السياسي صاحب الشعبية ضد الجنرالات.. إلى أين تتجه الأمور في باكستان بعد اعتقال عمران خان؟
يهدد القبض على عمران خان بفصل جديد من الاضطرابات في باكستان، فإلى أين تتجه الأوضاع بين رئيس الوزراء السابق ذي الشعبية الجارفة، وبين الجيش صاحب القوة في الدولة النووية؟
كانت قوة شبه عسكرية قيل إنها تتبع مكتب مكافحة الكسب غير المشروع قد اعتقلت رئيس الوزراء السابق عمران خان في المحكمة العليا بإسلام أباد، الثلاثاء 9 مايو/أيار 2023، قبل أشهر من الانتخابات العامة في البلاد.
كان البرلمان الباكستاني، في أبريل/نيسان 2022، قد أطاح بخان، نجم الكريكيت السابق، عبر تصويت على حجب الثقة، وتولى شهباز شريف المنصب بدلاً منه، وذلك قبل أن يكمل خان مدته في المنصب، شأنه في ذلك شأن جميع رؤساء الوزارة في باكستان منذ تأسيس الدولة.
لماذا تم اعتقال عمران خان؟
القضية المتهم فيها خان بالكسب غير المشروع هي واحدة من أكثر من 100 قضية تم رفعها ضده منذ الإطاحة به من السلطة، وقد تمنع معظم القضايا خان من تولي مناصب عامة في حالة إدانته، علماً بأنه من المقرر إجراء انتخابات عامة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
الاتهامات الموجهة لخان، بحسب السلطات الباكستانية، تخص قيام رئيس الوزراء السابق ببيع هدايا تحصّل عليها بدوافع سياسية أثناء وجوده في منصبه كرئيس للوزراء، لكنه يقول إن تلك الاتهامات "ملفقة" لأسباب سياسية.
ومنذ الإطاحة به من منصبه، جرت محاولات عديدة لاعتقاله من منزله في لاهور، لكنها لم تنجح وأدت إلى وقوع اشتباكات عنيفة بين مؤيديه ورجال إنفاذ القانون. وكان آخر تلك المحاولات خلال منتصف مارس/آذار الماضي، حيث حاصرت الشرطة منزله في لاهور، في ظل وجود حشود ضخمة من مناصريه.
وأطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع، لكن المواجهة ظلت مستمرة حتى أعلنت الحكومة عن تعليق الأمر باعتقال خان، وقال أحد المسؤولين لهيئة الإذاعة البريطانية BBC إن "الاعتقال توقف مؤقتاً".
وزير الإعلام المؤقت في ولاية البنجاب، أمير مير، قال وقتها إن أمر المحكمة باعتقال خان واحتجازه قد تم تعليقه للسماح بإقامة بطولة كريكيت في مكان قريب، لأن المواجهة بين الشرطة وأنصاره تسببت في اضطراب كبير في حركة المرور، مضيفاً أن العملية ستستأنف بعد نهائي الدوري الباكستاني الممتاز في 19 مارس/آذار.
بعد فك الحصار عن منزله، مثُل خان أمام المحكمة العليا في لاهور، ثم مثُل أمام محكمة ابتدائية في إسلام أباد العاصمة، وذلك بعد إلغاء أوامر القبض عليه وإيداعه السجن، فيما بدا أنها محاولة من جانب السلطات لتهدئة الأمور مع أنصار الزعيم ذي الشعبية الجارفة، والبالغ من العمر 70 عاماً.
لكن لدى دخوله مبنى المحكمة، الثلاثاء، لحضور إحدى جلسات الاستماع في واحدة من القضايا المتعددة المرفوعة ضده، ألقت قوات شبه عسكرية القبض عليه، واقتادته إلى مكان مجهول، ما أدى إلى اشتعال الأمور في الشارع، واندلاع مظاهرات كبيرة من جانب أنصاره، أدت إلى وقوع ضحايا بين قتيل وعشرات المصابين.
وأعلنت الشرطة الباكستانية، الأربعاء 10 مايو/أيار، أن رئيس الوزراء السابق لن يُنقل للمثول أمام المحكمة، وأن جلسة محاكمته المقررة الأربعاء ستنعقد في مكان احتجازه.
ماذا يقول عمران خان وأنصاره؟
بدأ الفصل الحالي من قصة عمران خان منذ صيف العام قبل الماضي، حين بدا أن العلاقة بين رئيس الوزراء وقيادات الجيش الباكستاني، التي كانت علاقة جيدة للغاية، تمر بفترة من التوتر، على خلفية العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية. فالجيش يرى في العلاقة مع واشنطن تحالفاً استراتيجياً لابد من الحفاظ عليه، لكن خان فتح البلاد أمام الاستثمارات الصينية، وهو ما أغضب واشنطن بطبيعة الحال.
ثم جاء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، خلال أغسطس/آب 2021، ليضيف عنصراً آخر من عناصر التوتر بين إسلام أباد وواشنطن، حيث سعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إقامة قواعد عسكرية أو استخباراتية في باكستان لتعويض مناطق وجودها في أفغانستان، لكن حكومة عمران خان رفضت الأمر بشكل قاطع.
ففي يونيو/حزيران 2021، تعهّد شاه محمود قريشي، وزير الخارجية الباكستاني في حكومة عمران خان وقتها، أمام مجلس الشيوخ الباكستاني، بأنه "تحت قيادة رئيس الوزراء عمران خان، لن تكون هناك قواعد أمريكية على التراب الباكستاني"، وحظي ذلك الوعد بشعبية سياسية في باكستان.
وقبل أسابيع من الإطاحة به، في أبريل/نيسان 2022، من خلال تصويت بحجب الثقة في البرلمان، كان عمران خان يتحدث علناً عن وجود مؤامرة أمريكية هدفها الإطاحة به من منصبه، ووصف التحرك البرلماني لعزله بأنه محاولة لتغيير النظام بدعم من الولايات المتحدة، وقال خان لمجموعة من الصحفيين الأجانب: "التحرك للإطاحة بي هو تدخل سافر من الولايات المتحدة في السياسة الداخلية".
وأضاف عمران خان أن إسلام أباد قدمت مذكرة احتجاج إلى السفارة الأمريكية بشأن ما وصفه بمؤامرة أجنبية للإطاحة به من السلطة. ومن وجهة نظره، هناك مؤامرة بتمويل أجنبي تدعم الإطاحة به بعد أن زار موسكو في فبراير/شباط الماضي، والتقى خلال الزيارة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا.
ونشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تحليلاً عنوانه "ما سبب الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها نظرية الانقلاب على عمران خان في باكستان؟"، رصد ما وصفها بالمؤشرات التي تؤكد تلك النظرية، دون وجود أدلة دامغة عليها.
وفي الوقت نفسه، بدا واضحاً أن الجيش الباكستاني، صاحب النفوذ الأقوى في البلاد، قد تخلّى عن عمران خان بسبب موقف نجم الكريكيت السابق من الحرب في أوكرانيا. إذ كان قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا قد قال وقتها إن بلاده تسعى لتوسيع علاقاتها مع واشنطن، وأضاف باجوا في مؤتمر أمني في إسلام أباد: "نشترك في تاريخ طويل من العلاقات الممتازة والاستراتيجية مع الولايات المتحدة التي تظل أكبر سوق تصدير لنا".
الصراع بين جنرالات باكستان وعمران خان
القصة إذاً، بحسب وجهة نظر عمران خان وأنصاره، هي تعرضه لمؤامرة أجنبية بقيادة الولايات المتحدة للإطاحة به من منصبه، ونفّذ تلك المؤامرة قيادات في الجيش الباكستاني.
ويمكن القول إن العلاقة بين الزعماء السياسيين وقيادات الجيش في باكستان تمثل حجر الزاوية في حكم البلاد منذ تأسيسها، فلطالما اشتبك القادة المدنيون مع الجيش الذي حكم البلاد بشكل مباشر لنحو نصف تاريخها، ولعقود طويلة كان الجيش الباكستاني الحاكم الفعلي للبلاد سواء كان ذلك بشكل صريح أو خفي. وبالتالي فإن السياسيين المدنيين إما أن يكونوا مؤيدين للجيش أو تتم الإطاحة بهم من جانب المؤسسة العسكرية.
ويتهم السياسيون المعارضون لخان رئيس الوزراء السابق بأنه لولا الجيش لما أصبح رئيساً للوزراء، ويقولون إن حكومة عمران خان كانت الأكثر خضوعاً للجنرالات، وكانت التوقعات أن نجم الكريكيت السابق وزعيم "حركة الإنصاف" ربما يكون أول رئيس وزراء مدني منتخب يكمل مدته الدستورية (5 سنوات)، حيث أطاح الجيش بجميع رؤساء الوزارة المنتخبين قبل إكمال مدتهم، بصورة أو بأخرى.
الآن وقد أصبح خان في نفس وضع جميع الزعماء السياسيين، فيما يتعلق بالعلاقة مع الجيش، يصبح السؤال: هل انتهت قصة عمران خان بعد القبض عليه أم أن للقصة بقية؟
لا أحد يمكنه الجزم بطبيعة الحال، لكن من المهم هنا ذكر أن القبض على خان لم يكن في سياق محاكمته بتهم تتعلق بالكسب غير المشروع أو الفساد، بل على خلفية اتهامه مسؤولاً عسكرياً كبيراً بمحاولة اغتياله واتهامه قائد الجيش السابق بالتسبب في الإطاحة به من منصبه رئيساً للوزراء العام الماضي.
كان الجيش الباكستاني قد وجّه انتقادات لاذعة لعمران خان، قبل يوم واحد من اعتقاله، على خلفية تصريحات رئيس الوزراء السابق، الذي كان قد تعرض لمحاولة اغتيال بإطلاق الرصاص على موكبه قبل بضعة أشهر.
ماذا عن الموقف الآن على الأرض في باكستان؟ تشير التقارير إلى وجود قطع شبه كامل لخدمات الهاتف المحمول، وتقييد الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيسبوك وتويتر ويوتيوب، كما أعلنت السلطات حالة طوارئ في ثلاثة من أقاليم باكستان الأربعة وحظرت أي تجمعات.
يأتي ذلك بعد أن اشتبك أنصار خان مع الشرطة وأغلقوا طرقاً رئيسية في عدة مدن، واقتحموا مباني عسكرية في لاهور وروالبندي، وفقاً لشهود ومقاطع مصورة نشرها الحزب الذي ينتمي إليه خان. ولم يتسنّ لرويترز التحقق من صحة المقاطع المصورة من مصادر مستقلة. ولم يرد قسم العلاقات العامة بالجيش على الفور على طلب للتعليق.
وقال وزير داخلية إقليم بلوخستان ضياء الله لانجوف إن الاشتباكات تسببت في مقتل أحد المتظاهرين وإصابة 12 شخصاً، من بينهم 6 من أفراد الشرطة في مدينة كويتا الجنوبية. بينما قالت هيئة مراقبة الاتصالات الباكستانية لرويترز إن السلطات أوقفت خدمات بيانات الهاتف المحمول بناءً على توجيهات من وزارة الداخلية، وقالت منظمة نت بلوكس العالمية المعنية بمراقبة أنشطة الإنترنت إن الوصول إلى تويتر وفيسبوك ويوتيوب مقيد.
الخلاصة هنا هي أن الموقف لا يزال معلقاً بين زعيم "حركة الإنصاف" والجيش، وعلى الأرجح ستتوقف الخطوة القادمة على مدى اتساع رقعة الاحتجاجات من جانب أنصار خان، والتي قد تجبر السلطات الباكستانية على إطلاق سراحه مرة أخرى، ويظل السؤال الأبرز هنا: هل يمكن أن يشارك خان في الانتخابات العامة المقبلة؟ أم أن نهاية مشواره السياسي قد حانت؟
المصدر:عربي بوست
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق