

فقد أخبر صريح القرآن أن لبني إسرائيل في الزمان علوين كبيرين، كما جاء في سورة الإسراء (وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا)[الإسراء: ٤]، ولا نشك أن العلو الأخير هو ما يعايشه العالم المعاصر منذ تلاقت مصالح ومطامح الصهيونيتين: (اليهودية والصليبية)؛ فالصهيونية ليست خاصة باليهود وحدهم – بل هي تشمل كل من سعى ويسعى لـ” إعادة مجد إسرائيل على جبل صهيون” كما هو تعريف دائرة المعارف البريطانية للصهيونية، والمعنى المقصود للتعريف باختصار؛ هو أن الصهيونية تعني السعي لإعادة بناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى لاستقبال (الفصل الأخير في مسار بني إسرائيل)، بما يقتضيه ذلك من إعادة توطين اليهود في الأرض المقدسة أولا، وإنشاء دولة قوية لهم فيها ثانيا؛ وجعل عاصمتها القدس ثالثا، ثم إعادة بناء الهيكل ليكون قبلتها رابعا، ثم التمدد لاستكمال خريطة (وعد إبراهيم) أو إسرائيل الكبرى من النيل للفرات خامسا؛ ثم استقبال عصر (البقرة العاشرة) لتطهر اليهود برمادها سادسا، ثم الاستعداد لاستقبال (المسيح المنتظر) ليقودهم في قيادة العالم سابعا!!
وهذه الفصول السبعة؛ هي من سبعيات اليهود المغرمين بهذا الرقم المقدس لديهم، والذي يشير إلى الفصل الأخير من تاريخ الدنيا عندهم، مثل ماهو معروف في معنى (الشمعدان السباعي) الذي يمثل الشعار الرسمي لدولة اليهود منذ قامت.
لكن الاستعداد أو التهيئة والإعداد لاستقبال المسيح المنتظر – على وجه الخصوص- هو سر العامل المشترك ، للتعاون المشترك بين الصهيونيتين: اليهودية والصليبية، حيث تتفقان على كل خطوات العمل قبل قدوم المسيح الموهوم، المتفق بينهما على حتمية عودته، والمختلف على تعيين شخصيته!
وكلُّ مُطَّلِعٍ على تاريخ التعاون المشؤوم بين كفار أهل الكتاب المعاصرين؛ يدرك أن “الصهيونية الصليبية” كانت الأسبق والأخطر من الصهيونية اليهودية، فالأولى هي التي أنشأت الثانية وأمدتها بوسائل القوة والفتوة، فكانت الحبل الممدود لهم من الناس، طمعا في الالتقاء والتوافق الديني في نهاية الطريق..!
خطواتهم على الطريق
من خلال مطالعة أحداث قرن سبق، يدرك كل متأمل أن القوى المتنفذة والمتحكمة في العالم منذ إسقاط الخلافة العثمانية؛ تتعمد توجيه الأمور إلى مسار العلو المشترك للصهيونيتين المتمردتين والمتآمرتين على أمة الإسلام، وينبغي أن لا ننسى أن النسبة ل (بني إسرائيل) مشتركة بين اليهود والنصارى، باعتبار أن عيسى عليه السلام كان آخر أنبياء بني إسرائيل، فهو كان منهم، وأرسل إليهم ، كما دل على ذلك قول الله تعالى : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف: 6)؛ لذلك فإننا لانتردد في القول بأن العلو الكبير والأخير لبني إسرائيل؛ هو علو مشترك بين اليهود والنصارى المعاصرين، وبخاصة (البروتستانت) الذين يدينون بالتوراة قبل الإنجيل؛ وهنا لابد من استحضار ملاحظات جوهرية، تبدو على مسار التعاون المشترك بين هؤلاء الأخوة الأعداء:
★ أن العداوة العقدية المزمنة بين النصارى واليهود قديماً، بسبب تكفير اليهود لعيسى – عليه السلام – وتآمرهم على قتله؛ توارت عندما أصبح العدو المشترك للمغضوب عليهم والضالين هو أهل الإسلام بوجه عام، وأهل السنة بوجه خاص .
★ أن إنشاء ثم إعلاء شأن الكيان اليهودي في قلب أمتنا، كان ولا يزال مشروع العصر الذي تبنّاه كل الكارهين والطامعين في أمة الإسلام، من قوى الاستعمار القديم، والاستكبار الحديث، فعلو اليهود على المسلمين، يمثل استراتيجية متفق عليها عالميا.. وتسخر لها كل الإمكانات إقليميا.
★ أن تأثير اللوبيات اليهودية على القرارات المتعلقة بأمتنا في توجّهات السياسة الغربية، من الأمور التي فضحتها مسارات الأحداث في السنوات الماضية، حيث ظهر أن أمن الكيان الصهيوني هو المحرك الأكبر للمواقف المتعلقة بتوجهات تلك السياسة.
وإجمالا؛ فنحن نحتاج إلى إعادة رصد السياسات الصليبية؛ الغربية والشرقية، التي كانت تقف وراء الأحداث الكبرى في منطقتنا العربية منذ نحو قرن، حيث يبدو جلياً أن تلك المواقف كانت – ولا تزال – تمثّل سلسلة متواصلة من السعي نحو الوصول بذلك الكيان الصهيوني إلى مرحلة العلو الكبير، فهو علو يَدفع به ويُدفع إليه طواغيت العالم منذ أكثر من مائة عام، حتى يتحقق هذا القدر المحتوم، عن طريق حبال إنقاذ مؤقتة وقليلة، لتلك الأمة الذليلة، كما قال الله تعالى {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْـمَسْكَنَةُ} [آل عمران: ١١٢].
المصدر/ مركز محكمات للبحوث والدراسات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق