الثلاثاء، 16 يناير 2024

لا تفعلوها


لا تفعلوها

السبت 17 جمادى الآخرة 1426هـ 

أيها الفلسطينيون! اسمعوها من كل القلوب التي تحبكم وتثمن جهادكم: لا تقتلوا أنفسكم، ولا تخرجوا من دياركم.
فقد كتب الله هذا عقوبة على عدوكم، وحرمه عليكم؛ وإذ خالفوا الأمر فعوقبوا فاحذروا من موافقتهم أن يصيبكم ما أصابهم.
لا تسمحوا لضعاف النفوس والمتعجلين من بينكم أن يمسكوا بالزمام.
لا تقبلوا أن تكون الضغوط المحلية أو الدولية سبباً في ارتداد بأسكم وسلاحكم إلى صدوركم.
قولوا: لا. لكل دواعي الفتنة وأسبابها.
قولوا: لا. لكل دعاة الفتنة ومروجيها.
أيها الفلسطينيون! احفظوا وحدتكم، واحقنوا دماءكم، واحذروا أن تقعوا في الفخ الذي نصبه لكم اليهود .
إن قضيتكم قضية الأرض المباركة والقدس والمسجد الأقصى؛ فهي شأن عام لكل مسلم، وليست محدودة بجغرافية فلسطين ، ولا خصوصية لمن يحمل الجنسية أو شهادة المولد.
ومن حق المسلمين عليكم وقد أبليتم بلاءً حسناً في مقاومة العدو وخضد شوكته وإرباك مخططاته ألا تخذلوا تطلعاتهم في هذه المرحلة الحرجة المؤلمة من التاريخ.
إن انسحاب العدو من أرض جثم عليها طويلاً لهو أحد مكاسب صبركم وجهادكم، وقد احتفل كل مسلم بهذا النصر، ورف له قلبه، ومن قبل الانسحاب من جنوب لبنان صاغراً ذليلاً، واختفت أسطورة إسرائيل الكبرى، ما بين الفرات والنيل.
ولقد شكلت وحدة الفلسطينيين خطاً أحمر لا مساومة عليه، فحين تقتتلون يستأسد العدو، ويدعم الأطراف المتنازعة، ويظهر كمن ينقذ الفلسطينيين من أنفسهم، وما أحداث المخيمات في لبنان بغائبة عن الأنظار، وحين تتوحد الكلمة يخيب مسعاه، ويرتد سلاحه عليه.
والذي يظنه المتابعون للشأن الفلسطيني أن طول معايشة هذا الشعب بقياداته وكوادره السياسية والعسكرية، الرسمية والشعبية للمواجهة مع المحتل، قد ولد لديه تربية ووعياً وخبرة حماه الله بها طوال المرحلة الماضية من الانسياق وراء نوازع الأنانية، والموقف الفردي، ومصلحة الحزب والجماعة، ورسخ لديه رعاية الصالح العام ولو على حساب الذات.
أيها الإخوة في حماس، أخاطبكم بحكم الحب الإيماني، وأناديكم أن تحفظوا وصية الشيخ الشهيد أحمد ياسين ، والذي كان يعد الدم الفلسطيني خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه مهما كلف الأمر، وعاش حياته وفياً لهذا المبدأ، واستطاع بحكمته وأبوته أن يستوعب الاندفاعات التي لا بد أن تحدث داخل الصف، ولست أشك أن القيادة الحالية تسير على الخط ذاته، وأن هذا النداء لا يضيف لها جديداً، ولكنه من باب قوله سبحانه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ))[النساء:136].
ولئن كان شرط القيادة عند لقيط بن يعمر الإيادي تجويد فن الحرب إذ يقول:

فقلدوا أمركم لله دركم            رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعاً

لا مشرفاً إن رخاء العيش ساعده        ولا إذا عض مكروه به خشعا

وأحسب أن أصحاب الشأن فيكم مضطلعون بأمر الحرب والسلم معاً، فالجناح السياسي أقدر على إدراك الصورة بأبعادها المختلفة، وأكثر حفظاً للتوازن، وقد يغلب على من يتعاطى مع القوة والسلاح نوع من إيثار الاحتكام إلى الحسم العسكري والثقة بالقدرة على ذلك، مع أن كل ما أمكن حله بالحكمة لم يكن لإقحام السلاح فيه معنى، وها نحن نرى القوى العظمى تدفع ثمناً فادحاً للاندفاعات العسكرية غير المدروسة.
إن المرحلة السابقة التي كانت الفصائل الفلسطينية فيها على وفاق وانسجام هي نموذج يجب أن يستمر ويدعم ويضحى في سبيله.
ولقد أحزن الكثيرين ما قرءوه عن تهديد بعض الفصائل بالتدخل والرد، وفزعوا إلى الشك في الخبر، واتهام وسائل الإعلام بالتضليل والتضخيم، وصب الزيت على النار.. وعسى أن يكون الأمر كذلك.
أيها الإخوة في كتائب الأقصى: إن الله رفعكم بإيمانكم ووحدتكم؛ إذ أصبحتم بنعمته إخواناً، إخواناً مسلمين، لا بالانتساب لهذه الجماعة، أو تلك، بل بالانتساب لهذه الأمة، وهذا الدين، وحمل راية الدفاع عن هذا الشعب الذي هو جدير بكم، كما أنكم جديرون به.
فلتكونوا سعاة صلح وسلام، كما وصفكم ربكم جل وتعالى: (( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ))[الفتح:29] (( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ))[المائدة:54].
ولتكونوا مع إخوانكم في"الجهاد"حزاماً ضد الفتنة، وإغلاقاً لباب التأويل والتعذير في المواجهة الفلسطينية الداخلية، وإراقة الدم الزكي الذي جرت العادة ألا يراق إلا بسلاح صهيوني.
ويا أيها الإخوة في السلطة، أنتم سلطة للفلسطينيين جميعاً، فهم يدكم التي تبطشون بها، وعينكم التي تبصرون بها، وكلما رسختم قيم العدل، والاحتكام إلى النظام والقانون، صنعتم مستقبلاً أفضل لشعبكم العظيم.
إن لكم حق الاحترام، والطاعة في المعروف، وعليكم واجب الحفاظ على المكاسب، وتمثيل الشعب بكافة فئاته وأطيافه.
والتحدي الأكبر أمامكم اليوم هو الحفاظ على الهوية واستمرار وجود المقاومة، فتلكم هي الورقة الأهم في مفاوضاتكم، ولولاها لما قبل عدوكم أن يجلس معكم على طاولة واحدة، ولا هم بالرحيل عن شبر احتله من أرضكم.
والمتابعون يدركون أن حكومة العدو والإدارة الأمريكية من ورائها، تسعى جهدها للضغط من أجل حرمان بعض الفصائل من حقوقها السياسية، والحيلولة بينها وبين الفعل العسكري.
وليس مقبولاً بحال أن تكون الفصائل دولاً داخل الدولة أو السلطة، ولا أن تتجاهل رؤية السلطة وبرنامجها، ولعله بمزيد من الحوار والحوار يتم تذليل العقبات والوصول إلى حلول توافقية.
ويجب أن تلجم الأجهزة الأمنية عن أي تجاوز قد يشعل فتيل الفتنة، فالذي يحدث أحياناً أن المتسرعين والمتعجلين من الأطراف المتنازعة يتبادلون ردود فعل قد تشعل حريقاً، وتجر إلى أتونها الكثير من العقلاء الذين لم يستبينوا الصورة جيداً، وفهموا الوضع بحسب ما ينقل إليهم.
اللهم إنا نسألك باسمك العظيم ووجهك الكريم، وسلطانك القديم، وأنك أنت الأول والآخر والظاهر والباطن، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، ونسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تحفظ إخواننا الفلسطينيين، وتجمع كلمتهم على الحق، وتؤلف بين قلوبهم، وتكفيهم شر نفوسهم، وشر الشيطان وشركه، وشر كل ذي شر، وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.
اللهم أنصرهم على عدوك وعدوهم، وسدد رميهم ورأيهم، وأغنهم من فضلك عمن سواك.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق