شيوخ الاستشراق
يوحنا النيقي في مصر ويوحنا الدمشقي في الشام
فرج كُندي
رئس مركز الكندي للدراسات والبحوث
إن أكثر من اشتغل بتدوين تاريخ الإسلام من غير المسلمين في عصر الفتوحات كانوا من رجال الدين المسيحي، وقد تأثروا بدراساتهم الدينية القائمة على العقيدة والإيمان في تدوينهم للتاريخ، وتفسيرهم للحوادث من منطلق الخدمة للكنيسة والعقيدة المسيحية، وجعلوا من تدوينهم لتاريخ الإسلام مجرد سرد حوادث وتدوين وقائع تمثل خلفيات ووجهات نظر كاتبيها دون محاولة عن قصد وتعمّد للنقد ولا المناقشة ولا التحليل؛ وهو ما عُرف بالاستشراق فيما بعد الحروب الصليبية في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي.
ظهر في القرن السابع الميلادي تزامنا مع انطلاق الفتوحات الإسلامية للشام والعراق ثم مصر مجموعة من الكتاب المنطلقين من خلفية دينية تعصبية وكارهة للإسلام والمسلمين وأشهر رجال هذه المرحلة من مؤسسي علم الاستشراق الأوائل رجلان وهما:
الأول، أسقف مسيحي عاش في مصر ودون فيها كتاباته اسمه «يوحنا النيقي» الذي عاصر الفتح الإسلامي لمصر وكان يتقلد منصبا إداريا رفيعا.
ونظرًا لخلفيته الكنسيّة المتشددة غاظه ما شاهده من ترحيب المصريين (الأقباط) بالفاتحين المسلمين (العرب) ووقوفهم معهم ضد البيزنطيين (الروم) الذين يشاركونهم الدين نفسه (المسيحية)، وإقبالهم الكبير على الدخول في دين الله أفواجا؛ فحنق عليهم لهذا السبب؛ فما كان منه إلا ردود فعل حانقة متجنية بعيدة عن الصوابية واتّباع المنهج العلمي الموصل إلى الحقيقة المجردة وأصول الموضوعية، وبعيدة عن قواعد وأسس البحث العلمي والحيادية أو الموضوعية؛ بل كل أحكامه قائمة على أحكام مسبقة قائمة على عقيدة كنسية موتورة من انتشار الإسلام وحانقة على المسلمين الذين انتصروا على البيزنطيين وأخرجوهم من مصر، وجعلوا من الدين الإسلامي ينتشر بين المسيحيين وهذا ما لا يقبله رجل كنسي عتيد مثله فكان رد فعله قوله عن انتشار الإسلام:
(وفي أيامنا هذه، ارتد كثير من المصريين ممن كانوا نصارى كذبا فهجروا الديانة القويمة وتركوا التعميد ودخلوا في الإسلام دين أعداء الله وقبلوا دين الوحوش دين محمد وتعاونوا مع عباد الأصنام وحملوا معهم السلاح وحاربوا النصارى)
وفي هذا النص الصريح المجاهر بالعداء للإسلام والمسلمين وتنكير على كل من دخل للإسلام واعتبرهم (نصارى كذبا) أي انهم غير مخلصين للنصرانية أو أنهم غير مسيحيين من حيث الأصل واعتبرهم دخلوا في دين الوحوش – المسلمين الذين وصفهم بهتانا وزورا بأنهم (عباد للأصنام) !!!
والمستشرق الثاني رجل دين كنسي ظهر في نفس الحقبة التاريخية لدخول المسلمين بلاد الشام وانخرط في العمل مع الدولة الأموية اسمه «القديس يوحنا الدمشقي» (657- 749م)
ينحدر يوحنا الدمشقي من أسرة معروفة كانت تعمل في خدمة الخلفاء الأمويين، وهو أيضا كان مثل أبيه قد عمل كمستشار لهم، وكان يجيد اللغتين السريانية واليونانية بالإضافة إلى تمكنه من العربية.
نسب يوحنا الدمشقي دين الإسلام إلى الهرطقة وادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم علمه رجل من أهل الكتاب أو من رجل من الهراطقة الأريوسيين وهو ما سبقته به قريش حين كذبت الرسول وزعمت أن الرسول تعلم القرآن من رجل أعجمي كان يتردد عليه وهذا ما نفاه بل دحضه القرآن الكريم في سورة النحل بقوله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) النحل: 103.
كما زعم وادعى أن الرسول كان يطالع كتب التوراة والإنجيل وأن القرآن مأخوذ منهما وأنه تنبأ بعد اطلاعه عليها!! وهذ بهتان وافتراء محض كذبته نصوص القرآن الكريم وكذبه الواقع وكذبه التاريخ أيضًا.
وهو مبتدع وأول من أظهر نظرية القول إن «الإسلام انتشر بالسيف لا بالحجة والبيان والبرهان»؛ بل اعتبر ظهور الإسلام علامة من علامات الدجال.
ويُعدّ يوحنا الدمشقي هو الممهد للمدرسة الاستشراقية حاملة لواء العداء للإسلام والتحامل عليه ووصفه بما ليس فيه؛ بل هذه المدرسة هي حاملة لواء الافتراء على الإسلام ومحاولة تشويهه لتحول بين المسيحيين والدخول فيه.
كما أغاظ دخولهم فيه يوحنا النقيي الأسقف المصري!!!
ويوحنا الدمشقي هو الملهم لمدرسة الاستشراق العدائي للإسلام والمسلمين، وهو الأب الروحي والمرجع الأساسي لكل ما يردده مستشرقي هذه المدرسة المعاصرين من أصحاب التوجه الصليبي الحاقد على الإسلام والمسلمين وما هو إلا صدى لما ذكره النيقي والدمشقي منذ أكثر من أربعة عشر مضت ومازالت أصداء أقوالهم وافتراءاتهم تتناقل بل تتطور إلى يومنا هذا في صورة مراكز دراسات وأبحاث تمولها وتشرف عليها بل تحدد معالم طريقها الكنيسة المسيحية وبرعاية دول تدعي أنها علمانية ولا علاقة لها بالدين إلا محاربة الإسلام والدس عليه واختراقه للحد من انتشاره والقضاء عليه إن قدرت ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون والنصارى والصليبيون ومن وافقهم من العلمانيين.
فرج كُندي
رئس مركز الكندي للدراسات والبحوث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق