"عربي21" تحاور يحيى حامد عن اقتصاد مصر والثورة(ج1)
فراس أبو هلال
قال يحيى حامد وزير الاستثمار في عهد الرئيس مرسي، إنه يأمل بموجة جديدة من الثورة في مصر، مشيرا إلى أن النظام في مأزق، رغم قوته وسطوته الشديدة، وأن هزيمة الموجة الأولى من الثورة لا يعني هزيمتها تماما.
وأضاف حامد في حوار شامل مع رئيس تحرير "عربي21" فراس أبو هلال، أن المؤشرات الاقتصادية لمصر في تدهور كبير، وأنها تقع أسفل القائمة في معظم المؤشرات الدولية، ما يدل على أن النظام "ينصب" على الناس، وأنه يطبق سياسة اقتصادية مدمرة تسعى لسحق الطبقة الوسطى في البلاد.
ودعا حامد الأطراف المعارضة للسيسي كافة للاجتماع على هدف واحد هو إسقاط النظام، وتجاوز أخطاء وجراحات الماضي، كاشفا عن وجود تحركات من شخصيات معارضة لتكوين موقف موحد من التعديلات الدستورية التي يروج النظام لها، بهدف التمديد للسيسي في الحكم.
وفيما يلي الجزء الأول من الحوار:
كيف ترى الأوضاع في مصر بعد 5 سنوات على الانقلاب؟
يوجد زوايتان ترى منهما الأوضاع حاليا. الأول هو وضع مصر والثاني هو الوضع في الإقليم والساحة الدولية بشكل عام.
بخصوص مصر، فإن الوضع فيها غاية في السوء بعد أكثر من 5 سنوات من الانقلاب، سواء كان ذلك على المستوى الاقتصادي أو الحقوقي أو الأمني أو السياسي أو حتى النفسي مع تصاعد نسب الانتحار بشكل غير مسبوق.
في عام 2011 كان قطاع كبير من الشعب يحدوهم الأمل أن تتغير مصر وتتبوأ المكانة التي تستحقها في المنطقة والعالم. بعد الانقلاب ب 5 سنوات ترى دولة صغيرة مثل الإمارات تتحكم بالقرار المصري، وترى أيضا أن النظام يتخلى عن أراض مصرية، ونرى تطابقا تاما وليس فقط تطبيعا مع الاحتلال الصهيوني. هي إذن صفحة سوداء من تاريخ مصر، ويتطلع جزء من الشعب للتخلص منها. ولكن عندما نقرأ تاريخ الثورات فإننا ندرك أن ما تمر به مصر حاليا يشبه ما جرى في مراحل الثورة في بلاد أخرى، كما حصل في تشيلي وإسبانيا وجنوب أفريقيا وغيرها.
أما بخصوص الوضع الإقليمي فقد أدى إلى زيادة الأوضاع سوءا في مصر، لأن الانقلاب في مصر تبعته أزمات أخرى في سوريا واليمن وليبيا، وشهدت المنطقة انسحابا أمريكيا وما تبعه من دور أكبر للاعبين اقليميين في المنطقة، ومع وصول ترامب للسلطة أقام تحالفا مع محور "الشر" ممثلا بإسرائيل والسيسي ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان. وهذا مشهد معقد، ولكن المشهد غير مستقر ومن المؤكد ستتبعه تغييرات كبرى.
على ذكر التغييرات الكبرى، يرى كثير من المراقبين أن المرحلة الأولى من "الربيع العربي" وما تبعها من خسائر للشعوب وتقدم للثورة المضادة ما هو إلا مرحلة ضمن تغييرات جذرية ستشهدها المنطقة.. السؤال، هل هناك الكثير من القوى الحية في المنطقة لا يزالون يؤمنون بهذا التوصيف؟ أم أن الإحباط سيد الموقف؟
أعتقد أن هناك طريقتين للتفكير لدى القوى الديمقراطية والحية، أحدها يرى أن الموجة الثورية الأولى كسرت وأننا في حال انتظار طويلة، والآخر يرى أن ما جرى مرحلة ستمر وسيحصل التغيير بعدها خصوصا أن الثورة المضادة لم تستقر ولم تحقق نجاحات ثابتة، سواء في ليبيا أو اليمن أو مصر، ولا بد أن المتابع يدرك حجم الأموال التي تصرفها السعودية والإمارات لتثبيت الوضع في هذه الدول التي خسرت فيها الموجة الثورية الأولى ولكن دون جدوى.
وعلى الرغم من حالة القمع الشديدة، إلا أن بعض القوى الثورية لا تزال تتحرك من فترة لأخرى سواء في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان آخرها الحملة التي أطلقها الإعلامي معتز مطر- حملة اطمن إنت مش لوحدك-، وكما حدث في حالة الرد على التنازل عن تيران وصنافير. ولم يقتصر التحرك على القوى الثورية، بل إنه وصل إلى رموز النظام القديم مثل الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق اللذين أعلنا ترشحهما للرئاسة وواجها بسبب ذلك السجن والأذى.
وبالتالي أنا أرى أننا في حالة الصراع، وهي حالة قد تقود إذا لم نحسن التصرف للانكسار، ولكنني أميل أكثر للاعتقاد أن النظام في مأزق وقمع، في حين أن الشباب الذين كانوا صغارا عند قيام ثورة يناير أصبحوا الآن فاعلين ويشاركون بفعاليات رافضة للنظام مما يضطر النظام لاعتقالهم. الثورات في المنطقة لم تقم لأجل الخبز فقط، ولكن لأجل الحريات والحياة الكريمة أيضا، ولهذا لا زلت أرى أملا كبيرا بالثورة على النظام.
فيما يتعلق بالاقتصاد، وأنت كنت وزير الاستثمار في عهد الرئيس مرسي، ماذا يقلقك بخصوص مؤشرات الاقتصاد المصري؟
المؤشرات المقلقة كثيرة، منها مثلا حجم الدين الخارجي الذي وصل إلى 94 مليار دولار بينما كان عام 2013 حوالي 45 مليار دولار، أما حجم الدين المحلي فقد وصل إلى 3.8 تريليون جنيه، مع العلم أن الدين المحلي كان عند استلام السيسي للسلطة حوالي 1.8 تريليون جنيه، مما يعني أنه ضاعف الدين المحلي خلال خمس سنوات، أي أن ما استدانته مصر تحت حكم السيسي يساوي كامل حجم دين الدولة المصرية منذ تأسيسيها!
هذا التصاعد في حجم الدين حصل على الرغم من حصول السيسي على 100 مليار دولار من هبات وقروض وودائع من الدول الخليجية والصندوق الدولي. إذن، الدولة تقترض والقطاع العام يقترض والشركات الخاصة تقترض بضمان من البنك المركزي، بما يعني أن النظام يرهن مستقبل مصر وأجيالها بحجم هائل من الديون الخارجية والداخلية.
ولكن مع ذلك، هناك مؤشرات إيجابية في الاقتصاد المصري، مثل حجم النمو مثلا، ألا تشكل هذه المؤشرات نجاحا اقتصاديا؟
حتى نفهم هذا المؤشر جيدا دعنا نعود للتاريخ قليلا.كان حجم النمو في عام 2008 حوالي 7.2% ثم تراجع بعد الثورة وأثناء الحكم العسكري إلى نسبة 2-3% واستمر كذلك في فترة حكم الرئيس مرسي. أما في السنة الماضية فإن النظام يزعم أن النمو وصل إلى 5.2%، ولكنه لم يذكر مصدر هذا النمو. إن جل هذه الزيادة في النمو جاءت من الاكتشافات البترولية الجديدة، التي لم ينعكس اكتشافها على أي بند من بنود الميزانية التي تهم المواطن، بدليل أن 50% من الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر الذي حدده البنك الدولي وهو1.9 دولار يوميا.
لو افترضنا أسرة من 5 أشخاص فإنها تحتاج لدخل متوسط 5500 جنيه حتى تتجاوز حد الفقر المدقع، بينما الحد الأدنى من الأجور حوالي 2000-2500 جنيه، ثم لو نظرنا لمناطق الفقر مثل الصعيد، فإننا نجد أن 70% من المواطنين في الصعيد هم تحت خط الفقر، وفي نفس الوقت لا نجد أية مشاريع انتاجية أو تنموية تستهدف هذه الفئة من الشعب لحل أزماتهم الاقتصادية. وبدلا من التنمية فإننا نجد أن السيسي ركز على المشروعات الكبيرة "الوهمية" عندما حصل على قروض وهبات وودائع وصلت إلى 100 مليار دولار، وهذه المشروعات لا تدر أي جنيه على الاقتصاد المصري والإنتاج والتنمية، فمثلا صرف السيسي 9 مليار دولار على "تفريعة السويس"، والنتيجة أن القناة كانت تدخل على الاقتصاد عام 2014 حوالي 5.2 مليار دولار وبعد التفريعة زادت فقط 2% بدخل يصل إلى 5.3 مليار دولار مقابل استثمار هائل بلغ 9 مليارات دولار.
أما العاصمة الإدارية الجديدة التي كلفت حوالي 46 مليار دولار، فإن النظام يقول إنها خارج الميزانية، وهذا بالطبع كلام مرفوض لأن الميزانية ليست من جيب السيسي.
أما العاصمة الإدارية الجديدة التي كلفت حوالي 46 مليار دولار، فإن النظام يقول إنها خارج الميزانية، وهذا بالطبع كلام مرفوض لأن الميزانية ليست من جيب السيسي.
ومن الأرقام المفزعة أيضا بجانب الدين العام والفقرهي الأموال التي أنفقت على استيراد الأسلحة، حيث أصبحت مصر ثالث دولة في العالم استيرادا للأسلحة بقيمة تصل إلى 40 مليار دولار، دون أن يعرف هذه الأسلحة موجهة لمن في ظل العلاقات المتميزة للنظام مع دولة الاحتلال وحفتر في ليبيا، مما يؤكد أن هذا النظام يلعب دورا وظيفيا في المنطقة وأن شراء الأسلحة ما هو إلا "رشى سياسية" للحصول على دعم الدول المصدرة للسلاح لتغض الطرف عن سياسات السيسي الحقوقية والانتهاكات الكبيرة المستمرة.
بيع الأصول
ما دلالات إنشاء ما يسمى بالصندوق السيادي؟ وما تأثيراته على الاقتصاد المصري؟
يعتبر إنشاء ما يسمى "الصندوق السيادي المصري" من أشد السياسات الاقتصادية خطورة لنظام السيسي.فهذا الصندوق له صلاحيات واسعة وغريبة جدا، مثل التعامل مع "الأصول المستغلة وغير المستغلة للقطاع العام"، وهو ما يشمل طرح شركات القطاع العام التي يبلغ عدد موظفيها حوالي 300 ألف شخص للبيع، وخصوصا الشركات الناجحة. وعلى سبيل المثال تم بيع 4.5% من قيمة "الشرقية للدخان"وهي شركة ناجحة اقتصاديا لمستثمر إماراتي هو محمد العبار. وفي نفس الإطار قال وزير الاستثمار في حكومة السيسي أن الحكومة ستطرح 50 شركة من القطاع العام للتداول، ولكن الأخطر هو التوجه لطرح أهم ثلاث شركات هي الإسكندرية للحاويات، أبو قير للأسمدة، وإم بي وهي الشركة الأهم للبترول في مصر.
هذا يعني أن عشرات الآلاف قد يسرحون من أعمالهم وأن مصر لن تكون قادرة على امتلاك بعض الأصول وبعض الصناعات الاستراتيجية، وعلى الرغم من أننا حريصون على أن لا تنافس الدولة تجار القطاع الخاص ولكن هناك بعض الصناعات التي تتعلق بالأمن القومي يجب أن تبقى للدولة سيطرة عليها لأسباب اقتصادية واستراتيجية، وهذا ما يحدث حتى في دول أوروبا ذات الاقتصاد الرأسمالي.
وفي نفس الوقت، نجد أن دولا صغيرة مثل الإمارات صارت تسيطر على قطاعات اقتصادية حيوية مثل الصحة، على سبيل المثال اشترت شركات إماراتية حوالي 12 مستشفى خاصا، إضافة لعدد من مراكز الفحوص والمختبرات.
باختصار، سياسة السيسي هي طحن الطبقة الوسطى من خلال رفع أعباء المواطن، وزيادة أسعار السلع وخصوصا الأساسية منها مثل الكهرباء والغاز، إضافة لرهن حاضر ومستقبل مصر من خلال رفع الاستدانة وبيع الأصول لدول خارجية، وهناك خوف من تدويل هذه الأصول فمن يدري إذا كانت الشركات الإماراتية ستبيع هذه الأصول لشركات إسرائيلية مثلا.
ويجب أن أشير إلى أن أحد سياسات السيسي في هذه الفترة هي الزيادة الدائمة في رواتب الجيش والشرطة بلغت 12 زيادة منذ الانقلاب ووصوله للسلطة.
مصر في المؤشرات العالمية
البعض قد يشكك في المؤشرات السلبية للاقتصاد التي تذكرها المعارضة.. ما هو وضع مصر في المؤشرات العالمية؟
دعنا نرى تقييم التنافسية الدولية التي يصدره البنك الدولي مثلا، فهو يقول إن مصر من حيث تقييم المؤسسات هي في المركز 102 من 140 دولة. أما فيما يتعلق بقدرة مصر على مقاومة الإرهاب فإن مصر تقع في المركز الـ 135 على مستوى العالم، بينما حصلت على مركز 132 في مستوى حرية الصحافة، أما بخصوص استخدام التقنية في الحكم فإن مصر تقع في المركز 100. أمام في مجال السياسات الكلية الاقتصادية فإن مصر تعتبر في آخر خمس دول بالعالم حسب نفس التقرير وهي كذلك في المركز 135 فيما يتعلق بمستوى التضخم، وفي المركز 127 بخصوص مستوى الدين، أما في المجال الصحي فإن مصر في المركز 99 من 140 دولة في العالم. كل هذه المؤشرات تقول إن النظام "ينصب على الناس"!
أما العنصر الوحيد الذي تتقدم فيه مصر فهو العنصر المصري وقدرته على الاختراع "Innovation Capacity"، حيث احتلت مصر المركز 38 على العالم في هذا المجال، ولكن المشكلة أن هذه القدرات بدلا من أن تستفيد منها الدولة فإنها تهملها، ويختصر السيسي الموضوع بالتسول من خلال قوله إنه يريد المطالبة بنسبة مالية من العالم مقابل هذه القدرات في مجال الاختراع!
الاكتشافات النفطية الجديدة
ما هي أهمية الاكتشافات النفطية الجديدة؟ ولماذا لم تستفد مصر منها اقتصاديا كما يبدو من المؤشرات؟
دعنا نعود للتاريخ قليلا. لقد طلب الرئيس مرسي عام 2012 بإعادة تقييم الاتفاقيات مع شركات الطاقة العالمية الكبرى مثل بريتيش بيتروليوم وإيني الإيطالية وغيرها، وبدأت بالفعل وزارة البترول في نهاية السنة التي حكم فيها مرسي بالجلوس مع الشركات لمراجعة الاتفاقيات لأن فيها خللا، ولعل هذا يفسر دعم الدول الغربية للسيسي لأنها لا تريد رئيسا مصريا مثل مرسي يمتلك الإرادة.
أما بخصوص السيسي، فقد أعلن عن هذه الاكتشافات حتى يسجل إنجازات وهمية باسمه، ونحن على كل سعداء باكتشافات الطاقة لأنها ملك للشعب المصري، أما مشكلتنا الحقيقية فهي عدم وجود شفافية ومعلومات واضحة حول الاكتشافات، فلا نحن نعرف حجمها ولا طبيعة الاتفاقات مع شركات الطاقة العالمية، وحتى الآن لم نستفد منها في الاقتصاد المصري. وبالتالي فإن الاكتشافات بحد ذاتها ليست إنجازا، ولكننا نريد معرفة طبيعتها وعوائدها على المواطن المصري، لأن السيسي يتحكم فيها ويتصرف كأنه المالك لها، وحتى الآن لم نر أي مدخول منها في الميزانيات، ومع كل هذه الاكتشافات لا تزال مصر تستورد الغاز من دولة الاحتلال.
إذن المشكلة هي في الشفافية فيما يتعلق بالاكتشافات وليس بطبيعة التعاقدات مع الشركات العالمية المستثمرة فيها؟
إذن المشكلة هي في الشفافية فيما يتعلق بالاكتشافات وليس بطبيعة التعاقدات مع الشركات العالمية المستثمرة فيها؟
نحن لا نعرف هذه التعاقدات وطبيعتها بسبب غياب الشفافية، ولكنني أعتقد أن التعاقدات مجحفة بحق مصر بالتأكيد. مشكلتنا الحقيقية أنه لا يوجد من يمثل الشعب المصري ويدافع عن حقوقه، ولا يوجد أي معلومة عن خيرات البلد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق