الأحد، 4 فبراير 2024

أوراق اللعبة ليست بيد أمريكا

 

أوراق اللعبة ليست بيد أمريكا

سار إلى صنع سلام أو استسلام منفردًا مع الكيان برعاية أمريكية، هذا السلام كان بداية ما حلّ بخريطة الوطن العربي، لقد فتت أنور السادات وحدة عربية تجلت في أيام حرب أكتوبر/تشرين 1973، حينما حاربت مصر وسوريا عصابات الكيان بمشاركة عربية كبيرة من معظم الدول، وعندما توحدت إرادة الأمة على استخدام سلاح البترول، فقطعته عن الدول التي تساعد الكيان الصهيوني.

ترك السادات سوريا وحدها في الحرب حين أخبر كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي عشية اليوم الثالث للحرب نيته عدم تطوير الهجوم، فتحولت الطاقات كلها للحرب على سوريا، وبعدها دخل الوطن العربي نفقًا مظلمًا طويلًا خسرنا فيه كثيرًا، واستمرت خدعة أوراق اللعبة مع الحكام العرب لنخسر العراق قي التسعينيات، وسوريا، وتصل الأمور إلى تطبيع أغلبية دول العرب مع الكيان الصهيوني لم يتبقَ منها إلا القليل جدًا المتماسك حتى الآن.

حين وصلت قناعات رئيس أكبر دولة عربية بتلك الخديعة التي تقول إن التعايش مع الأعداء سيجلب الرخاء، وإن المقاومة والوقوف بصلابة في وجه القوى الاستعمارية هي أصوات جوفاء، وإننا لا قبل لنا بمحاربة القوى العظمى، وعلينا أن نتعايش مع هؤلاء الأعداء بحثًا عن الحياة ولقمة العيش، وبعيدًا عن النضال والمقاومة من أجل الكرامة والحرية، صرخ في وجهه كل المبدعين والمثقفين والسياسيين العرب، وأطلق أمل دنقل شاعر المقاومة العربي صرخته:

لا تصالح

ولو ناشدتك القبيلة

باسم حزن “الجليلة”

أن تسوق الدهاءَ

وتُبدي لمن قصدوك القبول

سيقولون:

ها أنت تطلب ثأرًا يطول

فخذ الآن ما تستطيع:

قليلًا من الحق

في هذه السنوات القليلة

إنه ليس ثأرك وحدك،

لكنه ثأر جيل فجيل

تهور الشجعان

إلى آخر تلك القصيدة الخالدة لأمل دنقل الذي يتحدى فيها الزمن، لتكون وثيقة لكل من يحاول أن يستبدل الكرامة والكبرياء بخبز وحياة ليسا دائمين، من يحاول أن يبدل الدماء بماء تجرى فلا تروي عطشًا، من يحاول أن يطلب أمانًا للخراف من الثعلب، تلك الحيلة الدائمة التي يحاولها هؤلاء الذين لا يتوقفون عن الافتراس.

تتردد دائمًا نغمات لم يعد لدينا طاقة، الشعب تعب من الحرب، لن نهزم القوة الطاغية، ماذا أخذنا من الحروب؟ هل سنظل نحارب إلى ما لا نهاية؟ لماذا تجرونا إلى آلاف الشهداء والتخريب والتدمير؟ ألا يكفيكم ما حصل ويحصل؟ هناك مئات الآلاف من المشردين، عشرات الآلاف من اليتامى والأمهات الثكالى، وزوجات الشهداء.

العدو أكثر قوة وإعدادًا، إنهم الجيوش التي لا تقهر، ستهلكوننا جمعيًا، لماذا تفعلون هذا؟ تخلوا عن أحلامكم أن تكونوا زعماء، إلا يكفيكم ما يجري؟ ثم يسحبون من سيجارهم الفاخر نفسًا عميقًا، ويضعون قدمًا على قدم في كراسيهم الذهبية ليتشدقوا عليكم بالرحمة على أولادنا يشفقون عليهم من مصير مظلم على يد الأعداء الأقوياء.

هكذا هم دائمًا ناصحون لا يريدون سوى مصالح الشعوب، يتحدثون عن تهور الشجعان وعن حماقتهم التي لا تأخذ بعين الاعتبار أحزان الشعب وآلامه، يرتدون ثوب الناصحين وجوهرهم الخداع، وعمالة للأعداء يتخفون عنا بالنصيحة، وإن أحسنا الظن بهم فهم جبناء يتمنون العيش في جحر بعيدًا عن أي مواجهة وبلا كبرياء أو كرامة.

أصوات مشابهة لقادة المقاومة

كأني أسمع تلك الأصوات كلها تتردد الآن على هواتف قادة المقاومة الفلسطينية الباسلة في فلسطين وغزة، كأني أسمع تلك الأصوات تتسرب إلى المقاومين في الطرقات والأحياء، وفي جنبات المسارات السياسية الدائرة في الوطن العربي حينما يقابلون قادة الفصائل الفلسطينية المقاومة.

سيرددون أنتم تحاربون الغرب كله فكم ستظل مقاومتكم؟ ألا تدمع عيونكم الأطفال والنساء؟ أعطوهم أسراهم والتقطوا الأنفاس ثم عاودوا الكرة، سيقولون لهم ماذا فعلتم بعد السابع من أكتوبر؟ حطمتم ما بنيتم في سنوات، قتلتم الأطفال والنساء، ألم تكن تلك مغامرة منكم؟

تلك محاولات للقفز على انتصار المقاومة الفلسطينية وأبطال غزة من فصائل المقاومة، محاولة سحب الانتصار، وتلك أولى خطوات الأعداء في استغلال طابورهم الخامس داخل دوائر صنع القرار العربية في سحب ثقة النصر من المنتصرين، بل سحب النصر ذاته.

ثم تأتي المرحلة الثانية تأنيبهم على المقاومة والمبادرة بالحرب، ثم يبدأ الجميع في فرض شروط الأعداء عليهم وسحب مظاهر الانتصار، هكذا من صنعوا نكبة العرب الأولى بعد نصر أكتوبر 1973 يحاولون الآن في نصر أكتوبر 2023، من قالوا عن المقاومين متهورين وأصحاب الصوت العالي عبر التاريخ يعاودون الكرة مع أبطال (حماس) والفصائل الفلسطينية.

حسنًا فعل قادة الفصائل الفلسطينية في تواصلهم مع قادة (حماس) حينما أعلنوا شروطهم كاملة إيقاف كامل للحرب على غزة والضفة الغربية، انسحاب كامل لقوات الكيان الصهيوني، تبييض كامل لسجون الاحتلال من الأسرى الفلسطينيين على رأسهم قادة تاريخيون مثل مروان البرغوتي، أحمد سعدات، وعبد الله البرغوتي.

هكذا يكون القادة الرجال الذين يصنعون التاريخ، لا تنازل حتى اكتمال تحرير الوطن كاملًا، لا بديل عن دولة فلسطينية تكون عاصمتها القدس كاملة لا فيها شرق ولا غرب.

بهؤلاء القادة تكون الدول الكبيرة وتبنى الأمم الكبيرة، بمن لا يعرفون المذلة في طلب الحقوق، من يحسمون مواقفهم بشدة لا ميوعة ولا تخاذل، قادة المقاومة في فلسطين يؤمنون أن القوة في شعبهم وفي صلابة الشعب ووحدته، في المقاومة، ولا يؤمنون أن أوراق اللعبة بيد الأعداء سواء أمريكا أو الكيان الصهيوني حتى لا يضيع الوطن كما أضاع المتشدقون بذلك وطنًا كاملًا وأدخلوه في معية الكيان الصهيوني مطبعين وأتباع، ولتبقى فلسطين موطنًا للأبطال والمقاومة، وأنها نقطة نصر أمتها العربية والإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق