ورقة "حماس" من الأسد إلى السيسي
ياسر أبو هلالة
بعد فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في العام 2006، استقبل بشار الأسد قيادة الحركة دعما وتهنئة، ودّعهم إلى باب القصر، وقال ممازحا جادّا "أبلغوا المصريين، إن الأدوار تغيرت، دمشق ظلت تاريخيا تحتضن المعارضة الفلسطينية والقاهرة تحتضن القيادة، اليوم العكس، القيادة الفلسطينية في دمشق والمعارضة في القاهرة"! تعكس تلك الواقعة المنافسة على استخدام ورقة القضية الفلسطينية، فتلك المنافسة لم تقتصر على دمشق والقاهرة.
في الواقع الذي يقود الفلسطينيين هو من يقاوم الصهيونية أكثر، وليس من يفوز بأصوات أكثر في الأوصال الفلسطينية المقطّعة، وأكثرها تحت الاحتلال المباشر وغير المباشر، فحركة فتح قادت منظمة التحرير الفلسطينية ليس بسبب فوزها في الانتخابات، بل بسبب الدماء التي بذلتها، وحل زعيم ناشئ اسمه ياسر عرفات مكان قيادة أحمد الشقيري مؤسّس المنظمة.
ليس عيبا استخدام الورقة الفلسطينية في اللعبة الدولية والإقليمية على قاعدة الوقوف مع الحق الفلسطيني ضد العدوان، ولكن ذلك لا يعطي شرعيةً لأي عدوان، فإيران التي قدّمت دعما مشهودا عسكريا وسياسيا لحركة حماس لا يعطيها ذلك حق العدوان على بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء والرياض، تماما كما لم يعط ذلك لبشار الأسد حق العدوان على شعبه.
استخدم الأسد الأب قضية فلسطين لمنحه شرعية حكم انقلابي فاقد الشرعية، خاض حرب تشرين ودعم المقاومتين، الفلسطينية واللبنانية.
وكرّس الأسد الابن النهج ذاته، ويروي مقرّبون منه إنهم ألجموا حماسته في حرب تموز التي كاد يدخلها. وبعد تلك الحرب ألقى خطابه الذي هاجم فيه الدول العربية التي وقفت ضد حزب الله، واصفا إياها بـ"أشباه الرجال".
وقاطعت تلك الدول القمة العربية التي انعقدت في دمشق وقتها.
منح بشار الأسد لحركة حماس دعما غير مسبوق، فتح لها خزائن تجّار الشام، والذين مولوا الحركة بأكبر دعم على مستوى شعبي، سخّر لها إمكانات البلاد العسكرية والأمنية. "خبراء الصواريخ في حماس كانوا يستخدمون طائرات الجيش السوري السمتية لقياس أمدية الإطلاق والتسديد"، هذا ما سمعته من أبو الوليد الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس أبو الوليد.
غادرت "حماس" دمشق، وخسرت كل الدعم الاستراتيجي بعد الثورة السورية، منحازة لعدالة قضية الشعب السوري التي لا تقلّ عدالة عن قضيتها. وتكرّست عزلتها في حرب 2014 التي جرت في أوج الحملة والتحريض في مصر على الإخوان المسلمين و"حماس" .. وفلسطين أيضا. "بالكاد كانوا يصافحوننا"، يخبرني قيادي في "حماس" عن اللقاء بالمخابرات المصرية بعد حرب 2014.
تبدّلت الحال في 2021، فالحملة على "الإخوان" خفتت، ولم يعد عبد الفتاح السيسي بحاجة إلى الإسرائيليين كما كان في 2014 أيامها، وكما وصفت الصحافة الغربية كان نتنياهو يعمل وزير خارجية السيسي.
وفي النهاية، في عز دعم بشّار الأسد "حماس"، لم يغير قانون 49 الذي ينص على إعدام كل "من انتسب لجماعة الإخوان المسلمين"، وهو يعلم أن خالد مشعل الذي يستقبله هو ذاته المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، وهو ما تعلمه المخابرات المصرية عن قيادات "حماس" التي تتواصل معها يوميا.
يحتاج السيسي "حماس" لأنها تقود النضال الفلسطيني اليوم، والعلاقة معها أساسية لمن يريد استخدام الورقة الفلسطينية، سواء على مستوى الإقليم أم العالم. وقد قطف الثمرة مباشرة، عندما اتصل معه بايدن للمرة الأولى، وهو يعلم تماما مدى المشكلة في العلاقة مع أميركا في ظل حكم الديمقراطيين الذين يحسبون السيسي على ترامب بكل سيئاته، وأدخلوا الديمقراطية عاملا في السياسة الخارجية.
وتخدم القضية الفلسطينية السيسي في البحر المتوسط الذي تحاول إسرائيل بالتحالف مع الإمارات واليونان تحويله إلى بحيرة إسرائيلية، تتحكم في غازه وخرائطه البحرية.
التحول في العلاقات المصرية التركية اعتمد بدرجة كبيرة على الرغبة في الحفاظ على مكانة في "الوطن الأزرق" على حد تعبير الاستراتيجيين الأتراك، فالبحار لا تقل أهمية عن التراب الوطني في رسم الحدود.
فوق ذلك، الشعب المصري، مثل كل الشعوب الحرّة، منحاز بالكامل لقضية فلسطين، معاد تماما للصهوينية، وبدا من خلال منصّات التواصل حجم التأييد للفلسطينيين، وهو ما برع إعلام السيسي في استخدامه لصالحه.
المأمول أن يكون الانحيار الرسمي العربي لفلسطين فرصةً لتوحيد الحكام والشعوب الذين لا يجتمعون إلا عليها، فمصر التي تنفتح على حركة حماس، فرع الإخوان في فلسطين، تستطيع أن تنفتح على الإخوان المصريين، وتطوي صفحة الاشتباك الداخلي بين أبناء الوطن. لو فعل بشار الأسد ذلك قبل عقد، لجنّب سورية ما حاق بها، وظلت حاضنةً لشعبها وللشعب الفلسطيني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق