أَوَّلُ مُبَشِّرِ بِالْإِسْلَامِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ
(مُصْعب بِنْ عمَير، أَوَّلُ مُبَشِّرِ بِالْإِسْلَامِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ)
من هو مصعب (رضي الله عنه)؟
أبو عبد الله مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه، (المتوفى سنة 3 هـ)، صحابي بدري من السابقين إلى الإسلام، ومبعوث النبي محمد ﷺ، للدعوة إلى الإسلام في يثرب بعد بيعة العقبة الأولى، وحامل لواء المهاجرين في غزوتي بدر وأحد.
فَلَقَدْ مَضَى الْفَتَى النَّضِيرُ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، فَدَخَلَ إِلَى الدَّارِ عَلَى اسْتِحْيَاءِ، وَحَيَّا الْقَوْمَ بِأُنْسِ وَوَدَاعَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ …
وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتْلُو بَيْنَ الْحِينِ وَالْحِينِ عَلَى أَصْحَابِهِ؛ شَيْئًا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَيِّنَاتِ …
وَمَا إِنْ فَرَغَ الرَّسُولُ ﷺ مِنْ مَوْعِظَتِهِ، حَتَّى نَهَضَ إِلَيْهِ الْفَتَى الْقُرَشِي فِي أَنَاةٍ، وَدَنَا مِنْهُ فِي رِفْقٍ وَهُوَ يَقُولُ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
ثُمَّ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى النَّبِيِّ الْأَعْظَمِ ﷺ، وَبَايَعَهُ عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَة، فِي الْمَنْشَط وَالْمَكْرَه.
كَتَمَ الْفَتَى إِسْلَامِهِ عَنِ النَّاسِ، وَقَدْ ظَلَّ الْفَتَى رضي الله عنه يَخْتَلِفُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ سِرًّا؛ فَيَسْعَدُ بلِقَائِهِ، وَيَتَعَلَّى مِنْ مَوَاعِظِهِ..
حَتَّى رَآهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ يُصَلِّي ذَاتَ يَوْمٍ؛ فَأَذَاعَ خَيْرَهُ بَيْنَ النَّاسِ.
مُنْذُ ذلِكَ الْيَومِ بَدَأتْ مِحْنَةٌ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْر ٍرضي الله عنه.
فَلَقَدْ تَنكَّرَ لَهُ أَبَوَاهُ بَعْدَ أَنْ عَجَرًا عَنْ رَده إِلَى دِينِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، فَقَطَعَا رِفْدَهُمَا عَنْهُ، حَتَّى غَدًا أَشَدَّ فَقْرًا، وَأَعْنَفَ بُوسًا.
وَقُرَيْسٌ تَصَدَّتْ لَهُ، فَسَجَنَتَهُ وَأَطَالَتْ سَجْنَهُ وَقَهَرَتْهُ وَلَجَّتْ فِي قَهْرِهِ، وَكَانَتْ تَظُنُّ أَنَّهَا تَسْتَطِيعُ بِذَلِكَ أَنْ تَصُدَّهُ عَنْ دِينِهِ.
وَلَمَّا هَاجَرَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْحَبَشَةِ تَخَلَّصًا مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ؛ كَانَ رضي الله عنه فِي زُمْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ.
فَلقَدْ فَرَّ مُصْعَبٌ رضي الله عنه بِدِينِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَخَلَّفَ وَرَاءَهُ مَرَابعَ الطُّفُولَةِ وَعِزَّةَ النَّسَبِ.
وَلَمَّا عَادَ مُصْعَبٌ مِنْ هِجْرَتِهِ الْأُولَى؛ أَنْكَرَهُ النَّاسُ؛ حَتَّى كَادُوا لَا يَعْرِفُونَهُ، فقد تحسف جلده تحسف الحية.
لَقَدْ رَآهُ الرَّسُولُ ﷺ مُقْبِلًا وَعَلَيْهِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:
(انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْفَتَى الَّذِي قَدْ نَوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ. لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ يَغْذُوَانه بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَدَعَاهُ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى مَا تَرَوْنَ) …
وَلَزِمَ مُصْعَبٌ نَبِيَّهُ الله لُرُومَ الظَّلِّ لِصَاحِبِهِ، وَنَهَلَّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَنْهَلَ مِن هَدْيِهِ؛ فَإِذَا هُوَ مِنْ أَحْفَظُ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَفْقَهِهِمْ بِشَرْعِ اللَّهِ، وَأَجْمَعِهِمْ الحَدِيثِ رَسُولِ الله ﷺ.
ثُمَّ تَمَّتْ بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى، وَعَادَ الْمُبَايِعُونَ الْمَبْرُورُونَ إِلَى قَوْمِهِمْ فِي الْمَدِينَةِ؛ يَدْعُونَهُمْ إِلَى دِينِ الْهُدَى وَالْحَقِّ.
لَكِنَّهُمْ مَا لَبِثُوا أَنْ شَعَرُوا أَنَّهُمْ بِحَاجَةٍ إِلَى مُبَشِّرٍ؛ أَعْلَمَ مِنْهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَدْرَىٰ مِنْهُمْ بِتَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ فَبَعَثُوا يَسْأَلُونَ الرَّسُولَ ﷺ؛ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رَجُلًا يُعَلِّمُهُمْ دينهم.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مُصْعَبًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فَكَانَ أَوَّلَ مُبَشِّرِ بِالْإِسْلَامِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ.
وَلَمَّا عَزَمَ الرَّسُولُ ﷺ عَلَى غَزْوِة أحد، حمل مصعب رضي الله عنه اللواء يوم أحد، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب رضي الله عنه، فأقبل ابن قميئة فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدُ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾، وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضربها فقطعها، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدُ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه، فقل وهو ابن أربعين سنة أو يزيد.
وَهُم المسْلمون بِدَفن اَلشهِيد …
فمَا وَجدُوا لَه كَفنَا إِلَّا ثوْبًا صغيرًا؛ فأمْر الرَّسول ﷺ بِأنَّ يُغطِّي وَجهُه بَالتِرب، وأنَّ تَستُّر رجلاه برطِّب الكَلأِ ثُمَّ وَقْف فَوقَه، وَتلَا قَولُه عزَّ وجلَّ:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.
المصدر:
1- صفوة الصفوة، ابن الجوزي، ص142.
2- صور من حياة الصحابة، د. عبد الرحمن رأفت باشا، ج2، ص389.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق