طوفان الأقصى جدال وشبهات وردود
قال الله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: ٢٩] وقال سبحانه: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [الحج: ٤٠].
لقد من الله سبحانه وتعالى على عباده المجاهدين بنصر الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول ١٤٤٥هـ الموافق السابع من أكتوبر 2023م، هذا النصر العظيم المبين الذي اعترفت به كل الدنيا حتى الكيان الصهيوني نفسه اعترف به، عدا المرجفين والمنافقين والمطبعين والمجادلين من بني جلدتنا – ولا حول ولا قوة إلا بالله – فهؤلاء ما أن رأوا النصر إلا وسارعوا يشككون فيه، ويطلقون الشبهات حوله، ويستكثرون على أمتنا أن تنتصر، ويستبعدون حدوث النصر لأنهم عاشوا في الذل والخنوع والتبعية التي وصلت بهم إلى التطبيع مع عدو كافر مجرم يظنون فيه أنه إله آخر بعد الله عز وجل! ألا خابوا وخسروا هم ومن طبعوا معه!
شبهات حول طوفان الأقصىأولا: لماذا تبدأ المقاومة المعركة؟ فالعدو ساكت وهي تستثيره ليضربها ويشرد أهلها!
ثانياً: يقولون إنه لا يمكن للمقاومة أن تحقق هذا النصر، لكن العدو كان يعلم بما ستفعله (حماس) وتركها ليجد ذريعة يضرب بها غزّة ويهجر أهلها، فليس من المعقول ألا يعلم (الموساد) تخطيطات المقاومة وهو يراقبها ليل نهار، إذن هم خدعوا المقاومة بجرها للمعركة!
ثالثا: يقولون إن المقاومة لا تستطيع وضع تصور لنهاية المعركة فلماذا بدأتها من البداية؟
رابعا: يقولون إن المقاومة تريد من المعركة توريط العرب وجرهم للمعركة مع الصهاينة، وهم غير جاهزين لتلك المعركة ولا طاقة لهم بقتال الصهاينة.
شبهات حول طوفان الأقصى
ومما أثاروا من الشبهات حول هذا النصر العظيم:
أولا: لماذا تبدأ المقاومة المعركة؟ فالعدو ساكت وهي تستثيره ليضربها ويشرد أهلها!
بداية هذا سؤال خاطئ، والسؤال المنطقي هو: لماذا لا تحارب المقاومة؟ ولماذا لا تبدأ المعركة؟ ولماذا تسكت المقاومة على الاحتلال الغاشم؟ كما نقول اليوم عن الفلسطينيين لماذا لم يقاوموا عام ١٩٤٨م ولماذا خرجوا من أرضهم وشردوا في البلاد؟ لماذا لا يجاهد في سبيل الله من أعد واستعد لماذا لا يقاوم الفلسطينيون بما عندهم من قوة لماذا لا يقاومون هذا المحتل الطاغي الباغي المجرم في حق المسجد الأقصى؟
والسؤال الأهم من هذا لماذا لا تجاهد الأمة الإسلامية مع الفلسطينيين ضد الملاعين الصهاينة؟! لماذا لا تجاهد الأمة لتحرير المسجد الأقصى؟ ولمن تعد البلاد العربية خاصة والإسلامية عامة عدتها وجيوشها وتشتري أسلحتها؟!
ثم من الذي بدأ المعركة؟ أنتم تقلبون الحقائق! أليس الذي بدأ المعركة هم الصهاينة من عام ٤٨، وفي كل يوم يقتلون ويشردون ويحتلون أرضًا وينتهكون عرضاً؟ المعركة مفتوحة منذ عام ٤٨ وربما قبلها فمن أغلقها حتى فتحتها المقاومة؟!
ولو افترضنا أن المقاومة بدأتها فلماذا لا تبدأ والمسجد الأقصى يدنس كل يوم ويمنع المصلون من دخوله ويقتحم، ويشربون فيه الخمور ويرقصون فيه، إن الغيرة على المقدسات جهاد واجب على كل الأمة، أفنلوم على رجال انتقموا للمسجد الأقصى؟ لماذا لا يبدؤون الجهاد ونساؤهم تعرى في الشوارع وعدد أسراهم يزيد عن خمسة آلاف أسير لا يطمعون في رؤية الشمس يوما؟ لماذا لا يبدؤون الجهاد وهم تحت نير الاحتلال يقصفون وتدمر بيوتهم، بل ويدبر الصهاينة لطردهم من بلادهم؟!
إنهم يعدون أسلحتهم لبدء المعركة، فلما أعدوا ما استطاعوا جاهدوا وأدوا ما عليهم .. بقي على الأمة أن تؤدي ما عليها، وأن تقف مع المجاهدين بكل ما تستطيع من قوة وألا تتركهم وحدهم في معركة التحرير والعزة والكرامة.
ثانياً: يقولون إنه لا يمكن للمقاومة أن تحقق هذا النصر، لكن العدو كان يعلم بما ستفعله (حماس) وتركها ليجد ذريعة يضرب بها غزّة ويهجر أهلها، فليس من المعقول ألا يعلم (الموساد) تخطيطات المقاومة وهو يراقبها ليل نهار، إذن هم خدعوا المقاومة بجرها للمعركة!
سامحوني.. هذا كلام الجهلاء والمتخاذلين، كلام الذين لا يثقون في أنفسهم ولا يثقون في وعد الله تعالى، كلام من عاشوا في الذل أعواماً طوالا فنسوا فاستكثروا على الأمة أن ترى نصرا، ولا تصدق عقولهم أن ترى أبطالا إسلاميين يفعلون المستحيل، أمثال أجدادهم الذين يضرب بهم المثل في انتصاراتهم على أعدائهم، سبحان الله العظيم! وكأن (الموساد) يسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء!
أيها المسلمون، (الموساد) ليس إلها يعبد من دون الله (الموساد) لا يعلم السر وأخفى، (الموساد) لا يستحق كل هذا التعظيم والتفخيم والرفع لهذه الدرجة، (الموساد) نحن الذين رفعنا قيمته بجبننا وخورنا وضعفنا، وإلا فهم أثر خلق الله تعالى، فلا يمنحهم الله شرفاً كهذا، أليس هم الذين قالوا عن الله تعالى: (إن الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ…) [آل عمران: ١٨١]، وقالوا عنه: (يدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة: 64]، وقال هو سبحانه عنهم: (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا) [المائدة: ٤٦] فكيف يجعل الله لهم علينا سلطانا كهذا؟!
والحقيقة: نحن من وضع لهم هذا السلطان على المسلمين بثقتنا فيهم وترك الثقة في الله تعالى، بثقتنا فيهم وترك الثقة في أبطالنا ومجاهدينا.
ثم هل كان (نتنياهو) يقبل بهذا لو كان يعلمه؟ هل كان يقبل بأن يمرغ أنفه في التراب بهذه الهزيمة الثقيلة، والتي ينتظر من ورائها محاكمة صعبة؟ وهل كان يقبل بتهجير المستوطنين وهربهم من دولة الكيان؟ هل كان يقبل بهزيمة الجيش الذي يزعمون أنه لا يقهر؟ وبيان خور القبة وهشاشة السور الكبير؟ وأسر جنوده وقتل أكثر من ألف وثلاثمائة منهم؟ كل هذا ليجد ذريعة لقصف غزة؟ وهو الذي كان يقصفها بلا حسيب أو رقيب!
ولو سلمنا بما تهترئون من قول كهذا، فلماذا لم يعد لمواجهتهم بعد دخولهم وقتل المجاهدين الذين عادوا سالمين غانمين آسرين لجنوده؟ ولماذا ظل تائها بعد المعركة أكثر من عشر ساعات غائباً عن وعيه لا يدري ما يقول؟ سبحان الله العظيم ! إنكم لتقولون قولا عظيما، فتوبوا إلى الله واستغفروه.
ثالثا: يقولون إن المقاومة لا تستطيع وضع تصور لنهاية المعركة فلماذا بدأتها من البداية؟
من قال هذا؟ المقاومة قالت كلمتها أولا بنصرها المؤزر بفضل الله تعالى، وقالت إنها مستعدة لما بعده، وتنتظر جيش العدو بلهفة كي تذيقه مرار الهزيمة بإذن الله تعالى، وقالت إنها لم تشارك في المعركة بعشر قوتها، والأكثر من هذا أنها لم تقل بأنها لم تضع تصوراً لنهاية المعركة! فمن أين جئتم بسؤالكم هذا؟
كما أن المجاهد دائما يبدأ معركته وينتظر النصر والتوفيق من الله تعالى، ولا نشك لحظة في عون وتوفيق الله لهم بإذن الله تعالى، كما أنهم بدأوا معركة وأنهوها بالنصر، فوجود معركة أخرى بعدها فهذا شيء آخر.
لكن الذي يذكر هنا هو أن المقاومة كانت تظن أن في الأمة رجالا سيقفون ليس معها، بل حتى مع الأطفال الرضع والشيوخ الركع، ليمنعوا قصف المدنيين الذي تدينه كل الشرائع السماوية، وكل الأعراف الأرضية، وكل المعاهدات والقوانين الدولية، عدا حكام العرب والمسلمين الذين خنعوا فلم يقدروا على إدانته لتبعيتهم لهذا الكيان الغاصب.
فاللهم إنا نبرأ إليك مما فعله حكام المسلمين من عدم نصرة المسجد الأقصى، ومن موالاة وذلة وخضوع للصهاينة الغاصبين، ونعتذر إليك مما فعلته الشعوب من عدم هبتها ونصرتها للأقصى ونصرتها لإخوانها من أهل غزة وأهل فلسطين، وإن كانوا مغلوبين على أمرهم، لكن والله لا عذر لهم، فدماؤهم ليست بأغلى من دماء الأطفال والنساء في غزة، ثم إن من قتل منهم نصرة للمسجد الأقصى فهو في أعلى مراتب الشهادة، ثم إن احتمالية مواجهته ظنية بخلاف مواجهة أهل فلسطين للصهاينة فهي مؤكدة وحاصلة أمام العيان.
رابعا: يقولون إن المقاومة تريد من المعركة توريط العرب وجرهم للمعركة مع الصهاينة، وهم غير جاهزين لتلك المعركة ولا طاقة لهم بقتال الصهاينة.
وهذا من المضحكات المبكيات حقا، وهل يحتاج العرب لجرهم وتوريطهم في المعركة؟ إن المعركة آتية آتية لهم وما يؤخرها عنهم إلا المقاومة في فلسطين، فالصهاينة أمامهم حلم ما حققوه بعد فهم الذين يقولون حلم إسرائيل من الفرات إلى النيل، أما رأيتم اليهودي الذي تجول في المدينة المنورة وغرس بها نخلة وهو فرح لعودته لبلاده الأولى؟!
وآخر وضع دائرة على بيت في (خيبر) وقال: هذا بيتنا وما زال مفتاحه مع جدتي حتى الآن؟! فلا تتعجلوا أيها العرب.. اليهود قادمون لذبحكم كالخراف إن لم تستفيقوا من غفلتكم وتهبوا من رقدتكم، وتقوموا بواجبكم مع المقاومة من الآن.
ثم من يقول بهذا كأنه لا يستشعر له واجباً تجاه المسجد الأقصى، من تحريره ومن طرد الصهاينة منه، ولا يقول بهذا القول إلا من يخشى مواجهة بني صهيون، ووالله لقد أظهرت لنا المقاومة عيانا ما كنا نؤمن به عنهم، وهو خورهم ورعبهم وجبنهم عن المواجهة، ولذا اتخذت المقاومة في «طوفان الأقصى» شعارا بعناية فائقة ونفذوه وربحوا به المعركة، فقد كان شعارهم، (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ) [المائدة: ۲۳] فدخلوا وغلبوا بفضل الله تعالى.
فيا أيها المسلمون! من جادل منكم في هذه المعركة ليتبين له الصواب، فلا ضير في ذلك، فلقد جادل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما ظهر لهم الحق جليا سلموا لأمر الله تعالى وقاتلوا معه وانتصروا معه في (بدر) بفضل الله ورحمته، قال تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ) [الأنفال: 5-6].
أما من يجادل تشكيكا وخوفًا وجبناً ليوهن عزيمة المسلمين فهذا إنما يعمل بعمل المنافقين المرجفين المثبطين، وهؤلاء نحذرهم من قول الله تعالى: (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب: ٦٠-٦٢].
اللهم نصرك المبين لإخواننا المجاهدين في فلسطين! برحمتك يا أرحم الراحمين.
المصدر
مجلة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، غزالشيخ حسين عبد العال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق