إلى الدعِيّ الأشِر…مالَكَ ولأهل غزة
لا أدري بم يخرف هذا المنتسب إلى أهل العلم زورًا وبهتانًا، إلى أي خندق ينتمي؟ وماذا يريد تحديدا من أبي عبيدة والمقاومة؟ وما الذي يأخذه عليهم؟
هذا الخرِف لم يتوجه بصراخه هذا إلى حاكم يستنصره لأهل غزة،
ولم يوجه خطابه الحماسي هذا ضد العدو الصهيوني أو الغرب الذي يدعمه،
إنما أخذته الشجاعة لأن يصرخ في وجه أبي عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام التي تخوض حربا ضروسا مع الصهاينة وحلفائهم.
يقول الخرِف مُشككا في المقاومة في شخص أبي عبيدة:
(يا أبا عبيدة، جاهد بالسُنن إن كنتَ صادقا، أعظم من الجهاد بالسيوف).
لا أدري ما مفهوم السنة عند هذا الرجل؟ إن كان يقصد بالسنة معناها اللغوي والاصطلاحي كما عند أهل الحديث بأنها كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، فهل يرى علامة عصره أن جهاد العدو الصائل يخرج عن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
أما علم الجهبذ أن العلماء قد أوجبوا على أهل بلد يداهمها العدو بالدفع والقتال، وإن لم يكن جهدهم كافيا لدفعه وجب الجهاد على البلدان المحيطة بهم، حتى يتعين على الأمة بأسرها؟!
وإن كان يقصد بالسُنّة ما يذكره الفقهاء من أنها المُستَحبُّ المندوب، فما أعظم فرية هذا الرجل على الدين، إذ كيف يسوي بين فرض عيني وبين أمور مستحبة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
ومن باب التدليس على السامع والمشاهد، يستدل الرجل على حديثه بكلام ابن القيم رحمه الله: “الجهاد بتبليغ السهام إلى رقاب العدو يُحسنه كل أحد، أما الجهاد بتبليغ السُنن فلا يُحسنه إلا أتباع الرسل”،
فهل يتضمن كلام ابن القيم مُفاضلة بين الجهاد وتبليغ الدعوة إلى الله؟!
غاية ما في حديثه – وهو ما يفهمه أي مبتدئ في العلم الشرعي- أن كل الناس يستطيعون إمساك السيف والقتال والضراب، وهذا قطعا في زمن ابن القيم، ولكن ليس كلهم لديه أدوات الدعوة إلى الله ليُحسنها.
يقول الدعيّ: (يا أبا عبيدة إن كنتَ جاهلا فتعلم، وإن كنت عالما وتُخالف فارجع)، هذا الرجل يُطلق كلمات جوفاء لم يُبيِّن دلائلها، فما أوجه الجهل التي يراها في المقاومة، وهي التي تضم طلابا للشريعة وحفظة لكتاب الله؟
ما هي مظاهر الجهل بالدين التي تجلت في سلوكيات المقاومة، ثم ما هي مظاهر المخالفة لتعاليم الشريعة التي ظهرت عند المقاومة؟ إن كان يتحدث عن عملية طوفان الأقصى، أفلا يعلم هذا الدعي الذي يفتي في قعر بيته تحت المبردات وعلى مائدة المندي والمنسف، أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وأن إدراك الواقع والتصور الحقيقي للمسائل المستفتى عنها هو فسطاط الإفتاء الصحيح، وأنه بدون ذلك سوف يتنزل النص على غير مناطه؟!
يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى: “الواجب أن يُعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين، فلا يؤخذ برأيهم ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا”. فهل لهذا الدعي خبرة في واقع المقاومة الفلسطينية؟!
هل خاض حروبهم؟!
هل عاين عن كثب أوضاعهم؟ هل خبر معطياتهم؟
ويقول ابن القيم في إعلام المُوقّعين: “ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
-أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما.
-والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان قوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر”. فما فهمك عن واقع المقاومة وأنت تفرض عليهم بقريحتك ما ينبغي وما لا ينبغي!
*يقول الدعيّ: (يا أبا عبيدة، ربِّ أمة غزة على الكتاب والسنة، بفهم سلف الأمة، ربِّها على التوحيد، عَلّم أطفالها من ربك وما دينك ومن نبيك، علم نساءها من ربك وما دينك ومن نبيك، علمهن الحجاب الشرعي، علمهن كيف يعبُدن الله، علمهن كيف يمتن على التوحيد والسنة).
أيقال هذا لقوم قد علموا على وجه الحقيقة -لا المعرفة النظرية-معنى “الله أكبر”؟!
تَعَلّمتها أنت في المسجد، وتعلموها هم تحت قصف الطائرات،
عندما يرون الموت بأعينهم، فحينها ينطقون بالتكبير مقالا وحالا،
فلا ملجأ لهم ولا منجى إلا الله.
*تَعَلّمتَ أنتَ معنى “لا إله إلا الله” من كتب العلم، تَعلّمتها في أريحية تامة وراحة كاملة، وتعلّموها هم والبيوت تتهدم على رؤوسهم، ويستحضرون دُنُوّ الأجل، فيلهجون بلا إله إلا الله حتى يقبضوا عليها، تَعَلّموها وأدركوا عُمق معانيها وهم جرحى تحت الأنقاض يرفعون سبابتهم بلا إله إلا الله، وقد تعلّقت أرواحهم بربهم.
*انظر أيها الدعي إلى المقاطع المتداولة عن أهل غزة نساء وأطفالا على مواقع التواصل الاجتماعي،
انظر إلى الفتى عبود مراسل غزة غير الرسمي، الذي ينقل الأحداث وهو يرى الصواريخ تتخطى رأسه، وهو يبتسم رضا بقدر الله، ساخرا بالأهوال وهو يكبر ويُهلل، لأنه ليس كغيره ممن قال الله فيهم (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) أي حياة، ولو كانت حياة التدليس والتطبيل والتلبيس وقلّة الشرف.
*انظر إلى الطفل الذي لم يتخطَّ ثلاثة أعوام وهو يرفع أكف الضراعة قائلا: “يارب يارب”، من علمه هذا؟ من علمه أن الدعاء هو العبادة؟
*انظر إلى صور الإيمان التي كنا نقرأ عنها في سير وتراجم الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، عن الصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله، قد تجلت في ساحات غزة.
كم رأينا من رجل في غزة يموت كل بنيه وهو يوزع الحلوى إظهارا للرضا عن الله ليرضى عنه الله،
*انظر إلى ذلك الطبيب الذي يسعف الجرحى ثم يذهب ليتعرف على جثمان ولده ويعقب ذلك بالحمد والاسترجاع..
نظر إلى ذلك الذي لملم أشلاء أبنائه وهو يصلي إلى جوارها،
*انظر إلى الصحفي الذي مات أهله جراء القصف وهو يحمد الله ويواصل نقل الحقيقة للناس،
انظر إلى هذه الأعاجيب في هذا الزمن،
هل رأيت مثل هذا الإيمان قط في أرض غير غزة؟!
فما لكم كيف تحكمون.
*أيها الدعي، مَالَكَ ولنساء غزة الطاهرات العفيفات الصابرات المُحتسبات، اللاتي لا يعرفن التسوق في المولات الكبيرة، ولا يرتدين عباءات من ماركات عالمية، ولا ساعات مُرصعة بالماس وليست لديهن وقت لتفاهات أمثالك …
انظر إلى أماكن القصف إذ يخرج السكان فَارّين من هول ما يرون،
كم امرأة رأيتَ لا تغطي شعرها رغم الضرورة المُلجئة لأن يخرجن ولو عاريات فرارا من القصف؟!
ألم يخبرك أحد أن نساء غزة يرتدين إسدالات الصلاة ليلا ونهارا لكي يلقين الله في ستر؟
ابحث في أحوال أهل غزة قليلا، لترى تلك الطفلة التي تخرج من تحت الأنقاض، وهي تنهى من يصورها أن يلتقط لها صورة وهي بغير حجاب.
إن أهل غزة رجالا ونساء، شيوخا وأطفالا وشبابا، هم أحرى بأن تجلس بين يديهم لتتعلم منهم كيف تكون الحياة بالإسلام، والموت من أجل الإسلام، تتعلم منهم معاني العزة والإباء والصبر والرضا والاحتساب، تتعلم منهم الولاء والبراء الذي تؤلَّفُ فيه الكتب، بينما هو موجود وظاهر في حال أولئك القوم.
ثم يقول الدعيّ: (يا أبا عبيدة وطنك هو الإسلام، هو أحكامه، هو دينه)، يبدو أن الرجل يجهل ما تعنيه كلمة “ح م ا س”، إنها المقاطع الأولى لـ “حركة المقاومة الإسلامية”، فهل تريد بيانا آخر للهوية أيها الدعيّ؟
هل تدعو إلى نزول المُجاهدين على رأي الصهاينة وطلب الصلح والاستسلام؟
لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وقد حاصره الأحزاب وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، ولم يفعلها الصحابة في معركة مؤتة التي كان تعداد جيشهم فيها ثلاثة آلاف، مقابل مائتي ألف للروم، أي رجل أنت يحمل بين جنباته قال الله وقال رسول الله؟!
فلتبق أنت مُنعّما في ثيابك الثمينة، وعلى فراشك الوثير، وفوق منبرك العاجي، واحرص على أن تذهب مبكرا للحصول على راتبك أو إحدى الشرهات المُوشكة، ودع أبا عبيدة وإخوته من المُجاهدين وشأنهم، دع أهل غزة وأطفالها ونساءها في شؤونهم، دعهم للكفاح والنضال والنار والدمار والأنقاض والأطلال والعزّة والسموّ والشرف، وكُفَّ عنهم لسانك وضلالك ..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق