الأحد، 4 أغسطس 2019

وصف مصر بالإنجليزية الذي لم ينل حظ وصف مصر بالفرنسية



وصف مصر بالإنجليزية الذي لم ينل حظ وصف مصر بالفرنسية


د. محمد الجوادي
لم يكن التنافس البريطاني الفرنسي يقف عند حد فقد كانت هاتان الحضارتان تسعيان بكلّ قوة إلى وضع بصماتهما على كل شيء وأن تكون بصمة حضارتها مُتميزة عن بصمة الحضارة الأخرى، وعلى الرغم من أن تاريخ العلم وتاريخ الحضارة يدمجان كل آثار هاتين الحضارتين ضمن ما يسمى إجمالا بالحضارة الغربية المعاصرة فإن المُنشغلين بالعلم يعرفون أن الاختلافات الجوهرية بين الحضارتين قادرة على أن تُعطي ملامح شخصية مختلفة تمام الاختلاف عن الأخرى بدءاً بالجذور النفسية ووصولاً إلى أسلوب القياس وتقييم المقادير، واتجاه المرور، وبناء المحركات والطُرق ....الخ.

وعلى وجه الإجمال فإنه بعيداً عن الفروق التي تحدّث فيها كثيرون عن الفروق بسبب اللغة فإننا نستطيع أن نلمح أن الإنجليز يفضّلون الانفاق على الكباري على حين يُفضل الفرنسيون الكباري على الإنفاق، ومن الطريف أن هذا التبسيط الشديد للفروق بين تعامل الحضارتين مع الجسور المعرفية يتمثل بطريقة واضحة في كتاباتهم عن مصر فبينما نجد شهرة واسعة يتمتع بها كتاب "وصف مصر" الذي وضعته مجموعة العلماء المرافقين لنابليون في محاولته الاستعمارية المُسمّاة بالحملة الفرنسية، فإننا في المُقابل لا نكاد نعرف الكثير عن كتاب أو موسوعة انجليزية باسم وصف مصر على الرغم من أننا جميعاً ننقل عن بعض الكتب المأخوذة منها وبخاصة ذلك الكتاب الشهير "المصريون المحدثون، عاداتهم وشمائلهم"، والذي صدر 1832 وطبع في طبعات عربية متعددة، يُمثل هذا الكتاب الذي ينتمي إلى طائفة الكتب الأنثروبولوجية الاجتماعية مصدراً مهماً نقل عنه كثيرون واحتذى (من هم أكثر منهم) طريقته في وصف المصريين وعاداتهم وشمائلهم.

أما مؤلف الكتاب فهو ادوارد ويليام لين (1801 ـ 1876) الذي يكاد يكون مُعاصراً تماماً لرفاعة الطهطاوي (1801 ـ 1873) وقد بدأت زيارته لمصر في 1825 وجاءها مرة أخرى قبل 1836 ومرة ثالثة ما بين 1842 ـ 1849 وهي أطول فترات إقامته في مصر وقد حولت بريطانيا حكومة وأفراداً سفرياته العلمية التي استهدفت وضع هذه الموسوعة التي لم تر النور حتى الآن وإن كان الاطلاع عليها مُتاحاً في بريطانيا.
  

وقد ارتبط بعمل ادوارد وليام ليم نشاط معرفي كان من الطبيعي أن يشغل أمثاله من الذين يُمارسون النشاط الأدبي والعلمي فقد نشر ترجمة ألف ليلة وليلة 1838 ـ 1841، كما نشر في 1842 تراجم لبعض أجزاء من القرآن الكريم تحت عنوان مُختارات من القرآن وعلى عادة العائلات الإنجليزية في مواصلة جهود أسلافهم فإن صوفيا لين بول التي هي شقيقة إدوارد لين نشرت بعضاً من جهوده في كتابها المُعنْون "امرأة انجليزية في مصر" (1844 ـ 1846) أما ستانلي لين بول الذي تفوق شهرته عند المصريين شهرة خاله فقد نشر في 1896 كتابه الشهير: مصر منذ خمسين عاماً.

بدأت ثقافة ادوارد لين بتعلم الحفر وامتدت منه إلى التصوير، وقد تضمّنت أعماله صوراً شهيرة لمصر والمصريين في تلك الفترة التي عاشها في المجتمع المصري، وتبلُغ هذه اللوحات المعروفة والمتداولة على نطاق واسع أكثر من مائة لوحة تجمع بين الفن والأفق والتميز والموضوع، وقد كنت ولا أزال أشير باستخدام الصور المستنسخة منها في فنادقنا ونوادينا ومفكراتنا وأجنداتنا، كذلك فقد شرع ادوارد لين في وضع القاموس الإنجليزي العربي الذي يُصور معاني الكلمات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهو أكثر مصادر شهرته.

ومن طريف ما يروى في تاريخ ادوارد لين أنه عايش الفترة التي انتشر فيها الطاعون في الأقصر (1835) في أثناء زيارته الثانية لمصر، وأنه عاش في مصر تحت اسم منصور أفندي، وأنه تزوج من سيدة يونانية، كان ادوارد لين قد تعامل بطريقة بديعة مع مُعجم "تاج الرؤوس" الذي وضعه الشيخ مرتضى الزبيدي، واعتمد عليه تماماً في وضع مُعجمه الكبير، وكانت أكثر التعليقات التي أضافها حصيلة لدراسته لمُعجم لسان العرب (لابن منظور) والقاموس للفيروز ابادي، كان ادوارد لين ومن عاونوه يستهدفون بكُتُبه أن تكون موسوعة عن العادات والمجتمع، وقد كتب مقالتين مُهمتين للمجلة الجمعية الشرقية الألمانية التي كان عضواً بها كما كان عضواً مُراسلاً في المجمع الفرنسي. أما مذكرات ادوارد لين هو نفسه فقد نُشرت أولاً في مقدمة الجزء السادس من مُعجمه ثم نُشرت منفصلة 1877 وهكذا تحولت قيمة ادوارد لين من التأليف الموسوعي الذي خطّط له في البداية إلى التأليف المعجمي الذي نجح فيه.

عمل ستانلي لين بول (1854 ـ 1931) أن يعمل في المتحف البريطاني منذ 1874 وحتى 1892 ثم شغل كرسي أستاذية الدراسات العربية في جامعة دبلن ما بين 1897 و1904 وترك من الدراسات والمؤلفات ما يتصل بمصر: الحياة الاجتماعية في مصر: وصف للمدينة وناسها (1884) تاريخ مصر في القرون الوسطى (1906) كما ترك من كتب التاريخ الإسلامي المهمة كتاب قصة العرب في إسبانيا الذي ترجمه الشاعر الكبير علي الجارم وقصة المورسيكيين في إسبانيا (1886) والهند في القرون الوسطى (1903) مصر (1881) وكتب أيضاً القرآن: لغته الشعرية وقوانينه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق