الخميس، 15 فبراير 2024

تمثال العجز العالمي أمام بوابة رفح

 تمثال العجز العالمي أمام بوابة رفح


هناك في قلب المحيط الهادئ وعلى بوابة الولايات المتحدة الأمريكية يوجد تمثال الحرية متمثلًا في امرأة تمثل أمريكا، وتبتسم رافعة بيدها مشعل الحرية، وقد أبدع المخرج السينمائي المصري يوسف شاهين حينما صورها في نهاية فيلمه “إسكندرية ليه” والدماء تنزف من فمها كمصاصي الدماء في الأفلام الغربية، وقد استطالت أسنانها بما يوحي بالقبح والبشاعة، والدماء تسيل من يديها وتضحك ضحكات شيطانية.

هذا الصمت العالمي أمام ما يحدث في رفح يذكرنا بتلك الدماء النازفة من التمثال الأمريكي للحرية، مليون ونصف مليون فلسطيني حشروا في بقعة صغيرة من الأرض لا تكفي قليلًا منهم، والجيش الصهيوني يقصفهم على مرأى من العالم ولا أحد يبالي.

تتحول شوارع رفح إلى شلال من الدماء، والصمت والعجز يلفان العالم، أطفال، نساء، شباب، رجال، فتيات، وسيدات تنزف دماؤهم تحت القصف الصهيوني، وكما كان صمت العالم وعجزه عن إيصال المساعدات عبر بوابة رفح، ها هو العالم يقف عاجزًا عن إيقاف مذبحة نصف سكان غزة في رفح.

وأتصور الآن المثال المصري الكبير محمود مختار أو آدم حنين -رحمهما الله-، وربما أحد المثالين المصريين وقد وقف أمام بوابة رفح بجوار قطعة كبيرة “جرانيتية”، ويبدأ في العمل بأزميره لينحت للعالم أهم تمثال يصور حال العالم في هذه اللحظة المعتمة إنسانيًا.

يتشكل هذا التمثال من الكرة الأرضية وقد كبلت بعصابة سوداء تدور حولها، أياديها مكبلة بالحديد والسلاسل، لا تستطيع الحركة، عيون زجاجية جاحظة لا ترى الآلاف ولا تشاهد الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية لأهل غزة المحاصرين برًا وجوًا وبحرًا الساكنة أمام المعبر، ولا تشعر بنهر الدماء المسال على الأرض.

تمثال يعبّر عن حالة 8 مليارات نسمة من سكان العالم لا يحركون ساكنًا تجاه بوابة خشبية تفصل بين بلدين يفترض أنهما شقيقان وتاريخهما واحد، ومع ذلك فأحدهما يمنع الماء والغذاء والدواء عن الآخر! ولا يتخذ موقفًا من القتل.

آلاف الشاحنات لا يستطيع أي رئيس لدولة في العالم أن يتوسط لينقذ طفلًا أو امرأة أو مسنًا أو عجوزًا من الموت قتلًا، ظمأ أو جوعًا، عجز رؤساء 200 دولة عن إيصال كوب لبن لرضيع ليشهد العالم سقوط شعارات حقوق الأطفال، ولتوضع خرقة سوداء على أعين مئات المنظمات التي تتشدق بحقوق الأطفال ورعايتهم.

الوصول للبوابة

المئات من السياسيين والنشطاء عجزوا عن الوصول إلى بوابة رفح وعبورها حتى لو تحملوا نتيجة العبور على مسؤوليتهم الشخصية، فهناك سد “جرانيتي” من حجر الصوان يقف على تلك البوابة التي لو دبت فيها روح لصرخت بهم جميعًا: هل انعدمت إنسانيتكم؟

الآلاف من العلماء في الأديان السماوية كافة نسوا تعاليم الأديان كلها، ولم يستطيعوا أن يأخذوا موقفًا من تلك المقتلة اليومية التي تجري على مرأى من عالم فقد إنسانيته، فعجزوا عن فتح البوابة ليصل دواء لمريض يعاني مرضًا خطرًا، أو غطاء لطفلة تعاني برد الشتاء القارس، أو حقنة تخدير لإجراء عملية جراحية.

أي عالم الذي يشاهد الموت في كل مكان ولا يتحرك لإيقاف المذبحة؟ أين علماء 157 دولة عربية وإسلامية مما يحدث على الجانب الآخر من بوابة رفح؟

الآلاف من السياسيين في هذه الدول العربية والإسلامية لا نسمع منهم إلا لغوًا وكلامًا لا يفيد مع مليونين من المحرومين من كسرة خبز تمنعها عنهم الشقيقة التي كانت كبرى، ثم مالت وعجزت وأصبحت عجوزًا شمطاء.

ألا يستطيع هؤلاء الذين لا يتوقفون لحظة عن الثرثرة عبر الشاشات كلها والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي أن يمروا بشجاعة إلى غزة ليحطموا هذا الحصار القاتل؟ أليس فيهم رجل شجاع يقود مسيرة ليفتح تلك البوابة التي يقف عليها أو يغلقها من صار قلبه “جرانيتًا” لا يشعر ولا ينبض.

أين الجمعيات الأهلية؟ أين المنظمات الحقوقية؟ أين العالم بأممه المتحدة ومجالس أمنه ومنظماتها الحقوقية؟ أين الأحزاب السياسية، الحركات الشبابية؟ المناضلون، الشيوخ، والعلماء؟ هل كبّل الكيان الصهيوني أقدامهم وأيديهم؟

عجز العالم كله

اللجنة السباعية التي شكلتها الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ألا يستطيع هؤلاء أن يتوجهوا لرفح، ويدخلوا مع شاحنات المياه والغذاء والأدوية فقط؟ لا يريد أبناء غزة أكثر من هذا، أليس في دخولهم إيقاف للقتل؟

ماذا فعلوا طوال الشهور الماضية؟ ألا يسترعي انتباه أي منهم مشاهد لقتل الأطفال والرضع في غزة؟ حرمانهم من المياه والغذاء من كوب مياه نقية أو رغيف خبز؟ ألا تحركهم المذبحة المتواصلة بعد أن نزح أهل غزة إلى أقصى الجنوب وحشروا في رفح؟

لقد كشفت بوابة رفح عن عجز العالم كله، ولكن أطفال غزة ونساءها كشفوا زيف شعارات العالم كله طوال قرن مضى، لا حق في كوب ماء نقي، لا حق في وجبة طعام متكاملة، لا حق في سكن، ملبس، تعليم، ولا هواء نقي فقد لوثته القنابل الأمريكية المحرمة دوليًا.

تم تدمير المنازل وهوجمت أماكن الإيواء، وقتل النازحون فلم يعد هناك مسكن، وتهدمت أساطير شعارات الإنسانية ممثلة في شعارات هيئة الأمم المتحدة، والعالم يتفرج ويشاهد عاجزًا.

تهدمت مؤسسات تعليمية، أكثر من 240 مؤسسة تعليمية وجامعية، فذبح الحق في التعليم على يد الجيش الصهيوني، والعالم عاجزًا.

تهدمت المساجد، أكثر من 420 مسجدًا، فلا حق في ممارسة الحرية الدينية ولا شعائر الإسلام، أين النخوة في ملوك العرب والمسلمين؟ مشايخ الأزهر ورجاله؟ من يسمع نداء الأطفال والنساء في غزة؟ لا أحد فالأمة عاجزة.

أيادينا جميعًا غرقى في دماء أبناء غزة من يستشهد فيهم برصاص الجيش الغاصب ومن يموت جوعًا أو عطشًا أو بردًا بلا منزل يأويه، كشفت غزة عن عجز مكونات الأمة العربية والإسلامية، وزيف ادعاءات العالم وشعاراته. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق