الأربعاء، 10 مايو 2023

وراء كل فرعونٍ عظيم هامان

 وراء كل فرعونٍ عظيم هامان
أحمد عمر

نقرُّ ونعترف بأنَّ الزعيم العربي حسن التمثيل، ويلبس شخصياتٍ يرسمها له المخرجون، أهمّها شخصية البطل الأوحد، وقد اقترب مشهد الاستعراض الكبير، عرض فرجة المصارعة غير الحرّة، سينازل الرئيس المصري خصماً يختاره من أضعف المنافسين. 

والمنافسات الانتخابية في الدول العربية الجمهورية على ثلاثة أوجه استعراضية: الوجه الذي يجبُن عليه الرئيس عن منازلة خصمه في الحلبة، ويحتمي بحكم المباراة، وكان حافظ الأسد وصدّام حسين يتبعان هذا الطريق، فليس في البلاد من يستحقّ هذه المنزلة. 

وجه شارلي شابلن في فيلم "شامبيون" البطل الاستعراضي، وقد اضطرّ إليه بشّار الأسد بعد مليون ضحية وعشرة ملايين مشرّد، وهو المكسب الوحيد للثورة السورية. 

ووجه راسل كرو في فيلم "المجالد"، واسم الفيلم عربيٌّ، من الجلادة، وفيه ينزل القيصر كومودوس إلى الحلبة، فيعانق خصمَه ماكسيموس، ويطعنه في ظهره، فلن يقدر عليه إلا جريحًا طعيناً. وفي فيلم المجالد ينتصر ماكسيموس، وقد أثبتته الجراحة، ثم يموت من أثرها.

بين انتخابات العرب والانتخابات التركية ما بين السماء والأرض، فالتركية من أنظف الانتخابات في المنطقة، ومن أضراها وأشدّها. 

فالانتخابات الأميركية غير مباشرة، مركّبة، تمثيلية غير مباشرة، أما بريطانيا الملكية، فتختار رئيس وزرائها بالتزكية من الحزب الفائز بالانتخابات، فهي غير مباشرة، ولا نعرف كيف وصل الهندي الأسمر سوناك إلى رئاسة وزراء المملكة المتحدة. 

ومن خصائص الانتخابات التركية، أن نقاط الفوز بين الجبهتين الأتاتوركية والتركية العثمانية قليلة، فهي انتخاباتٌ مجهولة الخبر، وقد حشد أردوغان إنجازاته العسكرية والعلمية والسياسية والخدمية، ضد مرشّح الدولة العميقة كمال كليتشدار اوغلو، علّه يفوز، فخصمُه ليس سهلاً، فهو مسنودٌ من الدول الغربية ومن أميركا سيدة العالم.

أما الانتخابات المصرية التي نشهد هذه الأيام تحضيرات اللوكيشن فيها، فهي كوميدية من وجهٍ، وتراجيدية من وجهٍ آخر، ويظهر أن الرئيس المصري لن يقبل إلا بأمثال الدوبلير حمدين صبّاحي، وموسى موسى، وعدلي منصور، ولذلك اعتقل أقارب للنائب أحمد طنطاوي، كما في أفلام "الأكشن"، وقد يضطر إلى اعتقال جميع الأهل والأصدقاء، فهو منه في خوفٍ شديد، ويستطيع الرئيس الانتصار عليه بآلات التزوير وفرسانه المغاوير، لكن مصدر خوفه هو من أثره في الناس، وليس من هزيمته المؤكّدة، فالرئيس لا يريد هدنة يلتقط فيها المواطن المصري أنفاسه، يضطرّ معها إلى خوض معركة دموية مع الشعب، مثل معركة ميدان رابعة التأسيسية.

ليس في ترجمة أحمد طنطاوي وسيرته مآثر مثل آسر قائد الأسطول السادس، وليس له جاذبية الرئيس "البليح" القسيم الذي تحبل النساء بنجمه، من شدّة الفحولة، وليس له رتبة عسكرية، ولا درّاجة رياضية، وليس له فصاحته في إنشاء قصائد مثل قصيدة القناية، "ويمكن يعدّي"، لكن لم يعهد عنه وعدٌ كاذب. لذلك، سيُبعَد عن المنازلة بأسلوب الرهائن، وهو أسلوبٌ تتبعه السلطات المصرية مع المعارضين، وقد فعلته مع اليوتيوبر عبد الله الشريف وغيره، فذلك هو ديدنها، فهي تخشى من مصريين يصرُخون من مكانٍ بعيد، فكيف لو كانوا في مصر.

أما في سورية التي ليس لها براعات مصر الإخراجية، فلا يلبث المرشّح الذي مثّل دور خيال المآتة وفزّاعة رجل القش أن يغيب تحت الأنقاض وحمام الهنا وجزم الجنود، فهو كومبارس لا يطمع إلا في الظهور دقائق على الشاشة، قد يحظى بلقب مرشّح رئاسي سابق، في السيرة الذاتية الهلالية، وتفضيلات في البطاقة الذكية، وتسهيلات في الحصول على الكلأ والمرعى.

لن تكون مباراة بين شارلي شابلن الهزيل وخصمه القوي، بل بين كراكوز وعيواظ، تحفُّ بهما صناديق وأختام، وأموال كثيرة تنفق على الفيلم الذي نراه كل دورة رئاسية، ينتهي الفيلم بالنهاية السعيدة.

شاهدنا كثيراً من الأفلام عن الطاغية، وشبيه الطاغية، لكننا لم نشهد قط فيلماً روائياً أو وثائقياً عن بطولات المرشّح أو سير المرشحين "الهلالية" ضد الرئيس "البالح"، لا يشبه الرئيس في الهيئة كما في "الواد سيد الشغال"، يكون أفرس منه وأشدّ وأفصح وأوسم غير أنَّ النساء لا تحبل بنجمه، وبريئاً من الدماء، لعل وراء كل فرعون عظيم هامان أو حمدين عظيم أو موسى موسى. 

أما اسم مرشّح الرئيس السوري في العرض، فيصعب العثور عليه إلا بمساعدة صديقٍ، هو غوغل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق