عدو الولايات الأمريكية المتحدة الأخطر داخلها وليس فى الخارج
د.صلاح الدوبى
الأمين العام لمنظمة اعلاميون حول العالم
جنيف – سويسرا
عمال الشغب التي وقعت في مبنى الكونغرس الأمريكي شكلت صدمة حقيقية للأمريكيين الذين يركزون عادة معظم اهتمامهم على التهديدات الخارجية. والشاهد هنا أن المحاولة الضمنية للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب لقلب نتائج الانتخابات والاحتفاظ بالسلطة من خلال أساليب غير نظامية تنطوي على التهديد الأشد وطأة للديمقراطية التمثيلية في أمريكا منذ عصر الحرب الأهلية.
أول هذه الدروس يتعلق بوضع أنواع التهديدات التي من المفترض أن تواجهها سياسة الأمن الخارجي والقومي في منظورها الصحيح. وتجعل هذه الأحداث المهتمَ يدرك بأن كثيراً من التهديدات والتهديدات المفترضة التي تشغل حيزاً كبيراً من النقاشات ذات الصلة هي في واقع الأمر أقل أهمية بكثير للولايات المتحدة مما قد يوحي به طول المناقشات واحتدامها. فعلى سبيل المثال، ومقارنةً بما حرَّض دونالد ترامب أنصاره على فعله، ما مقدار الضرر الذي يمكن، مثلاً، أن تلحقه طالبان أو النظام الإيراني بالنسيج الاجتماعي والسياسي لأمريكا؟
لذا، بالاستفادة من منظور يلتفت إلى هذه العوامل، فإن الدرس الأول الذي يجب استخلاصه هو الاحتكام إلى قياس مناسب لحجم التهديدات الخارجية عند الموازنة بين تكاليف ومخاطر التدابير المصممة، بحسب المفترض، لمواجهتها، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، التدابير العسكرية. وساعتها سيتبين أن بعض التهديدات المفترضة لا تستحق بوضوح هذه التكاليف والمخاطر.
إن ثمة درساً آخر يتعلق بطبيعة الأمن القومي نفسه، ففي كثير من الأحيان يجري التعامل مع الأمر على أنه نوع من الألعاب التي تدار عبر الطاولة الجيوسياسية، في نوع من تسجيل الانتصارات والخسائر وهكذا، حيث تحتل هذه القوة أو تلك مربعات على اللوحة. والمشكلة الأبرز في ذلك هو أن الخطاب السياسي غالباً ما يغفل أثناء تركيزه على تلك التهديدات، إن وجدت، عما يدور حوله الأمن القومي الأمريكي حقاً، وهو أمن وصحة ورفاهية الشعب الأمريكي.
إضغط على اليوتيوب حتى ترى الفيديو كامل
الخطر الحقيقي للأمن القومي للولايات المتحدة
بالتالي فإن الأساس المتين الذي تستند إليه حكومة الولايات المتحدة لتعزيز أمن وصحة ورفاهية الشعب الأمريكي هو قدرة هذا الشعب على اختيار من سيحكمه ويصنع سياساته في انتخابات حرة نزيهة. ومن ثم فإن الهجوم على أصل قدرة الشعب الأمريكي على اختيار قادته على هذا النحو والذي كان الهجوم المادي على مبنى الكونغرس علامة رمزية عنيفة عليه هو بطريقة أساسية تقويض للأمن القومي للولايات المتحدة.
كان مسؤولون محترفون في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ووزارة الأمن الداخلي قد أشاروا بالفعل إلى أن المتطرفين اليمينيين، وتحديداً المجموعات المؤمنة بتفوق العرق الأبيض، تشكل التهديد الأكبر فيما يتعلق بإثارة العنف المحلي بدوافع سياسية. غير أن مقاومة إدارة ترامب للاعتراف بهذه الحقيقة أفضت إلى اختزال الأمر في بعض التحذيرات والتوجيهات المخففة، وهو ربما ما كان له دور في الانهيار الأمني الشامل الذي وقع في أحداث مبنى الكابيتول.
ومع ذلك، فإن ثمة سياسات تكمن وراء صعوبة مواجهة التهديدات الإرهابية المحلية، من ناحية أخرى. إذ إن مكتب التحقيقات الفيدرالي لديه فرصة أفضل في مراقبة وتحييد المجموعات المنظمة المعروف اسمها وتوجهها مقارنةً بالأفراد غير المنظمين الذين قد يستجيبون لتحريض غوغائي في أي وقت. ويبدو أن هؤلاء الأفراد من النوع الأخير هم من قاموا بمعظم أعمال التخريب في مبنى الكابيتول.
لقد لوحظ كثيراً خلال السنوات الأربع الماضية أن الضرر الذي ألحقه ترامب وأتباعه بالجمهورية أقل مما كان يمكن أن يكون، وذلك لأن ضغائنهم العميقة هذه يأتي معها افتقارهم إلى الكفاءة في تنفيذ ما يسعون إليه.
الضربات الداخلية أشد خطراً على أمريكا من أعدائها الخارجيين
من جهة أخرى، فإن العودة إلى التهديدات الخارجية تلفت إلى ملاحظتين أخريين حول التمرد والعلاقات الخارجية الأمريكية. فالضربات المحلية التي تلحق بالديمقراطية الأمريكية تُضعف الولايات المتحدة في أي منافسة مع القوى العظمى الأخرى. وعندما كشف عن التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، كان السؤال الذي نوقش كثيراً هو ما إذا كان الهدف الرئيسي لفلاديمير بوتين هو انتخاب ترامب أم زرع الفوضى في الديمقراطية الأمريكية. ومع ذلك فقد مُحي أي تمييز بين الهدفين منذ فترة، وذلك لأن ترامب هو أقوى سلاح لبوتين في زرع الفوضى. وهكذا عند رؤية مشاهد الفوضى في مبنى الكونغرس وكل ما تواطأ ترامب عليه لتشويه سمعة انتخابات أخرى، سيتبادر إلى ذهنك أن بوتين لا بد وأنه يشاهد مبتسماً ما يحدث.
القفز من السفينة قبل غرقها بالكامل.. رجال ترامب ينفضون من حوله
أسرع بعض المسؤولين، وبينهم وزيرتان، إلى الهرب من سفينة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، بعدما أشعلت أحداث اقتحام مبنى الكونغرس الدعوات المطالبة بعزل ترامب الذي قد يواجه، بحسب تصريحات فيدرالية، تحقيقات حول مسؤوليته في تأجيج العنف والفوضى في سابقة ليلة الأربعاء الساخنة في واشنطن.
استقالات في أعلى المستويات
وزيرة النقل الأمريكية إيلين تشاو، كانت أول من أعلنت استقالتها من طاقم ترامب الوزاري، غداة اقتحام أنصار ترامب الكابيتول، تبعتها، وزيرة التعليم بيتسي ديفوس.
تشاو قالت في بيان نشرته على حسابها عبر تويتر “أعلن اليوم استقالتي من منصبي وزيرة للنقل”، مؤكدة أنها اتخذت هذه الخطوة لأن ما حدث في الكابيتول كان “حدثاً صادماً وكان يمكن تجنّبه تماماً”، وقد أزعجها كثيراً إلى درجة أنها لا تستطيع تجاهله.
وتشاو هي زوجة زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.
فيما قالت الوزيرة ديفوس في رسالة وجّهتها إلى ترامب وتلقى عدد من وسائل الإعلام الأمريكيّة نسخة منها “لا يُمكن إنكار أن خطابكم كان له تأثير على الوضع، وهذا كان نقطة تحوّل بالنسبة إليّ”.
إلى جانب ذلك، أعلنت رويترز استقالة أربعة مستشارين كبار في مجلس الأمن القومي الأمريكي، الجمعة 8 يناير/كانون الثاني، وذلك على خلفية اقتحام مؤيدي الرئيس دونالد ترامب الكونغرس.
وذكرت وكالة “رويترز”، نقلاً عن مسؤول كبير في الإدارة وشخص مطلع على الأمر، أن الاستقالة الجماعية تأتي في إطار سلسلة استقالات متزايدة لمساعدي ترامب.
بحسب الوكالة المسؤولين الأربعة هم: إيرين والش كبيرة مديري الشؤون الإفريقية، ومارك فاندروف مدير أول لسياسة الدفاع، وأنتوني روجيرو المدير الأول لأسلحة الدمار الشامل، وروب جرينواي مدير أول لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
استقالة مدير الشرطة وتحقيقات سوف تشمل ترامب
من جانبه، قدم رئيس شرطة الكونغرس الأمريكي ستيفن سوند استقالته غداة اقتحام المبنى من قبل مؤيدين للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، وذلك بعد ساعات من مطالبة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي بتنحي قائد شرطة الكونغرس.
يأتي ذلك في الوقت الذي قال القائم بأعمال المدعي العام الفيدرالي للعاصمة واشنطن مايكل شروين إن التحقيقات التي أطلقت بشأن عملية الاقتحام ستشمل ترامب أيضاً، وسط مخاوف على الأمن القومي بعد سرقة مواد من مكاتب الكونغرس.
أشار شاروين إلى أن التحقيقات لا تشمل الأشخاص الذين اقتحموا المبنى فحسب، بل أيضاً من ساعدوهم أو من لعبوا دوراً في ذلك، بحسب ما أشارت صحيفة “washington post” الأمريكية.
ترامب وعلاقاته مع مصر وديكتاتور ترامب المفضل عبد الفتاح السيسى
في أغسطس/آب 2019، وقبيل لقائهما على هامش قمة “مجموعة السبع” حينها، نقلت صحف ووسائل إعلام أمريكية أن ترامب وخلال وقوفه وسط عدد من المسؤولين الأمريكيين والمصريين، نادى بينهم بصوت عالٍ قائلاً: “أين ديكتاتوري المفضل؟”، في إشارة إلى عبدالفتاح السيسي.
كانت تلك الحادثة تدل على طبيعة العلاقة التي حظي بها السيسي مع ترامب، وهو ما اعتبره أمريكيون غض طرف من واشنطن عن أي انتهاكات قد تقع على يد النظام المصري. وطوال سنوات ترامب، كان السيسي يتمتع بعلاقات قوية ومتينة مع ترامب على الرغم من تعالي بعض الأصوات الأمريكية المنتقدة لملفات حقوقية في مصر وسجن عشرات آلاف من الناشطين والمعارضين.
العلاقات مع السعودية وولى العهد محمد بن سلمان
تعرضت العلاقات بين واشنطن والرياض لانتقادات شديدة طوال السنوات الأربع الماضية، إذ كان ترامب يتمتع بعلاقة وطيدة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بلغت ذروتها بتوقيع اتفاق لبيع أسلحة أمريكية للرياض بقيمة 110 مليارات دولار ستصل إلى 350 ملياراً خلال الفترة حتى عام 2027.
وعلى الرغم من اعتراض الكونغرس على استمرار بيع تلك الأسلحة لكل من السعودية والإمارات العربية المتحدة نظراً لدور الدولتين في التحالف المشارك في حرب اليمن، وما نتج عنها من خسائر ودمار، فإن ترامب استمر في تزويد الدولتين بالسلاح طبقاً للاتفاقات المسبقة.
كذلك أدت أزمة مقتل الكاتب السعودي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018 إلى تعالي الأصوات داخل الكونغرس بشأن الملف الحقوقي للمملكة، وهو ما تغاضت إدارة ترامب عن الخوض فيه، إذ عمل ترامب بقوة على حماية صديقه “الأمير المتهور” والتغطية عليه برغم جميع التحقيقات الأممية والاستخباراتية الأمريكية التي توصلت إلى أن ولي العهد السعودي هو المسؤول الأول عن تصفية خاشقجي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق