طوفان العودة إلى الجذور
قبل سقوط غرناطة، كان هنالك موقفين متناقضين بين المسلمين في الداخل.. دعونا نرى أيّ الموقفين أدّى بالمسلمين إلى محاكم التفتيش؟ وبعدها فلتُسقطوا ما حدث على واقع ما يحدث الآن في غزة .. أولا: موقف موسى بن أبي الغسان: حيث المقاومة والدفاع .. ثانيا: موقف أبي عبد الله الصغير: حيث التحريض على المفاوضة والاستسلام للعدوّ أصل الحكاية: "كان قد مرّ على حصار القشتاليين الإسبان لغرناطة 7 شهور، وكان المسلمون في غرناطة يعيشون وضعا صعبا جدا -فقرر حاكم غرناطة الأمير أبو عبد الله الصغير أن يُفاوض القشتاليين على تسليم المدينة. ومما جاء في شروط التسليم: -أن المسلمين سوف يؤدّون يمين الطاعة لملك قشتالة "فرناندو"، مقابل حفظ أموالهم وأسلحتهم وخيولهم دون قيد أو شرط ! -وسوف تبقى: جوامعهم ومؤسساتهم الإسلامية مصونة سالمة ويحتفظون بلغتهم وزِيّهم، ويفصل بينهم قضاة من بني جلدتهم، وغيرها من الشروط التي تكفل حقوقا (مزعومة) كثيرة للمسلمين. *يبدو الإذعان والتسليم مثاليا وفيه حقن لدماء المسلمين وحفظا لحقوقهم، كما يُروّج لذلك الآن مسوخ القوم من بني جلدتنا ممن يعيبون على المُجاهدين الفلسطينيين في غزة وبقيّة مُدن الداخل الفلسطيني صمودهم وإصرارهم على مواجهة العدوّ الصهيوني الدموي الغاصب.. أليس كذلك؟ لكن ذلك لم يكن رأي الفارس "موسى بن أبي الغسان" *لنرَ ما قال وقتها.. وقف شامخا يُحذر من العواقب ولم يكُن حوله إلا قليل من أمثاله.. *أنكر القائد موسى بن أبي الغسان على المسلمين هذا الإذعان وهذا الهوان، واعترض عليهم وحرّضهم أن يهبُّوا على قلب رجل واحد لفك الحصار، وعدم تسليم المدينة.. وقال كلماته التاريخية: "إن الموت أعذب من الذل، وإن من المُحال أن يفي القشتاليون لأنهم مُتَهيّئون للبطش بوعودهم. سيكون مصيرنا الاضطهاد والظلم والاستبداد، لأن الأعداء آلوا (أي اتخذوا قرارهم وحلفوا على أنفسهم" أن يستأصلوا شأفتنا (أي يُبيدوننا). *وماذا كانت النتيجة؟ مع الأسف، اختار المسلمون رأي "أبي عبد الله الصغير"، وفضّلوه على رأي موسى بن أبي الغسان، لكن لماذا اختار المسلمون اتّباع أبي عبد الله الصغير؟ هل كان حاكما ذا كفاءة أو سـديـد الـرأي يهتمُّ بمصلحة المسلمين؟ *سنرى ما يخبرنا عنه التاريخ.. كان "أبو عبد الله الصغير" ضعيف الرأي، يتحالف مع القشتاليين ضد الممالك المسلمة الأخرى، وقد كان على خلاف مع عمـه "أبـي عبد الله محمد الزغل"، طامعا بالحكم المطلق لنفسه، وقد اقترح عمه أن يتعاونا ويصُدّا عدوهما المشترك، أي القشتاليين. لكنه رفض وتعاون سرا مع القشتاليين لإسقاط عمه، مقابل أن يحكم البلاد التي كان يحكمها عمه، وبطبيعة الحال لم يحدث ما طمح له أبو عبد الله الصغير، وأصبح الفريسة التالية للقشتاليين بعد عمّه الذي تخلّى عن نصرته ذلك الغرّ الطامح بالسلطة.. وفي المقابل كان "موسى بن أبي الغسان" عالي الهمّة، مُعتدّا بنفسه، مُخلصا وفارسا من الطراز الرفيع وأبى التسليم، وخرج وحده يُقاتل حتى آخر لحظة.. فماذا ربح المسلمون جرّاء اتّباعهم أبا عبد الله الصغير؟ هل حُقِنَت دماؤهم حقا؟ أم أن ما قاله موسى بن أبي الغسان هو الذي حدث؟ نعم ... حدث ما حذر منه موسى بن أبي الغسان ! -بعد أن تسلم القشتاليون غرناطة وأحكموا قبضتهم عليها، نقضوا عهدهم ونَكّلوا بالمسلمين ودمروا أملاكهم وقمعوهم وعذبوهم وذبحوهم ومنعوهم من إظهار الإسلام نهجا وعبادة، وتعرّضوا للتنصير القسري. وأقيمت محاكم التفتيش التي عُذب فيها المسلمون بأبشع الطرق إذا أظهروا أي مظهر إسلامي.. فتحقّق ما قاله موسى بن أبي الغسان.. وثبتت حماقة وقلّة دراية "أبي عبد الله الصغير" وسوء تقديره وكل من أَيّده واتّبعه. == كانت غرناطة آخر الممالك المسلمة التي سقطت في الأندلس ولم توفر صداقة حاكمها "أبي عبد الله الصغير" مع القشتاليين أي حماية له أو لمملكته وشعبه، وقد دوّن التاريخ موقفه وموقف "موسى بن أبي الغسان"، وكشف أيهما كان صاحب الرأي السديد. في المقابل، فإننا لو قلّبنا في صفحات الأندلس نفسها، لوجدنا أن المسلمين كانوا إذا تحركوا لنصرة بعضهم انتصروا ... وهناك كثير من الوقائع التي تدل على ذلك.. *العبرة من معركة الزلاقة في عام 1086 (مثلا).. استنجد أمير إشبيلية المعتمد بن عباد بيوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين في المغرب الأقصى، لنصرة المسلمين في إشبيلية الأندلسية. هَبّ ابن تاشفين بجيش جرّار وتوحدت جيوش المسلمين وانتصروا في معركة الزلاقة الشهيرة انتصارا باهرا، وهزموا جيوش "قشتالة" و "ليون" واستردوا مدينة "بلنسية".. ومن لا يقرأ التاريخ؛ يؤدّبه الواقع .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .. === -المصادر: كتاب مختصر تاريخ العرب والتمدُّن الإسلامي السيد أمير علي.. -يوسف بن تاشفين ابن الصحراء الذي وحّد بلاد المغرب وأنقذ الأندلس.. -موقع الجزيرة الوثائقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق