الأربعاء، 10 مايو 2023

للشعب السوري رب يحميه

 للشعب السوري رب يحميه

“البيض الممشش (الفاسد) يتدحرج على بعضه” و”الطيور على أشكالها تقع”، هكذا يمكننا فهم مسارعة الأنظمة الاستبدادية العربية لإعادة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية، فنحن نعيش عصر الاستبداد العربي بعد أفول عقد الربيع والديمقراطية.

يوم الأحد الماضي 7 مايو/أيار، وبعد جلسات عديدة سرية أو علنية، على مستويات متعددة أيضا، قرر وزراء الخارجية العرب -في اجتماع استثنائي بالقاهرة- إعادة مقعد سوريا إلى نظام بشار الأسد، وهو المقعد الذي ظل شاغرا منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، وإن تم منحه مؤقتا إلى ائتلاف قوى الثورة والمعارضة في مايو 2013، وبناء على ذلك شارك الائتلاف ممثلا لسوريا في قمتي الدوحة 2013 والكويت 2014، ثم توقفت دعوته بعد تصاعد الثورات المضادة.

قرار الوزراء العرب فتح الباب لمشاركة بشار الأسد شخصيا في القمة العربية خلال أيام، ليجد الحضن الدافئ من حكام عرب لا يقلون عنه فسادا أو استبدادا، ولتكن براميله ضد الشعب السوري من الآن فصاعدا محمية بقرارات الجامعة العربية، ولكنْ للشعب السوري رب يحميه.

الجدية المفقودة

لن تنطلي علينا الأكاذيب من عينة أن هذا القرار مرهون باستجابة نظام الأسد لما أطلقوا عليه “خطوة مقابل خطوة”، فهذا النظام ظل متبجحا طيلة السنوات الاثنتي عشرة الماضية، رافضا خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية التي قدمتها الجامعة في أكتوبر/تشرين الأول 2011، والتي كان رفضه لها في حينه سببا لتجميد عضويته في الجامعة. والنظام السوري يرفض حتى الآن تنفيذ القرار الدولي 2254 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015، الذي وضع أسس الحل السياسي للأزمة السورية تحت إدارة الأمم المتحدة، ومنها صياغة دستور عصري غير طائفي، وإجراء انتخابات حرة وفقا له، والنظام الذي رفض تنفيذ ذلك القرار وقت ضعفه لن ينفذه وقت قوته حتى وإن خفف قرار الجامعة العربية الصياغة، بحيث لا تصبح التزاما كاملا بالقرار ولكن بما ينسجم معه!!

ورغم أن الوزراء العرب شكلوا لجنة خماسية للمتابعة، فغالب الظن أنهم ليسوا جادين في أي من طلباتهم للنظام السوري، لكنهم يضعون بعض الطلبات لذر الرماد في العيون، وحفظ ماء الوجه، وعلى العكس من ممارسة الضغوط على النظام لتنفيذ تلك المطالب مثل التوصل إلى حل سياسي للأزمة، أو إعادة المُهجَّرين، فإن الحكومات العربية ستُظهر دعمها (الخفي) للنظام السوري، وستضاعف هذا الدعم لمواجهة الثورة الشعبية بزعم مقاومة الإرهاب.

نفاق أمريكي أوربي

الموقف الأمريكي والأوربي الرافض أو المتحفظ على قرار الجامعة العربية ليس مخْلصا أيضا للشعب السوري، ولا لتطلعاته إلى الديمقراطية، فالغرب بقيادة واشنطن حريص على استمرار المعارك في سوريا، واستمرار نزيف دماء السوريين، مع الاستمرار في إصدار بيانات التنديد، وإصدار بعض القوانين التي تعاقب بعض المسؤولين السوريين مثل قانون قيصر، وتوفير الحماية لبعض الناشطين أو المعارضين، ولكنْ ليس تقديم الدعم العسكري الذي يمكّنهم من مواجهة قوات بشار، أو حتى الدعم السياسي الحقيقي الذي يحاصر النظام ويُجبره على الانصياع للقرارات الدولية، والهدف الأساسي للغرب هو الإبقاء على سوريا ضعيفة حماية للأمن الإسرائيلي، ويدرك القادة العرب جيدا أن هذا الغرب ليس صادقا في دفاعه عن الديمقراطية في سوريا أو غيرها، ولذلك فلن ينشغلوا كثيرا بالتحذيرات الأوربية الأمريكية، التي هي مجرد “طق حنك”.

الثورة السورية هي أطول الثورات العربية، وقد أمضت 12 عاما حتى الآن تحت القصف، ورغم الثمن الفادح من آلاف الشهداء، وملايين المشردين والمهاجرين، والمدن والقرى المهدمة بقذائف النظام الأسدي، فإنها (الثورة) لم ترفع الراية البيضاء، فبحور الدماء التي سالت فيها تقف حاجزا قويا ضد أي تراجع، والسوريون الذين دفعوا كل تلك الدماء والتضحيات لن يستسلموا حتى يحققوا حلمهم في الحرية والكرامة.

الشعوب العربية -على خلاف حكامها- ناصرت الثورة السورية منذ أيامها الأولى، ولا تزال على تعاطفها معها، ومع غيرها من ثورات أو انتفاضات، رغم انشغالها بمعاركها الداخلية أيضا ضد الاستبداد، وهذه الشعوب التي ذاق بعضها طعم الحرية خاصة في دول الربيع العربي، أو تلك التي تأثرت به، وسارعت إلى إجراء إصلاحات عاجلة تجنبا لوصوله إليها، لن تفرّط في حلمها المشروع في الحرية والكرامة والتنمية الحقيقية التي يشعر بها كل مواطن، وليس فئة بعينها فقط، هذه الشعوب وبينها الشعب السوري لم تعد تطيق الاستبداد الذي عاشت في ظله عقودا بل قرونا طويلة، وهي الآن ترى شعوبا أقل منها وقد نالت حريتها، وودّعت سنوات القهر والذل والاستعباد، سواء في آسيا أو أمريكا اللاتينية أو أفريقيا.

رغم أن قرار الجامعة العربية مؤلم للشعب السوري بوصفه دعما ولو معنويا لقاتله، فإن هذا الشعب يدرك أن الحكام العرب هم الذين ورطوه في حرب أهلية، ثم تخلوا عنه، وهم الذين أنشؤوا جماعات مسلحة ثم وصموها بالإرهاب، وهو (الشعب السوري) يدرك أن المستقبل له وليس لنظام طائفي قمعي متخلف، وإذا كانت الثورة السورية وغيرها من ثورات الربيع العربي تمر بلحظة انكسار فإنها لحظة مؤقتة، هكذا يخبرنا التاريخ، وهكذا تخبرنا سيرة الثورات العالمية التي مرت بفترات مد وجذر، انتصار وانكسار، حتى استقرت وحققت أهدافها في نهاية المطاف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق