لماذا يزعجهم أن تنتصر المقاومة؟!
سليم عزوز
ليس خبراً أن يقال: قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف غزة، فالخبر أن صواريخ المقاومة الفلسطينية وصلت إلى تل أبيب!
فلا يكاد تمر سنة دون قيام إسرائيل بقصف غزة، وتدمير المساكن، وقتل المدنيين والأطفال، وذلك منذ أن تركتها مغرمة بسبب العمليات الاستشهادية، قبل ذلك قال إسحاق رابين: “أتمنى أن استيقظ يوماً من النوم فأجد غزة وقد غرقت في البحر”، لكن غزة التي أرغمته على الفرار، هي نفسها غزة الآن، التي تقوم بدور السجان، على سجن تل أبيب العمومي، فتفرض حظر التجول، ثم تمنح السجناء ساعتين للتريض، فقد وصلت صواريخها إلى العمق الإسرائيلي!
ونتذكر بهذه المناسبة عندما هدد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إسرائيل بأنها إذا ضربت عمق لبنان فسوف يرد بضرب عمق إسرائيل، وأنها إذا ضربت العاصمة اللبنانية فسوف يضرب تل أبيب. لأن الصهاينة اعتبروا أن تل أبيب خط أحمر، كما اعتبرنا نحن أن وصول الصواريخ اليها أمر أصعب من ولوج الجمل في سم الخياط، لكن هذه صواريخ المقاومة الفلسطينية تصل إلى هناك، وتصيب أهدافاً في العمق الإسرائيلي، وهو أمر له ما بعده!
فمع كل صاروخ تطلقه المقاومة، فإن أثار الهزيمة لا تظهر فقط في تل أبيب ولكن في عواصم عربية عدة
فعندما تلقي الحرب أوزارها، فسوف نشاهد هجرات عكسية للإسرائيليين الذين ريما تساءلوا مع الكاتب الإسرائيلي الشهير “آري شبيت”: “لماذا نحن هنا”؟!، فلم تعد “الدولة الإسرائيلية” قادرة على توفير الأمن لهم، وربما سلموا بما نسيناه من وصفها بـ “الدولة المزعومة”! ولم يعد الجيش الإسرائيلي قادراً على أن يمنع سقوط الصواريخ عليهم وحصار دولتهم، فتتوقف طائراتها عن الاقلاع ومطاراتها عن استقبال الطائرات التي تحط فيها، فقد طورت المقاومة صناعة الصواريخ، وأوجعت عدوها، على نحو غير مسبوق، لم تقدر عليه الجيوش العربية النظامية، التي لم تحارب لأيام بل لساعات، وهذا جزء من مشكلة البعض، الذين هم موضوع هذا المقال!
فمع كل صاروخ تطلقه المقاومة، فإن أثار الهزيمة لا تظهر فقط في تل أبيب ولكن في عواصم عربية عدة، ولم تصب فقط الإسرائيليين ولكنها أصابت عرباً يعيشون بين ظهرانينا، فصدروا الخطاب الانهزامي، عن الخسائر التي تتكبدها غزة، وضحايا الحرب من الفلسطينيين، وكأن مقاومة المحتل صارت جريمة، وكأن الصمت كان ثمنه تحقيق الحد الأدنى وهو عدم استهداف الفلسطينيين ومقدساتهم!
لقد قال الكاتب الإسرائيلي “إنشل بير”: إن نتنياهو يبحث عن نصر في غزة لن يجده فقرار مواصلة الحرب جاء بعكس رأي الوزراء والجنرالات
لقد أشاعوا أن صواريخ المقاومة إنما هي “فشنك” تحدث دوياً ولا تصيب هدفاً، وأنها – كما قال أحدهم – “صواريخ عبثية”، مكنت إسرائيل من استهداف المدنيين والأطفال، وهذا كلام يصدر من روح انهزامية، على العكس من تسليم إسرائيليين بحجم الهلع الذي أحدثته هذه الصواريخ، واعترافهم بنجاح المقاومة وهزيمة دولتهم!
لقد قال الكاتب الإسرائيلي “إنشل بير”: إن نتنياهو يبحث عن نصر في غزة لن يجده فقرار مواصلة الحرب جاء بعكس رأي الوزراء والجنرالات. وقالت الصحفية “تال شنايدر”: لدى حماس غواصات مسيرة انتحارية وصواريخ قادرة على ضرب حقول الغاز الإسرائيلية وساسة إسرائيل وعسكرها تكتموا على هذا”.
والمكابرة لم تمنع المعلق الإسرائيلي “تسفي بريئل” من الاعتراف بأن “حماس أثبتت أنها جيش منظم هرمي، تقوده كفاءات ذات تأهيل علمي ومهني مثير للانطباع. قيادات تعرف كيفية توفير وإدارة البني التحتية اللازمة للبقاء والهجوم”. وقال الصحفي الإسرائيلي “عومر دنك”:” لم يعد بوسعنا إنجاز شيء في الحرب..”، أما “حيف كرواز” فقالها صريحة”: “حماس هزمت إسرائيل استراتيجيا”!
وعندما تقرأ هذه الشهادات، يستقر في وجدانك أن موقف المرجفين في المدينة من بني جلدتنا إنما هي أزمة أناس كالمخلفين من الأعراب، الذين بحثوا قديما عن مبرر لأن يكونوا مع القاعدين، ولهذا أسباب عدة!
فهناك من يزعجه أن يكون الانتصار عبر حركات مقاومة، وبسلاح متواضع هو إنتاج محلي، أرهق القبة الحديدية، وتبدت بسببه عورتها للناظرين، وهو انتصار لم تقدر عليه جيوش نظامية ترى أن خوضها للحروب ينبغي أن تملك – ثمنا له – الأرض ومن عليها، فضلا عن أن هناك من كانوا قد وطنوا أنفسهم على تجرع الهزيمة حد الإدمان، ومن ثم اندفعوا في “سكة الانحراف الوطني”، والهزيمة المطاعة، والتسليم للقوي!
شاهدنا رموزاً يسارية كبيرة بنت تاريخها على المقاومة، تهرع للحديث عن أهمية التطبيع وإقامة جمعيات لهذا الهدف
إن هذا يحدث في وقت شاهدنا فيه دولاً تتدافع في اتجاه التطبيع مع إسرائيل، وترى أن هذا هو ما يمليه التفكير المنطقي والعقلاني فمن يقدر على إسرائيل؟، ورأينا دولاً ليس لها في العير ولا في النفير، ترى أن مصالحها العليا في هذا التقارب، على نحو كان السؤال فيه متى يسمحون لإسرائيل بالانضمام لجامعة الدول العربية؟، وهناك قادة ضنت عليهم شعوبهم بالشرعية، فذهبوا يتقربون إلى نتنياهو بالنوافل!
وعلى مستوى الأفراد فقد كان الشعور بالقوة الإسرائيلية سبباً في تغير القناعات القديمة، ورتب البعض أوضاعهم على الانقلاب على أعقابهم، وقد شاهدنا رموزاً يسارية كبيرة بنت تاريخها على المقاومة، تهرع للحديث عن أهمية التطبيع وإقامة جمعيات لهذا الهدف، بل إن “اليسار الوظيفي” رتب حساباته الجديدة على هذا الأساس، وإذ تابعت أداء أحد الشيوعيين المصريين الحانق على المقاومة، وترويج خطاب الانبطاح، فقد سبق هذا حديثه عن أن عداءه السابق أنتجته حالة المراهقة السياسية، ألا وقد نضج فإن الآن يرى ضرورة التقارب ولن يتردد في السفر إلى هناك إذا تلقى دعوة، فقد دخل الفتى مجال كتابة الروايات، ولعله بات يحلم بجائزة نوبل للآداب، والطريق يبدأ من تل أبيب!
والحال كذلك، فهم يحسبون كل صيحة عليهم، ويرون في سلاح المقاومة أنه وصل إليهم فطعنهم في وجدانهم المهزوم، وهي حالة عرفتها في الثورة المصرية، فمن بين من اعتزلوا السياسة، لأنهم سلموا بأن نظام مبارك لا يقدر عليه أحد، فلم يشاركوا في الثورة، واعتبروها عبثاً، صاروا بنجاحها في إجبار مبارك على التنحي من أعدى أعدائها، ويروجون لأكاذيب مثل إنها فعل خارجي، أو مؤامرة، ليكونوا صدى لأصوات الثورة المضادة، تماماً كما أن المهزومين في حالتنا هذه هم صدى لأصوات الصهاينة المتطرفين وليس عقلاء القوم الذين لم يكابروا واعترفوا بالهزيمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق